جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 29 أغسطس 2021

(16)من أحاديث السيرة الضعيفة والموضوعة

 

قال ابن القيم رحمه الله في« زاد المعاد»(3/87): وَكَانَ يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ، وَأَمْرِ الْعَدُوِّ، وَتَخَيُّرِ الْمَنَازِلِ، وَفِي «الْمُسْتَدْرَكِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

قلت: حديث أبي هريرة أخرجه ابن وهب في « الجامع»(288) بسند  رجاله ثقات، ولكنه منقطع؛ لأنه من طريق الزهري عن أبي هريرة، وقد قال العلائي في «جامع التحصيل»(269): روى عن أبي هريرة وجابر وأبي سعيد الخدري ورافع بن خديج، وذلك مرسل.

وعلَّقه الترمذي في «السنن» (تحت رقم1714) بصيغة التمريض، وذكره الحافظ في « فتح الباري»(13/340)، وقال: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ. اهـ.

ومشورته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه ثابتٌ في أدلة كثيرة؛ امتثالًا لأمر ربه سبحانه، كما قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾[ آل عمران].

ومن أدلة المسألة:

عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ، وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ، قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ، فَقَالَ: «أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ؟! فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ».

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ، فَتَوَجَّهْ لَهُ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، قَالَ: «امْضُوا عَلَى اسْمِ اللهِ» رواه البخاري(4179).


(5) سلسلة النساء الفقيهات

 الفتاةُ التي خُطِبَت لجليبيبٍ وفقهُها

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ . فَقَالَ: نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنٍ.

 فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَسْتُ لِنَفْسِي أُرِيدُهَا. قَالَ: فَلِمَنْ؟ قَالَ:  لِجُلَيْبِيبٍ . قَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا، فَأَتَاهَا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ. قَالَتْ: نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنٍ، زَوِّجْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يُرِيدُهَا لِنَفْسِهِ. قَالَتْ: فَلِمَنْ؟ قَالَ: لِجُلَيْبِيبٍ. قَالَتْ: حَلْقَى أَجُلَيْبِيبٌ إنية؟، مَرَّتَيْنِ، لَا لَعَمْرُ اللهِ لَا أُزَوِّجُ جُلَيْبِيبًا. قَالَ: فَلَمَّا قَامَ أَبُوهَا لِيَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتِ الْفَتَاةُ لِأُمِّهَا مِنْ خِدْرِهَا: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمَا؟ قَالَتْ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَتَرُدُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ، ادْفَعُونِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّعُنِي. فَأَتَى أَبُوهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: شَأْنَكَ بِهَا. فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا، فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَغْزًى لَهُ، وَأَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟، قَالُوا: نَفْقِدُ فُلَانًا، وَنَفْقِدُ فُلَانًا. فَقَالَ النَّبِيُّ: لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَانْظُرُوهُ فِي الْقَتْلَى.

 فَنَظَرُوهُ فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ.

قَالَ: فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، ثُمَّ حَمَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَاعِدَيْهِ، مَا لَهُ سَرِيرٌ غَيْرَ سَاعِدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى حُفِرَ لَهُ، ثُمَّ وَضَعَهُ فِي لَحْدِهِ، وَمَا ذَكَرَ غُسْلًا.

أخرجه أحمد (33/45) بسندٍ صحيح، وقد أخرج مسلم (2472) بعضًا من إسناده مختصرًا.

وهذه الفتاة الرشيدة علَى صِغَرِ سنِّهَا، إلا أنها عرفتْ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي اختارها له، وامتثال أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سعادة، وفيه خيرٌ وبركة.

وينظر الحديث التالي:

عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، تَقُولُ: إِنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةً، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي»، فَآذَنْتُهُ، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو جَهْمٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ، لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ» فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ، أُسَامَةُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَاعَةُ اللهِ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ»، قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ، فَاغْتَبَطْتُ. رواه مسلم (1480).

وقد كانت فاطمة بنت قيس رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قرشية، رفيعة النسب، وأسامة مولى؛ فلهذا قالت: بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ، أُسَامَةُ، لكنها قبلت الزواج به؛ امتثالًا لأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ، فَاغْتَبَطْتُ.

الْغِبْطَةُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: حُسْنُ الْحَالِ وَالْمَسَرَّةِ، كَمَا فِي «الْقَامُوسِ» نقله عنه الشوكاني في «نيل الأوطار»(6/130).

فعلينا أن نعلم أن امتثال أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سعادة، حتى ولو في الأشياء غير اللازمة.

ولننظر إلى قصة الصحابي حزْن، الذي اختار غير ما أرشده إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تغيير اسمه:

 عن المسيَّب بن حزن رضي الله عنهما، أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ»، قَالَ: حَزْنٌ، قَالَ: «أَنْتَ سَهْلٌ»، قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي.

 قَالَ سعيد بْنُ المُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتِ الحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ. رواه البخاري(6190).

في هذا الحديث أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تغييرَ اسم حزن إلى سهل؛ تفاؤلًا بالخير؛ لأن حَزْنًا فيه صعوبة وقسوة وغِلْظَة، فقال حزْنٌ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي.

امتنع من تغيير اسمه؛ لأن هذا كان إرشاد من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس على سبيل الوجوب، ومع ذلك حُرِم بركة الاسم الذي اختاره له النبي صلى الله عليه وسلم، ولازمتهم الحزونة، وصارت موروثة في ذريته.

قَالَ سعيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتِ الحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ.

يُشِيرُ إِلَى الشِّدَّةِ الَّتِي بَقِيَتْ فِي أَخْلَاقِهِمْ، فَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ النَّسَبِ أَنَّ فِي وَلَدِهِ سُوءَ خُلُقٍ مَعْرُوفٌ فِيهِمْ، لَا يَكَادُ يُعْدَمُ مِنْهُمْ.

نقله الحافظ في «فتح الباري» (10/575) عن بعضهم.

الخميس، 26 أغسطس 2021

(23)الآداب

 

عَدَمُ الإيماءِ بالعَيْن

عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في شأن الذي اشتد قتاله في الصحابة، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا إِنْ جَاءَ اللَّهُ بِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مُنْذُ الْيَوْمَ يَحْطِمُنَا لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجِيءَ بِالرَّجُلِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُبْتُ إِلَى اللَّهِ، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُبَايِعُهُ، لِيَفِيَ الْآخَرُ بِنَذْرِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَتَصَدَّى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَأْمُرَهُ بِقَتْلِهِ، وَجَعَلَ يَهَابُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَقْتُلَهُ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا بَايَعَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَذْرِي؟ فَقَالَ: «إِنِّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْهُ مُنْذُ الْيَوْمَ إِلَّا لِتُوفِيَ بِنَذْرِكَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ».

 رواه أبو داود(3194).

والحديث حسن؛ من أجل نافع أبي غالب، وقد ذكرالحديث والدي في «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين»( 119).

وفيه تنزيه الأنبياء عن الإيماضِ بالعين.

قال الخطابي في «معالم السنن»(1/314): الإيماض الرمز بالعين والإيماء بها، ومنه وميض البرق وهو لمعانه.

ومعنى «لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ»: أنه لا يجوز له فيما بينه وبين ربه عز وجل أن يضمر شيئا ويظهر خلافه؛ لأن الله تعالى إنما بعثه بإظهار الدين وإعلان الحق، فلا يجوز له ستره وكتمانه؛ لأن ذلك خداع، ولا يحل له أن يؤمن رجلا في الظاهر ويخفره في الباطن. اهـ.

ولا يعني هذا أنه من خصائص الأنبياء، فقد قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾[ الأنعام: 90].

ولكنه يدل على رفيع مكانة الأنبياء وتنزيههم عن هذه الصفة، فينبغي التأسي بهم وترك الإيماء بالعين، وهذه العادة اعتادها بعض الناس، وخاصة في تخاطبهم مع أطفالِهم.

 

(35)التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ

شَبَهُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ بِأبِيْهِ إبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: «لَقِيتُ مُوسَى، قَالَ: فَنَعَتَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ - حَسِبْتُهُ قَالَ - مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، قَالَ: وَلَقِيتُ عِيسَى فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: - رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ - يَعْنِي الحَمَّامَ -، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ، قَالَ: وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ، أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ».

أخرجه البخاري (3437)، ومسلم (168).