جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 31 ديسمبر 2022

(49) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 

مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُ بِتَخيِيرِ نِسَائِهِ بَينَ البَقَاءِ عِندَهُ وَبَينَ الفِرَاقِ

قال تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) ﴾ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ يخَيّر نِسَاءَهُ بَيْنَ أَنْ يُفَارِقَهُنَّ، فَيَذْهَبْنَ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَحصُل لَهُنَّ عِنْدَهُ الحياةُ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا، وَبَيْنَ الصَّبْرِ عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ ضِيقِ الْحَالِ، وَلَهُنَّ عِنْدَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ، فَاخْتَرْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَرْضَاهُنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ خَيْرِ الدُّنْيَا وَسَعَادَةِ الْآخِرَةِ. اهـ.

وروى مسلم (1475) عن عائشة قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَ بِي، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»، قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 29]»، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. ورواه البخاري (4786).

 قال القرطبي في «تفسيره»(14/163): قَالَ الْعُلَمَاءَ: وَأَمَّا أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ أَنْ تُشَاوِرَ أَبَوَيْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهَا، وَكَانَ يَخَافُ أَنْ يَحْمِلَهَا فَرْطُ الشَّبَابِ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ، وَيَعْلَمَ مِنْ أَبَوَيْهَا أَنَّهُمَا لَا يُشِيرَانِ عَلَيْهَا بِفِرَاقِهِ. اهـ.

وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة؛ لفضلِها وشرفِها.

 وقد بُيِّن في حديث عمر بن الخطاب الذي رواه البخاري (2468ومسلم (1479) سبب تخيير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لنسائه واعتزالهن شهرًا؛ وذلك لإفشاء حفصة السر، كما في حديث عمر.

ويجوز لغير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يخير امرأته بين البقاء والطلاق، فعَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، عَنِ الخِيَرَةِ، فَقَالَتْ: «خَيَّرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَفَكَانَ طَلاَقًا؟» رواه البخاري(5263ومسلم (1477).

لكن الذي هو من خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن الله أمره بذلك، وغيره ليسوا بمأمورين، ولكن إذا أحب أن يخيِّر امرأته فعل.

ويدخل في هذا إذا كبرت المرأة في السن، وصارت غير مرغوبة في العشرة، فله أن يخيرها أن تصبر وتبقى ولها السكنى والنفقة، يعني: تتنازل عن بعض حقوقها أو عن حقوقها كاملة إلا أنها تبقى من غير فراق، يخيرها بين هذا وبين الفراق، وهذا كما حصل في قصة سودة بنت زمعة وأنها لما كبرت وخشيت أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يفارقها فتنازلت عن يومها لعائشة، وفيها نزل قول الله: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) [البقرة: 128].

هذا الحديث يفيد الجواز، ولا يقال: إن هذا ليس من الوفاء للزوجة، فهذا جائز؛ بجوازه جاء الدليل، ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ هذا الأفضل أن تبقى وتصبر على ما قدر الله وقضى، من غير فراقٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: هل كان يجب على نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يُجِبْنَ على الفور-أي: بعد السؤال مباشرة وهو التخيير- أم أن هذا على التراخي؟

استنبط الصباغ من قول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة: «فَلَا عَلَيكِ أَن تَستَأمِرِي أَبَوَيكِ» أن هذا يفيد التراخي لا الفورية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَل حَرُمَ عَلَيهِ طَلَاقُهُنَّ بعد اختيار نسائه الله ورسوله والدار الآخرة؟

قوله تعالى: ﴿ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)﴾، حرم الله على النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلاقَ نسائه بعد أن خيرهن فاخترن الله ورسوله والدر الآخرة، ثم نُسخ بقوله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا(51)﴾[الأحزاب: 51].

نُسِخَ ذلكَ؛ لتكون المنةُ للنبي صلى الله عليه وسلم على نسائه؛ بأن يكرمهن بعدم طلاقهن بعد اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، فكافأهن بالجزاء الحسن، وأكرمهن بعدم الفراق لهن.

فقوله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ هذا فيه أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يجوز له الطلاق بعد التخيير، لكنه لم يفعل ذلك.

ويجوز له صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه بعد التخيير؛ لهذه الآية المذكورة: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾، ولهذا الحديث: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُبِيحَ لَهُ النِّسَاءُ».

ويجوز له بعد التخيير أن يفارق نساءه لهذه الآية، والمسألة مفترَضَة؛ فنساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد اخترنه وانتهى الأمر، وقد توفي عن تسع نسوة ولم يطلق واحدة منهن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَل مِن خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيهِ فِرَاقُ مَنِ اختَارَت فِرَاقَهُ؟

قولان عند الشافعية، أحدهما: يجب عليه أن يفارق من اختارت فراقه.

والقول الآخر يفارقها؛ تكرمًا منه صلى الله عليه وسلم وتفضلًا، والمسألة مفترضة فلم يحصل، فنساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم  اخترن الله ورسوله والدار الآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة هل يحل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج كتابية؟

يتزوج يهودية، أو نصرانية، مختلف في هذا، ولم يصح أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تزوج بكتابية؛ فنساؤه صلى الله عليه وسلم كلهن مسلمات، مؤمنات، بارات، وهن أمهات المؤمنين، كما قال ربنا: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب: 6]. والآية دليل أن أزواج النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، والكتابية لا تكون كذلك.

وأما مارية القبطية فكانت كتابية، ولكنها سُرِّية وليست بزوجة له صلى الله عليه وسلم،  وهي التي ولدت إبراهيم ابن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ولأنها سُرية لم يعقد عليها، وقد جاء أنها أسلمت قبل وصولها المدينة، وجاء أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عرض عليها وعلى أختها سيرين الإسلام.

فيحرم نكاحه صلى الله عليه وسلم كتابية، وقد استُدل بحديث: «زَوجَاتِي فِي الدُّنيَا زَوجَاتِي فِي الآخِرَةِ»، والحديث ليس له أصل، وإنما جاء عن بعض الصحابة، منهم عن عمار بن ياسر قال في شأن عائشة: «وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلاَكُمْ، لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ» رواه البخاري (7100)

 وعَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ» رواه البخاري (3771).

بخلاف غيره من أمته فيجوز لهم نكاح الكتابية، وسيأتي هذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حُكمُ تَسَرِّيهِ صلى الله عليه وسلم وَتَزَوُّجِهِ بِالأَمَةِ المُسلِمَةِ

الأمة: ملك اليمين، ويقال لها: السُّرِّيَّةُ يتخذها سيدها للخدمة وللجماع.

هنا عدة مسائل:

المسألة الأولى: هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح الكتابية؟

 فيه خلاف، والدليل أن من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه لا ينكح كتابية أن أزواجه أمهات المؤمنين، والكتابية لا تصلح أن تكون أمًّا للمؤمنين.

وأما في حق غيره من أمته فيجوز الزواج بالكتابية؛ لقوله تَعَالَى: ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة: 5]. فيجوز الزواج بالكتابية لكن بشرط: أن تكون محصنة أي: عفيفةوأهل العلم ينبهون أن الأَولى عدم الزواج بالكتابية؛ لأنها قد تؤثر عليه وتفتنه في دينه وعقيدته، وتفسد عليه أولاده، فينبغي أن يترك الزواج بالكتابية لله سُبحَانَهُ «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللهِ إِلَّا أَعْطَاكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ» رواه أحمد (34/342وهو في «الصحيح المسند» (1489) لوالدي رَحِمَهُ الله.

المسألة الثانية: هل يجوز له التسري بالأمة الكتابية؟ هذا جائز كما يجوز لأمَّته وأتباعه.

المسألة الثالثة: هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بالأمة المسلمة؟ الأصح عند الشافعية أنه لا يباح له نكاح الأمة المسلمة.

المسألة الرابعة: هل يجوز له صلى الله عليه وسلم نكاح الأمة الكتابية؟ من خصائصه صلى الله عليه وسلم لا ينكح حُرَّةً كتابية، فتركه لنكاح الأمة الكتابية من باب أولى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَسأَلَةٌ:

[عَدَدُ نِسَائِهِ صلى الله عليه وسلم اللَّائِي تُوُفِيَ عَنهُنَّ]

مَاتَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامِهِ عَلَيهِ عَن تِسعِ نِسوَةٍ.

قال ابن القيم في «زاد المعاد»(1/110): وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ عَنْ تِسْعٍ.

روى البخاري (5068ومسلم (1462)عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ».

واتفق العلماء على إباحة تسع نساء للنبي صلى الله عليه وسلم.

 واختلفوا فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ، والصَحِيحُ كما قال ابن كثير في «الفصول»:أَنَّهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ.

ومن خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه يباح له أكثر من أربع نسوة، بخلاف أمته، قال تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا(3)﴾ [النساء: 3].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَسأَلَةٌ: من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صحة هبة المرأة نفسها له

قال الله: ﴿ إِنْ امرأة مؤمنة وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ولحديث الواهبة، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي» الحديث رواه البخاري (5087ومسلم (1425).

 وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقُولُ أَتَهَبُ المَرْأَةُ نَفْسَهَا؟» فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿تُرْجِئُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ قُلْتُ: مَا أُرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ. رواه البخاري (4788ومسلم (1464).

فهذا من الخصائص النبوية.

وغير نكاح الهبة يحتاج إلى مهر ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا(4)﴾ [النساء: 4]. ويحتاج إلى ولي في العقد كما قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» رواه أبو داود (2085وهو في «الصحيح المسند» (815) لوالدي رَحِمَهُ الله.

أما الهبة فيكفي موافقة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم في ثبوت النكاح.

وهل قبِل النّبِيّ صلى الله عليه وسلم  الواهبات؟

جاء أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يقبل ولا واحدة من الواهبات، قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»(8/526): لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى إِرَادَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾، وَقَدْ بَيَّنَتْ عَائِشَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَبَبَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَأَشَارَتْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنَّبِي﴾.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: هَل كَانَ يَنحَصِرُ طَلَاقُهُ فِي الثَّلَاثِ؟

الأصح عند الشافعية أنه ينحصر الطلاق بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم في الثلاث كغيره قال الله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة]الآيات. وهذا هو

وقيل: لا ينحصر بثلاث طلقات كما لا ينحصر زواجه بالأربع وهذا تعسف؛ لعدم التلازم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَسأَلَةٌ:

[مِن خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أنه يُبَاحُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِغَيرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ]

هذا من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه يباح له التزوج بغير ولي ولا شهود، لِحَدِيثِ زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ أَنَّهَا كَانَت تَفَخَرُ عَلَى أَزوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهلُوكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللهُ مِن فَوقِ سَبعِ سَمَوَاتٍ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ .  وقد دخل عليها النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مباشرة من غير إذنها، رواه الإمام مسلم (1428) عَنْ أَنَسٍ.

قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح صحيح مسلم»(9/228): فدخل عليها بغير إذن؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَسأَلَةٌ: وَهَل كَانَ يُبَاحُ لَهُ التَّزَوُّجُ فِي الإِحرَامِ؟

فيه قولان:

الأول: لَا، لِعُمُومِ الحَدِيثِ الَّذِي فِي مُسلِمٍ عَن عُثمَانَ، عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنكِحُ المُحرِمُ وَلا يُنكِحُ وَلَا يَخطُبُ»

«لَا يَنكِحُ المُحرِمُ» أي: لا يتزوج وهو محرم. «وَلا يُنكِحُ» بضم الياء وكسر الكاف، أي: لا يزوج غيره.  

الثاني: صحح بعضهم الجواز.

وَلَكِن يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسلِمٌ عَن مَيمُونَةَ نَفسِهَا: أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِهَا وَهُمَا حَلَالَانِ، وصَاحِبُ القِصَّةِ أَعلَمُ بِهَا مِن غَيرِه.

قاعدة أصولية: صَاحِبُ القِصَّةِ أَعلَمُ بِهَا مِن الغَيرِ.

إذا وقع خلاف بين صاحب القصة وبين غيره، هذا ينفي وهذا يثبت، نأخذ بقول صاحب القصة؛ لأن صاحب القصة أعلم من غيره، والمراد إذا ثبت السند، والله الموفق.

قاعدة أصولية: المُخَاطِبُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلَّقِ خِطَابِهِ عِندَ الأَكثَرِينَ.

هذه قاعدة أنه يدخل المخاطِب-وهو المتكلم- في خطابه-أي: في كلامهفإذا أمر أو نهى يدخل في هذا إذا سلم من المعارض، فإذا كان هناك قرينة تدل على إخراج المخاطِب، فإنه يخرج من الخطاب.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَسأَلَةٌ: مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ مَن رَغِبَ فِي نِكَاحِهَا وَجَبَ عَلَيهَا إِجَابَتُهُ

من خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أنه إذا رغب في نكاح امرأة وجب عليها إجابته وليس لها أن تمتنع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَسأَلَةٌ: هل يجب على النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يقسم لنسائه أم من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه لا يجب عليه؟

قولان في المسألة، والذي رجحه ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أنه يجب عليه القسم لنسائه، فعلى هذا لا خصوصية، واستدل بحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أنها قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ: أَيْنَ أَنَا اليَوْمَ، أَيْنَ أَنَا غَدًا اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي، قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي» رواه البخاري (1389ومسلم (2443).

«أَيْنَ أَنَا اليَوْمَ، أَيْنَ أَنَا غَدًا» يريد يوم عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فأذِنَّ له أن يبقى في بيت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ جميعًا.

وتقول عائشة: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ» رواه أبو داود (2135وهو في «الصحيح المسند» (1607) لوالدي رَحِمَهُ الله.

والقول الثاني: أنه لا يجب، وهذا هو الصحيح، فمن خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه لا يجب عليه أن يقسم لنسائه، قال الله تَعَالَى: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾، وأما حديث عائشة المذكور وما في معناه فهذا من ورع النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وحرصه على العدل بين نسائه، لا على سبيل الوجوب، فهذا حال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع نسائه التزام العدل لا على سبيل الوجوب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَسأَلَةٌ: هَل مِنَ الخَصَائِصِ أَنَّ مَن أَعتَقَهَا يَكُونُ عِتقُهَا صَدَاقَهَا؟

عد بعضهم من الخصائص النبوية: أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق الأمة ويتزوجها، ويجعل عتقها صداقها، والصحيح كما ذكر ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المعاد»(1/109) أنه لا اختصاص في ذلك، فالحكم عام.

الخميس، 29 ديسمبر 2022

(48) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 

هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَحرُمُ عَلَيهِ أَكلُ البَصَلِ وَالثُّومِ وَالكُرَّاثِ أَو يُكرَهُ؟

عد بعضهم هذا من الخصائص، ودليل هذا حديث جابر أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «كُل، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن  لا تُنَاجِي» رواه البخاري (855ومسلم (564).

وقد رجح الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أن أكل البصل والثوم وكذا ما له رائحه كريهة ليس بحرام على النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، ولكنه كان مكروهًا في حقه، واستدل لذلك بحديث أبي أيوب وفي آخره: «أَحَرَامٌ هُو؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنِّي أَكرَهُهُ» فَقَالَ: إِنِّي أَكَرُهُ مَا كَرِهتَ».

ودليل الجواز حديث جابر، وحديث أبي أيوب، كذلك عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في «صحيح مسلم»(567وفيه قال: أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا.

 

وليس مكروهًا في حقِّنا أكل الثوم والبصل؛ لقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُل، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن  لا تُنَاجِي».

أما ما جاء عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وشريك بن حنبل في تحريم الثوم النيء، رواه أبو داود (3828والترمذي (1809)، فهذا أعله أبو حاتم كما في «العلل»(4/366).

 

والممنوع دخول المسجد لمن أكل ذلك نيئًا وكذا مجالس الناس، كما ثبت عن أنس بن مالك قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلا يَقْرَبْنَا-أَوْ: لا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا رواه البخاري (856ومسلم (562).

 وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، الحديث وفيه قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا» رواه مسلم (565).

أما بالنسبة لنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكما تقدم أن حديث أبي أيوب دليل على أنه ليس بحرام عليه، ولكن كان يكره أكله جِبِلَّةً، كما في رواية: «أَحَرَامٌ هُو؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنِّي أَكرَهُهُ» وأيضًا لأن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان يأتيه جبريل بالوحي كما في الرواية هنا: «كُل، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن لَّا تُنَاجِي»

قال الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم»(14/9): وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ الثُّومَ دَائِمًا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ مَجِيءَ الْمَلَائِكَةِ وَالْوَحْيِ كُلَّ سَاعَةٍ. اهـ.

وهذا دأب النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الابتعاد والتنزه عن أكل ما له رائحة كريهة.

ولهذا لما كَانَ النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، قَالَتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَتَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ»، فَنَزَلَ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ [التحريم: 1] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تَتُوبَا [التحريم: 4] لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا [التحريم: 3لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا». رواه البخاري (5268ومسلم (1474) واللفظ له.

 وهذا من حسن أخلاق النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مع أهله وليْنِهِ معهم، امتنع عن شراب العسل وحلف ألَّا يعود لشراب العسل؛ إرضاءً لأهله، كما قال ربنا عَزَّ وَجَل: ﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ [التحريم: 1]. والمغافير: مادة كالصمغ لها رائحة كريهة، والنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لم يشرب مغافير، ولكنه شرب عسلًا، لكن هذا من حِيل النساء ومكرِهِنَّ؛ بسبب جبلة الغيرة، فتواطأت عائشة وحفصة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا على قول: «إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ ».

 قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح صحيح مسلم»(10/76): وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ تُوجَدَ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ. اهـ.

ولحرص النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ على طيب رائحته ورائحة فمه، كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك، وإذا استيقظ من النوم بدأ بالسواك، فالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان حريصًا على السواك؛ لتطهيره الفم ونظافته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 قَد يَترُكُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعضَ الأَكلِ لِأَنَّهُ يَعَافُهُ جِبِلَّةً

من الأشياء التي كره أكلها النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الضب، لا أنه محرم عليه.

روى البخاري (5400)، ومسلم (1945) عَنْ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ضَبٌّ، فَأَمْسَكَ يَدَهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: «لا، وَلَكِنَّهُ لاَ يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ.

«أَعَافُهُ» يعافه جبلة، وهذا دليل على جواز أكل الضب، وكما قال عبد الله بن عباس: «فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رواه البخاري (2575ومسلم (1947).

وفي رواية «لَستُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ تحريم أَكلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا؟

عد بعضهم من الخصائص أنه يحرم عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأكل متكئًا؛ لما رواه البُخَارِيُّ عَن أَبِي جُحَيفَةَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا»، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الحديث فيه إخبار عن سنة تركية من فعل النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وليس فيه النهي، فيكره ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ولغيره، وليس هناك خصوصية.

أما معنى الاتكاء: فمنهم من فسر الاتكاء بالاضطجاع، ومنهم من فسره بالتربع كما فسره الخطابي رَحِمَهُ اللهُ وغيره من أهل اللغة، ومنهم من قال: المراد الِاتِّكَاءُ عَلَى إِحْدَى يَدَيْهِ وَأَكْلُهُ بِالْأُخْرَى، قال ابن القيم في «زاد المعاد»: وَالثَّلَاثُ مَذْمُومَةٌ.

والصحيح أن الاتكاء المذكور في حديث أبي جحيفة المراد به: الميل على أحد الجانبين، نفس الاتكاء الذي في حديث أبي بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ»، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى قُلْتُ: لا يَسْكُتُ. رواه البخاري (5976ومسلم (87فهذا الحديث يفسر المراد بالاتكاء الذي لا يأكل النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وهو يفعله، وقد ذهب إلى هذا جماعة من أهل العلم، ورجحه الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ وذكر نحو ما تقدم، وهو قول الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُم اللهُ، وقد ذُكِر مصادر أقوالهم في أصل هذا المختصر، وبالله التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ نُهِيَ عَن طَعَامِ الفَجأَةِ؟

طعام الفجأة، ويقال: الفُجَاءَة، قال ابن القيم في «مدارج السالكين»(1/138) عن طعام الفجاءة: وَذَوْقِ طَعَامِ الْفُجَاءَةِ، وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي تَفَجَّأَ آكِلُهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْعُوَكَ إِلَيْهِ. اهـ.

فهذا معنى طعام الفجاءة، كأن يمر شخص بأناس يأكلون فيدعونه؛ ليأكل، أو يأتي إلى شخص لأمرٍ ما فيأتيه بطعام جاهزٍ؛ ليأكل.

قال البيهقي في «السنن»(7/108): وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ بِنَفْيِ التَّخْصِيصِ الَّذِي تَوَهَّمَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي طَعَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.

 ثم أخرج حديث جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-وقد بوب عليه أبو داود في «سننه» (بَابٌ فِي طَعَامِ الْفُجَاءَةِ)(3762)-، أَنَّهُ قَالَ: «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِعْبٍ مِنَ الْجَبَلِ وَقَدْ قَضَى حَاجَتَهُ، وَبَيْنَ أَيْدِينَا تَمْرٌ عَلَى تُرْسٍ أَوْ حَجَفَةٍ، فَدَعَوْنَاهُ، فَأَكَلَ مَعَنَا وَمَا مَسَّ مَاءً».

والحديث سنده ضعيف؛ فيه أبو الزبير مدلس وقد عنعن.

 قال الخطابي رَحِمَهُ اللهُ في «معالم السنن»(4/242) عن حديث جابر: دلالةُ هذا أن طعام الفجأة غير مكروه، إذا كان الآكل يعلم أن صاحب الطعام قد تسره مساعدته إياه على أكله، ومعلوم أن القوم كانوا يفرحون بمساعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم ويتبركون بمؤاكلته، وإنما جاءت الكراهة في طعام الفجأة إذا كان لا يؤمن أن يشق ذلك صاحب الطعام ويشق عليه، ولعله إنما يعرض طعامه إذا فجأه الداخل عليه؛ استحياء منه لا إيجابًا له، والله أعلم. اهـ.

أي: ليس بطيبة نفس، مع أن الحديث في النهي عن طعام الفجاءة سنده ضعيف، ولكن إذا شعر من نفسه أنهم يكرهون أن يأكل معهم فلا يأكل.

ومما يدل على جواز طعام الفجأة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ الأَشْعَثُ وَهْوَ يَطْعَمُ فَقَالَ: اليَوْمُ عَاشُورَاءُ؟ فَقَالَ: «كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ فَادْنُ فَكُلْ» رواه البخاري (4503ومسلم (1127).

قال البيهقي في «السنن»(7/109): وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْفِي التَّخْصِيصَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

فطعام الفجاءة جائز للشخص أن يأكل منه، ولكن إن شعر أنهم لا يرغبون أن يأكل معهم فيترك ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا طَلَبَ مِن أَحَدٍ طَعَامًا لَيسَ عِندَهُ غَيرُهُ أَن يُبذِلَهُ لَهُ

هذا من الخصائص أنه يجب على من طلب منه النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ طعامًا ليس عنده إلا ذلك الطعام، فعليه أن يبذله للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ؛ صيانة لمهجة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أي: لقلبِه، المهجة: القلب.

والدليل قوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) [الأحزاب: 6]. الآية تشمل هذا المعنى، ولما فِي «الصَّحِيحَينِ»: «لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَن يَحمِي أَرضًا خَاصَّةً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

هذا عده بعضهم من الخصائص أن يجعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له حِمى، أي: مكانًا خاصًّا به، لما رواه البُخَارِيُّ عَنِ الصَّعبِ بنِ جَثَّامَةَ مَرفُوعًا: «لَا حِمَى إِلَّا لِلهِ وَرَسُولِهِ».

ولا يدل هذا على الخصوصية، فيجوز لغير النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أن يخصص لنفسه حمى لمصلحة، كما فعل عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اتخذ حمى الربذة لنَعَم الصدقة.

وهذا رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه»(5/6): عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ: حَمَى الرَّبَذَةَ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ، والأثر صحيح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ يَقبَلُ الهَدَايَا لِانتِفَاءِ التُّهمَةِ بِخِلِافِ غَيرِهِ مِنَ الأُمَرَاءِ

من الخصائص أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل الهدية لِانتِفَاءِ التُّهمَةِ وهي عدم القضاء بالعدل؛ لأنه قد يميل إلى الذي أهدى له ولو بالباطل، بخلاف غيره من الأمراء.

وقد ورد حديث: «أَنَّ هَدَايَا العُمَّالِ غُلُولٌ» رواه الإمام أحمد (39/14) عن أبي حميد الساعدي، وفيه إسماعيل بن عياش ضعيف إذا روى عن غير الشاميين، وقد روى هنا عن غير شامي. و ينظر تحقيق «مسند أحمد».

 وفي «صحيح البخاري»(6636) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا، فَجَاءَهُ العَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَالَ لَهُ: «أَفَلاَ قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لاَ؟» ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ العَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ، فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لا» الحديث. يعني: ما أعطي إلا لأنه في القضاء، فلو أنه ليس له منصب ما أُعطي، والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُعطِي عَطَاءً وَهُوَ يُرِيدُ المُكَافَئَةَ بِأَكثَرَ؟

عد بعضهم هذا من الخصائص، وهذا ليس فيه خصوصية الدليل عام ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾. هذا دليل على أن الأولى أنه يعطي من غير طلب المكافأة أو أكثر من ذلك.

ومعنى الآية كما قال السعدي في «تفسيره» (642): أي: ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك أن يربو أي: يزيد في أموالكم، بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها، فهذا العمل لا يربو أجره عند الله؛ لكونه معدوم الشرط الذي هو الإخلاص، ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس، فهذا كله لا يربو عند الله. اهـ.

فهذا لا يكون فيه أجر، إذا كان المقصد المكافأة على الهدية؛ لأنه ليس فيه شرط الإخلاص.

وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾ قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «إعلام الموقعين» (3/136): قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: لَا تُعْطِ عَطَاءً تَطْلُبُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ تُهْدِيَ؛ لِيُهْدَى إلَيْك أَكْثَرُ مِنْ هَدِيَّتِك. اهـ المراد.

فالذي ينبغي أن يعطي العطاء لوجه الله ولا يريد منه جزاء ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) [الإنسان: 9].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 مِن خَصَائِصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَسَائِرُ الأَنبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُم لَا يُورَثُونَ

هذا من خصائصه هو وسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. الشيعة يقولون: يورث النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وأن أبا بكر ظلم فاطمة، ومنعها إرث أبيها، وحرَّفوا هذه الرواية، وقالوا: «مَا تَرَكنَا صَدَقَةً» بالنصب على أن «صدقة» مفعول به، و«ما» نافية، أي: ما تركنا شيئًا من الصدقة، والرواية «مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ» بالرفع، «ما» اسم موصول، «صدقة» خبر، و«تركنا» صلة الموصول، والعائد محذوف، ولقد أحسن الحافظ ابن كثير إذ يقول: وَلَا التِفَاتَ إِلَى خُرَافَاتِ الشِّيعَةِ وَالرَّافِضَةِ؛ فَإِنَّ جَهلَهُم قَد سَارَت بِهِ الرُّكبَانُ.