جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 30 أبريل 2016

(98)مِنْ مَرْوِيَّاتِيْ عَنْ وَالِدِيْ العَلَّامَةِ الرَّبَّانِيْ مُقْبِل بنْ هَادِيْ الوَادِعِيْ رَحِمَهُ الله


                          الإرشاد إلى التيسير

ينبغي لطالب العلم أن ييسر . 

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
وقال سبحانه :{ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]}.
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه-  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،  بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ وقَالَ لهما: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا».
وروى البخاري(702)ومسلم(466)عن أبي مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ».
وروى البخاري(705) ومسلم(465)عن جابربن عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ، فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي، فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ البَقَرَةِ - أَوِ النِّسَاءِ - فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ» - أَوْ «أَفَاتِنٌ» - ثَلاَثَ مِرَارٍ: «فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الحَاجَةِ».
 وليس معناه أنه مفوض في دين الله، ولكن إذا وجدَ رخصة يفرح بها للمسلمين.
 كما قال سفيان الثوري: إنما العِلمُ عندنا الرُّخَص عن الثقة  ،فأمَّا التَّشديدُ فكُلّ إنسانٍ يُحْسِنُه .
(أخرجه أبونعيم رحمه الله في «حلية الأولياء » (6/320)).

وهكذا الأمور العاديات ينبغي أن يربط الناس بالكتاب والسنة، وألا يجعلها أكبر همه.

(41)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

                     إثبات صفة العَيْنَيْنِ لله عزوجل
صفة العينين ثابتة لله عز وجل، وقد جاء إثبات العين بلفظ الإفراد قال تعالى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 39]. وجاء بلفظ الجمع قال تعالى:﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾[القمر: 14] وقال سبحانه :﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور:48]. ونون الجمع هنا للتعظيم.

وجاء بلفظ التثنية .أخرج البخاري (7407)ومسلم (169)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمررضي الله عنهما، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ - وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ».
وأخرج البخاري(7408)ومسلم(2933) عن أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ».
 
في هذين الحديثين إثبات صفة العينين لله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذَكَر الفارق بين الله عز وجل رب العباد وبين الدجال الذي يدَّعي أنه ربٌ وأنه إله، فذكر الفرق أن الله ليس بأعور، وأن الدجال أعور العين اليمنى.

وقد فسَّرالعينَ بعضُ المؤولة بالعلم ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ بعلمنا، وهذا صرف لظاهر الدليل لغير دليل.

وفي صحيح البخاري في تبويب حديث (7407)﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ فُسر بـ تغذَّى أي تنعَّم، وهذا من باب تفسير الصفة بلازمها ،والواجب إثبات الصفة وما دلت عليه من المعنى وإثبات اللازم .

الخميس، 28 أبريل 2016

(26)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله


                               هل الكفار يرون ربهم يوم القيامة؟.

جـ: يرونه في الموقف.

يقول الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ }[الانشقاق:6].
وفي الصحيحين من حديث  عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلاَ حِجَابٌ يَحْجُبُهُ».
وأما قوله تعالى: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ }[المطففين:15] فيجمع بينه وبين ما تقدم أنهم يرونه في الموقف، وعلى هذا يحمل النفي.
ثم يوم القيامة يوم طويل، فقد يرونه في وقت دون وقت آخر.
وكذلك قوله تعالى:{ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا }[طه:102] أي عمياً.
فلا يمنع أنهم تارة يبصرون، وتارة لا يبصرون.
ورؤية المؤمنين لربهم رؤية فرح وسرور،ورؤية غير المؤمنين لربهم رؤية غضب وسخط .
-----------
قلت: قال ابن القيم رحمه الله في «حادي الأرواح»(ص:288): أجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى المعاينة والرؤية ،ولا ينتقض هذا بقوله تعالى:{ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه} فقد دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه تعالى في عرصات القيامة بل والكفار أيضا كما في الصحيحين من حديث التجلي يوم القيامة .اهـ.
و في المسألة قولان آخران
 أحدهما :قول جمهور أهل العلم على أن رؤية الله في الموقف خاصة بالمؤمنين فقط دون غيرهم لقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين:15].قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (6/487):وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عُمُومُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ.
الثاني: : يَرَاهُ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْحِيدَ مِنْ مُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمُنَافِقِيهَا وَغُبَّرَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فَلَا يَرَوْنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ .وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ بْنِ خُزَيْمَة مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى نَحْوَهُ فِي حَدِيثِ إتْيَانِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ فِي الْمَوْقِفِ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ. ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (6/487).
وقد ذكر هذه الأقوال الثلاثة السابقة ابن القيم في«حادي الأرواح»(ص:288) وقال: والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وهي لأصحابه. إلا أنه قال في القول الأخير:الثالث: يراه المنافقون دون الكفاراهـ.
وهنا كلامٌ مهم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هَذِهِ الْمَسْأَلَة في مجموع الفتاوى (6/502)يقول: لَيْسَتْ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَنْبَغِي كَثْرَةُ الْكَلَامِ فِيهَا وَإِيقَاعُ ذَلِكَ إلَى الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ حَتَّى يَبْقَى شِعَارًا، وَيُوجِبَ تَفْرِيقَ الْقُلُوبِ وَتَشَتُّتَ الْأَهْوَاءِ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ " الْمَسْأَلَةُ " فِيمَا عَلِمْت مِمَّا يُوجِبُ الْمُهَاجَرَةَ وَالْمُقَاطَعَةَ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهَا قَبْلَنَا عَامَّتُهُمْ أَهْلُ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ .

وقال (ص:504)من هذا الجزء: لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْعَلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِحْنَةً وَشِعَارًا يُفَضِّلُونَ بِهَا بَيْنَ إخْوَانِهِمْ وَأَضْدَادِهِمْ؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَكَذَلِكَ لَا يُفَاتِحُوا فِيهَا عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي عَافِيَةٍ وَسَلَامٍ عَنْ الْفِتَنِ وَلَكِنْ إذَا سُئِلَ الرَّجُلُ عَنْهَا أَوْ رَأَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِتَعْرِيفِهِ ذَلِكَ أَلْقَى إلَيْهِ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَرْجُو النَّفْعَ بِهِ؛ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ فَرْضٌ وَاجِبٌ؛ لِمَا قَدْ تَوَاتَرَ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتِهِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ.اهـ المراد.

الدرس الرابع والعشرون من /كتاب التوحيدمن صحيح البخاري 22من شهر رجب 1437.

بسم الله الرحمن الرحيم

*************************
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري رحمه الله:
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 23].
7434- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، وَهُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا».
*************************
(حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ) الواسطي.
(حَدَّثَنَا خَالِدٌ) هو ابن عبد الله الطحَّان الواسطي.
(وَهُشَيْمٌ) هشيم بن بشير، قال الحافظ في «الفتح» (13/426): قَوْلُهُ خَالِدٌ أَوْ هُشَيْمٌ كَذَا فِي نُسْخَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي بِالشَّكِّ .وَفِي أُخْرَى بِالْوَاوِ وَكَذَا لِلْبَاقِينَ. اهـ.
و(أو) للشك والتردد، لكن في النسخ الأخرى بالعطف فيكون عمرو بن عون له شيخان خالد وهشيم.
(عَنْ إِسْمَاعِيلَ) إسماعيل بن أبي خالد البجلي الأحمسي، كان يلحن كثيرًا.
(عَنْ قَيْسٍ)
ابن أبي حازم، مخضرم. وقد سمع من العشرة المبشرين بالجنة إلا عبد الرحمن بن عوف. ووالده أبو حازم صحابي.
(عَنْ جَرِيرٍ) وهو ابن عبد الله البجلي.
(لَيْلَةَ البَدْرِ) هي ليلة أربع عشرة.
(كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ)
الكاف للتشبيه. والتشبيه تشبيهٌ للرؤية بالرؤية من حيث الوضوح وعدم التزاحم ،لا تشبيه المرئي بالمرئي؛ لأن الله عز وجل لا نِدَ له ولا شبيه، قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
(لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ)
قال ابن الأثير في «النهاية» (3/101): يُروى بالتَّشديد وَالتَّخْفِيفِ، فَالتَّشْدِيدُ مَعْنَاهُ: لَا يَنْضَمّ بَعضُكم إِلَى بَعْض وتَزْدَحِمون وقتَ النَّظَر إِلَيْهِ، ويجوزُ ضمُّ التاءِ وَفَتْحُهَا عَلَى تُفَاعِلون، وتَتَفاعلون. وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ: لَا يَنَالُكم ضَيمٌ فِي رُؤْيتِه، فَيرَاه بعضُكم دُونَ بعضٍ. والضَّيْمُ: الظُّلْم. اهـ.
*************************
قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله:
7435- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ اليَرْبُوعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا».
*************************
(حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى) وهو القطَّان.
(حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ) عبد ربِّه بن نافع.
(عِيَانًا) أي: أنَّ الرؤية بالعين.
*************************
قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله:
7436- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ»
*************************
(عَنْ زَائِدَةَ) هو ابن قدامة.
هذا الحديث يقال له حديث جرير في الرؤية، وقد أخرج عبد الله بن أحمد في «السنة» (2/527): حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ بُهْلُولٍ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا، «يَقُولُ مِنْ رَدَّ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَةَ فَاحْسَبُوهُ مِنَ الْجَهْمِيَّةَ». وهذا إسناد صحيح . :  إِسْحَاقُ بْنُ بُهْلُولٍ ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء (12/489) وقال إِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلِ بنِ حَسَّان أَبُو يَعْقُوْبَ الأَنْبَارِيُّ الحَافِظُ، الثِّقَةُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو يَعْقُوْبَ، التَّنوخِيُّ، الأَنْبَارِيُّ اهـ المراد.

- وفيه الإيمان برؤية الله عز وجل في الآخرة.
وقد ذكر الإمام البخاري رحمه الله الآية الكريمة ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 23] ترجمة للباب. وهذه الآية من الأدلة على رؤية الله عز وجل في الآخرة.
ويقول سبحانه وتعالى في الكفار ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15].
قال الشافعي لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءَه يرونه في الرضى قال الربيع بن سليمان  فقلت يا أبا عبد الله وبه تقول قال نعم وبه أدين الله. «حادي الأرواح»(ص:292).
ورؤية الله عز وجل أعظم نعيم أهل الجنة وأعلاه. أخرج الإمام مسلم (181) عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ".
قال ابن القيم رحمه الله في «حادي الأرواح»(ص:285): هذا الباب أشرف أبواب الكتاب وأجلها قدرا وأعلاها خطرا ،وأقرها عينا أهل السنة والجماعة وأشدها على أهل البدعة والضلالة وهي الغاية التي شمَّر إليها المشمرون وتنافس فيها المتنافسون وتسابق إليها المتسابقون ولمثلها فليعمل العاملون إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم ،وحرمانه والحجاب عنه لأهل الجحيم أشد عليهم من عذاب الجحيم اتفق عليها الأنبياء والمرسلون وجميع الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام على تتابع القرون وأنكرها أهلُ البدع المارقون والجهمية المتهوكون والفرعونية المعطلون والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون والرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون ومن حبل الله منقطعون وعلى مسبَّة أصحاب رسول الله عاكفون وللسنة وأهلها محاربون ولكل عدو لله ورسوله ودينه مسالمون وكل هؤلاء عن ربهم محجوبون وعن بابه مطرودون أولئك أحزاب الضلال وشيعة اللعين وأعداء الرسول وحزبه .اهـ.

 وقد كان من أدعية النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ فِي وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءٍ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (427)، وهو في «الصحيح المسند» (2/8) للوادعي، من حديث فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ.
فرؤية الله عز وجل لذة وسرور ونعيم. وقد حُرِم المبتدعة الإيمان برؤية الله عز وجل كالمعتزلة والجهمية والرافضة. قالوا: لأن إثبات الرؤية يستلزم التشبيه، ولأن في إثبات الرؤية إثبات الجهة لله عز وجل، وأوَّلوا الأدلة التي فيها إثبات الرؤية بالثواب والأجر، وبالعلم، وقالوا في قوله عز وجل: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 23]  قالوا: تنتظر ثواب الله عز وجل.
 وقد ذكر أهل العلم أن النظر إذا عُدِّي بنفسه فالمراد به التوقف والانتظار كقوله سبحانه عن المنافقين: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:13]. وإذا عُدِّي بـ (في) فمعناه التفكر والاعتبار كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:185]. وإذا عُدِّي بـ (إلى) فمعناه النظر بالعين قال تعالى:{انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ}.وقال: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.
ينظر «حادي الأرواح»(ص 296).
وقوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ النضرة: البهاء والحسن كقوله سبحانه﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا[الإنسان:11].
 وقوله: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ النظر بالبصر.
وأدلة الرؤية متواترة
مما تواتر حديث من كذب ***ومن بنى لله بيتًا واحتسب
ورؤيةٌ شفاعة والحوض***ومسح خفين وهذي بعض
وهناك أبيات فيها رؤية المؤمنين لربهم وسرورهم لابن القيم في نونيته(ص:343) يقول فيها:
بينا هم في عيشِهم وسرورهم ... ونعيمهم في لذَّة وتَهان
وإذا بنور ساطع قد أشرقت ... منه الجنان قصيها والداني
رفعوا إليه رؤوسهم فرأوه نور ... الرب لا يخفى على إنسان
وإذا بربهم تعالى فوقهم ...       قد جاء للتسليم بالإحسان
قال السلام عليكم فيرونه ... جهرًا تعالى الرب ذو السلطان
مصداق ذا يس قد ضمنته عنـ ... ـد القول من رب بهم رحمان
من ردّ ذا فعلى رسول الله رد ... وسوف عند الله يلتقيان
في ذا الحديث علوه ومجيئه ... وكلامه حتى يُرى بعيان
هذي أصول الدين في مضمونه ... لا قول جهم صاحب البُهتان
وكذا حديث أبي هريرة ذلك الـ ... ـخبر الطويل أتى به الشيخان
فيه تجلى الرب جل جلاله ...             ومجيئه وكلامه ببيان
وكذاك رؤيته وتكليم لمن ... يختاره من أمة الإنسان
فيه أصول الدين أجمعها فلا ... تخدعك عنه شيعة الشيطان.
من شبه القائلين بنفي رؤية الله عز وجل في الآخرة:
1- قال الله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:103]. ورد عليهم أهل العلم هذه الشبهة بأن الإدراك أخص؛ لأن معناه الإحاطة، ولهذا لما قال أصحاب موسى: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾ [الشعراء]. رأوا فرعون وقومه وخافوا من الإدراك والإحاطة بهم، فنفى موسى عليه الصلاة والسلام الإدراك لهم بقوله: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ). و(كَلَّا) حرف ردع وزجر.
2- قول موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف:143]. وقالوا: لن لنفي التأبيد، وقد رد عليهم أهل العلم ومنهم ابن مالك فقال:
وَمَنْ رَأى النَّفْيَ بِلَنْ مُؤَبَّداً  ***  فَقَوْلَهُ اردُدْ وَسِواهُ فاعضُدا
و لو كانت رؤية الله ممتنعة مطلقًا لما سأل ذلك موسى عليه الصلاة والسلام.
وقد قال ابن القيم رحمه الله في حادي الأرواح (ص:293)عن  شيخه –ابن تيمية : أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله .اهـ.
واختلف أهل العلم في الرؤية يوم القيامة هل هي عامة لجميع أهل الموقف، أم هي للمؤمنين والمنافقين وبقايا من أهل الكتاب، أم هي للمؤمنين فقط؟.
 ثلاثة أقوال في المسألة.
 1-جمهور أهل العلم على أن رؤية الله في الموقف خاصة بالمؤمنين فقط دون غيرهم لقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ[المطففين:15].قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (6/487):وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عُمُومُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ.
2-ومنهم من قال :الجميع يرونه في الموقف ثم يحتجب الله عنهم ، ودليلهم الأدلة التي فيها إثبات لقاء الله عز وجل في الآخرة كقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الإنشقاق:6] على قولٍ .والقول الثاني أن المراد بالآية ملاقي عمله . وقوله {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}وقوله: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ [الأنعام:31]. وقوله { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) }وقوله: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [الأحزاب:44]. وهذا قول جماعة من أهل العلم، وهو قول ابن القيم في «حادي الأرواح»(ص:288) ونص كلامه: أجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى المعاينة والرؤية ،ولا ينتقض هذا بقوله تعالى:{ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه} فقد دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه تعالى في عرصات القيامة بل والكفار أيضا كما في الصحيحين من حديث التجلي يوم القيامة .اهـ.
وهو قول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله. وقالوا: الرؤية في حق غير المؤمنين رؤية غضب وسخط بخلاف رؤية المؤمنين فإنها رؤية فرح وسرور.
وقد ذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(6/503)جواب أصحاب هذا القول عن الآية ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين:15]. أن هَذَا الْحَجْب بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: حَجَبْت فُلَانًا عَنِّي وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ الْحَجْبَ نَوْعُ رُؤْيَةٍ؛ وَهَذَا حَجْبٌ عَامٌّ مُتَّصِلٌ وَبِهَذَا الْحَجْبِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَجَلَّى لِلْمُؤْمِنِينَ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ أَنْ يُحْجَبَ الْكُفَّارُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا دَائِمًا أَبَدًا سَرْمَدًا.اهـ المراد.
3- ومنهم من قال : يَرَاهُ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْحِيدَ مِنْ مُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمُنَافِقِيهَا وَغُبَّرَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فَلَا يَرَوْنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ .وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ بْنِ خُزَيْمَة مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى نَحْوَهُ فِي حَدِيثِ إتْيَانِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ فِي الْمَوْقِفِ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ. ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (6/487).
ودليل هذا القول ما في«صحيح البخاري» (7439) و«صحيح مسلم» (183)من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «...حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟...».
وأخرج البخاري (7437،6573،806) ومسلم (182) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا،..» وسيأتي بطوله عند البخاري بعد قليل عن أبي هريرة وأبي سعيد.
قال النووي رحمه الله في« شرح صحيح مسلم»(3/28):اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذلك طائفة حكاه ابن فُورَكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى) .وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ بَاطِلٌ بَلْ لَا يَرَاهُ الْمُنَافِقُونَ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِرُؤْيَتِهِمُ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ الَّذِي فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُنَافِقُونَ يَرَوْنَ الصُّورَةَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَرَاهُ جَمِيعُهُمْ وَقَدْ قَامَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقَ لَا يَرَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ.
وقد ذكر هذه الأقوال الثلاثة السابقة ابن القيم في«حادي الأرواح»(ص:288) وقال: والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وهي لأصحابه. إلا أنه لم يذكر في القول الثالث (وَغُبَّرَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)ولكن قال:الثالث: يراه المنافقون دون الكفاراهـ.
ونختم الكلام على هذه المسألة بكلامٍ جميل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (6/502)يقول عن هَذِهِ الْمَسْأَلَة: لَيْسَتْ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَنْبَغِي كَثْرَةُ الْكَلَامِ فِيهَا وَإِيقَاعُ ذَلِكَ إلَى الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ حَتَّى يَبْقَى شِعَارًا وَيُوجِبَ تَفْرِيقَ الْقُلُوبِ وَتَشَتُّتَ الْأَهْوَاءِ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ " الْمَسْأَلَةُ " فِيمَا عَلِمْت مِمَّا يُوجِبُ الْمُهَاجَرَةَ وَالْمُقَاطَعَةَ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهَا قَبْلَنَا عَامَّتُهُمْ أَهْلُ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ .
وقال (ص:504)من هذا الجزء: لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْعَلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِحْنَةً وَشِعَارًا يُفَضِّلُونَ بِهَا بَيْنَ إخْوَانِهِمْ وَأَضْدَادِهِمْ؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَكَذَلِكَ لَا يُفَاتِحُوا فِيهَا عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي عَافِيَةٍ وَسَلَامٍ عَنْ الْفِتَنِ وَلَكِنْ إذَا سُئِلَ الرَّجُلُ عَنْهَا أَوْ رَأَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِتَعْرِيفِهِ ذَلِكَ أَلْقَى إلَيْهِ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَرْجُو النَّفْعَ بِهِ؛ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ فَرْضٌ وَاجِبٌ؛ لِمَا قَدْ تَوَاتَرَ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتِهِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ.اهـ المراد.
وهذا يفيد أن المسلم وبالأخص الطالب عليه أن يعرف من يوالي لأجله ،ومن يعادي لأجله، فرُبَّ مسألة يجرالكلام فيها  إلى العداوة والبغضاء، وفي الحقيقة لا يصل الأمر فيها إلى هذا الحد، والله المستعان.
نحن نستفيد من الكلام في هذا المسألة - إذا ثبتت في رؤية غير المؤمنين لله عز وجل في الموقف - نستفيد الإيمان بالغيب. والإيمان بالغيب يزيد في الإيمان، وقد أثنى الله على المتصفين بهذه الصفة في آيات منها قوله عز وجل: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة:3].
حكم رؤية الله في الدنيا
ثبت في «صحيح مسلم» (169) من حديث بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «...تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ»
وفي «صحيح مسلم» (179) عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ  لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ".
وقد أجمع العلماء على أن الله سبحانه وتعالى لا يُرى في الدنيا يقظة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (2/316):وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعَالِمِينَ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ، وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً: مِنْهُمْ مَنْ نَفَى رُؤْيَتَهُ بِالْعَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا.اهـ.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه ليلة المعراج. قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم(3/5): الْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِحَدِيثِ ابن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ .وَإِثْبَاتُ هَذَا لَا يَأْخُذُونَهُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .اهـ.
ويعني النووي بحديث ابن عباس عند مسلم (176) قَالَ: «رَآهُ بِقَلْبِهِ».
وفي رواية له عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] ، قَالَ: «رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ».
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(3/43): وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ اسْتِنَادُهُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] [النِّجْمِ: 11] ثُمَّ قَالَ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] [النَّجْمِ: 13] وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَنَدُهُ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا الْمَرْئِيَّ جِبْرِيلُ، رَآهُ مَرَّتَيْنِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ .هَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ: (رَآهُ بِفُؤَادِهِ) ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ومن أدلة هذا القول قوله سبحانه: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى [النجم:8]. ولكن قد ثبت في «صحيح مسلم» (177) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «...أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ»، فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 103]، أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: 51]...».
وعائشة رضي الله عنها تنفي  أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه . كما في «الصحيحين» البخاري (7380) ومسلم (177) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ، فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام: 103]...».
وفي «صحيح مسلم» (178) عن أبي ذر رضي الله عنهقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ». وفي رواية «رَأَيْتُ نُورًا».
وهذا ما رجحه جماعة من أهل العلم، ومنهم الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه «الفصول».
ورجحه الشنقيطي في أضواء البيان سورة الإسراء وقال :التَّحْقِيقُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّرْعِ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ. وَمَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ أَنَّهُ رَآهُ. فَالْمُرَادُ بِهِ الرُّؤْيَةُ بِالْقَلْبِ. كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: " أَنَّهُ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ " لَا بِعَيْنِ الرَّأْسِ.
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَهُوَ هُوَ فِي صِدْقِ اللَّهْجَةِ) سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا. فَأَفْتَاهُ بِمَا مُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ.اهـ المراد.
ولا يُشدَّد في هذا القول لا إثباتًا ولا نفيًا .
قال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء(10/114): فَنَقِفُ عَنْ هَذِهِ المَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ، فَإِثْبَاتُ ذَلِكَ أَوْ نَفْيُهُ صَعْبٌ، وَالوُقُوْفُ سَبِيْلُ السَّلاَمَةِ وَاللهُ أَعْلَمُ.  
وَإِذَا ثَبَتَ شَيْءٌ، قُلْنَا بِهِ، وَلاَ نُعَنِّفُ مَنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا، وَلاَ مَنْ نَفَاهَا، بَلْ نَقُوْلُ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ، بَلَى نُعَنِّفُ وَنُبَدِّعُ مَنْ أَنْكَرَ الرُّؤْيَةَ فِي الآخِرَةِ، إِذْ رُؤْيَةُ اللهِ فِي الآخِرَةِ ثَبَتَ بِنُصُوْصٍ مُتَوَافِرَةٍ.اهـ.
رؤية الله في المنام
ثبت في سنن الترمذي (5/221) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطُولِهِ وَقَالَ: «إِنِّي نَعَسْتُ فَاسْتَثْقَلْتُ نَوْمًا فَرَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ؟ فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الأَعْلَى؟».
وجاء أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله رأى ربه، فليس هناك ما يمنع.
قال ابن قدامة المقدسي في «مختصر منهاج القاصدين» (51): وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: رأيت رب العزة بالمنام، فقلت: يا رب، ما أقرب ما يتقرب به إليك المتقربون؟ فقال: بكلامي يا أحمد، فقلت: يارب بفهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم وبغير فهم. اهـ.
عرفنا أن رؤية الله عز وجل في الدنيا يقظة هذا ممتنع شرعًا باستثناء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا مختلف فيه، وقد ادَّعى بعض الصوفية ذلك لبعض أئمتهم وأوليائهم، والأدلة الثابتة ترد عليهم.
- ومن فوائد حديث جرير:الحث على المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر، وفيه إشارة إلى أن المحافظة على هاتين الصلاتين من أسباب رؤية الله عز وجل في الآخرة.
- وفيه أنه قد يكون هناك شواغل وصوارف عن هاتين الصلاتين، كالنوم والانشغال بترف الدنيا وبالسمر، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يؤكِّد أمرَالمحافظة على هاتين الصلاتين، والله أعلم.
*************************
قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله:
7437- حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟»، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟»، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ»، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا - شَكَّ إِبْرَاهِيمُ -، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَنَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمِ السَّعْدَانَ؟، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ المُوبَقُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ - أَوِ المُوثَقُ بِعَمَلِهِ -، وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ، أَوِ المُجَازَى، أَوْ نَحْوُهُ، ثُمَّ يَتَجَلَّى، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ المَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ، مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، قَدْ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟، فَيَقُولُ: لاَ، وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ أَبَدًا؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَيَدْعُو اللَّهَ، حَتَّى يَقُولَ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ، لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، انْفَهَقَتْ لَهُ الجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِي الجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لاَ أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللَّهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وَتَمَنَّى، حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ، يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ، قَالَ: اللَّهُ ذَلِكَ لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ»
7438- قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: «ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: «وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ»، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا حَفِظْتُ إِلَّا قَوْلَهُ: «ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: «ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَلِكَ: الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ.
*************************
(حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) الأويسي.
(إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) الزهري.
(هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟...)
هو قريب من معنى تضامون، أي: لا يلحقكم ضرر في رؤية الله عز وجل.
(فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟)
أي: ليس يحول بينها وبينكم سحاب.
وهذا فيه ضرب الأمثال للتقريب للأفهام  .
وقد قال ابن الجوزي في «كشف المشكل» (1/316): والأمثال حِكْمَة الْعَرَب، بهَا ينْكَشف الشَّيْء الْخَفي. اهـ.
فهنا ضرب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لرؤية الله برؤية الشمس والقمر من حيث الوضوح وعدم الاختلاف والزحام.
وفي حديث جرير رضي الله عنه المتقدم ما يفيد ذلك أيضًا.
(يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ)
الطاغوت: هو كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ أَوْ مَتْبُوعٍ أَوْ مُطَاعٍ. إعلام الموقعين (1/40).
(وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا - شَكَّ إِبْرَاهِيمُ)
إبراهيم هوابن سعد أحد رواة الحديث، قال الحافظ في «فتح الباري» رقم (6573): وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ. اهـ.
(فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ)
فيه إثبات صفة الإتيان لله عز وجل .
 وصفة الصورة لله عز وجل.
وأخرج البخاري(6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ، النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ، جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ ".
وفي «صحيح مسلم» (2612) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ».
والضمير في (صُورَتِهِ) على أحد أقوال العلماء يعود إلى الله عز وجل من غير تشبيه ولا تمثيل كما هو معلوم.
ومنهم من قال (عَلَى صُورَتِهِ) يعود على آدم نفسه، أي: خلقه في صورة كاملة في صورة رجل، لم يكن خلقه على مراحل وأطوار.
فالاستدلال بهذا الحديث فيه نزاع بين أهل العلم، وقد جاء رواية عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقَبِّحُوا الْوُجُوهَ، فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ خُلِقَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ».أخرجه ابن أبي عاصم في«السنة» (1/228). لكنه بلفظ (على صورة الرحمن) ضعيف.
قال ابن قتيبة في «تأويل مختلف الحديث» (322): وَالَّذِي عِنْدِي - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ الصُّورَةَ لَيْسَتْ بِأَعْجَبَ مِنَ الْيَدَيْنِ، وَالْأَصَابِعِ، وَالْعَيْنِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِلْفُ لِتِلْكَ، لِمَجِيئِهَا فِي الْقُرْآنِ، وَوَقَعَتِ الْوَحْشَةُ مِنْ هَذِهِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ فِي الْقُرْآنِ، وَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِالْجَمِيعِ، وَلَا نَقُولُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِكَيْفِيَّةٍ وَلَا حَدٍّ. اهـ.
 (وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ)
الصراط بالصاد وفي بعض الروايات السراط بالسين وهذا لغةٌ.
- وفيه الإيمان بالصراط.
والإيمان بالصراط داخل في ركن الإيمان باليوم الآخر لأن الإيمان باليوم الآخر يشمل ما يكون فيه من الأمور من العرض والحساب والحوض والميزان والشفاعة وغير ذلك.
والصراط لغة :الطريق الواضح.
والصراط في الآخرة :جسر ممدود على ظهر جهنم .
اشتقاق الصراط: قال ابن القيم في بدائع الفوائد(2/16) المشهور أنه من صرطت الشيء أصرطه إذا بلعته بلعا سهلا فسمي الطريق صراطا لأنه يسترط المارة فيه .
قال :والصراط ما جمع خمسة أوصاف أن يكون طريقا مستقيما سهلا مسلوكا واسعا موصلا إلى المقصود .فلا تسمي العرب الطريق المعوج صراطا ولا الصعب المشق ولا المسدود غير الموصول .
والناس يكونون على الصراط إذا بُدِّلَتِ الأرض غير الأرض والسماوات .روى مسلم في صحيحه (315)عن ثوبان رضي الله عنه  الحديث و فيه أن يهوديًا سأل النبي ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ ": أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ» ...."
وفي «سنن الترمذي»(3241) عن عائشة رضي الله عنها قالت فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ» .  
وفيه دليل على أن الكفار لا يمرون على الصراط؛ لأنه أثبت في أول الحديث أن المشركين قد انصرفوا أي: إلى النار والعياذ بالله، وما ضُرِبَ الصراط إلا بعد ذهابهم. قال ابن رجب رحمه الله في كتابه «التخويف من النار» (235): فأما المشركون فإنهم لا يمرون على الصراط إنما يقعمون في النار قبل وضع الصراط ثم ذكر حديث أبي هريرة في الباب قال : فهذا الحديث صريح في أن كل من أظهر عبادة شيء سوى الله، كالمسيح وعزير من أهل الكتاب، فإنه يلحق بالمشركين في الوقوع في النار قبل نصب الصراط. اهـ.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنهم يمرون على الصراط لقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثمَّ ننجِّي الذين اتقوا ونذرُ الظَّالمين فيه جثيا﴾ [مريم:71]، لكن مع ما تقدم يتبين أن المؤمنين هم الذين يمرون على الصراط، والله أعلم.
ثم ذكر في الحديث بعض أوصاف الصراط وقال (وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمِ السَّعْدَانَ؟، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ)، وعندنا هنا في حديث أبي سعيد (7439)وهو عند مسلم(183) « ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ».
(مَزِلَّةٌ)قال ابن الأثير في النهاية(2/310) :الْمَزَلَّةُ: مفعَلةٌ مِنْ زَلَّ يَزِلُّ إِذَا زَلق، وتُفْتح الزَّاي وتُكْسر، أَرَادَ أنَّه تزلَقُ عَلَيْهِ الأقْدَام وَلَا تَثْبُتُ.اهـ.
(خَطَاطِيفُ)قال ابن الأثير في النهاية : الحَديدة الْمُعْوجّة كالكَلُّوب يُخْتَطَفُ بِهَا الشيءُ.
(وَحَسَكٌ)قال ابن الأثير في النهاية : الحَسَكُ:
جَمْعُ حَسَكَة، وَهِيَ شَوكة صُلْبة مَعْرُوفَةٌ.
وجاء في «صحيح مسلم» (183) عن أبي سعيد أنه قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ». ولكن يقول (بَلَغَنِي).
وجاء في مسند أحمد(41/302) من حديث عائشة وفيه (وَلِجَهَنَّمَ جِسْرٌ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ،وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ).وفيه ابن لهيعة ضعيف.
وأخرجه الحاكم في المستدرك(4/632)من طريق مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيِّ، ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ، ثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الحديث وفيه (وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ).
ويَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ :ضعيف .وقد جاء الحديث موقوفًا على ابن مسعود عند الحاكم في المستدرك (2/407).
وأخرجه الحاكم في المستدرك(4/629)من طريق هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عن سلمان الفارسي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،الحديث وفيه: وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ مِثْلَ حَدَّ الْمُوسَى فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: مَنْ تُجِيزُ عَلَى هَذَا؟ فَيَقُولُ: مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِي، فَيَقُولُ: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ .
وقد تكلم الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في شعب الإيمان (1/565)على هذه الزيادة وقال: " وَهَذَا اللَّفْظُ مِنَ الْحَدِيثِ لَمْ أَجِدْهُ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ ".
وقد اختلف أهل العلم في هذا الوصف .
قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية(2/193): وأنكر العلامة القرافي كون الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف، وسبقه إلى ذلك شيخه العز بن عبد السلام .اهـ.
وقد سألت الوالد رحمه الله عن وصف الصراط بأنه أدقُّ من الشعرة وأحدُّ من السيف فلم يُثْبِته وقال:أبوسعيد يرويه ويقول :بلغني ..
وبعضهم يقول :موقوف وله حكم الرفع ،وكان يرد رحمه الله هذاويقول :الموقوف موقوف كما جاء.اهـ.
وجمهور العلماء على إثبات هذا الوصف .
والشأن ثبوت ذلك فإن ثبت هذا الوصف في الأدلة فليس عندنا مانع من إثباته بل نقول :آمنا بما جاء عن الله وعن رسوله .
وتوضع الأمانة والرحم جنبتي الصراط  روى مسلم في «صحيحه» (195) من حديث حُذَيْفَةَ وأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه:« وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ " قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: " أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا "، قَالَ: «وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنِ اُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ» . وهذا يدل على عِظَمِ الأمانة والرحم. فتشهد الأمانة للأمين بالحق، وتشهد على الخائن، وتشهد الرحم للواصل بالحق، وتشهد على الهاجر القاطع المسيء إلى أرحامه. وهذا من ضمن الشهود التي تكون يوم القيامة.
و المارون على الصراط على ثلاثة أقسام منهم الناجي ومنهم المخدوش ومنهم الموبق بعمله هذه أحوال المارين. إما ناج يمر على الصراط،وهوجِسر يعبر عليه المؤمن إلى الجنة،فلا وصول إلى الجنة إلا بالمرور من فوق جهنم ، وليس النجاة في المرور على الصراط يعود إلى القوة والنشاط ولا إلى الكبار والأغنياء والرؤساء وإنما تجري بهم أعمالهم ،سيرهم وبطؤهم على حسب استجابتهم وسرعتهم إلى الأعمال الصالحة ، وإما مارٌمخدوش يُجرح وينجو من السقوط وإما مارٌ يسقط في جهنم.
والقسم الثاني والثالث هم العصاة لرب العالمين منهم المخدوش وينجو من السقوط ومنهم من يهوي في النار.والعياذ بالله .
الناس يمرون على الصراط ويتفاوتون في المرور على حسب تفاوت أعمالهم «...تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ...»
 (وَمَكْدُوسٌ) قال في النهاية : أَيْ مَدْفوع.
وتَكَدَّس الْإِنْسَانُ إِذَا دُفِع مِنْ ورَائه فسَقط.
فعلينا أن نتفكرونتذكر المرور على الصراط،الصراط تحته نار جهنم دار الخزي والهوان،فالمار على الصراط يرى تحته نار جهنم فيا له من موقف ما أعظم خوفه وأشد خطره ولهذا الرسل يدعون للمارين على الصراط (وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ).
وهذا فيه شفقة الأنبياء وكمال رحمتهم بأممهم، يدعون بالسلامة.
هذه عقيدة تحتاج إلى جدٍّ ومجاهدة ومسابقة ،ليس قراءة نظرية ،أواعتقاد بالقلب فقط .اللهم ثبتنا  على المرور على الصراط .
ولِعَظَمِ الأمرفي يوم الموقف فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يتخطى ثلاثة مواضع يوم القيامة.
أخرج الترمذي في سننه(2433)من حديث أنس بن مالك قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَ: «أَنَا فَاعِلٌ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ: «اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ» . قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: «فَاطْلُبْنِي عِنْدَ المِيزَانِ» . قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ  عِنْدَ المِيزَانِ؟ قَالَ: «فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الحَوْضِ فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ المَوَاطِنَ».
 الاستقامة على الصراط المستقيم فيها النجاة من مخاطر المرور على الصراط ؛ ولهذا المصلي في كل ركعة يقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:6] ، والصراط المستقيم هو الإسلام فمن ثبت على الصراط المعنوي ثبت على الصراط الحسي.
(السَّعْدَانِ)
قال ابن الأثير في «النهاية» هُوَ نبتٌ ذُو شَوكٍ، وَهُوَ مِنْ جَيِّد مَراعي الْإِبِلِ تسْمَن عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ الْمَثَلُ «مرعَى وَلَا كَالسَّعْدَان» شبَّه الخطاطيفَ بشَوك السَّعْدان. اهـ.
(المُوبَقُ) الهالك.
(المُخَرْدَلُ) قال في النهاية : هُوَ المَرْميّ المَصْروع. وَقِيلَ المُقَطَّع، تُقَطِّعُه كلالِيبُ الصِّرَاطِ حَتَّى يَهْوِي فِي النَّارِ. يُقَالُ خَرْدَلْتُ اللَّحْمَ- بِالدَّالِ وَالذَّالِ- أَيْ فَصَّلت أَعْضَاءَهُ وقطّعته.
وفيه :سكوت الناس عند المرور على الصراط ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل .
فضل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفضل أمته لأنهم أول من يمر على الصراط .
(أَمَرَ المَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ، مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ)
 فيه الإيمان بخروج الموحدين من النار.
وفيه أن الله عز وجل حرم على النار أن تأكل مواضع السجود، وهذا دليل على أن النار مسخَّرة لله عز وجل لا تتعدَّى ما أُمرت به ،ودليلٌ على عظمة قدرة الله «فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ» .هؤلاء العصاة في جوف النار، ومع سعتها وكبرها و عِظَمِ عُمْقها فإن مقداره سبعون خريفًا كما في «صحيح مسلم» (2844) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا».ومع ذلك لا تأكل مواضع السجود؛ لأن هذا محرم عليها.
- وفي الحديث توبيخ العاصي على جرأته على القدوم على النار بمجرد شهوات كان يستطيع أن يحبس نفسه عنها، فأوقع نفسه في الهلكة وفي شيء لا يطيقه. إذا كنا لا نطيق أن نضع بعض الأجزاء من أجسامنا في نار الدنيا، وهي أخف بكثير فكيف نطيق نار الآخرة؟.
ثبت في «صحيح مسلم» (2843) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا».
الحمى لا يطيقها البشر، وهي من فيح جهنم فكيف تُطاقُ النار، روى البخاري (3263) ومسلم (2210) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ».
الذي يصاب بالحمى يصاب بالرعشة، وفقر الدم؛ لأن الحمى تأكل السوائل إلى غير ذلك.
البرد الشديد نحن لا نطيقه، الحر الشديد نحن لا نطيقه، { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)}.أفلا نتذكر بذلك النار ونتعظ وننزجر عن الحرام ونكف عنه. وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» أخرجه البخاري (3260) ومسلم (617) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الصحيحين البخاري (536) ومسلم (617) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ». (فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ) لأن الحر يَشغَلُ القلب ويُذْهِبُ الخشوع.
الله عزوجل يخوِّفُنا من  نار جهنم أنها حامية قال سبحانه { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) }.نسأل الله أن يجيرنا من  عذاب النار.
(قَدْ امْتُحِشُوا) قد احترقوا.
(حَمِيلِ السَّيْلِ) محمول السيل.
(قَشَبَنِي رِيحُهَا) أي: آذاني وأحرقني.
(وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا) أي: شدة لهبها.
(انْفَهَقَتْ لَهُ الجَنَّةُ) أي: انفتحت وتوسعت.
- وهذا فيه بيان آخر أهل الجنة دخولًا.
-وفيه صفة الضحك لله عزوجل وصفة العزة
- وفيه فضل الدعاء (فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو) وأنه سبب للحصول على المطلوب.
- وفيه فضل الله وكرمه وجوده وإحسانه.
-خطر الشرك بالله وأن المشركين مخلدون في النار.
*************************
قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله:
7439- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟»، قُلْنَا: لاَ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا» ثُمَّ قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ، وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [النساء: 40]، « فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلاَئِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ »
*************************
(فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ)
 فيه إثبات صفة الساق لله عز وجل، وقد أنكر أهل التحريف هذه الصفة وقالوا: المراد بالساق الهول والفزع.
وهذا الحديث يفسر الآية الكريمة ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42]. فالذي يكْشِفُ عن الساق هو الله عز وجل.
حتى من السلف من فسر الساق بالهول والفزع .فهذا مما اختلفوا فيه .وحديث أبي سعيد واضح الدلالة في إثبات الساق لله عزوجل.
(وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا)
هذا فيه رحمة المؤمنين بإخوانهم المؤمنين. وفيه إثبات الشفاعة للنبيين والملائكة وسائرالصالحين.
-وفيه الإيمان بزيادة الإيمان ونقصانه .
(هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ)
ولا يعني هذا أنهم ليسوا من أهل التوحيد؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد حرم على الجنة أن يدخلها المشركون ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72]و في «الصحيحين» البخاري (3062) ومسلم (111) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلاَلًا فَنَادَى بِالنَّاسِ: «إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ».

وهذا من الأدلة على فضل التوحيد لأن الموحد لا يُخَلَّدُ في النار،ومن الأدلة على خطورة المعاصي .
*************************
قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله:
7440-  وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « يُحْبَسُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، قَالَ: فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، قَالَ: وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ: أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ: سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، قَالَ: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ ثَلاَثَ كَلِمَاتٍ كَذَبَهُنَّ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى: عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، وَكَلَّمَهُ، وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا، قَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ قَتْلَهُ النَّفْسَ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَرُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ، قَالَ: فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، فَيَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، - قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ: فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ - ثُمَّ أَعُودُ الثَّانِيَةَ: فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ، فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، - قَالَ قَتَادَةُ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ - ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ: فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، - قَالَ قَتَادَةُ وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ - حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ »، أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ، قَالَ: ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء: 79] قَالَ: «وَهَذَا المَقَامُ المَحْمُودُ الَّذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
- الحديث تقدم بنحوه (7410).

والشاهد منه رؤية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لربه في الموقف قال ابن القيم رحمه الله في «حادي الأرواح»(ص:312)عقب حديث أنس :  ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في هذا المقام ثابتة عنه ثبوتا يقطع به أهل العلم بالحديث والسنة.اهـ.