جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 30 مارس 2019

(6) فوائد من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


عن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَال اللهِ تَعَالَى إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِل الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ». رواه أبو داود.



تقدم الكلام على الفقرة الأولى في هذا الحديث«إِنَّ مِنْ إِجْلَال اللهِ تَعَالَى إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ»في رسالة سابقة.



§     وقوله:«وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه»


قال القرطبي في «مقدمة تفسير القرآن» (1/26):قَالَ أَبُو عُمَرَ:حَمَلَةُ الْقُرْآنِ هُمُ الْعَالِمُونَ بِأَحْكَامِهِ،وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ،وَالْعَامِلُونَ بِمَا فِيهِ.اهـ.


ومعنى:«غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ» أي:أنَّ إكرام حامل القرآن بهذين الشرطين:غير الغالي في القرآن ولا الجافي فيه.


الغلو:مجاوزة الحد،والجفاء:التفريط والتقصير.


قال أبو عبيد القاسم بن سلام في «غريب الحديث» (3/ 483):الغالي فِيهِ هُوَ المُتَعّمِقُ حَتَّى يُخرجهُ ذَلِك إِلَى إكفار النَّاس كنحوٍ من مَذْهَب الْخَوَارِج وَأهل الْبدع. والجافي عَنهُ التارك لَهُ وللعمل بِهِ،وَلَكِن الْقَصْد من ذَلِك.اهـ.


والغلو والجفاء من كيد الشيطان ووساوسه،فنسأل الله أن يجعلنا من أهل الوسط.


وغالبًا أن صاحب الغلو في الدين ينقطع ولا يدوم على حاله،كما روى البخاري (39) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَإِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ،وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ،فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا،وَأَبْشِرُوا،وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ».


قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله في «فتح الباري» (1/ 94):فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى النَّاسُ قَبْلَنَا أَنَّ كُلَّ مُتَنَطِّعٍ فِي الدِّينِ يَنْقَطِعُ.اهـ.


والتنطع:هو الغلو والمجاوزة،وقد أخبر النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بخطورة التنطع في الدين،كما روى الإمام مسلم (2670) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلَاثًا.


والحمد لله مَن كان  النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أسوته في الأقوال والأفعال وسائر الأحوال فإنه يكون آمنًا،ملازمًا للوسطية،ماشيًا على الصراط المستقيم،إنما يكون الغلو والجفاء في حق من أعرض عن الاهتداء بهدي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.



§     وقوله:« وإكرام ذي السلطان المقسط»

المقسط:العادل،والسلطان المقسط له حقوقه،سواء كان خليفة للمسلمين،أو له سُلْطة على جهة خاصة كالوزارة  و ما شابهها.

فمن كان كذلك فلا يجوز إهانته ولا الاستخفاف به،ولا يُعصى إذا أَمر أو نهى،قال الله عَزَّ وَجَل:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59]. وأولي الأمر: الأمراء والعلماء.
والطاعة تكون في حدود الشرع،وفي حدود الطاقة والاستطاعة.

 ومِن تعظيم الله أن يعَظَّمَ من عظَّمه الله وأن يُهان من أهانه الله عَزَّ وَجَل من الكفار والملحدين والمنافقين والفجرة أعداء الدين.

(7) القرآنُ وعلومُه


          جواز ميل النفس إلى بعض القرآن أكثر



عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ: بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لاَ تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا، وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الخَبَرَ، فَقَالَ: «يَا فُلاَنُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ:«حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ».
أخرجه البخاري(2/330) معلَّقا ،ولكن قد وصله الترمذي والبيهقي كما في«فتح الباري».



-----------------------------------

هذا الحديث العظيم يستفادُ منه:

·     جَوَازُ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْقُرْآنِ بِمَيْلِ النَّفْسِ إِلَيْهِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ هِجْرَانًا لِغَيْرِهِ قَالَه ابن المنير  كما في فتح الباري.


·     أن القرآن يتفاضل فبعضُه أفضلُ من بعض.

 وهذا هُوَ الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ السَّلَفِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ كما في مجموع الفتاوى (17/ 13) لشيخ الإسلام .


وقد وضَّحَ الشيخ ابن عُثيمين رحمه الله في«شرح بلوغ المرام»(5/638)شرح حديث(سبحان الله عدد خلقه..)المرادَ من تفاضل القرآن بعضه على بعض.

فقال:القرآن يتفاضل من حيث المدلولِ،بعضه يؤثر تأثيرًا عظيمًا على القلب إذا سمعه،ومن حيث الأُسلوب والفصاحة والبلاغة وغير ذلك .

ومن حيث  المتكلِّم به فهو لا يتفاضل،لأن المتكلم به واحد وهو الله عز وجل.

قال:فعلى هذا التفصيل ،يتفاضل من حيثُ المعنى،ولا يتفاضل من حيث المتكلم اهـ.



·     قال ابن القيم في«مفتاح دار السعادة»(77):فيه دليل على أن من أحب صِفَات الله أحبه الله وَأدْخلهُ الْجنَّة.

والجهمية أشدُّ النَّاس نفرة وتنفيرا عَن صِفَاته ونعوت كَمَاله، يعاقبون ويذمون من يذكرهَا ويقرؤها ويجمعها ويعتني بهَا،وَلِهَذَا لَهُمُ المقت والذم عِنْد الأمة وعَلى لِسَان كلِّ عَالم من عُلَمَاء الإسلام،وَالله تَعَالَى أشد بغضا ومقتا لَهُم جَزَاء وفَاقا.

وفيه غير ذلك من الفوائد.

الأحد، 24 مارس 2019

(53) دُرَرٌ مِنَ النَّصَائِحِ




            الخير في لزوم السنة وإن كان العمل قليلًا



قال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء (3/84):

 الدِّيْنُ يُسْرٌ، فَوَاللهِ إِنَّ تَرْتِيْلَ سُبُعِ القُرْآنِ فِي تَهَجُّدِ قِيَامِ اللَّيْلِ.

 مَعَ المُحَافَظَةِ عَلَى النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ، وَالضُّحَى، وَتَحِيَّةِ المَسْجِدِ.

 مَعَ الأَذْكَارِ المَأْثُوْرَةِ الثَّابِتَةِ، وَالقَوْلِ عِنْدَ النَّوْمِ وَاليَقَظَةِ، وَدُبُرَ المَكْتُوبَةِ وَالسَّحَرِ.

 مَعَ النَّظَرِ فِي العِلْمِ النَّافِعِ وَالاشْتِغَالِ بِهِ مُخْلَصًا للهِ.



 مَعَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَإِرْشَادِ الجَاهِلِ وَتَفْهِيْمِهِ، وَزَجْرِ الفَاسِقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

 مَعَ أَدَاءِ الفَرَائِضِ فِي جَمَاعَةٍ بِخُشُوْعٍ وَطُمَأْنِيْنَةٍ وَانْكِسَارٍ وَإِيْمَانٍ.

 مَعَ أَدَاءِ الوَاجِبِ، وَاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ، وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالاسْتِغْفَارِ، وَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالتَّوَاضُعِ، وَالإِخْلاَصِ فِي جَمِيْعِ ذَلِكَ، لَشُغْلٌ عَظِيْمٌ جَسِيْمٌ، وَلَمَقَامُ أَصْحَابِ اليَمِيْنِ وَأَوْلِيَاءِ اللهِ المُتَّقِيْنَ، فَإِنَّ سَائِرَ ذَلِكَ مَطْلُوْبٌ.



وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَزُمَّ نَفْسَهُ فِي تَعَبُّدِهِ وَأَوْرَادِهِ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، يَنْدَمُ وَيَتَرَهَّبُ وَيَسُوْءُ مِزَاجُهُ، وَيَفُوْتُهُ خَيْرٌ كَثِيْرٌ مِنْ مُتَابَعَةِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ الرَّؤُوْفِ الرَّحِيْمِ بِالمُؤْمِنِيْنَ، الحَرِيْصِ عَلَى نَفْعِهِم.

 وَمَا زَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلِّمًا لِلأُمَّةِ أَفْضَلَ الأَعْمَالِ، وَآمِرًا بِهَجْرِ التَّبَتُّلِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِهَا، فَنَهَى عَنْ سَرْدِ الصَّوْمِ، وَنَهَى عَنِ الوِصَالِ، وَعَنْ قِيَامِ أَكْثَرِ اللَّيْلِ إِلاَّ فِي العَشْرِ الأَخِيْرِ، وَنَهَى عَنِ العُزْبَةِ لِلْمُسْتَطِيْعِ، وَنَهَى عَنْ تَرْكِ اللَّحْمِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.

فَالعَابِدُ بلا مَعْرِفَةٍ لِكَثِيْرٍ مِنْ ذَلِكَ مَعْذُوْرٌ مَأْجُوْرٌ، وَالعَابِدُ العَالِمُ بِالآثَارِ المُحَمَّدِيَّةِ، المُتَجَاوِزِ لَهَا مَفْضُوْلٌ مَغْرُوْرٌ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى  أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ.


أَلْهَمَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ حُسْنَ المُتَابَعَةِ، وَجَنَّبَنَا الهَوَى وَالمُخَالَفَةَ.

(37)سنينٌ من حياتي مع والديْ وشيخي مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله



فتنةُ المال


تقول طالبة علم:إن زوجها يرغب أن يفتح له تجارة لينفق على طلبة العلم.

فأخبرت والدي.فأنكر ذلك وقال:قد قال غيرُ واحدٍ بذلك .ثم أخذتهم الدنيا.



التشبه بالكفار


تقولُ امرأة:يوجد عند الكفار كل وقتٍ مَوْضَة فإذا انتقلوا إلى الموضة الأُخرى هل للمسلمات لبس الأول؟

قدَّمت هذا السؤل لوالدي .فقال:لا يصلح هذا،ما كان من خصائص الكفار فهو تشبه.



مِنْ مسائل النساء


قدَّم رجلٌ في الدرس ورقةً يذكر فيها أن امرأته في أوائل حملِها وتشتهي بعض الأطعمة،وشَعر والدي رحمه الله من السائل الاستخفاف بها وأنه غير صحيح؟

فأجابه والدي رحمه الله مغضَبًا من استخفافه وعدم تلبيتِه لطلبِها وقال:اعطها ،أين الرحمة؟!




قوله تعالى:﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾  



كنا نستدل بقول الله تعالى:﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾  [البقرة: 282] على أنَّ تقوى الله من أسباب نيل العلم.

فأفادني والدي رحمه الله  بقوله: ذكر بعض الكاتبين أن ابن القيم يقول:ليس في الآية دليل على هذا،لأنَّ قوله سبحانه:﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾لا تتعلَّقُ بما قبلها.



قلت: قال ابن القيم رحمه الله في«مفتاح دار السعادة»(493):العملُ بالعلم من أعظم أسباب حفظه وثباته، وتضييعُ العمل به إضاعةٌ له، فما استُدِرَّ العلمُ ولا استُجلِبَ بمثل العمل، قال الله تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾  [الحديد: 28].

وأما قولُه تعالى:﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾[البقرة: 282]، فليس من هذا الباب، بل هما جملتان مستقلَّتان: طلبيَّة، وهي الأمرُ بالتقوى،وخبريَّة، وهي قولُه تعالى: ﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾،أي: والله يعلِّمُكم ما تتقون. وليست جوابًا للأمر، ولو أريد بها الجزاءُ لأُتِيَ بها مجزومةً مجرَّدةً عن الواو، فكان يقول: "واتقوا الله يعلِّمْكم"، أو: "إن تتقوه يعلِّمْكم"، كما قال:{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال: 29]، فتدبَّره.

 وينظر «مجموع الفتاوى»(18/177)لشيخ الإسلام. 




الأسنان النظيفة

كان والدي رحمه الله  يحث على نظافة الأسنان ويقول: احرص على نظافة أسنانك،والذي أسنانه نظيفة تجمِّلُه ولو كان أسود اللون.

(1)إن من الشعر لحكمة


                     
                               اغتنامُ الفُرَصِ




قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:


إذَا هَبَّتْ رِيَاحُك فَاغْتَنِمْهَا . فَإِنَّ لِكُلِّ خَافِقَةٍ سُكُونُ


وَلَا تَغْفُلْ عَنْ الْإِحْسَانِ فِيهَا . فَمَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ


وَإِنْ دَرَّتْ نِيَاقُك فَاحْتَلِبْهَا . فَمَا تَدْرِي الْفَصِيلُ لِمَنْ يَكُونُ




فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَجِّلَ حَذَرَ فَوَاتِهِ، وَيُبَادِرَ خِيفَةَ عَجْزِهِ.


 وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ فُرَصِ زَمَانِهِ، وَغَنَائِمِ إمْكَانِهِ، وَلَا يُهْمِلُهُ ثِقَةً بِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، فَكَمْ وَاثِقٍ بِقُدْرَةٍ فَاتَتْ فَأَعْقَبَتْ نَدَمًا، وَمُعَوِّلٍ عَلَى مُكْنَةٍ زَالَتْ فَأَوْرَثَتْ خَجَلًا.


[المرجع /أدب الدنيا والدين  203 للماوردي].

(25) العلم وفضلُه


                    مِنْ فضائل العلم





ذكر ابن القيم رحمه الله في« مفتاح دار السعادة»(1/129)فضل ميراث الْعلم على ميراث المَال من أربعين وجهًا.


 منها: أن الْعلم يحرس صَاحبَه وَصَاحب المَال يحرس مَالَه.اهـ





وتوضيحُ هذه العبارة السابقة: أنَّ العلم لا يُتعب صاحبه في الحراسة.


 فإذا رزقك الله علمًا فمحله في القلب لا يحتاج إلى صناديق أو مفاتيح أو غيرها، هو في القلب محروس، وفي النفس محروس، وفي الوقت نفسه هو حارس لك، لأنه يحميك من الخطر بإذن الله  عز وجل  فالعلم يحرسك.


 ولكن المال أنت تحرسه تجعله في صناديق وراء الأغلاق، ومع ذلك تكون غير مطمئنٍ عليه.كذا في كتاب العلم لابن عثيمين (14)رحمه الله.


الجمعة، 22 مارس 2019

(69)فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير رحمه الله


                   [سورة الأنبياء (21):الآيات 57 الى 63]


﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ(57)فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ(58)قالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ(59)قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ(60)قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ(61)

قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ(62)قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ(63)﴾.



﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾قال ابن كثير:أَيْ لَيَحْرِصَنَّ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَكْسِيرِهِمْ بَعْدَ أَنْ يُوَلُّوا مُدْبِرِينَ، أَيْ إِلَى عِيدِهِمْ، وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ.

﴿فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً﴾قال ابن كثير:أَيْ:حُطَامًا كَسَّرَهَا كُلَّهَا

﴿إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ﴾يَعْنِي إِلَّا الصَّنَمَ الْكَبِيرَ عِنْدَهُمْ.

﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾(أي:إلى الصنم الكبير)قال ابن كثير:«ذَكَرُوا أَنَّهُ وَضَعَ الْقَدُومَ (الآلة التي يُكسَّر بها)فِي يَدِ كَبِيرِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي غَارَ لِنَفْسِهِ، وَأَنِفَ أَنْ تُعْبَدَ مَعَهُ هَذِهِ الْأَصْنَامُ الصِّغَارُ فَكَسَّرَهَا»

﴿قالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾قال ابن كثير:أَيْ فِي صَنِيعِهِ هَذَا.

﴿قالُوا سَمِعْنا﴾قال ابن كثير:أَيْ قَالَ مَنْ سَمِعَهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَيَكِيدَنَّهُمْ.

﴿سَمِعْنَا فَتًى﴾أَيْ:شَابًّا.

﴿يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ﴾بالعيب والسب والتنقص وأنها لا تنفع ولا تضر.

﴿قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾قال ابن كثير:أي على رؤوس الْأَشْهَادِ فِي الْمَلَإِ الْأَكْبَرِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم عليه السّلام أن يبين فِي هَذَا الْمَحْفِلِ الْعَظِيمِ كَثْرَةُ جَهْلِهِمْ وَقِلَّةُ عَقْلِهِمْ فِي عِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ. الَّتِي لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا ضَرًّا، وَلَا تَمْلِكُ لَهَا نَصْرًا، فَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟

﴿قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾كبير الأصنام هو الذي كسرها يقوله توبيخًا لهم.

﴿فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا أَنْ يُبَادِرُوا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ فَيَعْتَرِفُوا أَنَّهُمْ لَا ينطقون، وأن هَذَا لَا يَصْدُرُ عَنْ هَذَا الصَّنَمِ لِأَنَّهُ جَمَادٌ.اهـ



هذه الآيات في شأن نبي الله إبراهيم ودعوته إلى توحيد الله عزوجل ومحاجته  لقومه في عبادتهم للأصنام وأنها حقيرة لا تستحق أن تعبد من دون الله عز وجل،وكما قال تعالى:﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) ﴾
وقال عزوجل عن نبيه إبراهيم:﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) ﴾[مريم]وقال تعالى :﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) ﴾ [الأعراف]. 
وقال سبحانه: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ [يس:75]. وقال تعالى: ﴿وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ [الأعراف:192].
 وفي آيات أخرى يحاجُّ  ربنا سبحانه المشركين أن معبوديهم من دون الله  ليس لهم ملك .قال الله عز وجل وهو أصدق القائلين:﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر:13]. وقال عز وجل: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ:22].

 أي:من كان يفقد ذلك فلا سمع له ولا بصر ولا كلام ،وليس بيده الضر والنفع  ،ولا بيده الملك فإنه لا يستحق أن يُتَّخذ إلهًا من دون الله سبحانه ،الذي يستحق العبادة هو الله وحده لأن بيده الضر والنفع ويتكلم ويسمع ويبصر،وبيده الملك وهو على كل شيء قدير.


فائدة:ذكر ابن كثير رحمه الله أثرًا  عن ابن عباس في تفسير هذه الآيات


قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ قَابُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:مَا بَعَثَ الله نبيا إلا شابا ولا أوتي الْعَلَمَ عَالِمٌ إِلَّا وَهُوَ شَابٌّ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ﴿ قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ﴾.

و(مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ)الطائي.
(سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ)صاحب السنن.
(جرير بن عبدالحميد)الضَّبِّي.
(قَابُوسٍ)ابن أبي ظبيان ضعيف.
(عن أَبِيهِ)أبو ظبيان.
 إسناده ضعيف بسبب قابوس.







شرح كتاب «التبيان في آداب حملة القرآن»


الدرس السابع من «كتاب التبيان في آداب حملة القرآن»  
 
15/من شهر رجب/ لعام 1440هـ.
 https://drive.google.com/file/d/16JnNX00ze1-2KUx-LjuBpNn_6PD9H1CJ/view?usp=sharing

(19)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي


             اهتِمامُ الطَّالبِ بحِفْظِ ما ألقاه عليه مُعَلِّمُه



قال الخطيب رحمه الله في«الفقيه والمتفقه»(2/202): يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ مَا يَحْفَظُهُ،وَيَسْتَعْرِضَ جَمِيعَهُ كُلَّمَا مَضَتْ لَهُ مُدَّةٌ ، وَلَا يَغْفُلُ ذَلِكَ. 


فَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا عَلَّمَ إِنْسَانًا مَسْأَلَةً مِنَ الْعِلْمِ  سَأَلَهُ عَنْهَا بَعْدَ مُدَّةٍ، فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ حَفِظَهَا عَلِمَ أَنَّهُ مُحِبٌّ لِلْعِلْمِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَزَادَهُ.

وَإِنْ لَمْ يَرَهُ قَدْ حَفِظَهَا وَقَالَ لَهُ الْمُتَعَلِّمُ: كُنْتُ قَدْ حَفِظْتُهَا فَأُنْسِيتُهَا.

أَوْ قَالَ: كَتَبْتُهَا فَأَضَعْتُهَا. أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ .اهـ



قلت:حفظ الطالب ما ألقاه معلِّمه دليلٌ على محبته للعلم وهمَّتِه واجتهاده.

وعدم حفظه له علامة على إهمالِه وضعف عزيمته.


وقد كان والدي رحمه الله سالِكًا لهذه الطريقة معنا ومع سائر تلاميذه في تعاهد المعلومات التي ألقاها علينا ومذاكرتها لنا ما بين الحِيْنِ والآخر،وهذا فيه فائدتان:



تشجيعُ النفسِ على المذاكرة والمراجعة لوجودِ مَنْ يتعاهد ويُعِيْنُ.

تيسيرُ حفظِ المعلومة وارتساخِها من غير كُلْفة ولا مشقة.
  

وكان رحمه الله رُبَّما سأل متى عهدنا بهذه المسألة ،أو بهذا الحديث؟


وقد يُعاتِبُ من لم يُجِبْ،تحريضًا له على الاهتمام بالعلم النافع.

الثلاثاء، 19 مارس 2019

(9)الآداب


              
                     من حقوق الوالِدَيْنِ الدعاء لهما




عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ "رواه مسلم(1631).




قال الطيبي في «شرح مشكاة المصابيح» (1/361): المعنى إذا مات الإنسان لا يكتب له بعده أجر أعماله لأنه جزاء العمل وهو ينقطع بموته إلا فعلًا دائم الخير مستمر النفع.

 مثل: وقف أرض، أو تصنيف كتاب، أو تعليم مسألة يعمل بها، أو ولد صالح ،وكل منها يلحق أجره إليه.

 وإنما جعل ولد صالح من جنس العمل، لأنه هو السبب في وجوده وسبب لصلاحه بإرشاده إلى الهدى.


 كما جُعل نفس العمل في قوله تعالى:{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ }[هود: 46].


وأما فائدة القيد بـ<الولد يدعو له> مع أن الغير من المسلمين لو دعا له لنفعه أيضًا فزيادة للبيان ،وتحريض للولد على الدعاء وأنه كالواجب عليه. اهـ


الاثنين، 18 مارس 2019

(8)الآداب


جواز الدعاء على الظالم المعيَّن



قال تعالى: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا [النساء:148].



عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: شَكَا أَهْلُ الكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ.

فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ«فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ العِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ».

 قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الكُوفَةِ وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي القَضِيَّةِ.

 قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ:اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالفِتَنِ، وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ .

 قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ.رواه البخاري(755)،ومسلم (453).





عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ، فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، اللهُمَّ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا، قَالَ: «فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا». رواه الإمام مسلم (1610).



نستفيد مما تقدم :


جواز دعاء المظلوم على من ظلَمَه.

 قال الحافظ في«فتح الباري»(755)في ذكرفوائد حديث سعد بن أبي وقاص:فِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ الْمُعَيَّنِ بِمَا يَسْتَلْزِمُ النَّقْصَ فِي دِينِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ طَلَبِ وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى نِكَايَةِ الظَّالِمِ وَعُقُوبَتِهِ.اهـ



استجابة الله دعاء هذين الصحابيَّين الجلِيلَيْنِ على من ظلمهما.


والأولى عدمُ الدعاء على الظالم،لأن الدعاء فيه نوع انتصار للنفس.وقد قال ربنا سبحانه:﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾[الشورى].


وينبغي الدعاء للظالم بالهداية والرجوع إلى الله سبحانه.


اللهم إنا نعوذ بك أن نَظْلِمَ أو نُظْلَم.