من محاسن الإسلام
قال شيخ الإسلام في « العقيدة الواسطية» في صفات أهل السنة والجماعة: وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم...، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ؛ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بُالْحُمَّى وَالسَّهَرِ».
قوله: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ) أي: الإيمان الكامل.
(تَوَادِّهِمْ) قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»(6011): وَتَوَادُّهُمْ بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ، وَالْأَصْلُ التَّوَادُدُ فَأُدْغِمَ، وَالتَّوَادُدُ تَفَاعُلٌ مِنَ الْمَوَدَّةِ.
وَالْوُدُّ وَالْوِدَادُ بِمَعْنًى وَهُوَ: تَقَرُّبُ شَخْصٍ مِنْ آخَرَ بِمَا يُحِبُّ. اهـ.
وقوله: (تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ) هي عبارات متقاربة تواد تراحم تعاطف.
(إِذَا اشْتَكَى) أي: تألم.
(تَدَاعَى) دعا بعضه بعضًا في الألم.
(سَائِرُ) بمعنى: الباقي.
قال الطيبي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح المشكاة»(10/3176): ووجه التشبيه فيه هو التوافق في المشقة والراحة والنفع والضرر. اهـ.
فالمؤمن يسعد لسعادة أخيه، ويسر لسروره، ويحزن لحزنه، ويبذل تعاونه معه.
فهذا فيه التوافق بين المسلم وأخيه المسلم.
وهذا من يتصف به؟ المؤمن كامل الإيمان، أما ضعيف الإيمان فضعيف في هذه الصفة، وقد يكون عنده-والعياذ بالله-شماتة بأخيه المسلم إذا أصيب، إذا فقد حبيبًا، إذا تضرر، وهذا من صفات المنافقين.
وفي هذا الحديث وما في معناه: الحث على تحقيق الأخوة الإيمانية، وأن رابطة الإيمان قوية أقوى من رابطة النسب، رابطة النسب قد تضعف وقد تزول، كما قال تَعَالَى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)﴾ [المجادلة: 22]؛ ولهذا في أكثر من دليل أُطلِق النفس على الأخ، كقوله تَعَالَى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)﴾ [النور: 61] يدخل فيه الأخ، أي: إخوانكم، ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)﴾ [النساء: 29] أيضًا يدخل فيه الأخ، ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)﴾ [النور: 12]، وقال سُبحَانَهُ: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: 11]، وقال تَعَالَى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾[ البقرة:188]، أي: أموال إخوانكم، وهذا يدل على قوة الأخوة في الله سُبحَانَهُ، وهذا من فضائل الإسلام وهداية القرآن.
قال الشنقيطي في «أضواء البيان» (٤١/٣): وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ هَدْيُهُ إِلَى أَنَّ الرَّابِطَةَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَرْبِطُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، وَأَنْ يُنَادَى بِالِارْتِبَاطِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا إِنَّمَا هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَرْبِطُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، حَتَّى يَصِيرَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الرَّابِطَةِ جَمِيعُ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ كَأَنَّهُ جَسَدٌ وَاحِدٌ، «إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
فَرَبْطُ الْإِسْلَامِ لَكَ بِأَخِيكِ كَرَبْطِ يَدِكَ بِمِعْصَمِكَ، وَرِجْلِكَ بِسَاقِكَ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِطْلَاقُ النَّفْسِ وَإِرَادَةُ الْأَخِ؛ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ رَابِطَةَ الْإِسْلَامِ تَجْعَلُ أَخَا الْمُسْلِمِ كَنَفْسِهِ، ثم ذكر أدلةً في هذا المعنى.
فهنا الشنقيطي رَحِمَهُ اللهُ يقول: الأخ بمنزلة معصمك من يدك، ورجلك من ساقك، أخذه من حديث أبي موسى والنعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.
المعصم: موضع السوار من يد المرأة، فالأخ-أي: الأخ في الله-كأنه جزء من الجسد.
قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح الواسطية»(2/308): أي: أنهم يشتركون في الآمال والآلام، فيرحم بعضهم بعضًا، فإذا احتاج؛ أزال حاجته، ويعطف بعضهم على بعض باللين والرفق وغير ذلك...، ويود بعضهم بعضًا، حتَّى إن الواحد منهم إذا رأى في قلبه بغضاء لأحد من إخوانه المسلمين؛ حاول أن يزيله، وأن يذكر من محاسنه ما يوجب زوال هذه البغضاء.
فالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، ولو من أصغر الأعضاء؛ تداعى له سائر الجسد؛ فإذا أوجعك أصبعك الخنصر الَّذي هو من أصغر الأعضاء؛ فإن الجسد كله يتألم...، إذا أوجعتك الأذن تألم الجسد كله... وإذا أوجعتك العين تألم الجسد كله... وغير ذلك؛ فهذا المثل الَّذي ضربه النبي عليه الصلاة والسلام مثل مصور للمعنى ومقرب له غاية التقريب. اهـ.
وهو من الأدلة في نبذ التفرق، والحرص على جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفهم.
[مقتطف من دروس الواسطية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]







