جديد الرسائل

السبت، 30 أغسطس 2025

(10)من تراجم العلماء النبلاء

 

                              مسعر بن كدام

 

مسعر بن كدام يلقب بالمصحف([1]).

 وكان لا يحسن أن يتقضى لأهله، رمي بالإرجاء.

وقيل فيه: شك مسعر كيقين غيره([2]).

 وقال سفيان الثوري: كنا إذا اختلفنا في شيء رجعنا إلى مسعر([3]).   

مسعر بن كدام يقال له: الرؤاسي؛ لأنه كبير الرأس.

[استفدته وقيدته من دروس والدي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رَحِمَهُ الله]

 



([1]) قال ابن أبي حاتم في مقدمة «الجرح والتعديل»(1/154): حدثني أبي، حدثني سليمان بن عبد الجبار، سمعت عبد الله بن داود الخريبي، قال: قال شعبة: كنا نسمي مسعرًا المصحف.

وأخرجه أيضًا ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»(8/368) ترجمة مسعر.

وسليمان بن عبدالجبار: صدوق، فالأثر حسن.

([2]) قال أبو نعيم في «حلية الأولياء» (7/ 212): حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ، ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالُوا لِلْأَعْمَشِ: إِنَّ مِسْعَرًا يَشُكُّ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: شَكُّ مِسْعَرٍ كَيَقِينِ غَيْرِهِ.

هذا إسناد صحيح.

عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: ابن جعفر بن حيان أبوالشيخ صاحب كتاب «العظمة»، وهو إمام.

 

إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، ترجم له الذهبي في «سير أعلام النبلاء» وقال: الإِمَامُ، المَأْمُوْنُ، القُدْوَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ مَتُّوَيْه الأَصْبَهَانِيُّ، إِمَامُ جَامِعِ أَصْبَهَان، كَانَ مِنَ العُبَّادِ وَالسَّادَةِ، يَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَكَانَ حَافِظًا، حُجَّةً، مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ، ثم ذكر من شيوخه عبدالجبار بن العلاء، وعنه أبو الشيخ.

عَبْدُالْجَبَّارِ هو ابن العلاء، ثقة. انتهى من تحقيقي «المحدث الفاصل»(723).

([3]) قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»(8/368): حدثني أبي، حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: سمعت عبد الله بن داود الخريبي، قال: قال سفيان - يعني الثوري-: كنا إذا اختلفنا في شيء سألنا مسعرًا عنه.

(88) اللغة العربية

 

                          ترتيب التوابع إذا اجتمعت

 

قال الشاعر:

 

قدِّم النَعتَ فالبيانَ فأكِّد...  ثمَّ أبْدلْ واختمْ بعطفِ الحُروفِ

 

وهذا نحو: «جاء الرجل الفاضل أبو عبدالله نفسه أخوك وخالد».

 

الثلاثاء، 26 أغسطس 2025

(146)نصائح وفوائد

 

                             الحياء في العينين

 

قَال تعالى عن إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يبكون(16)﴾[يوسف].

 أَيْ: لَيْلًا، وَهُوَ ظَرْفٌ يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَإِنَّمَا جَاءُوا عِشَاءً؛ لِيَكُونُوا أَقْدَرَ عَلَى الِاعْتِذَارِ فِي الظُّلْمَةِ؛ وَلِذَا قِيلَ: لَا تَطْلُبِ الْحَاجَةَ بِاللَّيْلِ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ فِي الْعَيْنَيْنِ، وَلَا تَعْتَذِرْ بِالنَّهَارِ مِنْ ذَنْبٍ فَتَتَلَجْلَجَ فِي الِاعْتِذَارِ. اهـ من «تفسير القرطبي»(9/144).

فإذا كان يشاهدك قد يستحيي فيُلبِّي الطلب؛ ولهذا الأعمى قد يكون له تصرف آخر؛ لأنه لا يرى بعينيه.

 

(44) مِنْ جَوَامِعِ الأَدْعِيَةِ

 

                  أدعية في طلب العون من الله تَعَالَى

 

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ! وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ!»، فَقَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، تَقُولُ: اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». أخرجه أبو داود (1522)

الحديث في «الصحيح المسند» (867) لوالدي رَحِمَهُ الله.

 

عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «أَتُحِبُّونَ أَنْ تَجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؟ قُولُوا: اللهُمَّ أَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». رواه أحمد (13/360).

 

ومن الأدعية في طلب العون من الله:

 «رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا، لَكَ ذَاكِرًا، لَكَ رَاهِبًا، لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ، مُخْبِتًا، أَوْ مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي» رواه أبو داود (1510) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وهو في «الصحيح المسند» (606) لوالدي رَحِمَهُ الله.

 

عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» رواه الإمام أحمد (28/338).

 

هذه الأدعية فيها طلب العون  من الله سُبحَانَهُ.

 فالمسلم يسأل الله أن يعينه، ولا يدرك خير إلا بعون الله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5 نستعين أي: نطلب العون من الله، وهذا من أنفع الأدعية وأعلاها.

قال ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين» (1/100): أَنْفَعُ الدُّعَاءِ طَلَبُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِ الله.

 قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: تَأَمَّلْتُ أَنْفَعَ الدُّعَاءِ فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].

 

(190)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

 

                              الإيمان بالقدر  

قال تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)}[الحديد].

 

قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح العقيدة الواسطية» (2/179): {فِي الْأَرْضِ}: كالجدب والزلازل والفيضانات وغيرها.

 ﴿ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾: كالمرض والأوبئة المهلكة وغير ذلك.  اهـ.

 

وقوله: ﴿ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا أي: نخلقها.

 وهل الضمير في ﴿نَّبْرَأَهَا ﴾ يعود إلى مصيبة أو إلى الأرض أو إلى الأنفس؟

أقوال، قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «شفاء العليل»(194): أخبر سبحانه أنه قدَّر ما يصيبهم من البلاء في أنفسهم، قبل أن يبرأ الأنفس أو المصيبة أو الأرض أو المجموع، وهو الأحسن. اهـ.

أي: قبل أن نبرأ المصيبة والأرض والأنفس.

وفيه: أنه لا تنزل مصيبة إلا والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قد علمها وكتبها قبل خلقها، وفيه: أن الله عَزَّ وَجَلَّ يخبر بالابتلاءات والمصائب قبل وقوعها؛ ليستعد المؤمن لها، وليكون ذلك عونًا على تحمل المشقة والمحنة، وكما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾ [آل عمران: 186]، وقال سُبحَانَهُ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)﴾ [البقرة: 155]، ويقول سُبحَانَهُ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)﴾ [التغابن: 11]، فالله عَزَّ وَجَلَّ يخبرنا بذلك؛ ليعيننا على التسليم والانقياد والصبر.

 والمؤمن له حالان:

حال قبل نزول القدر المؤلم، وحال بعد نزوله.

 أما قبل نزول القدر فالمؤمن يدعو الله ويستعين به، ويوطن نفسه للصبر، ومن أدعية النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ فِي وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءٍ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (427) عن فَضَالة بن عبيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو في «الصحيح المسند» (1058) للوالد عليه رحمة الله.

 والحالة الثانية بعد نزول القدر، وهذا يجب فيه الصبر وعدم التسخط على قدر الله سُبحَانَهُ.

 وما أحوجنا أن نربي نفسنا على الإيمان بالقدر، وأن نعرف أن القدر لا يسير بتسييرنا وعلى مزاجِنا، إنما يسيِّره الله سُبحَانَهُ الحَكَمُ العدل، قال الله سُبحَانَهُ: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [يونس: 22].

 وهذه الدار الدنيا دار محفوفة بالآلام والمصائب، كما قال تَعَالَى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)﴾ [البلد: 4]، فلم يخلقنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للراحة والاستقرار عليها، إنما هي عبارة عن مركب وجسر نمر عليه إلى دار الآخرة؛ ولذلك يقولون: الدنيا مزرعة للآخرة.

[مقتطف من دروس العقيدة الواسطية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]

 

(87) اللغة العربية

 

                                          معاني أجل 

 

الأجل يطلق على:

 

 الغاية، وهو انتهاء الشيء، قال تَعَالَى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)} [الأعراف]، قال القرطبي رَحِمَهُ الله في تفسير هذه الآية من سورة الأعراف(34): أَيْ: وَقْتٌ مُؤَقَّتٌ. ﴿ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ، أَيِ: الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. اهـ.

وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحفصة: «إِنَّكِ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ».

 ومنه قول الشاعر:

تَمُرُّ بنا الأيام تترى وإنما ... نُسَاقُ إلى الآجال والعين تَنْظُرُ

فلا عائِدٌ ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المُكَدِّرُ

وقال آخر:

إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ نَقْطَعُهَا ... وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَلِ

ومنه قول-لمن مات-: جاء أجله.

 ويطلق على المدة المحددة المضروبة، قال تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282].

يقول مثلًا: أعطيك بعد شهر أو شهرين، يُحدد المدة.

ويأتي أجل حرف جواب بمعنى نعم.

قال الراغب في «مفردات القرآن»(66): ويقال: أَجَلْ، في تحقيق خبرٍ سمعته.

وقال ابن هشام كما في «مختصر مغني اللبيب»(9): أجل: حرف جواب كـ نعم"، فتكون تصديقًا للمخبر، وإعلامًا للمستخبر، ووعدًا للطالب. اهـ.

تصديقًا للمخبر، مثل: رزق الله واسع، فيقول السامع: أجل.

وإعلامًا للمستخبر-وهو السائل-، جوابًا لمن يقول: هل حضر زيد، فتقول: أجل.

ووعدًا للطالب، كمن يقول: انصح في معاملتِك، فتقول: أجل.

وينظر « همع الهوامع»(2/591).

[مقتطف من دروس العقيدة الواسطية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]

(35)من أحكام الصلاة

 

              الاستعاذة بالله من هؤلاء الأربع قبل السلام

 

قال الحافظ ابن حجر: وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ».

هذا الحديث رواه البخاري (1377) من فعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وليس من قوله، وأما لفظ الأمر فهو عند الإمام مسلم (588).

وهذا الدعاء مشروع بعد الصلاة على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وقبل السلام، ولا يقال بعد كل تشهد ولكن قبل السلام؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ».

وفيه من الفوائد:

الاستعاذة من هؤلاء الأربع-والاستعاذة من الدعاء كما يقول شيخ الإسلام-:

الاستعاذة بالله من عذاب جهنم، وقد أثنى الله على عباده الذين يدعون أن الله ينجيهم من عذاب جهنم ويصرفها عنهم، قال الله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)﴾ [الفرقان: 65]، وقال تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾ [آل عمران: 191].

ومن استجار بالله من النار ثلاثًا قالت النار: اللهم أجره من النار.

 كما ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «مَنْ سَأَلَ اللهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ الْجَنَّةُ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ النَّارِ» رواه الترمذي (2572). هذه الاستعاذة الأولى.

والثانية: الاستعاذة بالله من عذاب القبر.

الاستعاذة الثالثة: الاستعاذة بالله من فتنة المحيا والممات.

والمحيا فِتَنُها كثيرة: فتنة شهوات الدنيا وملذاتها، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي المَالُ» رواه الترمذي (2336) عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو في «الجامع الصحيح» (1093) لوالدي رَحِمَهُ الله، وفتنة الشبهات، وفتنة جلساء السوء، وفتنة الشيطان، وفتنة النفس، فتنة الأولاد...إلى غير ذلك.

«وَالْمَمَاتِ» فتنة الممات، هو فتنة سؤال الملكين، وقد يشمل ما يكون في ساعة الاحتضار، والشيطان يحضر ساعة الاحتضار، ويترقب دائمًا فرص الضعف؛ لأنه قد يجد مطلوبه وبغيته، وروى أبوداود في «سننه» (1552) عَنْ أَبِي الْيَسَرِ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ، وَالْحَرَقِ، وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا»، وهو في «الصحيح المسند» (1194) لوالدي رَحِمَهُ الله.

الاستعاذة بالله من شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، والمسيح الدجال يخرج في آخر الزمان.

والحديث ظاهره وجوب الاستعاذة بالله من هذه الأربع، فإذا تشهد وصلى على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقرأ هذا الدعاء، ثم يدعو بما شاء.

[مقتطف من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]

 

 

 

 

(34)من أحكام الصلاة

 

من الأدعية في الصلاة     

 

قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله:

وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: قُلْ: «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(وعن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) عبدالله بن عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

هذا الحديث بوب عليه الإمام البخاري: باب الدعاء قبل السلام.

 وليس فيه تقييد ذلك بقبل السلام، فإذا قرأه قبل السلام أو قرأه في سجوده فلا بأس؛ لأن الحديث لم يقيد ذلك بالتشهد.

وفيه: حرص أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ على تعلم الأدعية النبوية، فهكذا ينبغي أن يحرص المسلم على تعلم الأدعية من القرآن والسنة.

وفيه: أن الإنسان لا يستصغر شأن السؤال حتى ولو كان صغيرًا، يسأل ويستفيد، فأبو بكر الصديق مع منزلته وشرفه يطلب من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته، وهذا من سباقه إلى الخير.

وأبو بكر الصديق كان سبَّاقًا إلى الخير، وإليكم ثلاثة مواقف له رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مرة قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» رواه الإمام مسلم (1028) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي، فَافْتَتَحَ النِّسَاءَ فَسَحَلَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ»، ثُمَّ تَقَدَّمَ يسْأَلُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ»، فَقَالَ: فِيمَا سَأَلَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ. قَالَ: فَأَتَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَبْدَ اللَّهِ لِيُبَشِّرَهُ، فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَدْ سَبَقَهُ، فَقَالَ: إِنْ فَعَلْتَ، لَقَدْ كُنْتَ سَبَّاقًا بِالْخَيْرِ. وفي رواية (وَلا وَاللَّهِ مَا سَبَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلَّا سَبَقَنِي إِلَيْهِ). رواه أحمد (4255) وذكره والدي في «الصحيح المسند» (985).

عن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا، فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا» رواه الترمذي (3675).

وفيه من الفوائد:

اعتراف العبد بالذنب.

وفيه: أن الذنوب لا يغفرها إلا الله، وكما قال تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)﴾ [آل عمران: 135].

وفيه: التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته.

وفيه اختيار الصفة والاسم المناسب للدعاء، فهو هنا طلب المغفرة، وتوسل إلى الله باسمي الله الغفور الرحيم، ولم يقل: السميع العليم، أو العزيز الحكيم.

[مقتطف من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]

الأحد، 24 أغسطس 2025

(74) روضة الأفهام في شرح بلوغ المرام

 


(73) روضة الأفهام في شرح بلوغ المرام

 



(189)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

 

                        الأشياء التي كُتِبَ لها البقاء 

 

 

قد جمع بعضهم التي كُتب لها البقاء، ولا تفنى، في بيت  فقال:

ثمانية حكم البقاء يعمها ... من الخلق والباقون في حيز العدم

هي العرش والكرسي نار وجنة ... وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم

(ثمانية حكم البقاء يعمها) هذه تبقى ولا تفنى، فهي لا تدخل في قوله تَعَالَى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)﴾ [الرحمن: 26].

(وعجْب) عجب الذنب، العصعص الذي يكون في أسفل الظهر، النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري (4935)، ومسلم (2955) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وباقي البيت معانيه واضحة.

[مقتطف من دروس العقيدة الواسطية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]

(188)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

  

              من أسماء الله: الحميد المجيد 

 

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: قُولُوا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا عَلِمْتُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(عن أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ) البدري الأنصاري عقبة بن عمرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ) يشير إلى قول الله تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)﴾ [الأحزاب: 56].

وقوله: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) الصلاة  من الله على نبيه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. كما قال أبو العالية.

وقوله: (عَلَى مُحَمَّدٍ) محمد على وزن مفعَّل، بمعنى: مفعول، أي: المحمود حمدًا بعد حمد.

قوله: (إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) قال ابن القيم في «التبيان في أقسام القرآن»(94):

الحميد: الحبيب المستحق لجميع صفات الكمال.

وقال رَحِمَهُ الله في «جلاء الأفهام»(315): الحميد فعيل من الْحَمد، وَهُوَ بِمَعْنى مَحْمُود، وَأكْثر مَا يَأْتِي فعيلًا فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِمَعْنى فَاعل، كسميع وبصير وَعَلِيم وقدير وَعلي وَحَكِيم وحليم وَهُوَ كثير، وَكَذَلِكَ فعول كغفور وشكور وصبور.

وقال بعد ذلك: فالحميد هُوَ الَّذِي لَهُ من الصِّفَات وَأَسْبَاب الْحَمد مَا يَقْتَضِي أَن يكون مَحْمُودًا، وَإِن لم يحمده غَيره، فَهُوَ حميد فِي نَفسه، والمحمود من تعلق بِهِ حمد الحامدين.

وقال الشيخ ابن عثيمين في «شرح بلوغ المرام»(2/165): الحميد فعيل بمعنى فاعل وبمعنى مفعول، فحميد بمعنى فاعل، أي: حامد، فالله عز وجل حامد لكل من يستحق الحمد من عباده؛ ولذلك يثني على من يستحق الحمد من الأنبياء والصالحين، فهو فاعل، أي: فاعل للحمد.

ومحتمل أن يكون (حميد) بمعنى: محمود؛ لأن الله-سبحانه وتعالى-محمود على كل حال، وهو محمود أيضًا على نعمه السابغة الكثيرة، وإذا كان اللفظ محتملًا للمعنيين ولا تناقض بينهما، فإن الصحيح أنه شامل لهما، وهذا ما يعرف عند العلماء بالمشترك، فإذا كان اللفظ المشترك صالحًا للمعنيين بدون تناقضٍ ولا تنافر، فإن الأولى حمله على المعنيين جميعًا، ما لم يوجد دليل على أن المراد أحدهما. اهـ.

فاستفدنا:

أن الحميد فعيل بمعنى فاعل، أي: يَحمد من يستحق الحمد من الأنبياء والصالحين.

أو فعيل بمعنى مفعول، أي: محمود، والمعنى أنه يُحمد على صفاته وأفعاله ونعمه السابغة.

قال الصنعاني في «سبل السلام»(2/244) عن الاحتمال الأول، وهو أَنَّ حَمِيدًا بِمَعْنَى حَامِدٍ: وَهَذَا أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ.

والمجيد: قال ابن القيم في «التبيان في أقسام القرآن»(94):

المجيد العظيم الواسع القادر الغني ذو الجلال والإكرام.

وقال الحافظ في «فتح الباري»(11/163): أَمَّا الْمَجِيدُ فَهُوَ مِنَ الْمَجْدِ، وَهُوَ صِفَةُ مَنْ كَمُلَ فِي الشَّرَفِ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ، كَمَا أَنَّ الْحَمْدَ يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ الْإِكْرَامِ.

 وفي هذا الحديث:

 خَتْم الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذين الاسمين: حميد مجيد.

وقد جاء الاقتران بين هذين الاسمين في القرآن في موضعٍ واحد، قال تَعَالَى: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)﴾[هود].

قال ابن القيم في «جلاء الأفهام»(317): وَأما الْمجد فَهُوَ مُسْتَلْزم للعظمة وَالسعَة والجلال، وَالْحَمْد يدل على صِفَات الْإِكْرَام، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام، وَهَذَا معنى قَول العَبْد: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر، فـ لَا إِلَه إِلَّا الله دَال على ألوهيته وتفرده فِيهَا، فألوهيته تَسْتَلْزِم محبته التَّامَّة، وَالله أكبر دَال على مجده وعظمته؛ وَذَلِكَ يسْتَلْزم تَعْظِيمه وتمجيده وتكبيره؛ وَلِهَذَا يقرن سُبْحَانَهُ بَين هذَيْن النَّوْعَيْنِ فِي الْقُرْآن كثيرًا كَقَوْلِه: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)﴾[هود].

وَقَوله تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شريك فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[الإسراء]، فَأمر بِحَمْدِهِ وتكبيره.

وَقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام}[الرحمن]، إلخ كلامه رَحِمَهُ الله.

وقال الحافظ في «فتح الباري»(11/163): مُنَاسَبَةُ خَتْمِ هَذَا الدُّعَاءِ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ، أَنَّ الْمَطْلُوبَ تَكْرِيمُ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَالتَّنْوِيهُ بِهِ وَزِيَادَةُ تَقْرِيبِهِ؛ وَذَلِكَ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ طَلَبَ الْحَمْدِ وَالْمَجْدِ، فَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمَا كَالتَّعْلِيلِ لِلْمَطْلُوبِ، أَوْ هُوَ كَالتَّذْيِيلِ لَهُ.

 وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ فَاعِلٌ مَا تَسْتَوْجِبُ بِهِ الْحَمْدَ مِنَ النِّعَمِ الْمُتَرَادِفَةِ، كَرِيمٌ بِكَثْرَةِ الْإِحْسَانِ إِلَى جَمِيعِ عِبَادِكَ.

[مقتطف من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]