جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 30 يونيو 2021

(32)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي

 

محافظة طالب العلم وطالبَتِهِ على الوقت

 

قال السيوطي رحمه الله في حثِّ طالب العلم على المحافظة على وقتِه:

حَدَّثَنَـــــــا شَيْخُنَـــــــا الْكِنَـــــــــــانِيْ

...

عَنْ أَبِهِ صاحِبِ الْخِطابَهْ

أَسْرِعْ أَخَا الْعِلْمِ فِيْ ثلاثٍ

...

الأَكْلِ وَالْمَشْيِ وَالْكِتَابَـــــــهْ

«الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة» (1/230) ترجمة السيوطي.

وليس المراد: الإسراع المخل بالكتابة، والشَّره في الأكل، والمشي المنافي للاعتدال.

الثلاثاء، 29 يونيو 2021

(2) سلسلة النساء الفقيهات

 

مِنْ فِقْهِ سلمى امرأة أبي رافع رضي الله عنهما

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: أَتَتْ سَلْمَى مَوْلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ امْرَأَةُ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَأْذِنُهُ عَلَى أَبِي رَافِعٍ قَدْ ضَرَبَهَا. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي رَافِعٍ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَبَا رَافِعٍ؟  قَالَ: تُؤْذِينِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ آذَيْتِيهِ يَا سَلْمَى؟  قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا آذَيْتُهُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّهُ أَحْدَثَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا رَافِعٍ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمُ الرِّيحُ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَقَامَ فَضَرَبَنِي، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ وَيَقُولُ: يَا أَبَا رَافِعٍ إِنَّهَا لَمْ تَأْمُرْكَ إِلَّا بِخَيْرٍ. رواه أحمد (43/360).

والحديث حسن؛ من أجل محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وقد صرَّح بالتحديث.

 

وفي هذا الحديث من الفوائد:

خروج المرأة لحاجتها.

سؤال أهل العلم والتحاكم إلى الشرع عند الاختلاف بين الزوجين.

أن شكوى الغير عند الاستفتاء ليس بداخل في الغيبة، وكما قال تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)﴾[النساء].

أن الحدث من نواقض الوضوء.

استفصال المفتي قبل صدور الفتوى.

الضحك عند وجود السبب.

أن المرأة تأمر زوجها بالمعروف وتنهاه عن المنكر.

وهذا من فقه التعامل بين الزوجين أن أحدهما لا يسكت عن خطأ الآخر.

صولة الحق.

فسلمى امرأة أبي رافع رضي الله عنهما تنكر على زوجها وكان الصواب معها؛ لحُجَّتِها، فالحق له صولة سواء كان من امرأة أو رجل، أو صغير أو كبير، أو رفيعٍ أو وضيع.

 

الاثنين، 28 يونيو 2021

الأحد، 27 يونيو 2021

(55)اختصار الدرس -الأخير-الخامس والخمسين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن

◆◇◆◇◆◇

مراحل جمع القرآن الكريم

على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: جَمْعُ القرآن في عهد النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الصدور، قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الحديث وفيه: قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [القيامة: 17] قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ. رواه البخاري (5ومسلم (448).

وقال صلى الله عليه وسلم: «اسْتَقْرِئُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَبَدَأَ بِهِ، وَسَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ» رواه البخاري (3758ومسلم (2464) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.

هؤلاء الأربعة عُرِفُوا بالحفَّاظ. وكانوا يكتبون القرآن. ويدل لذلك كُتَّاب الوحي الذين كانوا يكتبون للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ» رواه البخاري (2990ومسلم (1869) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ» الحديث رواه مسلم (3004) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وهذا كان في أول الإسلام نُهِيَ عن كتابة شيء من الحديث النبوي؛ خشية أن يختلط بالقرآن.

المرحلة الثانية: جَمْعُ القرآن في زمن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حين خشي أن يذهب القرآن بذهاب حَمَلَتِهِ، فأمر زيد بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما بتتبع القرآن وأن يجمعه، ولكن لم يجمع في مصحف واحد، وبقيت الصحف في بيت حفصة رضي الله عنها.

المرحلة الثالثة: جَمْعُ القرآن في زمن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فقد أخذ الصحف من حفصة رضي الله عنها، وجمعَهَا في مصحف؛ لما وقع من الاختلاف في القراءة، فخشي عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من اختلاهم، وأمرهم بالاجتماع على مصحف واحد، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ، أَنْ يُحْرَقَ. كما ثبت في «صحيح البخاري» (4987)

 وأرسل عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بأربع مصاحف إلى الأمصار، وقيل كانت سبعة.

◆◇◆◇◆◇

تحسين الخط

هذا من آداب الكتابة سواء كتابة المصحف، أو أحاديث النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أو غير ذلك، لكنه في كتابة المصحف أوكد.

فمن آداب الكتابة: تحسين الخط وتوضيحه، وهذا يذكره أهل الحديث في كتبهم، أنه ينبغي للكاتب تحقيق الخط دون مَشْقِه وتعليقه.

تحقيق الخط قال البقاعي في «النكت الوفية» (2/139): يكتبُ كلَّ حرفٍ على ما يحقُّ له منَ التجويدِ. اهـ. التجويد: أي: التحسين.

التعليق قال السخاوي في «فتح المغيث»(3/51): التَّعْلِيقُ وَهُوَ فِيمَا قِيلَ: خَلْطُ الْحُرُوفِ الَّتِي يَنْبَغِي تَفْرِقَتُهَا، وَإِذْهَابُ أَسْنَانِ مَا يَنْبَغِي إِقَامَةُ أَسْنَانِهِ، وَطَمْسُ مَا يَنْبَغِي إِظْهَارُ بَيَاضِهِ. اهـ.

والمشق قال: وَهُوَ خِفَّةُ الْيَدِ وَإِرْسَالُهَا، مَعَ بَعْثَرَةِ الْحُرُوفِ وَعَدَمِ إِقَامَةِ الْأَسْنَانِ، إلى أن قال: فَيَجْتَمِعَانِ فِي عَدَمِ إِقَامَةِ الْأَسْنَانِ، وَيَخْتَصُّ التَّعْلِيقُ بِخَلْطِ الْحُرُوفِ وَضَمِّهَا، وَالْمَشْقُ بِبَعْثَرَتِهَا وَإِيضَاحِهَا بِدُونِ الْقَانُونِ الْمَأْلُوفِ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْكُتَّابِ: مَفْسَدَةٌ لِخَطِّ الْمُبْتَدِي، وَدَالٌّ عَلَى تَهَاوُنِ الْمُنْتَهِي بِمَا يَكْتُبُ. غَيْرَ أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ الْمَشْقَ وَالتَّعْلِيقَ وَإِغْفَالَ الشَّكْلِ وَالنَّقْطِ فِي الْمُكَاتَبَاتِ. اهـ.

◆◇◆◇◆◇

نقط المصحف وضبطه بالحركات

 هذا ليس من المحدثَات، بل هو من حِفْظِ اللهِ لدينِهِ، قال الله تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾ [الحجر].

ولم يكن منقوطًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأسبابٍ، منها: أنهم كانوا يعتمدون على الحفظ، وأيضًا لقلة من يكتب، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «شرح رياض الصالحين»(1/146): الكُتَّاب في ذلك العهد قليلون جدًّا.

◆◇◆◇◆◇

صيانة المصحف واحترامه

من النصيحة لكتاب الله عَزَّ وَجَل صيانته واحترامه.

قال الْإِمَام الْحَافِظ أَبي الفَضْلِ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللهُ: اعْلَمْ أَنَّ مَنِ اسْتَخَفَّ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَوْ سَبَّهُمَا، أَوْ جَحَدَ حَرْفًا مِنْهُ أَوْ كَذَّبَ بِشَيْءٍ مِمَّا صُرِّحَ بِهِ فِيهِ مِنْ حُكْمٍ أَوْ خَبَرٍ، أَوْ أَثْبَتَ مَا نَفَاهُ أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِي شِيءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

ويحرم توسد المصحف؛ تعظيمًا لشعائر الله عَزَّ وَجَل، فيجب الانتباه، فربما بعض النساء تتوسد حقيبتَها وفيها كتب العلم.

ولا يجوز كتابة القرآن بشيء نجس؛ لأن هذا من إهانةِ القرآن، وقد قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾[الحج: 32].

◆◇◆◇◆◇

القيام للمصحف

الصحيح أنه لا يستحب القيام للمصحف إطلاقًا؛ فلم يكن الصحابة يقومون للمصحف، مع أنهم كانوا أشد تعظيمًا للمصحف منا.

بل قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله فِي «الْقَوَاعِدِ»: الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ بِدْعَةٌ، لَمْ تُعْهَدْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. نقله عنه السيوطي في «الإتقان في علوم القرآن» (4/188).

وقال ابن الحاج رحمه الله في «المدخل» (1/263): صِفَةَ التَّعْظِيمِ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، فَكُلُّ مَا عَظَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُعَظِّمُهُ وَنَتَّبِعُهُ فِيهِ، فَتَعْظِيمُ الْمُصْحَفِ قِرَاءَتُهُ، وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ، لَا تَقْبِيلُهُ وَلَا الْقِيَامُ إلَيْهِ، كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ. اهـ.

حكم تقبيل المصحف

استفدنا من كلام ابن الحاج رحمه الله عدم تقبيل المصحف، وقد استُدِلَّ بأثر ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ: أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَضَعُ الْمُصْحَفَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ: كِتَابُ رَبِّي! كِتَابُ رَبِّي. على تقبيل المصحف، وسنده ضعيف، ولو ثبت لما كان فيه حجة؛ لأنه موقوفٌ على عكرمة بن أبي جهل.

والشيخ الألباني في « كيف يجب علينا أن نفسر القرآن » يفيد أنه بدعة، وأنه داخل في حديث: « كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار».

 

◆◇◆◇◆◇

حكم السفر بالمصحف إلى أرض العدو

 لا يجوز إذا خيف وقوعه في أيديهم وامتهانهم له؛ لأن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أرْضِ الْعَدُوِّ.

أما إذا أمن على المصحف فيجوز أن يحمله إلى بلاد الكفار.

◆◇◆◇◆◇

حكم بيع المصحف من الكافر

قال النووي: وَيَحْرُمُ بَيْعُ الْمُصْحَفِ مِنَ الذِّمِّيِّ.

قال الإمام العراقي رحمه الله في «طرح التثريب» (7/218) عن حديث: نَهَى أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أرْضِ الْعَدُوِّ: يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ مَنْعُ بَيْعِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْكَافِرِ؛ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ، وَهُوَ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِاسْتِهَانَةِ بِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ هَلْ يَصِحُّ لَوْ وَقَعَ، اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ، (وَالثَّانِي) إجْرَاءُ الْخِلَافِ الَّذِي فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ فِيهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى عِظَمِ حُرْمَةِ الْمُصْحَفِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ الذُّلِّ عَنْ نَفْسِهِ بِالِاسْتِعَانَةِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ. اهـ.

ولحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ؛ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «أَنْ لاَ يَمَسَّ الْقُرَآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ». رواه مالك في «الموطأ» (680والدارمي (2312).

قال الشيخ الألباني رحمه الله في «تمام المنة» (107): الأقرب-والله أعلم-أن المراد بالطاهر في هذا الحديث هو المؤمن، سواء أكان محدثًا حدثًا أكبر أو أصغر أو حائضًا، أو على بدنه نجاسة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن لا ينجس»، وهو متفق على صحته، والمراد عدم تمكين المشرك من مسه، فهو كحديث: «نَهَى عن السَّفَر بِالْقُرْآنِ إِلَى أرْضِ الْعَدُوِّ». متفق عليه أيضًا. اهـ.

◆◇◆◇◆◇

حكم حمل المجنون والصبي للمصحف

لا يمكَّن المجنون والصبي الذي لا يميِّز من حمل المصحف؛ مخافة من انتهاك حرمته، إلا أن يحمله الصبي ويكون تحت انتباه وليِّهِ فذاكَ.

◆◇◆◇◆◇

حكم مس المصحف للمن عليه حدَث

الحدث: يشمل الحدثين الأصغرَ والأكبرَ.

قَالَ ابن قدامة في «المغني» (199) في شرح قول الخرقي: وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا طَاهِرٌ. يَعْنِي: طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثَيْنِ جَمِيعًا. رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا لَهُمْ إلَّا دَاوُد فَإِنَّهُ أَبَاحَ مَسَّهُ.

وقال شيخ الإسلام، كما في «مجموع الفتاوى» (26/200): مس المصحف يشترط له الطهارة الكبرى والصغرى عند جماهير العلماء، وكما دل عليه الكتاب والسنة. اهـ.

ودليل هذا القول:

قول الله تعالى: ﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) ﴾[الواقعة: 79].

 عن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ؛ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «أَنْ لاَ يَمَسَّ الْقُرَآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ». رواه مالك في «الموطأ» (680والدارمي (2312). وهذا الحديث مرسل، إلا أنه مما تلقي بالقبول.

وقد ذهب إلى أن المحدث حدثًا أصغر يجوز له مس المصحف: ابن عباس، والشعبي، والضحاك، وزيد بن علي، وداود.

وقال أكثر الفقهاء: لا يجوز.

وجنح الإمام الشوكاني في «نيل الأوطار» (1/261) إلى جواز مس المصحف للمحدث، فقد قال بعد مناقشة أدلة المانعين من مس المصحف: إذَا تَقَرَّرَ لَك هَذَا عَرَفْت عَدَمَ انْتِهَاضَ الدَّلِيلِ عَلَى مَنْعِ مَنْ عَدَا الْمُشْرِكِ، وذهب إليه العلامة الألباني في «تمام المنة» (107ووالدي رحمهم الله جميعًا.

والجواب عن قوله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)﴾ [الواقعة: 79أن المراد بهم: الملائكة.

والجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا طاهر) أي: إلا مؤمن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ المُسْلِمَ لا يَنْجُسُ» رواه البخاري (283ومسلم (371) عن أبي هريرة.

 قال الشيخ الألباني: المراد من الحديث: عدم تمكين المشرك من مسه؛ فهو كحديث: «نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو» متفق عليه. اهـ من «تمام المنة» (107).

◆◇◆◇◆◇

حكم طهارة الصبي

قال ابن رجب رحمه الله في «فتح الباري» (8/299): لا نعلم خلافًا أن الصبي المميز تصح طهارته، ويرتفع حدثه، ولو بلغ بعد أن توضأ لجاز أن يصلي بذلك الوضوء الفرض، ولا نعلم في ذلك خلافًا، إلا وجهًا شاذًّا للشافعية، لا تعويل عليه. اهـ.

وأما أمر الصبي المميز بالطهارة عند قراءة القرآن وتعلُّمِهِ، فهذا على الاستحباب، والصبي غير مكلَّف، لكن من باب التمرين له على الطهارة.

 ومن جزم بوجوب أمره بالطهارة، فهذا مبني على أنه لا يجوز مس المصحف إلا على طهارة، أو قال: يجوز قراءة الصبي المميز من غير طهارة؛ للمشقة.

وتقييد الصبي بـالممييز يخرج الصبي غير المميز، قال ابن رجب رحمه الله في «فتح الباري» (8/30): أما من لا تميز له، فلا طهارة له ولا صلاة، ولو توضأ لم يؤثر استعماله في الماء شيئًا. والله أعلم.

ضابط الصبي المميِّز: الصَّبِي الْمُمَيز الَّذِي يفهم الْخطاب ويرد الْجَواب، وَلَا يضْبط بسن بل يخْتَلف باختلاف الأفهام. «تحرير ألفاظ التنبيه» (134) للنووي.

◆◇◆◇◆◇

حكم بيع المصحف وشرائه

هذا جائز؛ لأن الأصل في البيع والشراء الحل، قال الله تَعَالَى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275]. وقد رخص أكثر الفقهاء في بيعها وشرائها. وهو قول الحسن والشعبي وعكرمة، وإليه ذهب سفيان الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، كما في «شرح السنة» للبغوي (8/269).

وقال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «الشرح الممتع» (8/119): الصحيح: أنه يجوز بيع المصحف، ويصح للأصل، وهو الحل، وما زال عمل المسلمين عليه إلى اليوم، ولو أننا حرمنا بيعه لكان في ذلك منع للانتفاع به؛ لأن أكثر الناس يشح أن يبذله لغيره، وإذا كان عنده شيء من الورع وبذله، فإنه يبذله على إغماض، ولو قلنا لكل أحد إذا كنت مستغنيًا عن المصحف، يجب أن تبذله لغيرك لشق على كثير من الناس.

◆◇◆◇◆◇

تاريخ كتابة النووي لكتاب «التبيان في آداب حملة القرآن»

قال رَحِمَهُ الله: ابْتَدَأْتُ فِي جَمْعِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَانِي عَشَرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ، وَفَرَغْتُ مِنْ جَمْعِهِ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْخَمِيسِ الثَّالِثِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ.

هذه تعتبر بركة إلهية، ومِنْحة ربَّانية لهذا العالم الجليل، فقد كتب هذا الكتاب القيم في هذه المدة القصيرة إحدى وعشرين يومًا، وقد جعل الله له البركة في جهوده وتأليفه مع قِصَر عمره، وأنتج وقدم للإسلام مؤلفات كثيرة، مع أنه لم يتجاوز عمره رَحِمَهُ الله فوق الأربعين إلا قليلًا، فهذه بركة عظيمة، وقد كانت ولادته رحمه الله سنة 631، وكانت وفاته سنة676، فعلى هذا يكون مدة حياته 45عامًا، والله أعلم.

وهذا من ثمار الإخلاص، والاجتهاد، والعمل الدؤوب، والإكثار من ذكر الله عَزَّ وَجَل، فهذه أسباب تجعل البركة بإذن الله عَزَّ وَجَل في الأعمار.

وشيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ الله ذكر تلميذه ابن عبد الهادي رَحِمَهُ الله أنه أملى «الحموية الكبرى» بين الظهر والعصر.

والحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله ألف «نخبة الفكر»، رسالة في علم الحديث ألفها وهو في السفر كما قال الصنعاني رَحِمَهُ الله في «قصب السُّكَّر»:

وبَعدُ فَالنُّخْبة في عِلْم الأثــــــــرْ ...       مُخْتصـــــرٌ يَا حَبَّـــــــــــــــذَا مِــــــــــن مخْتصَرْ

ألفها الحافِظُ في حَال السّفــــرْ ...       وهو الشّهابُ بْنُ علِّي بْنُ حجرْ

بركة عظيمة يكتبون من غير مراجع. وشيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ الله كثيرًا من كتبه يكتبها من غير مراجع، وخاصة في فترة محنة السجن، ولا يُثنيهم مشاق السفر، ولا عدم وجود المراجع؛ فعلمهم كان في صدورهم رحمهم الله. والله يختص برحمته من يشاء.

◆◇◆◇◆◇

ليس العبرة بكثرة المحفوظات والمرويَّات

الإمام مالك بن أنس رَحِمَهُ الله يقول في الأثر المشهور: إِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، إِنَّمَا الْعِلْمُ نُورٌ يَجْعَلُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ. أخرجه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1526).

ليس العبرة بكثرة المحفوظات والمرويَّات، نقول: أخذنا، وتعلَّمْنا، ودرسنا: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) [النور]. عافانا الله وإياكم.

فعلينا بالعمل بما استفدنا وتعلَّمنا، فإن العلم والد والعمل مولود، والعلم شجرة والعمل ثمرة، والعلم إمام والعمل مأموم.

وما كانوا يعرفون الطالب بعلمه، وإنما يعرفونه بآدابه وأخلاقه وعبادته وسلوكه.

ولقد ربى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صحابته تربية عظيمة في المسابقة إلى العمل، والاستسلام للدليل؛ فلذا ما كانوا يترددون طرفة عين، أو يقولون: هذا لم نألْفه، أو يقولون: هذا ليس بحرام إنما هو مكروه، كانوا إذا سمعوا الدليل مباشرة يدخلون في العمل، بركة عظيمة، ومن أمثلة ذلك: في ذات مرة نزل الصحابة، وكانوا في سفر مع النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فلما نزلوا تفرقوا كل ذهب إلى جهة، فقال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم منكرًا عليهم: «إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ». فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا منزلًا لو بُسط عليهم ثوب لعمَّهم. الحديث رواه أبو داود (2628) عن أَبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، وهو في «الصحيح المسند» (1211) لوالدي رَحِمَهُ الله.

سبحان الله تطبيقٌ وعمل! هنيئًا لهم، كانوا يطبِّقون كلام النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أشد مما يطبق المريض العاقلُ كلامَ الطبيب الناصح.

وكم نخشى على أنفسنا والله من كثرة تقصيرنا في العمل، والسلف رحمهم الله مع علمهم وتقواهم ومبادرتهم للعمل لا يزالون يتخوفون، ويقولون: ليتنا نجونا من هذا الأمر-يعني: العلم-لا لنا ولا علينا.

قال ابن أبي حاتم رَحِمَهُ الله في «الجرح والتعديل» (1/62): كانوا يتخوفون من أفضل أعمالهم.

فكيف بنا نحن المقصرات في العمل، وقد يكون في أشياء واجبة لا يجوز لنا التقصير فيها؛ ولهذا رَحِمَ الله والدي وغفر له إذ يقول: نخشى والله أن الناس يدخلون الجنة، ونحن عند الأبواب، أو قد ذُهب بنا إلى كذا وكذا، والعياذ بالله.

نسأل الله عَزَّ وَجَل العافية.

وعَالِمٌ بعِلمِهِ لَمْ يَعْمَلَنْ ...       مُعَذَّبٌ مِنْ قَبْلِ عُبَّادِ الوَثَنْ

فعلينا بتفقد أنفسنا ومحاسبتها، وأن نرحمها من أن نعرضها لعذاب الله عَزَّ وَجَل وسخطه ومقته.

انتهت دروس التبيان في آداب حملة القرآن في (55) درسًا، مع اختصارها، ولله الحمد والمنة.