جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 29 يناير 2021

(22)الآداب

من أسباب البركة في الأرزاق

القناعة

عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وكان كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى».

 قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى العَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ.

رواه البخار ي(1472ومسلم (1035).

هذا الحديث يفيد: فضل القناعة، والتعفف عما في أيدي الناس، وأن ذلكَ من أسباب البركة في الأرزاق.

ونتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ.

ففكِّر يا من لا تقنع من الدنيا هل انتفعتَ بذلك؟ أم ازددت عناءً وشقاء واسترقَاقًا للدنيا؟!

فكم دقَّت ورقَّت واسترقَّت. . . فضولُ الرزق أعناق الرجال

فسلِ اللهَ القناعة، ففيها البركة والراحة، ولا تغفل عن هذا الدعاء النبوي: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود.

ومن أسباب البركة في الأرزاق:

المال الحلال

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: الحديث وفي آخره: « فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ، كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ »رواه البخاري(2842ومسلم (1052)واللفظ لمسلم.

«فمن أخذه بحقه»: أي: من كسبٍ حلال.

« وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ»: من كسبٍ حرام وغش وكذب وخداع وتعامل بالربا. . .

الصدق في البيع والشراء والمعاملات

عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا. رواه البخاري(2082ومسلم (1532).

فاحرص على الصدق في تعاملك مع الناس؛ لتجتنب صفة المنافقين، وليبارك الله لك في أرزاقك.

الشكر

فشكر الله مزيدٌ للخير، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)﴾[إبراهيم ].

الدعاء

ومن أدعية النبي صلى الله علسه وعلى آله وسلم: وبارك لي فيما أعطيت.

صلة الأرحام

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»رواه البخاري(2067ومسلم (2557).

اجتناب المعاصي

 فالمعاصي ممحقة للأرزاق، والطاعة سببٌ للمزيد والبركة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)﴾[المائدة].

قال ابن القيم في «الجواب الكافي»(84): مِنْ عُقُوبَاتِهَا-الذنوب-: أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعُمُرِ، وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وَبَرَكَةَ الْعِلْمِ، وَبَرَكَةَ الْعَمَلِ، وَبَرَكَةَ الطَّاعَةِ.

هذه بعض أسباب البركة في الأرزاق. وما أكثر الشكاوى عن نزع البركة في الأرزاق، الأوراق كثيرة، والأرباح غزيرة، لكن بركتها قليلة.

فاحرص أيها المسلم وأيتها المسلمة على بذل الأسباب المشروعة، في بركة الأرزاق. والبركة من الله.

  

الخميس، 28 يناير 2021

(41)اختصار درس الحادي والأربعين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

من آدَابِ القِرَاءةِ

◆◇◆◇◆◇

البكاءُ من خشية الله

قال تَعَالَى: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذقَانِ يَبكُونَ وَيَزِيدُهُم خُشُوعًا﴾[الإِسراءُوقال: ﴿ إِذَا تُتلَى عَلَيهِم آيَاتُ الرَّحمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم].

 عَن عَبدِ اللَّهِ بن مسعودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اقرَأ عَلَيَّ» قَالَ: قُلتُ: أَقرَأُ عَلَيكَ وَعَلَيكَ أُنزِلَ قَالَ: «إِنِّي أَشتَهِي أَن أَسمَعَهُ مِن غَيرِي» قَالَ: فَقَرَأتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغتُ: ﴿فَكَيفَ إِذَا جِئنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا [النساءقَالَ لِي: «كُفَّ-أَو أَمسِك فَرَأَيتُ عَينَيهِ تَذرِفَانِ»رواه البخاري (5055)، ومسلم (800).

 وثبت عن عبدالله بن الشخير رضي الله عنه: «أَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرجَلِ». رواه النسائي (1214).

وهذا يدل أن بكاءه صلى الله عليه وسلم بصوت منخفض، ولم يكن بصياح ورفع الصوت.

وأبو بكر رضي الله عنه معروف عنه أنه كان يبكي في صلاته، وأنه كان رقيق القلب. كما قالت عائشة: إِنَّ أَبَا بَكرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ البُكَاءُ»رواه البخاري (682ومسلم (420). وفي رواية: «إِنَّ أَبَا بَكرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ القُرآنَ لَا يَملِكُ دَمعَهُ فَلَو أَمَرتَ غَيرَ أَبِي بَكرٍ».

ومن الآثار:

-عَن عُمَرَ بنِ الخِطَابِ رضي الله عنه أَنَّهُ صَلَّى بِالجَمَاعَةِ الصُّبحَ، فَقَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ؛ فَبَكَى حَتَّى سَالَت دُمُوعُهُ عَلَى تَرقُوَتِهِ!

-وَعَن أَبِي رَجاءٍ قَالَ: رَأَيتُ ابنَ عَبَّاسٍ وَتَحتَ عَينَيهِ مِثلُ الشِّرَاكِ البَالِي مِنَ الدُّمُوعِ!

-وقرأ جعفر بن أبي طالب -وهو أحد من هاجر إلى الحبشة -على النجاشي صَدرًا مِن ﴿كهيعصفَبَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخضَلَ لِحيَتَهُ، وَبَكَت أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخضَلُوا مَصَاحِفَهُم حِينَ سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيهِم. رواه الإمام أحمد (1740) عَن أُمِّ سَلَمَةَ. والحديث في «الجامع الصحيح» (1650) لوالدي رَحِمَهُ الله.

تأثروا بالقرآن. وتراجم أهل العلم تدل على خشيتهم، وأنهم كانوا بكَّائين، أصحاب قلوب رقيقة، يبكون عند سماع القرآن، ويبكون في صلاتهم، ويبكون على فوات الخير ومواسمه إذا فاتهم بكوا عليه، من ذلك:

- أنه دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وهي تبكي، فَقَالَ: «مَا يُبكِيكِ؟» قُلتُ: لَوَدِدتُ وَاللَّهِ أَنِّي لَم أَحُجَّ العَامَ، قَالَ: «لَعَلَّكِ نُفِستِ؟» قُلتُ: نَعَم، قَالَ: «فَإِنَّ ذَلِكِ شَيءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ»الحديث. رواه البخاري (305ومسلم (1211).

-وكانت امرأة تستحاض ولم تعلم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَكِنَّ هَذَا عِرقٌ فَاغتَسِلِي وَصَلِّي» والحديث رواه البخاري(320ومسلم (334) عَن عَائِشَةَ.

وعند الإمام مسلم: قَالَ ابنُ شِهَابٍ: فَحَدَّثتُ بِذَلِكَ أَبَا بَكرِ بنَ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، فَقَالَ: «يَرحَمُ اللهُ هِندًا لَو سَمِعَت بِهَذِهِ الفُتيَا، وَاللهِ إِن كَانَت لَتَبكِي لِأَنَّهَا كَانَت لَا تُصَلِّي».

-وكانوا يبكون ويحزنون إذا وقعوا في مصيبة دينية، فالثلاثة النفر الذين تخلفوا في غزوة تبوك، جاءت امرأة هلال بن أمية إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستأذن منه فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ هِلالَ بنَ أُمَيَّةَ شَيخٌ ضَائِعٌ، لَيسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَل تَكرَهُ أَن أَخدُمَهُ؟ قَالَ: «لا، وَلَكِن لا يَقرَبكِ». قَالَت: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيءٍ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبكِي مُنذُ كَانَ مِن أَمرِهِ، مَا كَانَ إِلَى يَومِهِ هَذَا. رواه البخاري (4418ومسلم (2769).

فحال السلف حال خشوع، ورقة قلب، وبكاء؛ لأنهم انتفعوا بعلمهم فأورثهم خشية الله، ومن لا يبكي ولا يتأثر بالقرآن جدير ألا يكون أوتي علمًا ينفعه.

 يقول عَبدُ الأَعلَى التَّيمِيُّ: «مَن أُوتِيَ مِنَ العِلمِ مَا لَا يُبكِيهِ، لَخَلِيقٌ أَن لَا يَكُونَ أُوتِيَ عِلمًا يَنفَعُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَعَتَ العُلَمَاءَ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ﴾، إِلَى قَولِهِ ﴿يَبكُونَ.رواه الدارمي في «سننه» (299).

ومن ضمن السبعة الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم: «وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَت عَينَاهُ» رواه البخاري (660ومسلم (1031) عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه.

◆◇◆◇◆◇

من  أسباب البكاء من خشية الله

-تدبر القرآن. قال الله: ﴿ لَو أَنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشيَةِ اللَّهِ﴾[الحشر].

-ترديد الآية للتدبر وجلب البكاء.

-الدعاء. وقد كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لَا يَنفَعُ، وَمِن قَلبٍ لَا يَخشَعُ، وَمِن نَفسٍ لَا تَشبَعُ، وَمِن دَعوَةٍ لَا يُستَجَابُ لَهَا» رواه مسلم (2722) عَن زَيدِ بنِ أَرقَمَ.

فالإنسان يسأل ربه أن يمنحه الخشوع والبكاء من خشية الله.

-كثرة ذكر الله. قال ابن القيم في «الوابل الصيب»(71): في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى. فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل. اهـ.

-طيب المطعم والمشرب والملبس. روى الإمام مسلم (1015) عَن أَبِي هُرَيرَةَ، الحديث وفيه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشعَثَ أَغبَرَ، يَمُدُّ يَدَيهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأَنَّى يُستَجَابُ لِذَلِكَ؟».

-مجالسة الطيبين فإنها تجلب خشية الله في القلب ورقته والبكاء، بخلاف مجالسة اللاهين الغافلين فإن مجالستهم قسوة للقلوب. عَن أَنَس بن مالكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكرٍ رضي الله عنه، بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: انطَلِق بِنَا إِلَى أُمِّ أَيمَنَ نَزُورُهَا، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا، فَلَمَّا انتَهَينَا إِلَيهَا بَكَت، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبكِيكِ؟ مَا عِندَ اللهِ خَيرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَت: مَا أَبكِي أَن لَا أَكُونَ أَعلَمُ أَنَّ مَا عِندَ اللهِ خَيرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِن أَبكِي أَنَّ الوَحيَ قَدِ انقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتهُمَا عَلَى البُكَاءِ. فَجَعَلَا يَبكِيَانِ مَعَهَا. رواه مسلم (2454).

-المجاهدة في الإصغاء والتفهم واستحضار عظمة الله.

-معرفة فضل البكاء من خشية الله وأنه من علامة أهل الإيمان. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ مِن قَبلِهِ إِذَا يُتلَى عَلَيهِم يَخِرُّونَ لِلأَذقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعدُ رَبِّنَا لَمَفعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذقَانِ يَبكُونَ وَيَزِيدُهُم خُشُوعًا (109)﴾[الإسراء].

وقد أنكر الله على من استمع القرآن وهو يضحك ولا يبكي، فقال: ﴿أَفَمِن هَذَا الحَدِيثِ تَعجَبُونَ (59) وَتَضحَكُونَ وَلَا تَبكُونَ (60) وَأَنتُم سَامِدُونَ (61)﴾[النجم]. قال القرطبي في تفسير هذه الآيات: ﴿أَفَمِن هذَا الحَدِيثِ يَعنِي: القُرآنَ. وَهَذَا استِفهَامُ تَوبِيخٍ ﴿تَعجَبُونَ تَكذِيبًا بِهِ ﴿وَتَضحَكُونَ استِهزَاءً ﴿وَلا تَبكُونَ انزِجَارًا وَخَوفًا مِنَ الوَعِيدِ.

-الحرص على التأسي بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد كان يبكي.

هذه بعض الأسباب في جلبِ الخشوع والبكاء من خشية الله. فعلينا بأن نسعى في تحصيل ذلك، وأن نستعينَ بالله في ترقيق قلوبِنا وإصلاحها.

◆◇◆◇◆◇

التباكي

جاء حديث عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اقرَءُوا القُرآنَ وَابكُوا؛ فَإِن لَم تَبكُوا، فَتَبَاكَوا» أخرجه ابن ماجه (1337).

وإسناد الحديث ضعيف جدًّا؛ فيه إسماعيل بن رافع منكر الحديث، وفيه عبد الرحمن بن السائب مقبول. وقد ضعف الحديث الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (6511).  

وقد استدل به من قال بمشروعية التباكي عند قراءة القرآن.

قال ابن القيم في «زاد المعاد» (1/178): التباكي مَا كَانَ مِنهُ مُستَدعًى مُتَكَلَّفًا، وَهُوَ نَوعَانِ: مَحمُودٌ وَمَذمُومٌ، فَالمَحمُودُ أَن يُستَجلَبَ لِرِقَّةِ القَلبِ وَلِخَشيَةِ اللَّهِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالسُّمعَةِ. وَالمَذمُومُ أَن يُجتَلَبَ لِأَجلِ الخَلقِ، وَقَد قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَد رَآهُ يَبكِي هُوَ وأبو بكر فِي شَأنِ أُسَارَى بَدرٍ: «أَخبِرنِي مَا يُبكِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَإِن وَجَدتُ بُكَاءً بَكَيتُ، وَإِن لَم أَجِد تَبَاكَيتُ لِبُكَائِكُمَا» وَلَم يُنكِر عَلَيهِ صلى الله عليه وسلم». اهـ.

عندنا حالتان في التباكي عند قراءة القرآن:

-إن كان خارج الصلاة فلا بأس مع الحذر من انشغال القلب.

 -وإن كان داخل الصلاة، يتكلف البكاء ويحاول البكاء في الصلاة هذا يشغل عن الصلاة وعن حضور القلب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغلًا». رواه البخاري (1216ومسلم (538) عَن ابن مسعود رضي الله عنه. فالمطلوب في الصلاة الخشوع، والذي حث عليه الشرع هو بكاء الخشوع في الصلاة.

وقد سئل الشيخ ابن باز في «الفتاوى» (11/348) عن هذه المسألة، فقال: الأظهر أنه لا يتكلف، بل إذا حصل بكاء فليجاهد نفسه على أن لا يزعج الناس، بل يكون بكاء خفيفًا ليس فيه إزعاج لأحد حسب الطاقة والإمكان. اهـ.

بكاء الخشوع في الصلاة

ثبت عن عبدالله بن الشخير رضي الله عنه: «أَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرجَلِ». رواه النسائي (1214والإمام أحمد (26/247).

 وذهب بعضهم إلى أنه إذا بان من البكاء حرفان فإن الصلاة تبطل، وهذا مردود.

قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (2/375) في فوائد حديث عبد الله بن الشخير: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ البُكَاءَ لَا يُبطِلُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ ظَهَرَ مِنهُ حَرفَانِ أَم لَا.

حكم البكاء في الصلاة لمصيبة دنيوية

البكاء في الصلاة لمصيبة دنيوية ، أو وجع في الجسم، أو ألم دنيوي، أو لظلم بعض الظالمين فهذا إن كان غالبًا على النفس فهذا لا يُبطل الصلاة، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق: 7]. ولكن عليه أن يدافع ولا يتساهل حتى لا يحصل انشغال عن الصلاة والخشوع «إِنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغلًا».

وأما إذا لم يكن غالبًا فالواجب أن يدافع، وأن يحرص على الإقبال على صلاته، ولا يتلاعب به الشيطان.

وأهل العلم ينهون عن هذا، وهذه بعض الأقوال:

قال ابن قدامة في «المغني»(2/41): فَأَمَّا البُكَاءُ وَالتَّأَوُّهُ وَالأَنِينُ الَّذِي يَنتَظِمُ مِنهُ حَرفَانِ فَمَا كَانَ مَغلُوبًا عَلَيهِ لَم يُؤَثِّر، وَمَا كَانَ مِن غَيرِ غَلَبَةٍ فَإِن كَانَ لِغَيرِ خَوفِ اللَّهِ أَفسَدَ الصَّلَاةَ.

وقال العيني في «عمدة القاري» (5/190): قَالَ أَصحَابنَا: إِذا بَكَى فِي الصَّلَاة فارتفع بكاؤه، فَإِن كَانَ من ذكر الجنَّة أَو النَّار لم يقطع صلَاته، وَإِن كَانَ من وجع فِي بدنه أَو مُصِيبَة فِي مَاله أَو أَهله قطعهَا، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد، وَقَالَ الشَّافِعِي: البكاء والأنين والتأوه يبطل الصَّلَاة إِذا كَانَت حرفين، سَوَاء بَكَى للدنيا أَو للآخرة.

المقصود بالبكاء من خشية الله

قال ابن القيم في «زاد المعاد»(1/176): بُكَاءُ اشتِيَاقٍ وَمَحَبَّةٍ وَإِجلَالٍ مُصَاحِبٌ لِلخَوفِ وَالخَشيَةِ.

◆◇◆◇◆◇

الترتيل في قراءة القرآن

اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى استِحبَابِ التَّرتِيلِ، قَالَ الله: ﴿ وَرَتِّلِ القُرآنَ تَرتِيلًا﴾:أي: اقرأه بتمهل. وقال: ﴿ وَرَتَّلنَاهُ تَرتِيلًا (32) [الفرقان].

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم «يَقرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطوَلَ مِن أَطوَلَ مِنهَا». رواه مسلم (733) عَن حَفصَةَ رضي الله عنها.

وهذا يفيد:الحث على ترتيل قراءة القرآن.

وعَن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَالَ: لَأَن أَقَرَأَ سُورَةً أُرَتِّلُهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِن أَن أَقَرَأَ القُرآنَ كُلَّهُ. أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (2/ص480وغيره. والأثر صحيح.  

وَعَن مُجَاهِدٍ أَنَّه سُئِلَ عَن رَجُلَينِ قَرَأَ أحَدُهُمَا البَقَرَةَ وَآلَ عِمرَانَ، وَالآخِرُ البَقَرَةَ وَحدَهَا، وَزَمَنُهُمَا وَرُكوعُهُمَا وَسُجُودُهُمَا وَجُلُوسُهُمَا سَواءً. قَالَ: الَّذِي قَرَأَ البَقَرَةَ وَحَدَهَا أَفضَلُ أخرجه عبد الرزاق (4188)، وغيره. وهو أثر صحيح. 

وعَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالً لَهُ: إِنِّي أَقَرَأُ المُفَصَّلَ فِي رَكعَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ عَبدُاللَّهِ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعر؟! إِنَّ أَقوَامًا يَقرَءُونَ القُرآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُم، وَلَكِن إِذَا وَقَعَ فِي القَلبِ فَرَسَخَ فِيه نَفَعَ. رَوَاهُ أخرجه البخاري (775)، ومسلم (822).

ونستفيد من هذه الأدلة والآثار: الرد على من يقول: قراءة القرآن مع السرعة أفضل؛ لأن هذا فيه كثرة القراءة، واستدلوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قَرَأَ حَرفًا مِن كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ. وَالحَسَنَةُ بِعَشرِ أَمثَالِهَا، لَا أَقُولُ ﴿الم حَرفٌ، بَل أَلِفٌ حَرفٌ، وَلَامٌ حَرفٌ، وَمِيمٌ حَرفٌ» رواه الترمذي برقم (2910وقد اختلف في رفعه ووقفه. وصوب إمام العلل الدارقطني الموقوف في «العلل» (5/رقم919).  

وهذا القول ذهب إليه الشافعي، والصواب أن  ترتيل القرآن أفضل؛ لأدلة الحث على الترتيل.

وهذا ترجيح ابن القيم رحمه الله، قال في «زاد المعاد»(1/328) بعد أن ذكر المسألة: وَالصَّوَابُ أَن يُقَالَ: إِنَّ ثَوَابَ قِرَاءَةِ التَّرتِيلِ وَالتَّدَبُّرِ أَجَلُّ وَأَرفَعُ قَدَرًا، وَثَوَابَ كَثرَةِ القِرَاءَةِ أَكثَرُ عَدَدًا، فَالأَوَّلُ: كَمَن تَصَدَّقَ بِجَوهَرَةٍ عَظِيمَةٍ، أَو أَعتَقَ عَبدًا قِيمَتُهُ نَفِيسَةٌ جِدًّا، وَالثَّانِي: كَمَن تَصَدَّقَ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَو أَعتَقَ عَدَدًا مِنَ العَبِيدِ قِيمَتُهُم رَخِيصَةٌ. اهـ.

وبعضهم من سرعة قراءته لا ينطق ببعض الحروف، وهذا خطأ. وقد عُدَّ كثرة قراءة القرآن من غير ترتيل ولا تدبُّر من تلبيس إبليس. قال ابن الجوزي في «تلبيس إبليس»(128): وقد لبَّس عَلَى قوم بكثرة التلاوة فهم يهذون هذًّا من غير ترتيل ولا تثبُّت. وهذه حالة ليست بمحمودة. اهـ.

◆◇◆◇◆◇

الترجيع في القراءة

عَن مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَن عَبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَومَ فَتحِ مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ يَقرَأُ سُورَةَ الفَتحِ، فَرَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ. رَوَاهُ البخاري (4281)، ومسلم (794).

الترجيع: ترديد الصوت في الحلق، يعني: يحصل تقطع في الصوت عند المد.

سألت والدي رحمه الله عن صفة الترجيع؟

فقرأَ على عادتِه رحمه الله-التعليم بالفعل وليس بالكلام فحسب-: ﴿إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا(1)﴾، ورجَّع في المدود، وذلك بتقطيع الصوت أثناء المدِّ.

وقد ادَّعى بعضهم أن هذا الترجيع كان لأجل اهتزاز الناقة، وهذا ردَّهُ ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (1/465وقال: هَذَا التَّرجِيعَ مِنهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ اختِيَارًا لَا اضطِرَارًا لِهَزِّ النَّاقَةِ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا لَو كَانَ لِأَجلِ هَزِّ النَّاقَةِ لَمَا كَانَ دَاخِلًا تَحتَ الِاختِيَارِ، فَلَم يَكُن عَبدُ اللَّهِ بنُ مُغَفَّلٍ يَحكِيهِ وَيَفعَلُهُ اختِيَارًا لِيُؤتَسَى بِهِ، وَهُوَ يَرَى هَزَّ الرَّاحِلَةِ لَهُ حَتَّى يَنقَطِعَ صَوتُهُ، ثُمَّ يَقُولُ كَانَ يُرَجِّعُ فِي قِرَاءَتِهِ فَنُسِبَ التَّرجِيعُ إِلَى فِعلِهِ. وَلَو كَانَ مِن هَزِّ الرَّاحِلَةِ، لَم يَكُن مِنهُ فِعلٌ يُسَمَّى تَرجِيعًا.

◆◇◆◇◆◇

إذا مر القارئ بآية رحمة أو آية عذاب دعا

الحث على سؤال الله وذِكره، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، يقول: سبحان الله، أو مر بآية سؤال-آية فيها ترغيب في الجنة، ترغيب في فعل طاعة من الطاعات-يسأل، أو آية تخويف (ترهيب) استعاذ بالله عز وجل، وفي «الشرح الممتع»(3/288) للشيخ ابن عثيمين، قال: ولو مرَّ ثناء على الأنبياء أو الأولياء أو ما أشبه ذلك فله أن يقول: أسأل الله من فضله، أو أسأل الله أن يلحقني بهم، أو ما أشبه ذلك.

والدليل  عن حُذَيفَةَ بنِ اليمانِ رضي الله عنهمَا قَالَ: صَلَّيتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيلَةٍ، فَاُفتَتَحَ البَقَرَةِ، فَقُلتُ: يَركَعُ عندَ المَائَةِ، ثُمَّ مَضَى. فَقُلتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكعَةٍ. فَمَضَى، فَقُلتُ: يَركَعُ بِهَا. ثُمَّ افتَتَحَ النِّساءِ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افتَتَحَ آلِ عِمرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ سُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذِ تَعَوَّذَ. رَوَاهُ مُسلِمٌ (772). 

وهذا يعين على تدبر القرآن الكريم، وعلى تحريك القلوب، والتأثر بالقرآن.

مسألة هل هذا الحكم عام في الصلاة وخارج الصلاة؟

جمهور العلماء على استحباب ذلك عند قراءة القرآن في الصلاة وفي خارج الصلاة.

ورجح بعض العلماء أن هذا في نافلة الليل، ولا يكون مطلقًا عند كل قراءة؛ لحديث حذيفة رضي الله عنهمَا فهو نص في هذا، وهذا قول والدي الشيخ مقبل رحمه الله، فقد سألته رحمه الله فأفادني بذلك.

وهذا أيضًا قول الشيخ الألباني في «تمام المنة»(185).

 وأما بالنسبة للمأموم فإنه تابعٌ لإمامه، فلا يفعل إذا لم يفعله الإمام، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ (204) [الأعراف].

وأما إذا فعل الإمام-سأل، استعاذ، سبح-فيتابعه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ» رواه البخاري (378ومسلم (411) عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ.

◆◇◆◇◆◇

مسألة حديثية: الفرق بين الحديث والآثار

الأحاديث: جمع حديث، وهو لغة: ضد القديم.

وفي الاصطلاح: ما أُضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلقية أو خُلُقية.

الآثار: جمع أثر، والأثر يطلق على الموقوف على الصحابي. قال الحافظ ابن كثير في «مختصر علوم الحديث»(45): وهو الذي يسميه كثير من الفقهاء والمحدثين أيضًا: أثرًا.

وقد يطلق الأثر على المقطوع، وهو: ما أُضيفَ إلى التابعي من قول أو فعلٍ. قال البيقوني:

وما لتابعٍ هو المقطوع

 قال ابن حجر رحمه الله في «نخبة الفكر» (4/724): فَالأَوَّلُ: المَرفُوع ُ، وَالثَّانِي: المَوقُوفُ، وَالثَّالِثُ: المَقطُوعُ، وَمَن دُونَ التَّابِعِيِّ فِيهِ مِثلُهُ. وَيُقَالُ لِلأَخِيرَينِ أي: الموقوف، والمقطوع-: الأَثَرُ. اهـ.

وقد يسمَّون الموقوف أيضًا على  مَن دون التابعي. كما أنهم قد يطلقون الأثر على المرفوع.

◆◇◆◇◆◇

نسبة السلف

هذه النسبة يستعملها العلماء، ولها أصل في الشرع، وذلك في الحديث الذي رواه البخاري (6285ومسلم (2450) عن عائشة، عن فاطمة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: «فَإِنِّي نِعمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ».

 ولا ينكر هذه النسبة إلا أهل الأهواء؛ لأن هذه النسبة تفيد التقيُّدَ في فهم الأدلة بفهم السلف. قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِع غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا [النساء: 115].

وقد كتبت عن والدي الشيخ مقبل في هذه المسألةِ ما يأتي: معنى السلفية: الالتزام بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح.

ولهذه الكلمة أصل في السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لفاطمة: «إنك أول أهلي لحوقًا بي، ونعم السلف أنا لك».

فمعنى سلفي: لست بمبتدع، أنا أتبع السلف الصالح.

وهذا ليس من التحزب؛ لأن معنى السلفية: الولاء لكل مسلم ﴿إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ﴾ [الحجراتفهذا فيه الولاء لكل مسلم، سواء كان عربيًّا أم أعجميًا.

أما الحزبية فولاؤها ضيق لا يوالون إلا من كان معهم.

وسُئِلَ والدي رحمه الله: مَن هم أهل المنهج السلفي؟

جـ: هم من توفر فيهم الفقه في دين الله، والمسألة تمسك بالكتاب والسنة، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ لَيسَ بِأَمَانِيِّكُم وَلَا أَمَانِيِّ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَل سُوءًا يُجزَ بِهِ وَلَا يَجِد لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾. [النساء].

فالديمقراطي: ليس من أصحاب المنهج السلفي ولا كرامة.

وكذلك الذي يخرج للانتخابات، ويُخرج أهلَه.

وكذلك الذي يطعن في علماء أهل السنة، كما قال أبو حاتم: من علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر.

والسلف الصالح هم حدود القرون الثلاثة، روى البخاري (2651ومسلم (2535)عن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ رضي الله عنهمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خَيرُكُم قَرنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم». [استفدته وقيدته من دروس والدي رحمه الله].

◆◇◆◇◆◇