جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

(46)اختصار دروس شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري

 


من الأدلة في بيان أن أفعال العباد تنسب إليهم

-قال تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾

قال الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ في «خلق أفعال العباد» (118): فَمِنْهَا الْعَرَبِيُّ، وَمِنْهَا الْعَجَمِيُّ، فَذَكَرَ اخْتِلَافَ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ، وَهُوَ كَلَامُ الْعِبَادِ. اهـ.

 فهذا دليل على أن الصوت صوت العبد، كما أن اللسان لسانه ولون البشرة لونه، قال ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ (13/502) في بيان معنى الآية: فَالْمُرَادُ مِنْهَا اخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ؛ لِأَنَّهَا تَشْمَلُ الْكَلَامَ كُلَّهُ فَتَدْخُلُ الْقِرَاءَةُ.

- قال تَعَالَى: ﴿وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77]. قال الحافظ في شرحه في بيان معنى الآية: فَعُمُومُ فِعْلِ الْخَيْرِ يَتَنَاوَلُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ الْقَارِئِ.

-روى البخاري (7528) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَحَاسُدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ القُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ».

«لاَ تَحَاسُدَ» المراد بالحسد في هذا الحديث: الغبطة، وهي: تمني أن يكون له ما لغيره، أما الحسد فهو: تمني زوال النعمة عن الغير، وهذا محرم ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) [النساء: 54].

« آنَاءَ اللَّيْلِ »أي: ساعات الليل.

في هذا الحديث التنافس في الخير.

·   وفيه الحث على الإكثار من تلاوة القرآن، وتذليل اللسان له، وقد قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في «فتح الباري»(5031): فَإِنَّ الَّذِي يُدَاوِمُ عَلَى ذَلِكَ-أي: على تلاوة القرآن-يُذَلُّ لَهُ لِسَانُهُ، وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُ، فَإِذَا هَجَرَهُ ثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، وَشَقَّتْ عَلَيْهِ. اهـ.

وتلاوة القرآن يشمل: تلاوة اللفظ، وتلاوة العمل، فلا ينفع تلاوة اللفظ من غير تلاوة العمل، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَآلُ عِمْرَانَ» رواه مسلم (805) عن النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ.

 

·   وفيه فضل الإنفاق في الخير، لا في المحرمات، وفي الصد عن الخير وأهله، أو في الإسراف والتبذير.

·   وفيه تمني فعل الخير.

وهذا الحديث فيه: أن رجلًا سمع من يتلو القرآن آناء الليل وآناء النهار فتمنى أنه يحفظ القرآن ويتلوه آناء الليل وآناء النهار، وآخر ليس عنده مال يتمنى أن عنده مالًا فينفقه في وجوه الخير، والثبات بيد الله عَزَّ وَجَل، والنفس أمارة بالسوء، قد يتمنى أن الله تَعَالَى يرزقه مالًا؛ لينفقه في وجوه الخير، ويكرم ضيفه، ويصل رحمه، ويعين المحتاج، ولا يفي بذلك، كما قال الله سُبحَانَهُ في صفة المنافقين: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) [التوبة: 75-78].

فالتمني على قسمين: محمود، ومذموم.

 فالمحمود في الخير كهذين المثالين اللَّذَين اشتمل عليهما هذا الحديث.

 وكقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الهَدْيَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» رواه البخاري (7229ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

 وكتمني الرؤيا الصالحة؛ فإن الرؤيا الصالحة جزء من النبوة، وهي من المبشرات، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ» قَالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» رواه البخاري (6990) عن أبي هُرَيْرَةَ، ومسلم (479) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وأما التمني المذموم، فـكتمني الموت، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي» رواه البخاري (6351ومسلم (2680) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

 وكتمني زوال النعمة عن الغير، وهذا يصدر من القلوب المريضة، وفيه اعتراض على ما قدر الله سبحانه وكتَب، قال الله تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) [النساء: 32].

وكتمني الخير مع عدم فعله وهو قادر على فعله، هذا كسل وحرمان، فمن تمنى الخير وهو قادر على فعله فلا يتوانى في فعله، «واستعن بالله ولا تعجز».

وكتمني التوبة من الذنوب وهو لم يفعل، هذا من تلاعب الشيطان.

وكتمني الدنيا لقضاء شهوات النفس وملذاتها.

(38)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي


اكتساب طالب العلم

عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أَرْوَاحٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: «لَوِ اغْتَسَلْتُمْ» رواه الإمام البخاري (2071).

وبوب والدي رَحِمَهُ الله في «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين» على حديث رقم(149):  طالب العلم لا يترك الكسب.

ثم أخرج عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا».

عن سعيد بن المسيب: أنه لمَّا حضره الموت ترك دنانير، قال: اللهم إنك تعلم أني لم أجمعها إلا لأصون بها حسبي وديني. رواه البيهقي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في «شعب الإيمان» (1195)، وسنده لا بأس به.

ومن السلف الذين نُسِبُوا إلى حِرَفِهِم:

 

-أبو صالح ذكوان السمان

 

السمان نسبة إلى حرفة بيع السمن، قال السمعاني في «الأنساب» (7/208): ويقال له: الزيات أيضًا-صاحب أبى هريرة رضى الله عنه، كان يجلب السمن إلى الكوفة من المدينة ويبيعه، والزيت أيضا، فنسب إلى ذلك، وكان من ثقات التابعين. اهـ المراد.

 

-محمد بن ميمون السكري. نسبة إلى بيع السُّكَّر.

 

 يعلِّق الوالد  رحمه الله تعالى ـأحيانًا على هذه النسبة وما أشبهها ويقول: كان السلف منهم من يحترف - أي يكتسب- مع طلب العلم.

 فالمحدثون كان منهم من يحترف ويكتسب، ومن قرأ في كتب الأنساب يجد كثيرًا من ذلك.

 وذكر لنا والدي رَحِمَهُ الله أكثر من مرة قول سفيان الثوري: لولا حرفتي هذه لتمندلوا بي.

وهذا الأثر أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء»(6/381) من طريق عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيِّ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الثَّوْرِيِّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ تَمْسِكُ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ؟

 فَقَالَ: اسْكُتْ لَوْلَا هَذِهِ الدَّنَانِيرُ لَتَمَنْدَلَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْمُلُوكُ.

 أي: لتمسحوا به كالمنديل؛ لان الحاجة ذلة، فقد يحتاج ويذل نفسه للكبار والأمراء، وقد يجبن عن قول الحق؛ مراعاة لحال من يعطيه، ويكون مسخَّرًا مُسَيَّرًا لمخلوقٍ مثله، والاستغناء عن الناس عزة ورفعة للرأس.

قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «إعلام الموقعين»(4/156)في شرح عبارة: الْكِفَايَةُ وَإِلَّا مَضَغَهُ النَّاسُ.

قال: فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كِفَايَةٌ احْتَاجَ إلَى النَّاسِ، وَإِلَى الْأَخْذِ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُمْ شَيْئًا إلَّا أَكَلُوا مِنْ لَحْمِهِ وَعِرْضِهِ أَضْعَافَهُ، وَقَدْ كَانَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ شَيْءٌ مِنْ مَالٍ، وَكَانَ لَا يَتَرَوَّى فِي بَذْلِهِ وَيَقُولُ: لَوْلَا ذَلِكَ لَتَمَنْدَلَ بِنَا هَؤُلَاءِ.

 فَالْعَالِمُ إذَا مُنِحَ غِنَاءً فَقَدْ أُعِينَ عَلَى تَنْفِيذِ عِلْمِهِ، وَإِذَا احْتَاجَ إلَى النَّاسِ فَقَدْ مَاتَ عِلْمُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ.

غير أنهم ذكروا في آداب طالب العلم:

 أن يتنزَّهَ عَن دَنِيءِ الاكتِسَابِ، كالحجامة والدِّبَاغة وتنظيف الحمامات، ونحو ذلك.

 ومنه كما ذكر الشيخ ابن عثيمين في التعليق على « مقدمة المجموع» (108): حِرْفَةُ الجزَّارين، والكنَّاسين ..

أن يحذرَ من فتنة الدنيا والتنافس فيها، والالتهاء بها عن آخرتِه ودينِه.

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2022

(77) نصائح وفوائد

                  التريُّثُ والحذر من التخبَّطِ في الفتن

قال الله تَعَالَى عن الجهال لما خرج قارون في زينته، قال سبحانه عنهم: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)﴾ [القصص: 79-80].

تمنى الجُهال الدنيا، وكان المآل ما قال أهل العلم، قال الله سُبحَانَهُ: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾ [القصص: 81-83].

 

فنستفيد من هذه القصة:

 أن العوام لا يدركون الفتنة إلا عند نهايتها، حتى إن بعضهم قال وهو الحسن البصري: إِنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ عَرَفَهَا كُلُّ عَالِمٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَرَفَهَا كُلُّ جَاهل.

أخرجه ابن سعد في «الطبقات»(7/122)ترجمة الحسن البصري، والأثر صحيح.

 

فالعوام ليس عندهم ميزان، ولا قدرة على المعرفة؛ فيتخبَّطون تخبُّط عشواء.

 

 وهكذا المبتدئون في طلب العلم يتخبَّطون في الفتن، ويتسَرَّعون في الكلام فيها، ويستشرفون لها، ومن استشرف لها تستشرفه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والمعصوم من عصم الله.

 

 وأما أهل العلم بما أعطاهم الله سُبحَانَهُ من العلم والنور والبصيرة والفهم؛ فإنهم يعرفون الفتنة.

 وبعد ذلك يقول العوام: صدق العالم الفلاني قد حذَّرنا من هذه الفتنة، وهذا كفتنة الثورات والانقلابات على الحكام، والانتخابات، والديمقراطية، واستيراد قوانين وضعية لا تحكم بالكتاب والسنة.

وكم عرف كثيرٌ من العوام حقيقة الإخوان المسلمين، وأنهم دعاة شر وفتنة! بسبب خروجهم على الحكام، وأنهم دمَّروا البلاد، وشرَّدوا العباد، وانقلب الرخاء والأمن إلى خوف وجوع، وقتل الأنفس البريئة، وتعطيل المصالح الدينية والدنيوية.

(6)من تراجم العلماء النبلاء

 

الأَعْمَشُ

 سُلَيْمَانُ بنُ مِهْرَانَ أبو مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ.

كان الأعمش صبورًا فقيرًا زاهدًا، ولم يكن أحد أحقر في مجلسه من الأغنياء، فالأعمش لم يكن يفرح بمجالسة الأغنياء الأثرياء ويتزلف لهم، بل كانوا أحقر من يكون في مجلسه، وهذه طريقته أيضًا مع الأمراء لم يكن يتزلف إليهم، حتى استفدنا من مذاكرة لوالدي رَحِمَهُ اللهُ: أن الأعمش كان يؤكل شاته، فجاء إليه رسول من أحد الأمراء، فقال: هذه رسالة من الأمير يريد أن تحدثه، فأعطى الأعمش الرسالة شاته، وقال: حدثيه يا سُمية.

وقد ذكر الخطيب في «شرف أصحاب الحديث»(131) أن الأعمش كان في خُلُقه شيء، أي: من الغلظة، فقال: كَانَ الْأَعْمَشُ سَيِّءَ الْخُلُقِ، جَافِيَ الطَّبْعِ، بَخِيلًا بِالْحَدِيثِ، عَسِيرًا فِي الرِّوَايَةِ.

قوله: (حدثيه سمية) هذا فيه تسمية الحيوان، فلا بأس بتسمية الحيوان بما يناسب حاله؛ للتمييز والتعريف يعني: ليميز بينه وبين باقي الحيواناتوفي هذا أدلة، منها:

·   عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ نَاقَةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تُسَمَّى العَضْبَاءَ، وَكَانَتْ لَا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: سُبِقَتْ العَضْبَاءُ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ» رواه الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (6501).

(55) مُلَخَّصُ درس «شرح قطر الندى وبل الصدى»



 

(51) درس/ الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 


الاثنين، 28 نوفمبر 2022

(46) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري

 

بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا فَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ»، فَبَيَّنَ أَنَّ قِيَامَهُ بِالكِتَابِ هُوَ فِعْلُهُ، وَقَالَ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77].