جديد الرسائل

الخميس، 30 أكتوبر 2025

(3) سلسلة محاسن الاسلام

                           من محاسن الإسلام

قال شيخ الإسلام في « العقيدة الواسطية» في صفات أهل السنة والجماعة: وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم...، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ؛ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بُالْحُمَّى وَالسَّهَرِ».

قوله: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ) أي: الإيمان الكامل.

(تَوَادِّهِمْ) قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»(6011): وَتَوَادُّهُمْ بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ، وَالْأَصْلُ التَّوَادُدُ فَأُدْغِمَ، وَالتَّوَادُدُ تَفَاعُلٌ مِنَ الْمَوَدَّةِ.

وَالْوُدُّ وَالْوِدَادُ بِمَعْنًى وَهُوَ: تَقَرُّبُ شَخْصٍ مِنْ آخَرَ بِمَا يُحِبُّ. اهـ.

وقوله: (تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ) هي عبارات متقاربة تواد تراحم تعاطف.

(إِذَا اشْتَكَى) أي: تألم.

(تَدَاعَى) دعا بعضه بعضًا في الألم.

(سَائِرُ) بمعنى: الباقي.

قال الطيبي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح المشكاة»(10/3176): ووجه التشبيه فيه هو التوافق في المشقة والراحة والنفع والضرر. اهـ.

فالمؤمن يسعد لسعادة أخيه، ويسر لسروره، ويحزن لحزنه، ويبذل تعاونه معه.

فهذا فيه التوافق بين المسلم وأخيه المسلم.

 وهذا من يتصف به؟ المؤمن كامل الإيمان، أما ضعيف الإيمان فضعيف في هذه الصفة، وقد يكون عنده-والعياذ بالله-شماتة بأخيه المسلم إذا أصيب، إذا فقد حبيبًا، إذا تضرر، وهذا من صفات المنافقين.

وفي هذا الحديث وما في معناه: الحث على تحقيق الأخوة الإيمانية، وأن رابطة الإيمان قوية أقوى من رابطة النسب، رابطة النسب قد تضعف وقد تزول، كما قال تَعَالَى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)﴾ [المجادلة: 22 ولهذا في أكثر من دليل  أُطلِق النفس على الأخ، كقوله تَعَالَى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)﴾ [النور: 61] يدخل فيه الأخ، أي: إخوانكم، ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)﴾ [النساء: 29] أيضًا يدخل فيه الأخ، ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)﴾ [النور: 12 وقال سُبحَانَهُ: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات: 11 وقال تَعَالَى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾[ البقرة:188]، أي: أموال إخوانكم، وهذا يدل على قوة الأخوة في الله سُبحَانَهُ، وهذا من فضائل الإسلام وهداية القرآن.

قال الشنقيطي في «أضواء البيان» (٤١/٣): وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ هَدْيُهُ إِلَى أَنَّ الرَّابِطَةَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَرْبِطُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، وَأَنْ يُنَادَى بِالِارْتِبَاطِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا إِنَّمَا هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَرْبِطُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، حَتَّى يَصِيرَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الرَّابِطَةِ جَمِيعُ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ كَأَنَّهُ جَسَدٌ وَاحِدٌ، «إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

 فَرَبْطُ الْإِسْلَامِ لَكَ بِأَخِيكِ كَرَبْطِ يَدِكَ بِمِعْصَمِكَ، وَرِجْلِكَ بِسَاقِكَ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِطْلَاقُ النَّفْسِ وَإِرَادَةُ الْأَخِ؛ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ رَابِطَةَ الْإِسْلَامِ تَجْعَلُ أَخَا الْمُسْلِمِ كَنَفْسِهِ، ثم ذكر أدلةً في هذا المعنى.

فهنا الشنقيطي رَحِمَهُ اللهُ يقول: الأخ بمنزلة معصمك من يدك، ورجلك من ساقك، أخذه من حديث أبي موسى والنعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.

 المعصم: موضع السوار من يد المرأة، فالأخ-أي: الأخ في الله-كأنه جزء من الجسد.

قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح الواسطية»(2/308): أي: أنهم يشتركون في الآمال والآلام، فيرحم بعضهم بعضًا، فإذا احتاج؛ أزال حاجته، ويعطف بعضهم على بعض باللين والرفق وغير ذلك...، ويود بعضهم بعضًا، حتَّى إن الواحد منهم إذا رأى في قلبه بغضاء لأحد من إخوانه المسلمين؛ حاول أن يزيله، وأن يذكر من محاسنه ما يوجب زوال هذه البغضاء.

فالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، ولو من أصغر الأعضاء؛ تداعى له سائر الجسد؛ فإذا أوجعك أصبعك الخنصر الَّذي هو من أصغر الأعضاء؛ فإن الجسد كله يتألم...، إذا أوجعتك الأذن تألم الجسد كله... وإذا أوجعتك العين تألم الجسد كله... وغير ذلك؛ فهذا المثل الَّذي ضربه النبي عليه الصلاة والسلام مثل مصور للمعنى ومقرب له غاية التقريب. اهـ.

وهو من الأدلة في نبذ التفرق، والحرص على جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفهم.

[مقتطف من دروس الواسطية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]

(2) سلسلة محاسن الاسلام

 

                          من محاسن الإسلام

قال شيخ الإسلام في « العقيدة الواسطية» في صفات أهل السنة والجماعة: وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ؛ يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا»، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.

قوله: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ» أي: المؤمن كامل الإيمان، هذا يكون لصاحبه كالبنيان، تماسك وقوة ورحمة.

«يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا» قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح الواسطية»(2/307): شبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المؤمن لأخيه المؤمن بالبنيان الَّذي يشد بعضه بعضًا؛ حتَّى يكون بناء محكمًا متماسكًا يشد بعضه بعضًا، ويقوى به، ثم قرَّب هذا وأكده، فشبك بين أصابعه. فالأصابع المتفرقة فيها ضعف؛ فإذا اشتبكت قوَّى بعضها بعضًا؛ فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا؛ فالبنيان يمسك بعضه بعضًا، كذلك المؤمن مع أخيه إذا صار في أخيه نقص؛ فإن هذا يكمله؛ فهو مرآة أخيه، إذا وجد فيه النقص كمَّله، إذا احتاج أخوه ساعده، إذا مرض أخوه عاده... وهكذا في كل الأحوال. فأهل السنة والجماعة يعتقدون هذا المعنى ويطبقونه عملًا. اهـ.

وفي هذا ما روى الإمام مسلم (2699) عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

وعن عَبْداللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه البخاري (2442 ومسلم (2580).

فالذي يسعى في قضاء حوائج أخيه، الله عَزَّ وَجَلَّ يتولى قضاء حوائجه، وهذا تشجيع وترغيب في قضاء حوائج الأخ المسلم حتى في العلم، بل العلم أعظم ما يكون التعاون فيه، فالعلم تبذله طالبة العلم، وتعين من احتاجت لها في حدود ما تعلم، هذا فضله عظيم، والجزاء من جنس العمل، من أعان غيره أعانه الله.

وقوله: (وشبك بين أصابعه) استفدنا من تعليق الشيخ ابن عثيمين أن الأصابع المتفرقة يكون فيها ضعف، فممكن يكسرها أدنى شيء، لكن إذا كانت مجتمعه وانضم بعضها على بعض، فيها قوة لا تنفك بسرعة.

قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في فتح الباري» في فوائد حديث أبي موسى(6026): وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي يُرِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي بَيَانِ أَقْوَالِهِ يُمَثِّلُهَا بِحَرَكَاتِهِ؛ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ. اهـ.

هذا الحديث من ضرب الأمثال. قال ابن الجوزي رَحِمَهُ الله في «كشف المشكل» (1/316): الأمثال حِكْمَة الْعَرَب، بهَا ينْكَشف الشَّيْءُ الْخَفي.

[مقتطف من دروس الواسطية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]

 


(54) تربية الأولاد

 

حث الأهل والأولاد على الوتر

 

قال الشيخ ابن عثيمين في «شرح بلوغ المرام»(2/236): ينبغي للإنسان أن يوتر، وأن يرشد أهله أيضًا إلى الوتر؛ لأن كثيرًا من النساء في البيوت والأولاد الذين لم يقرءوا يظنون أن الوتر ليس بمؤكَّد، فينبغي أن نبلغ أهلنا بأن الوتر سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان أن يدعه.

(57) الآداب

 

                 مِنْ أعلى ما تحتمله الأخوة الإيمانية

قال شيخ الإسلام في « العقيدة الواسطية» في صفات أهل السنة والجماعة: وَيَدِينُونَ بِالنَّصِيحَةِ للأُمَّةِ.

دان بالإسلام دينًا بالكسر تعبَّد به، وتدين به كذلك. كما في «المصباح المنير»(205).

 

النصيحة: بذل الخير للمنصوح له. كما قال الخطابي.

 

وهذا من طريقة أهل السنة والجماعة النصح للأمة.

 وقد ذكر الله تَعَالَى عن عدد من أنبيائه نصحهم لأممهم، قال تَعَالَى: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)﴾ [الأعراف: 79 ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)﴾ [الأعراف: 68].

 وروى البخاري (57 ومسلم (56) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ».

وعن أبي رقية تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم (55).

 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ سِتٌّ»، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ» رواه مسلم (2162 وأصله في البخاري (1240) بدون «وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ»، أي: طلب النصيحة.

 وهذا من أعلى ما تحتمله الأخوة الإيمانية، وكما قال الشيخ ابن باز رَحِمَهُ الله في «مجموع فتاواه» (14/21) في بيان من هو الأخ الحقيقي: فأخوك من نصحك وذكَّرك ونبَّهك، وليس أخوك من غفل عنك وأعرض عنك وجاملك. اهـ.

وفي المَثَل: صديقُكَ مَن صدقَكَ لَا من صَدَّقك.

قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح العقيدة الواسطية»(2/306): فإذا قال قائل: ما هو ميزان النصيحة للأمة؟ فالميزان هو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام؛ بقوله: «لا يؤمن أحدكم حتَّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، فإذا عاملت الناس هذه المعاملة؛ فهذا هو تمام النصيحة.

فقبل أن تعامل صاحبك بنوع من المعاملة فكِّر، هل ترضى أن يعاملك شخص بها؟ فإن كنت لا ترضى؛ فلا تعامله! اهـ.

وهذا يحتاج إلى قلب نظيف خال من الحسد والغل والحقد، وقليلٌ ما هم.

وفي ترجمة الشيخ ابن باز من كتاب «الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز» (282) لعبدالرحمن بن يوسف الرحمة: أن الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان سألَ الشيخ ابن باز: لماذا نجد لكَ كلَّ هذا القبول والحُبِّ في قلوب الناس؟

غير أن الشيخ ابن باز رحمه الله لم يجبْه ورغِب الإعراض عن مثل هذا السؤال، إلا أن الشيخ عبد العزيز السدحان ألحَّ عليه في ذلك، موضِّحًا أن الغاية من هذا أن يستفيد الجميع، فكان ما قاله رحمه الله: إنني لا أحمل في قلبي شيئًا.

[مقتطف من دروس العقيدة الواسطية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]

(94) اللغة العربية

 

                                معاني(رأى)

 

 

رأى تأتي لعدة معاني، منها:

 

العلم والظن. قال تَعَالَى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7))﴾ [المعارج]،، { يَرَوْنَهُ }أي: يظنونه. { وَنَرَاهُ }أي: نعلمه.

 وأفاد الأشموني في «شرح ألفية ابن مالك» (2/27): أن «رأى» بمعنى: علم هو الكثير، وبمعنى ظن قليل. اهـ.

 

وتأتي بصرية، أي: رؤية بالبصر، قال الله تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَاني [الأعراف: 143]، أي: لن تراني ببصرك في الدنيا.

 

وتأتي حُلْمية، يقال: رأيت في منامي كذا.

 

وتأتي بمعنى: الرأي، والتي بمعنى الرأي، كما في «حاشية يس على شرح قطر الندى» (2/51): تارة تتعدى لمفعولين، كـ «رأى أبو حنيفة كذا حلالًا»، وتارة إلى واحدٍ هو مصدر، ثانيهما مضافًا إلى أولهما، كـ «رأى أبو حنيفة حِلَّ كذا». اهـ.

 

وبمعنى: إصابة الرئة، نحو: ضربه فرآه، أي: أصاب رئته، وتتعدَّى إلى مفعول واحد. ينظر «شرح الأشموني» (1/350).

(180) مذكرة في سيرة والدي الشيخ مقبل رحمه الله

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

رحم الله والدي وغفر له لقد كان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر أينما كان ومع كلِّ من جالس:

فمع كبار السِّن والعوام، من تكلم بشيء أو تصرف بما يخالف الشرع ينكر عليه؛ لأن دعوة أهل السنة شمولية وليست خاصة بالمثقفين، فمثلًا: إحدى النساء عامية كان عندها شكوى فتكلمت مع والدي، وقالت: الله ومعه، فأنكر عليها، وقال: الله ليس معه أحد، يقول الله تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)﴾ [الجن: 18].

ومع الصغير إذا رأى بذاءة منه أو رأى مخالفة منه ينكر عليه، هذا كان ديدنه رَحِمَهُ اللهُ، فمثلًا: إذا رأى اللباس طويلًا مسبلًا، يقول: ثوبك مسبِل، فحتى الصغار يُربَّون على آداب الإسلام من صغرهم، وما كنا في دماج نُقَمِّصُ أولادنا أقمصة طويلة، ومن فضل الله ذلك الجو يعين على التمسك بالسنة، ونسأل الله الثبات أينما كنا.

ومع طلابه ينكر عليهم، وجلوسه معهم جلوس علم وموعظة وتربية، شأن الربَّانيَّين، وعلى مستوى الأخطاء وإن لم تكن داخلة في المنكر. فمثلًا: كان ينكر كثرة السفريات لطالب العلم؛ لأنها تضيع عليه وقته إلا لحاجة، وربما قال لبعض طلبة العلم: ما أحوجك أن تربط في سارية من سواري هذا المسجد! يقول له هذا؛ من أجل أن يتفرغ لطلب العلم.

ومع أهله لقد كنَّا نستقبله عند دخوله البيت فيُتحفُنا بالعلم والمذاكرة والنصيحة، حتى الأشياء المستحبة يأمرنا بها، فمثلًا: مرة كانت يدي اليمنى مشغولة بشيء فتناولت باليسار، فقال: باليمين. وهذا الشيء قد نخطئ فيه إذا كانت اليد اليمنى مشغولة فربما نتناول باليسار.

ومع مشايخه في بعض الاختلافات كان يناصحهم، من أمثلة ذلك:

 لما أفتى الشيخ الألباني بجواز الانتخابات في الجزائر، فذهب والدي من دماج إلى صعدة بنحو ربع ساعة إلى عشرين دقيقة؛ إذ الطرق ترابية ليست مزفلتة، فذهب لأنه لم يكن هناك في دماج هواتف، واتصل بالشيخ الألباني، وقال له: يا شيخ لماذا أبحتَ لأهل الجزائر الانتخابات؟

فقال له الشيخ الألباني رحمه الله: أنا ما أبحتُهَا، ولكن من باب ارتكاب أخف الضررين. فدار كلام بينهما، وكان والدي يقول: ننظر هل حصل في الجزائر أخف الضررين أم حصل أعظم الضررين؟!

ووالدي ينكر الانتخابات، وله بعض الأشرطة في ذلك، فالانتخابات جاءتنا من أعداء الإسلام.

ومع أهل البدع ينكر عليهم، سواء كانوا رافضة أو صوفية أو إخوانية أو تبليغية أو خوارج...، وكتبه وأشرطته طافحة بذلك.

ومع الأمراء ينكر عليهم الاختلاط، والانتخابات، والديمقراطية، واستيراد قوانين وضعية...، مع تحذيره من الخروج على الحكام. وقد كانوا يجلونه، حتى إنه ذكر في «الباعث على شرح الحوادث»(67)كلامًا، وقال: أرسل إلينا الرئيس علي عبدالله صالح مع الشيخ صالح هندي دغسان وذكر لي كلامًا.

 فقلت له: قل له: إذا كان يرى في بقائي في اليمن فتنة، فأنا مستعد أن آخذ مكتبتي وأرحل عن اليمن، فليس لي في اليمن إلا المكتبة.

 فلما رجع إليه الرسول قال الرئيس: أهذا كلام مقبل؟ قال: نعم.

فقال: قل له: يعمل الذي يريد.

 

(56) الآداب

 

                 جرْح اللسان قد لا يلتئم

 

الكلام مثلث الكاف، لكنه يختلف في المعنى، كما قال قطرب في «مثلثته»:

تَيَّمَ قَلْبِي بِالْكَلام * وَفِي الْحَشَا مِنْهُ كِلام * فَصِرْتُ فِي أَرْضٍ كُلام * لِكَيْ أَنَالَ مَطْلَبِي
بِالْفَتْحِ قَوْلٌ يُفْهِمُ * وَالْكَسْرِ جُرْحٌ مُؤْلِمُ * وَالضَّمِّ أَرْضٌ تُبْرِمُ * لِشِدَّةِ التَّصَلُّبِ

فالأول: الكلام، معروف.

والثاني-وهو كسر الكاف-: الجراحات، ومنه جَرْح المشاعر، جرح القلوب، وهذا قد لا يلتئم، كما قيل:

وَقَدْ يُرجىٰ لِجُرحِ السيفِ برءٌ...وَ لا برءٌ لِما جَرَحَ اللسانُ

جِراحات السِّنانِ لها التِئام...  وَ لا يلتامُ ما جَرَحَ اللسانُ

وَجرحُ السيفِ تدملُهُ فَيَبْرىٰ...وَ يبقىٰ الدهرُ ما جَرَحَ اللسانُ

ورحم الله والدي وغفر له عند أن مرَّ بنا حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. رواه البخاري (3242)، ومسلم (2395). علق عليه أثناء الدرس وقال: فيه مراعاة شعور أخيك في الله.

والثالث-وهو بضم الكاف-: الأرض الصلبة.

[مقتطف من دروس التحفة السنية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]

الاثنين، 20 أكتوبر 2025

(66)التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ

 

     الإيمان بأن أزوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل الجنة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ الله في «العقيدة الواسطية » في عقيدة أهل السنة في أمهات المؤمنين: وَيُؤْمِنُونَ بَأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الآخِرَةِ.

التعليق:

هذا من عقيدة أهل السنة الإيمان بأنهن أزواجه في الآخرة، وأنهن اختارهن الله نساءً لنبيه، والدليل ما يلي:

عن أَبِي وَائِلٍ، قَامَ عَمَّارٌ، عَلَى مِنْبَرِ الكُوفَةِ، فَذَكَرَ عَائِشَةَ، وَذَكَرَ مَسِيرَهَا، وَقَالَ: «إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابْتُلِيتُمْ» رواه البخاري(7101).

 

 وقصة سودة بنت زمعة عند أن كبرت ففرقت أن يفارقها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يدل أيضًا على ذلك. كما روى أبو داود (2135) عَنْ عروة بن الزبير، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ- حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، قَالَتْ: نَقُولُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي أَشْبَاهِهَا -أُرَاهُ قَالَ-: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء: 128]

وهنا تنبيه على رواية: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ سَوْدَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْسَكَتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَتْ: مَالِي فِي الرِّجَالِ مِنْ حَاجَةٍ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِكَ قَالَ: فَرَجَعَهَا وَجَعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَكَانَ يَقْسِمُ لَهَا بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ. رواه البيهقي رَحِمَهُ اللهُ (7/118).

 وهذا مرسل من مراسيل عروة، وهو مخالف لما قبله، فليس فيه أنه فارقها، وروى البخاري (2450)، ومسلم (3021) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128]، قَالَتْ: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ المَرْأَةُ، لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا، يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ.

 رضي الله عن نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وأرضاهن.

الأحد، 19 أكتوبر 2025

(65)التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ


               أم المؤمنين خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في « العقيدة الواسطية » في سياق الكلام على أم المؤمنين خديجة: وَكَانَ لَهَا مِنْهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ.

قوله: (وَكَانَ لَهَا) أي: لخديجة، (مِنْهُ) أي: من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ) أي: المنزلة الرفيعة، حتى إنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا»، كما روى الإمام مسلم (2435) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا».

 فما نسيها، وهذا في الحقيقة من الوفاء بين الزوجين، أن من مات فالآخر بعده لا ينساه، من الوفاء بالدعاء له والصدقة، وأفضل ما يقدم للميت الدعاء، كما روى مسلم (1631) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».

ومن فضائلها أيضًا: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ خَدِيجَةُ وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ يُقْرِئُ خَدِيجَةَ السَّلَامُ»، فَقَالَتْ: «إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ» رواه النسائي في «عمل اليوم والليلة» (رقم 374). وذكره والدي الشيخ مقبل الوادعي رَحِمَهُ اللَّهُ في «الصحيح المسند (رقم110).

 وهذا من فقهها وعلمها كيف تقول: الله هو السلام ولم تقل: على الله السلام؛ لأن من أسماء الله السلام، أي: السالم من النقص والعيب،  المسلِّم لغيره.

وعُدَّ من فضائلها أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لم يتزوج عليها؛ وذلك إكرامًا لها.

قال الحافظ ابن كثير في « الفصول »: ولم يتزوجْ في حياتِها بسواهَا؛ لجلالِها وعِظَمِ محلِّها عندَه.

وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (تحت رقم 3818) -في فوائد حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَمْ يَتَزَوَّجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَتْ» -: وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِهَا عِنْدَهُ وَعَلَى مَزِيدِ فَضْلِهَا؛ لِأَنَّهَا أَغْنَتْهُ عَنْ غَيْرِهَا، وَاخْتَصَّتْ بِهِ بِقَدْرِ مَا اشْتَرَكَ فِيهِ غَيْرُهَا مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ عَامًا، انْفَرَدَتْ خَدِيجَةُ مِنْهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا، وَهِيَ نَحْوَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ الْمَجْمُوعِ، وَمَعَ طُولِ الْمُدَّةِ فَصَانَ قَلبهَا فِيهَا مِنَ الْغَيْرَةِ وَمِنْ نَكَدِ الضَّرَائِرِ، الَّذِي رُبَّمَا حَصَلَ لَهُ هُوَ مِنْهُ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهِيَ فَضِيلَةٌ لَمْ يُشَارِكْهَا فِيهَا غَيْرُهَا.

[مقتطف من دروس الواسطية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله تَعَالَى]

السبت، 18 أكتوبر 2025

(45) شرح العقيدة الواسطية



 

(93) اللغة العربية

 

                                       مذ ومنذ

 

هناك أربعة أقوال في إعراب الاسم المرفوع بعد (مذ ومنذ) في مثل: ما رأيته مذ يومان:

-أنه خبر مقدم للمبتدأ.

-مبتدأ خبره ما بعده، وهذا ظاهر قول ابن مالك فقد قال في «الألفية»:

[[وَمُذْ وَمُنْذُ اسْمَانِ حَيْثُ رَفَعَا ***أَوْ أُوْلِيَا الفِعْلَ كَـ «جئتُ مُذْ دَعَا»]]

أي: رفعا الخبر.

-فاعل لفعل محذوف، تقديره: مذ مضى يومان.

-خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: ما لقيته من الزمان الذي هو يومان.

وهناك قاعدة في (مذ، ومنذ): أنهما إذا وليهما اسم مرفوع أو فعل فهما اسمان، كما في بيت ابن مالك المذكور.

هذه حالة فيما إذا وليهما اسم مرفوع.

 

وإن وليهما جملة فعلية أو اسمية، والغالب أن يليهما الجملة الفعلية؛ لهذا اقتصر عليها ابن مالك رَحِمَهُ اللهُ، فقال: (أَوْ أُوْلِيَا الفِعْلَ كَـ «جئتُ مُذْ دَعَا»)، فيعربان ظرفين، والجملة بعدهما في محل جر بالمضاف، هذا على المشهور.

 قال ابن هشام رَحِمَهُ اللهُ في «مغني اللبيب»(424): وَالْمَشْهُور-أي: إن وليهما جملة فعلية أو اسمية-أَنَّهُمَا حِينَئِذٍ ظرفان مضافان.

 فَقيل: إِلَى الْجُمْلَة.

 وَقيل: إِلَى زمن مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة.

 وَقيل: مبتدآن، فَيجب تَقْدِير زمَان مُضَاف للجملة يكون هُوَ الْخَبَر. اهـ.

 

فهنا إذا جاء بعدهما جملة فعلية أو اسمية فيعربان ظرفًا، وتكون الجملة في محل جر بالمضاف، هذا هو القول المشهور أنهما ظرفان مضافان.

وإلى أي شيء يضافان؟

 قولان: أحدهما: إلى الجملة، وقيل: إلى زمن مضاف إلى الجملة.

قول آخر في إعراب (مذ، ومنذ) إذا وليهما جملة: أنهما مبتدآن، لكن القول الأول هو المشهور أنهما ظرفان.

وأما إن وليهما اسم مجرور فهما حرفا جرٍّ، نحو: (جئت منذ يومين كما قال ابن مالك رَحِمَهُ اللهُ في الألفية:

[[هَاكَ حُرُوفَ الْجَرَّ وَهْىَ مِنْ إِلَى***حَتىَّ خَلا حَاشَا عَدَا فِي عَنْ عَلَى]]

[[مُذْ مُنْذُ رُبَّ اللَّامُ كَيْ وَاوٌ وَتَا***وَالكَافُ وَالبَاءُ وَلَعَلَّ وَمَتَى]]

وتكون بمعنى: (من) إن كان المجرور ماضيًّا، مثل: (ما رأيته مذ يوم الجمعة) أي: من يوم الجمعة.

وتكون بمعنى: (في) إن كان المجرور حاضرًا، مثل: (ما رأيته مذ يومنا) كما قال ابن مالك رَحِمَهُ اللهُ:

[[وَإِنْ يَجُرَّا فِي مُضِيٍّ فَكَمِنْ*** هُمَا وَفى الْحُضُورِ مَعْنَى في اسْتَبِنْ]]

وأما في المستقبل فلا يجران؛ لهذا لم يذكره ابن مالك، فلا يصلح (لن آتيك منذ يومين).

[مقتطف من دروس موصل الطلاب إلى شرح قواعد الإعراب لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]

 

(92) اللغة العربية

 

                                  أيضًا

 

من آض يئيض أيضًا: إذا عاد ورجع.

 

 يقال: (آض زيد من السفر) أي: رجع إلى بلده.

 

 وهي كلمة يؤتى بها بين شيئين بينهما ألفة ومناسبة. كما في «لب اللباب»(1/101) للشيخ الهرري رَحِمَهُ اللهُ.

 

فيمتنع فيها ما يلي:

 

 (حضر زيد وذهب عمرو أيضًا)؛ لعدم التوافق، ولكن يقال: (حضر زيد وعمرو أيضًا).

 

ويمتنع (جاء زيد أيضًا) إلا أن يتقدم ذكر شخص آخر أو تدل عليه قرينة.

 

 ويمتنع (اختصم زيد وعمرو أيضًا)؛ لأن أحدهما لا يستغني عن الآخر، وهي من شرطها: أن يستغني كل منهما عن الآخر، أما ما لا يكون إلا بين اثنين فلا يصح أن يؤتى بها، كـ(اختصم زيد وعمرو، وتقاتل زيد وعمرو، واشترك زيد وعمرو).

 

يراجع «المسائل السفرية»(31) لابن هشام، و«شرح الأشموني»(1/41).

 

وإعرابه: مفعول مطلق، وهو ملازم للنصب، مثل: (سبحانَ الله) ملازم للنصب.