جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 26 نوفمبر 2018

(63)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ



          
             فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير

                [سورة الأنبياء (21):الآيات 41 - 43]


﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)﴾

﴿ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ﴾ أي:أحاط بهم جزاؤهم وهو العذاب.

﴿يَكْلَؤُكُمْ﴾ أي:يحفظكم.

﴿مِنَ الرَّحْمنِ﴾ قال ابن كثير:أي «بدل الرحمن يعني غيره»

كما قال الشاعر:

جَارِيَةٌ لَمْ تَلْبَسِ الْمُرَقَّقَا ... وَلَمْ تَذُقْ مِنَ الْبُقُولِ الْفُسْتُقَا

﴿بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ أي لا يعترفون بنعمة الله عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ،بَلْ يُعْرِضُونَ عَنِ آيَاتِهِ وَآلَائِهِ.

﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا﴾ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ،أَيْ أَلَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ وَتَكْلَؤُهُمْ غَيْرُنَا؟ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَوَهَّمُوا،وَلَا كَمَا زَعَمُوا.

﴿ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ﴾أي هَذِهِ الْآلِهَةُ الَّتِي اسْتَنَدُوا إِلَيْهَا غَيْرَ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ.اهـ من تفسير ابن كثير.

﴿وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ فيه أقوالٌ للمفسِّرين:

أنهم لا يجارون من المكاره والعذاب،كما قال تعالى:﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(88)﴾[المؤمنون:88].

أنهم لا يُصحبون مِنَ اللَّهِ بِخَيْرٍ.

أنهم لا يمنعون.

من الفوائد:

- تسلية الله عز وجل لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن هذا سبيل المشركين في الاستهزاء بالأنبياء والرسل،وكما قال سبحانه:﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)﴾[الأحقاف:35]،وقال  سبحانه:﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) ﴾[الأنعام:34].

-وفيه وعد الله لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنصر والانتقام من أعدائه كما فعل كذلك بأعداء الرسل من قبل.

- أنه لا حافظ للإنسان في ليله ونهاره وتقلبه وانتشاره في الأرض إلا الله،والله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.

- وصف آلهة المشركين بالضعف والعجز وأنها عاجزة عن نفع نفسها فكيف يُرجى النفع منها لعابديها ،وكما قال تعالى:﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)﴾[الأعراف:197].

-وفيه الدعوة إلى توحيد الله عز وجل فهو الذي بيده الضر والنفع وهو الذي يستحق العبادة وحده سبحانه لا شريك له.

السبت، 24 نوفمبر 2018

(6)الآداب


                      حكم الثقة بالنفس



قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في جواب سؤال:

 ما حكم قول فلان واثق من نفسه

 أو فلان عنده ثقة بنفسه؟

 وهل هذا يعارض الدعاء الوارد«ولَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ»؟


ج- لا حرج في هذا لأن مراد القائل: فلان واثق من نفسه التأكيد،يعني: أنه متأكد من هذا الشيء وجازم به.

ولا ريب أن الإنسان يكون نسبة الأشياء إليه أحيانًا على سبيل اليقين.

 وأحيانًا على سبيل الظن الغالب.

 وأحيانا على وجه الشك والتردد.

 وأحيانًا على وجه المرجوح.

 إذا قال أنا واثق من كذا ،أو أنا واثق من نفسي،أو فلان واثق من نفسه،أو واثق مما يقول.

 المراد به أنه متيقِّنٌ من هذا ولا حرج فيه، ولا يعارض هذا الدعاء المشهور«ولَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ».

لأنَّ الإنسان يثق من نفسه بالله وبما أعطاه الله عز وجل  من علم أو قدرة أو ما أشبه ذلك.



[المرجع فتاوى إسلامية 4/480].



قلت: ولا بأس بلفت النظر إلى أنَّ هناك مَنْ خالف في ذلك.


 ففي معجم المناهي اللفظية(184)للشيخ بكرعن عبارة:تجب الثقة بالنفس:

في تقرير للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى لما سُئِل عن قول من قال: تجب الثقة بالنفس، أجاب:لا تجب، ولا تجوز الثقة بالنفس. ففي الحديث:«ولَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ».اهـ



وقال الشيخ عبدالرزاق البدر في شرح المنظومة الميمية(238)للشيخ حافظ الحكمي:من الأخطاء الشائعة الدعوة إلى الثقة بالنفس،والثقة توكل،بل هي خلاصة التوكل ولُبُّه،وهو لا يكون إلا بالله،ثم ذكر الدعاء المأثور«اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله».

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2018

(62)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ





                      فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير

                     [سورة الأنبياء (21)الآية: 39 -40]


لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)﴾.



قال ابن كثير رحمه الله في تفسير القرآن العظيم:يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يَسْتَعْجِلُونَ أَيْضًا بِوُقُوعِ الْعَذَابِ بِهِمْ تَكْذِيبًا وَجُحُودًا وَكُفْرًا وَعِنَادًا وَاسْتِبْعَادًا،فَقَالَ:﴿ويَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾.

﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾ أَيْ لَوْ تَيَقَّنُوا أَنَّهَا وَاقِعَةٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ لَمَا اسْتَعْجَلُوا بِهِ.فَالْعَذَابُ محيط لهم مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ.

﴿وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ أَيْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ،كَمَا قَالَ:﴿وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ﴾

﴿بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً﴾أَيْ:فَجْأَةً.

﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ أَيْ تَذْعَرُهُمْ،فَيَسْتَسْلِمُونَ لَهَا حَائِرِينَ ولا يَدْرُونَ مَا يَصْنَعُونَ.

﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها﴾ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ حِيلَةٌ فِي ذَلِكَ.

﴿وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ أَيْ وَلَا يُؤَخَّرُ عَنْهُمْ ذَلِكَ سَاعَةً واحدة.اهـ


* من الفوائد:

·     فيه التخويف من النار وأنها محيطة بالكافرين من جميع جهاتهم،وكما قال سبحانه:﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)﴾[التوبة:49]،وقال سبحانه:﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) ﴾[الكهف:29]﴿ سُرَادِقُهَا ﴾ أي حيطان النار. وقال تعالى:﴿ يومَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ لَهُمْ﴾.

وقال عزوجل في ظلِّ أهل النار:﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزُّمَرِ:16]، وقال الله تعالى:﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)﴾[الواقعة: 41 - 44]. وقال الله تعالى:﴿انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) ﴾ [المرسلات: 30، 31]. ثلاث شعب:أي طوائف.

وقال سبحانه في فراش أهل النار ولُحُفِهِم:﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ[الْأَعْرَافِ:41].﴿ مِهادٌ ﴾: أي: فراش.﴿ غَواشٍ ﴾ أي:لحاف.فأهل النار فراشهم من نار ولحافهم من نار.



وهذا غاية في  الترهيب من النار وشدَّة عذابها وأنها محيطة بهم من كلِّ مكان.

ومِنْ شدَّة عذابِها أنها مع سعتها تُضيَّقُ عليهم زيادةً في العذاب قال سبحانه:﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا(13)﴾[الفرقان:13]﴿ ثُبُورًا ﴾أي:هلاكًا.



وأنَّ  منافذها مغلقة،كما قال تعالى:﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) ﴾[الهمزة:8]﴿ مُؤْصَدَةٌ ﴾ أي:مطبقة.

ومن شدة عذابها بُعد أسفلها،فقعرها بعيد مسافةُ بُعْدِهِ أربعين عامًا .كما روى الإمام مسلم(2844) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً،فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالَ:قُلْنَا:اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ،قَالَ:«هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا،فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ،حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا».

ومن شدَّة هولِها وعذابها أنها قد امتلأت غيظًا على أهلِها،قال تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)[الفرقان]،وقال تعالى:﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)﴾[الملك].

ومن شدّة عذابها أن حريقَها دائم لا ينقطع عن أهلها،قال تعالى:﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) [الزخرف].



فعلينا أن نقيَ أنفسنا من عذاب الله عز وجل باجتناب الشرك بالله وتحقيق توحيده والاستقامة على دينه،قال تعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[التحريم:7]،وقال النّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الحديث الذي رواه البخاري (1417) عن عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».


ولا يطيق أحدٌ منا عذاب الله أبدًا.روى البخاري(3265)،ومسلم (2843)واللفظ له- عن أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،قَالَ:«نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا،مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قَالُوا:وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً،يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ:«فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا،كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا».

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: قَوْلُهُ:«إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً» إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ.أَيْ: إِنَّ نَارَ الدُّنْيَا كَانَتْ مُجْزِئَةً لِتَعْذِيبِ الْعُصَاةِ.اهـ

وإذا كانت نار الدنيا لا تُطاق ،ولا يطيق  أحدٌ لذعة واحدة مِن نارها فكيف بنار جهنم التي قد زادت على نار الدنيا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا ،ولهذا قال الصحابة رضوان الله عليهم في نار الدنيا:وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً.

أي:مجزئة في عقوبة العصاة لقوَّة الحرارة واللهب والتحطيم وإحراق الدم واللحم والعظم ،أعاذنا الله وإياكم من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل.  


·     حالُ الكفار إذا غشيهم العذاب وأحاط بهم أنهم لا ناصرَ لهم ولا مغيث،وأن النارَ تذعرهم وتبهتهم فلا حيلة لهم في ردِّها إذ هم أحقر من ذلك،وأنهم لا يُمهلون للتوبة والاعتذار،لأن الوقت قد فات فلا ينفع الندامة والاعتذار،قال تعالى:﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾.

الاثنين، 19 نوفمبر 2018

(51) دُرَرٌ مِنَ النَّصَائِحِ


         حفظ اللسان يحتاج إلى جهاد



قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي(159):



وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَهُونُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ وَالِاحْتِرَازُ مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَالظُّلْمِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ،وَمِنَ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

 وَيَصْعُبُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ مِنْ حَرَكَةِ لِسَانِهِ، حَتَّى تَرَى الرَّجُلَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالدِّينِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَاتِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَنْزِلُ بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهَا أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.

 وَكَمْ تَرَى مِنْ رَجُلٍ مُتَوَرِّعٍ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ، وَلِسَانُهُ يَفْرِي فِي أَعْرَاضِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ،وَلَا يُبَالِي مَا يَقُولُ.

وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ ذَلِكَ فَانْظُرْ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنِّي لَا أَغْفِرُ لِفُلَانٍ؟ قَدْ غَفَرْتُ لَهُ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ».

 فَهَذَا الْعَابِدُ الَّذِي قَدْ عَبَدَ اللَّهَ مَا شَاءَ أَنْ يَعْبُدَهُ، أَحْبَطَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ عَمَلَهُ كُلَّهُ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ» ،وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».

وَأَيْسَرُ حَرَكَاتِ الْجَوَارِحِ حَرَكَةُ اللِّسَانِ وَهِيَ أَضَرُّهَا عَلَى الْعَبْدِ.

 وَفِي اللِّسَانِ آفَتَانِ عَظِيمَتَانِ، إِنْ خَلَصَ الْعَبْدُ مِنْ إِحْدَاهُمَا لَمْ يَخْلُصْ مِنَ الْأُخْرَى:

 آفَةُ الْكَلَامِ، وَآفَةُ السُّكُوتِ، وَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَعْظَمَ إِثْمًا مِنَ الْأُخْرَى فِي وَقْتِهَا، فَالسَّاكِتُ عَنِ الْحَقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ، عَاصٍ لِلَّهِ، مُرَاءٍ مُدَاهِنٌ إِذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالْبَاطِلِ شَيْطَانٌ نَاطِقٌ،عَاصٍ لِلَّهِ.

وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ مُنْحَرِفٌ فِي كَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ فَهُمْ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ.

 وَأَهْلُ الْوَسَطِ - وَهُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ - كَفُّوا أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ، وَأَطْلَقُوهَا فِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ نَفْعُهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا تَرَى أَحَدَهُمْ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ تَذْهَبُ عَلَيْهِ ضَائِعَةً بِلَا مَنْفَعَةٍ، فَضْلًا أَنَ تَضُرَّهُ فِي آخِرَتِهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيَجِدُ لِسَانَهُ قَدْ هَدَمَهَا عَلَيْهِ كُلَّهَا، وَيَأْتِي بِسَيِّئَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَجِدُ لِسَانَهُ قَدْ هَدَمَهَا مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ.اهـ المراد.

الأحد، 18 نوفمبر 2018

(61)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


                     


                     فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير





                     [سورة الأنبياء (21):الآية 37-38]








﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ﴾

أي:أن جنس الإنسان مِن طبيعتِه وجبِلّتِه العجلَة .

وقال بعض المفسِّرين: المراد آدم أنه سأل ربه أن يعجل بخلقه قبل غروب الشمس،وهذا التفسير من الإسرائيليات التي لا يُعتمَدُ عليها.

ومن المفسرين من قال: أَيْ:مِنْ طِينٍ كما قيل:

والنخل ينبت بَيْنَ الْمَاءِ وَالْعَجَلِ.

أي:بين الماء والطين.

 وهذا التفسير يرده سياق الآية،وهو قوله:﴿سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ فالآية تدل على أن المراد العجلة المعروفة وهي الإسراع في الأمور وعدم التمهل و التأني،وهذا قول الشنقيطي رحمه الله في«أضواء البيان» (4/149).

وسياق كلام ابن كثير أيضًا يدلُّ على ذلك فإنه قال:والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول،صلوات الله وسلامه عليه،وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت،فقال الله تعالى:﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته،يؤجل ثم يعجل،ويُنظِر ثم لا يؤخر.

﴿ سَأُرِيكُمْ آياتِي﴾ أي استعجال العذاب وَقِيلَ:كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ الْقِيَامَةَ.كما في تفسير البغوي (3/ 289).

في هذه الآية من الفوائد:

·     أن الإنسان من طبيعته وسجيَّتِه العجلة،وكما قال تعالى:﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾[الإسراء:11].

·     ذم العجلة والتحذير منها.

·     تربية القرآن للعبد المسلم على الآداب والأخلاق والمكارم والمعالي ،كعدم الاستعجال في الأمور،على لزوم الصدق،على ترك النفاق ومساوئ الأخلاق،على التحلي بالصبر في الضراء والسراء،على خلُقِ القناعة،والحذر من أمراض القلوب من الشبهات والشهوات،على الإحسان والرحمة،على الخوف من الله سبحانه،على التهيؤ والاستعداد للآخرة،وعدم تفويت الفُرص فتقع الندامة حيث لا ينفع الندم إلى غير ذلك.





وقوله:﴿وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38)﴾.



هذه الآية تكررت في القرآن ست مرات:

1– في سورة يونس (48).

2– وفي سورة الأنبياء (38).

3- وفي النمل (71).

4– وفي سورة سبأ (29).

5– وفي سورة يس (48).

6– وفي سورة الملك (25).

قال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير (3/482):أَيْ: مَتَى حُصُولُ هَذَا الْوَعْدِ الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، قَالُوا ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ.

 وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَعْدِ هُنَا الْقِيَامَةُ، وَمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إِنْ كُنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ صَادِقِينَ فِي وَعْدِكُمْ،وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتْلُونَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ الْمُنْذِرَةَ بِمَجِيءِ السَّاعَةِ وَقُرْبِ حُضُورِ الْعَذَابِ.

(5)الآداب


                  الحَذَر مِنَ العجلة أم الندامات



قال تعالى:﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37)﴾[الأنبياء].

أي:أن جنس الإنسان من طبيعته  العجلَة .

وقال تعالى:﴿وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 11]



ولما كان الإنسان من طبيعته العجلة كانت العاجلة عنده محبوبة على الآجلة قال تَعَالَى:﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾[القيامة:20] وقال تعالى:﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾[الإنسان:27].

قال ابن القيم في «مفتاح دار السعادة»:النَّفس مولعة بحب العاجلة وإيثارها على الآخرة،وَهَذَا من لَوَازِم كَونه خُلق من عجل وَكَونه خلق عجولا ا.هـ

وعد ابن القيم رحمه الله: العجلة والطيش من ثمار الجهل كما في «مفتاح دار السعادة» (116).

وذكر ابن حبان في«روضة العقلاء»(121)أن من شِيَمِ الأحمق العجلة.اهـ

والعجلة فيها الندامة غالبًا وحرمان من الوصول إلى المراد.

قال الشاعر:قد يدرك المتأني بعض حاجته***وقد يكون في المستعجل الزلل

قال ابن حبان البستي -رحمه الله تعالى-في روضة العقلاء(216)في بيان مساوئ العجلة:العجِل لا يَكاد يَلحق، وكما أنَّ من سكت لا يكاد يندم، كذلكَ مَن نطق لا يكاد يسلم، والعَجِل يقول قبل أن يَعلم،ويجيب قبل أن يفهم،ويحمد قبل أن يُجَرِّبَ، ويذم بعد ما يَحمد، ويعزم قبل أن يفكِّر،ويمضي قبل أن يعزم،والعَجِلُ تصحبهُ الندامة، وتعتزله السلامة،وكانت العرب تَكْني العجلَةَ أمَّ الندامات.اهـ



وقد قيل في المثل: إذا لم تستعجل تَصِلْ.

وكثيرًا ما يحصل الطيش والعجلة عند النساء لِضَعْفِهنَّ ونقص إدراكهنَّ،والمعصوم من عصمَ الله، مِنَ الرجال والنساء.

فعلينا أن نتحلى بهذا الخلق العظيم:خلُقُ الأناه وأن نحذر العجلة.فقد روى مسلم(17)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ:«إن فيك خصلتين يحبهما الله:الحلم،والأناة».



ومن الأمور التي يحصلُ فيها الاستعجال:

·     استعجال النصر ووعد الله الذي وعد به عباده في قوله:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) ﴾[محمد:7] وقوله:﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾[الحج:40]،وروى البخاري(3612) عن خباب بن الأرت،قال:شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة،قلنا له:ألا تستنصر لنا،ألا تدعو الله لنا؟ قال:«كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض،فيجعل فيه،فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين،وما يصده ذلك عن دينه،ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب،وما يصده ذلك عن دينه،والله ليتمن هذا الأمر،حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت،لا يخاف إلا الله،أو الذئب على غنمه،ولكنكم تستعجلون».



·     العجلة عند ظهور الفتن والتنازع وعوارض الشبهات فيلِجُ فيها بالكلام والقطع مِنْ غير تريُّث ولا نظر ولا علم ولا حِلْم،وقد ذكر هذه المسألة  ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (1/141)وقال فيمَنْ هذا حالُه:هَذَا دَلِيل ضعف عقله ومعرفته إذ تُؤثر فِيهِ البداآت ويستفز بأوائل الأمور،بِخِلَاف الثَّابِت التَّام الْعَاقِل فَإِنَّهُ لَا تستفزه البداآت وَلَا تزعجه وتقلقه،فإن الْبَاطِل لَهُ دهشة وروعة فِي أوَّلِه،فَإِذا ثَبت لَهُ الْقلب رُدَّ على عَقِبَيْهِ،وَالله يحب من عِنْده الْعلم والأَناة، فَلَا يعجل،بل يثبت حَتَّى يعلم ويستيقن مَا ورد عَلَيْهِ،وَلَا يعجل بِأَمْر من قبل استحكامه،فالعجلة والطيش من الشَّيْطَان،فَمن ثَبت عِنْد صدمة البداآت اسْتقْبل أمْرَهْ بِعلم وَحزم،وَمن لم يثبت لَهَا استقبله بعجلة وطيش،وعاقبته الندامة،وعاقبة الأول حمد أمره، وَلَكِن للْأولِ آفَة مَتى قرنت بالحزم والعزم نجا مِنْهَا،وَهِي الْفَوْت فَإِنَّهُ لَا يخَاف من التثبُّت إلا الْفَوْت ،فَإِذا اقْترن بِهِ الْعَزْم والحزم تمّ أمْرَه.اهـ



·     العجلة في استجابة الدعاء.



روى البخاري (6340)،ومسلم (2735) عن أبي هريرة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يستجاب لأحدكم ما لم يعجل،يقول:دعوت فلم يستجب لي ».

·     العجلة في طلب العلم وحفظ القرآن يطلب علمًا ويحفظ أيامًا أو شهورًا،ثم يستعجل الثمرة ويوسوس له الشيطان أنه لن يكون في سلك الحافظين المستفيدين ،فيُصاب بالتثبيط والانقطاع عن طلب العلم وهذا من مضار العجلة.

ولْنَعلم أنه لا يهذِّبُ الإنسانُ حياته ونفسَه وخُلُقَهُ إلا بالعلم النافع،فيعرف المضار فيجتنبها ويعرف المنافع فيحرص عليها،فالعلم النافع منبع لكل خير وأصل كلِّ خير.

وكذلكَ الدُّعَاء،ومِما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نقول:«اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا  صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» رواه أحمد (28/338)عن شداد بن أوس.

قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة:«اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ..».

هَاتَانِ الكلمتان هما جماع الْفَلاح،وَمَا أُتي العَبْد إلا من تضييعهما أوْ تَضْييع أحدهما، فَمَا أُتي أحْدُ إلا من بَاب العجلة والطيش واستفزاز البداآت لَهُ،أَو من بَاب التهاون والتماوت وتضييع الفرصة بعد مواتاتها، فَإِذا حصل الثَّبَات أوَّلا والعزيمة ثَانِيًا أفلح كل الْفَلاح وَالله ولي التَّوْفِيق.اهـ



وهناك العجلة في المبادرة بالطاعة وامتثال الأوامر،هذا محمود ومن أخلاق النبيين والصالحين.قال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 90]. وقال نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام:{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84].

الخميس، 15 نوفمبر 2018

(19)الحديثُ وعلومُه


               
                         معاجم الطبراني الثلاثة



قال الذهبي رحمه الله في«تذكرة الحفاظ»(3/85)ترجمة الطبراني:وصنف «المعجم الكبير»،وهو المسند سوى مسند أبي هريرة فكأنه أفرده في مصنَّف.

 و«المعجم الأوسط»في ست مجلدات كبار على معجم شيوخه،يأتي فيه عن كل شيخ بما له من الغرائب والعجائب، فهو نظير كتاب «الأفراد»للدارقطني بيَّن فيه فضيلته وسعة روايته، وكان يقول: هذا الكتاب روحي، فإنه تعب عليه، وفيه كل نفيس وعزيز ومنكر.

 وصنف«المعجم الصغير»وهو عن كل شيخ له حديث واحد.اهـ



والحاصل في التعريف بهذه المعاجم:

«المعجم الكبير»على ترتيب المسانيد.يذكر حديث كل صحابي ثم ينتقل إلى صحابي آخر.

«المعجم الأوسط»على ترتيب شيوخه على حروف المعجم ،ويذكر فيه ما لشيخه من الغرائب والتفرُّدات.

«المعجم الصغير»يذكر لكلِّ شيخٍ من شيوخه حديثًا واحدًا .
وقد وضَّح  ذلك الطبراني رحمه الله في أول«المعجم الصغير»،وقال:هَذَا أَوَّلُ كِتَابِ فَوَائِدِ مَشَايِخِي الَّذِينَ كَتَبْتُ عَنْهُمْ بِالْأَمْصَارِ، خَرَّجْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدِيثًا وَاحِدًا،وَجَعَلْتُ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ.اهـ



وسمعت والدي رحمه الله يقول:«المعجم الصغير»يذكر فيه حديثًا واحدًا لكلِّ شيخٍ من شيوخه،وكأن الطبراني أراد أن يُعرِّف فيه بشيوخه.اهـ

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

(60)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ




فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير رحمه الله
[سورة الأنبياء (21):الآية 36]


﴿وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36)﴾.

﴿إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾ الهزو:السخرية والاستهزاء.

وإن نافية.أي:ما يتخذونك..

﴿أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ أي:يعيب آلهتكم ويذمها،ومنه قوله سبحانه:﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)﴾[الأنبياء:60]﴿ يَذْكُرُهُمْ ﴾ أي:يعيبهم.

﴿ آلِهَتَكُمْ ﴾ أي:الأصنام.

﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ﴾ قال ابن كثير رحمه الله:أَيْ:وَهُمْ كَافِرُونَ بِاللَّهِ وَمَعَ هَذَا يَسْتَهْزِئُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ.

*من الفوائد:
·     سخافة عقول المشركين وأفهامهم فهم يسخرون من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،ويتنقصونه حين يعيب أصنامهم ويبين لهم أنها لا تنفع ولا تضر،ولا تقربهم إلى الله زلفى كما يعتقدون ذلك،﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ ﴾[الزمر:3] قال الله سبحانه:﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36)﴾ أي:أنهم كافرون بتوحيد الله عز وجل فهم أجدر وأحق  بالسخرية والاستخفاف والاستهزاء،لأنهم على باطل،وليس المراد أنهم ينكرون وجود الله سبحانه وأنه الخالق والرازق فإن هذا كانوا مقرِّين به.قال تَعَالَى:﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)﴾[العنكبوت:61].

·     أن من أسماء الله الحسنى:الرحمن.

·     ظاهر قوله سبحانه:﴿ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) ﴾ أن كفار قريش لا يقرون بهذا الاسم:الرحمن، وكما قال تعالى:﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)﴾[الرعد:30]،وقال سبحانه:﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)﴾[الفرقان:60].
وفي صحيح البخاري (2731) في صلح الحديبية أنه جاء سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لاَ نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ»..الحديث.

ولكن بيَّن ابن جرير وابن كثير وغيرهما أن إنكارهم لهذا الاسم ليس عن اعتقاد نفيه،ولكنه عناد وتعنت،فإنَّ هذا قد وُجد في أشعار الجاهلية كما قال قائلهم:

ألا ضربت تلك الفتاةُ هجينها *** ألا قضب الرحمن ربي يمينها

وهذا الاسم الشريف مختص بالله عز وجل لا يجوز لأحد أن يتسمَّى به.

وقد جمع الله عَزَّ وَجَل بين الرحمن الرحيم في بعض المواضع من كتابه الكريم  كقوله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}[البقرة].

وكلاهما يدل على إثبات صفة الرحمة لله عز وجل.

والرحمن أكثر مبالغة من الرحيم؛ لأنه على وزن فعلان،وزيادة الأحرف تدل على زيادة في المعنى.وقد تكلم أهل العلم على الفرق بينهما.

ومن الأقوال المشهورة:قول محمد بن عبيد الله العرزمي:الرحمن بجميع الخلق والرحيم بجميع المؤمنين.
وقال ابن القيم في «بدائع الفوائد»( 24):الرحمن دال على الصفة القائمة بالله سبحانه والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم.فكان الأول للوصف والثاني للفعل.

قال: فالأول دال أن الرحمة صفته والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته.

 قال: وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله:﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾،﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ولم يجيء قط رحمن بهم.

فعُلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة ،ورحيم هو الراحم برحمته وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب..إلخ.

ويعني بذلك أن الرحمن يدل على صفة ذاتية.مثل:صفة العلم والحياة،وأما الرحيم فهو يدل على صفةٍ فعلية  يرحم الله سبحانه من يشاء كما يقتضيه عدله وحكمته.

(41) الأحاديثُ الضعيفة والموضوعة وما لا أصل لها لوالدي رحمه الله




                       مِنْ أحاديث الشيعة


عن أبي رافع رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ يَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لَقُلْتُ فِيكَ الْيَوْمَ مَقَالًا لَا تَمُرُّ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَخَذَ التُّرَابَ مِنْ أَثَرِ قَدَمَيْكَ، يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ».

[رواه الطبراني في «المعجم الكبير»(1/320)عن أبي رافعٍ رضي الله عنه].




 وقال فيه ابن معين: ليس بشيء. 
والراوي عن يحيى هذا حربُ بن الحسن الطحان: شيعي.

الأحد، 11 نوفمبر 2018

(18)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي


                 ثقةُ الطالب بشيخه




مِنْ أسبابِ الفشَلِ  في التَّلَقِّي عدمُ ثقة الطالب بمَنْ يتعلَّمُ على يديه.


سألَ والدي الشيخ مقبل رحمه الله مرةً في الدرس فلم يجد الإجابة ،أو وجد إجابة ركيكة.

فسمعتُه يقول:ما لكم لا تُجيبون ؟

لعلكم لا تثقون  بمدرِّسِيكُم ،الذي لا يثقُ بمعلِّمِه لا يستفيدُ.



وقال رحمه الله في«المقترح في أجوبة المصطلح»(173):

أما الشيخ المستأجَر الذى يدرِّس بأجرة فالفائدة قليلة.

 فقد كنا في الجامعة الإسلامية، وبعض المشايخ يشرح الدرس حتى كأننا نشاهد الألفاظ بأعيننا، ونخرج بسبب عدم الثقة في الشيخ فلا نستفيد الفائدة التي ينبغي أن تستفاد.اهـ





ولا يعني هذا أن الشيخَ الذي عنده أهليَّة  للتعليم كاملٌ في العلم فلا يجهل،وأنه معصومٌ لا يُخطئ.



علِمْنا مما تقدَّم:

أنَّ ثقة الطالب بشيخه مِنْ أسبابِ النجاح  في التلقِّي.

وينبغي للطالِب أن يتحرَّى مَنْ يتلقَّى على يديه وأنْ يستشير في ذلك،حتى تطمئنَّ نفسُه،وينالَ بغيَتَهُ.والله أعلم.

السبت، 10 نوفمبر 2018