جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 27 مارس 2018

(50)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ



                          معاني الضلال

قال الشنقيطي رحمه الله في تفسير سورة الشعراء رقم الآية(20):لَفْظُ الضَّلَالِ يُطْلَقُ فِي الْقُرْآنِ، وَفِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ثَلَاثَة إِطْلَاقَاتٍ:

 الْإِطْلَاقُ الْأَوَّلُ: يُطْلَقُ الضَّلَالُ مُرَادًا بِهِ الذَّهَابُ عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ، فَتَقُولُ الْعَرَبُ فِي كُلِّ مَنْ ذَهَبَ عَنْ عِلْمِ حَقِيقَةِ شَيْءٍ ضَلَّ عَنْهُ، وَهَذَا الضَّلَالُ ذَهَابٌ عَنْ عِلْمِ شَيْءٍ مَا، وَلَيْسَ مِنَ الضَّلَالِ فِي الدِّينِ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُه:{فَعَلْتُهَا إذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ}.
أَيْ: مِنَ الذَّاهِبِينَ عَنْ عِلْمِ حَقِيقَةِ الْعُلُومِ، وَالْأَسْرَارِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلَّا عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ، لِأَنِّي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُوحَ إِلَيَّ، وَمِنْهُ عَلَى التَّحْقِيقِ:{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}.
 أَيْ: ذَاهِبًا عَمَّا عَلَّمَكَ مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِالْوَحْيِ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى:{قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}. فَقَوْلُهُ: لَا يَضِلُّ رَبِّي، أَيْ: لَا يَذْهَبُ عَنْهُ عَلْمُ شَيْءٍ كَائِنًا مَا كَانَ.
 وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} فَقَوْلُهُ: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا، أَيْ: تَذْهَبَ عَنْ عِلْمِ حَقِيقَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ:{فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ:{إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وَقَوْلُهُ: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ}عَلَى التَّحْقِيقِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَتَظُنُّ سَلْمَى أَنَّنِي أَبْغِي بِهَا ... بَدَلًا أَرَاهَا فِي الضَّلَالِ تَهِيمُ

وَالْإِطْلَاقُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ، وَفِي الْقُرْآنِ هُوَ إِطْلَاقُ الضَّلَالِ عَلَى الذَّهَابِ عَنْ طَرِيقِ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ، وَعَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَعَنْ طَرِيقِ الْجَنَّةِ إِلَى النَّارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .

وَالْإِطْلَاقُ الثَّالِثُ: هُوَ إِطْلَاقُ الضَّلَالِ عَلَى الْغَيْبُوبَةِ وَالِاضْمِحْلَالِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَلَّ الشَّيْءُ إِذَا غَابَ وَاضْمَحَلَّ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ضَلَّ السَّمْنُ فِي الطَّعَامِ، إِذَا غَابَ فِيهِ وَاضْمَحَلَّ.
 وَلِأَجْلِ هَذَا سَمَّتِ الْعَرَبُ الدَّفْنَ فِي الْقَبْرِ إِضْلَالًا.
 لِأَنَّ الْمَدْفُونَ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ فَيَغِيبُ فِيهَا وَيَضْمَحِلُّ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ} يَعْنُونَ: إِذَا دُفِنُوا وَأَكَلَتْهُمُ الْأَرْضُ، فَضَلُّوا فِيهَا،أَيْ: غَابُوا فِيهَا وَاضْمَحَلُّوا.

وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلضَّلَالِ إِطْلَاقًا رَابِعًا، قَالَ: وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَحَبَّةِ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ:{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} قَالَ: أَيْ فِي حُبِّكَ الْقَدِيمِ لِيُوسُفَ.
وَزَعَمَ أَيْضًا أَنَّ مِنْهُ قَوْلَهُ: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} قَالَ: أَيْ مُحِبٌّ لِلْهِدَايَةِ فَهَدَاكَ، وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ هَذَا الْقَوْلِ.
 وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.اهـ المراد

(15) من أحاديث السيرة الضعيفة والموضوعة


«مَثَلُ الصَّانِعِ الَّذِي يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ كَمَثَلِ أَمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَتَأْخُذُ أَجْرَهَا».

هذا الحديث ذكره ابن كثير في  تفسير قوله تعالى:{إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها}[طه:40].

قال:وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَ آلِ فِرْعَوْنَ عرضوا عليه المراضع فأباها، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: 12] فَجَاءَتْ أُخْتُهُ وَقَالَتْ:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ} [الْقَصَصِ: 12]. 
تعني هل أدلكم على من يرضعه لَكُمْ بِالْأُجْرَةِ، فَذَهَبَتْ بِهِ وَهُمْ مَعَهَا إِلَى أُمِّهِ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ ثَدْيَهَا، فَقَبِلَهُ فَفَرِحُوا بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَاسْتَأْجَرُوهَا عَلَى إِرْضَاعِهِ فَنَالَهَا بِسَبَبِهِ سَعَادَةٌ وَرِفْعَةٌ وَرَاحَةٌ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ أغنى وَأَجْزَلُ.
 وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
 «مَثَلُ الصَّانِعِ الَّذِي يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ كَمَثَلِ أَمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَتَأْخُذُ أَجْرَهَا».
وذكره الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة تحت رقم(4500).


الاثنين، 26 مارس 2018

(59)أحاديث مختارة من أحاديث «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»لوالدي رحمه الله


مِنْ حقِّ الأبَوَيْن على الولد

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ "رواه أحمد(16/356).

هذا حديث حسن.الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين(1389).

--------------------------
في هذا الحديث من الفوائد:
حث الولد على الاستغفار لأبوَيه.
ومن دعاء نبي الله نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}.
وهذا مِنْ برِّ الوالِدَينِ  في حياتِهِما وبعد وفاتهما.

·      ارتقاء المؤمن  إلى درجةٍ في الجنة أعلى بدعاء ولده له.

·      تعجُّب الوالد مِن هذه المنزلة الرفيعة  إذ كان عملُه  الذي قدَّمه لنفسِه لا يوصِلُه إلى تلكَ المرتبة. فلهذا "يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ ".
وهذا مِنْ بركة الولد الصالح أنه لا ينسى والديه من الدعاء.
فاحرص على برِّ والديك وإدخال السرور عليهما بتكثير حسناتهما وبذل المعروف إليهما.

·      حثُّ الأبوَيْنِ على الدعاء للأولاد وتربيتهم على الصلاح والرشاد.
فإن الدعاء الذي حصل لهما من ولدهما من ثمار ونتائج التربية الطيبة.

·      الترغيب في طلبِ الولد.
فالولد هبةٌ ومنَّةٌ  ونعمة من الله لا سيما الولد الصالح فهو نعمةٌ كُبْرى ويعود على أبوَيْهِ بالنفع  والخير والبِرِّ.
وهذا أحد الأسباب في  هبة الولد.
ومن الأسباب تكثير هذه الأمة يوم القيامة ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الزواج بالولود دون التي لا تلد كما روى أبوداود(2050) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا، قَالَ: «لَا» ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ».

·      إثبات صفة القول لله عزوجل.

رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.

الأحد، 25 مارس 2018

(24)سنينٌ من حياتي مع والديْ وشيخي مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله



قلت لوالدي رحمه الله : المحاضرة يحضرها كثير.
أما الدرس يكون الحضور أقل.
فقال: حضورهم للمحاضرة يدل على أنهم فيهم خير.

·      كان لدي لقاء مع بعض النساء خارج بلدنا(دَمَّاج).
 فسألني والدي رحمه الله عن حضور النساء؟
 فقلت له:عندهن عيب يحضرن لكلِّ متكلم.
 سواء كان من أهل السنة أو من الحزبيين.

فقال:هكذا كان إخواننا العدنيون ليس عندهم تميُّز.
فلمَّاعقَلُوا وتعلَّمُوا صاروا لا يحضرون إلا لأهل السنة.

·      كان لديَّ كلمة فيها خطأ فوضعتُ خطًّا  تحت الكلمة.
 فقال والدي:الشيخ الألباني يقول:يُكتب الخط  فوق الكلمة مخالفةً للكفار.

قلت:للفائدة أذكر كلام الشيخ الألباني يقول رحمه الله:
 إن وضع الخط فوق الكلمات المراد لفت النظر إليها هو صنيع علمائنا تبعًا لطريقة المحدِّثين.
وأما وضع الخط تحت الكلمة فهو من صنيع الأوربيين، وأُمِرنا بمخالفتهم .اهـ من«حياة الألباني وآثاره» (2 /465)للشيباني.

·      كان والدي رحمه الله إذا دعا لأحدٍ وفيه نفيٌ يقول:
لا،وحفظك الله.
 لا،وبارك الله فيك.
بزيادة واو .
حتى لا يشابه اللفظ (لا) الدعائية.

اللهم ارحم والدي واجعله في أعلى عليين.


السبت، 24 مارس 2018

(126)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله


عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ» قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «لَا»رواه مسلم(360).

اختلفوا في الحكمة في كون لحم الإبل ناقضًا للوضوء.
قال بعضهم: لأنها من الشياطين.
وقال بعضهم: لأن أكل لحمها يورث زهومة.
وقال بعضهم: لأنها إذا كانت بمخالطتها تورث كبرًا لرعاتها فإنه تورث لآكلي لحمها فيُدفع هذا الكبر بالوضوء.
عرضت على والدي الشيخ مقبل رحمه الله هذه الأقوال فقال:
 لم يأت دليل على هذا، فكلها ظنون، وما علينا إذا جهلنا العلة.

مرق الإبل

مسألة: تقول لي امرأة إن زوجها شرب مرق لحم إبل فأراد أن يتوضأ .
قالت :فقلت له هذا لا ينقض الوضوء  لأنه مرق وليس بلحم.
فسألت والدي رحمه الله عن هذه المسألة هل مرق الإبل ينقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله :نعم هو ناقض: لأنه متكون من لحم الإبل.

الثلاثاء، 20 مارس 2018

(12)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي


                             حُسْنُ الاستماعِ

قال تعالى لكليمِه ونبيه موسى عليه الصلاة والسلام:﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى﴾[طه:13].
أمر الله سبحانه في هذه الآية نبيه موسى بحُسْن الاستماع للوحي.
قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: لِأَنَّ بِذَلِكَ يُنَالُ الْفَهْمُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.اهـ
وقال سبحانه:﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا﴾[المائدة: 108].
وقال سبحانه:﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)﴾[الأعراف].
وأثنى الله عز وجل على من يستمع ويتبع أحسن القول فقال سبحانه:﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)﴾[الزمر].
 وذم سبحانه من كان بخلاف ذلك بقوله: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)﴾[ الإسراء].
وبيَّن سبحانه أن  حاضر القلب الذي يستمع لما يُقال له هو الذي ينتفع بالموعظة والتذكير فقال:﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ﴾[ق].
وروى الدارمي في مقدمة«سننه»(341)عن سفيان بن عيينة قال: يُراد للعلم الحفظ، والعمل، والاستماع، والإنصات، والنشر. وهذا أثر صحيح.
 فحُسْن الاستماع سواء لموعظة أو لدرس أو لنصيحة أو لسماع القرآن الكريم مأمور به شرعًا ،يستمع بحضور قلب -بقلب حاضر- ليس بقلبٍ غافلٍ لاهٍ  ساهٍ.
 فينبغي  الاستماع وحضور الذهن عند سماع الخير وعدم الانشغال بغيره.
قال القرطبي رحمه الله في تفسير سورة طه رقم الآية (13):وذلك أَنْ يَكُفَّ الْعَبْدُ جَوَارِحَهُ، وَلَا يَشْغَلَهَا. فَيَشْتَغِلُ قَلْبُهُ عَمَّا يَسْمَعُ، وَيَغُضُّ طَرْفَهُ فَلَا يَلْهُو قَلْبُهُ بِمَا يَرَى، (ويُحْضِرُ) عَقْلَهُ فَلَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ سِوَى مَا يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ، وَيَعْزِمُ عَلَى أَنْ يَفْهَمَ فَيَعْمَلَ بِمَا يَفْهَمُ.اهـ
ومن نصائح والدي الشيخ مقبل رحمه الله لنا في الدرس:لا تكن يا طالب العلم كحال ولدي امرأتين:
 شكت إحداهما إلى الأخرى وقالت : ولدي يسمع الكلام من هذه الأذن ويخرج من الأذن الأخرى .

وقالت الأخرى: ولدي لا يدخل الكلام من هذه الأذن ولايخرج من الأذن الأخرى.اهـ
وحُسْن الاستماع داخل في آداب كلِّ مسلم، ولكن طالب العلم أحقُّ  بالاتصاف به ،لأنه يتعلم العلم النافع  الذي يهدي  به الله سبل السلام ،وطريق المعالي والمكارم.
وما تقدم من الحث على الاستماع المراد به الاستماع للخير وما يرضاه ربُّنا سبحانه،وقد قسَّم ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين»(1/479) المسموع إلى ثلاثة أقسام:
أَحَدُهَا: مَسْمُوعٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَأَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهِ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ بِهِ.
الثَّانِي: مَسْمُوعٌ يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ، وَنَهَى عَنْهُ، وَمَدَحَ الْمُعْرِضِينَ عَنْهُ.
الثَّالِثُ: مَسْمُوعٌ مُبَاحٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، لَا يُحِبُّهُ وَلَا يُبْغِضُهُ، وَلَا مَدَحَ صَاحِبَهُ وَلَا ذَمَّهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الْمَنَاظِرِ، وَالْمَشَامِّ، وَالْمَطْعُومَاتِ، وَالْمَلْبُوسَاتِ الْمُبَاحَةِ، فَمَنْ حَرَّمَ هَذَا النَّوْعَ الثَّالِثَ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ، وَحَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ دِينًا وَقُرْبَةً يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، وَشَرَعَ دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَضَاهَأَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ.اهـ
نسألُ اللهَ أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الاثنين، 19 مارس 2018

(90) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ


                              أقسام العبودية
العبودية قسمان :
عبودية عامة وهي عبودية القهر والملك وهي تشمل المؤمن والكافر. قال تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْدًا} دلَّت هذه الآية أن الخلق كلهم عبيد لله عز وجل خاضعون لحكمه.
عبودية خاصة وهي عبودية شرعية تتعلق بعبادة الله سبحانه وتعالى والاستسلام لشرعه سبحانه وأمْرِه .
قال تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)}[الفرقان].
وقال سبحانه:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}[الإسراء].
وزاد بعضهم عبودية خاصة الخاصة .
والذي استفدناه من والدي رحمه الله:أن الأَولى ترك هذا التعبير، لأنه تعبير صوفي.




الأحد، 11 مارس 2018

(24) مِنْ جَوَامِعِ الأَدْعِيَةِ



عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ:<رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ، وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ؛ أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ> رواه البخاري (11/6398)،ومسلم(2719).
قوله: <وجهلي> قال القاري في «المرقاة» (5/341): أي فيما يجب عليَّ علمه وعمله.
وقوله: <وما أنت أعلم به مني> قال القاري: تعميم بعد تخصيص واعتراف بإحاطة علمه تعالى وإقرار بعجزه عن معرفة نفسه. اهـ
وقوله: <أنت المقدم وأنت المؤخر> قال النووي: يقدم من يشاء من خلقه إلى رحمته بتوفيقه ويؤخر من يشاء عن ذلك لخذلانه. اهـ

وفيه من الفوائد:
التضرع إلى الله سبحانه والبسط في الدعاء.
قال ابن القيم رحمه الله في جلاء الأفهام(297)..تَجِد كثيرا من أدعية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا من بسط الْأَلْفَاظ وَذكر كل معنى بِصَرِيح لَفظه دون الِاكْتِفَاء بِدلَالَة اللَّفْظ الآخر عَلَيْهِ مَا يشْهد لذَلِك كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه :اللَّهُمَّ أَغفر لي مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت وَمَا أسرفت وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَمَعْلُوم أَنه لَو قيل اغْفِر لي كل مَا صنعت كَانَ أوجز وَلَكِن أَلْفَاظ الحَدِيث فِي مقَام الدُّعَاء والتضرع وَإِظْهَار الْعُبُودِيَّة والافتقار واستحضار الْأَنْوَاع الَّتِي يَتُوب العَبْد مِنْهَا تَفْصِيلًا أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار.

وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الحَدِيث الآخر اللَّهُمَّ اغفر لي ذَنبي كُله دقه وجله سره وعلانيته أوله وَآخره.

وساق بعضًا من حديث أبي موسى.

ثم قال:وَهَذَا كثير فِي الْأَدْعِيَة المأثورة فَإِن الدُّعَاء عبودية لله تَعَالَى وافتقار إِلَيْهِ وتذلل بَين يَدَيْهِ فَكلما كثره العَبْد وَطوله وَأَعَادَهُ وأبداه وَنَوَّع جمله كَانَ ذَلِك أبلغ فِي عبوديته وَإِظْهَار فقره وتذلله وَحَاجته وَكَانَ ذَلِك أقرب لَهُ من ربه وَأعظم لثوابه.
 وَهَذَا بِخِلَاف الْمَخْلُوق فَإنَّك كلما كثَّرت سُؤَاله وكررت حوائجك إِلَيْهِ أبرمته وثقلت عَلَيْهِ وهنت عَلَيْهِ.
 وَكلما تركت سُؤَاله كَانَ أعظم عِنْده وَأحب إِلَيْهِ.
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كلما سَأَلته كنت أقرب إِلَيْهِ وَأحب إِلَيْهِ .
وَكلما ألححت عَلَيْهِ فِي الدُّعَاء أحبك وَمن لم يسْأَله يغْضب عَلَيْهِ.
فَالله يغْضب إِن تركت سُؤَاله .. وَبني آدم حِين يسْأَل يغْضب.

الخميس، 8 مارس 2018

(3)الآداب


خُلُقُ الحِلْم

عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ».رواه البخاري(7378)،ومسلم(2804).
هذا الحديث فيه إثبات صفة الحِلْم لله عز وجل.
 ومن أسمائه سبحانه:الحليم(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ )[آل عمران:155]،وقال سبحانه:﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾[النساء:12]،وقال تعالى:﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا﴾ [الأحزاب:51].
ويحب سبحانه صفةَ الحِلْم ،ويحب الحليم من عباده،كما في الحديث الذي رواه مسلم(17)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ:«إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ ».
صفة الحِلْم من جملة الآداب ومن الأخلاق الحميدة.
صفةُ الحِلْم سيادة قال الشاعر:
بِبَذْلٍ وَحِلْمٍ سَادَ فِي قَوْمِهِ الْفَتَى ***  وَكَوْنُكَ إِيَاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ
والعجلة في الغالب عاقبتُها غير حميدة ويقع من ورائها الندم.
قال الشاعر:
قد يدركُ المتأنِّي بعضَ حاجتِه***  وقد يكونُ مع المستعجلِ الزَّللُ
كم من إنسان تعجل في كلمة فندم وتمنى أنه لم يقلها.
كم من إنسان تعجل في كتابة كلمة ثم تمنى أنه لم يكتبها.
كم من إنسان فعل شيئًا ثم تمنى أنه لم يفعله.
صفة الحلم تقتضي أن نتأنى ونتمهل ولا نستعجل في الأمور،وهي من الصفات المهمة لكل مسلم فضلًا عن طالب العلم  حتى قال عَطَاء بن أبي رباح:«مَا أَوَى شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ، أَزْيَنَ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ»رواه الدارمي في «مقدمة سننه» (596).
وينبغي أن يستشير إذا كان في أمرٍ مهم، وأن يستخير الله سبحانه وتعالى فلا يتعجل.
فهذه صفة عظيمة ينبغي أن نرَبِّيَ أنفسنا على الاتصاف بها،وأن نستكثر من الدعاء أن الله يرزقنا الحلم والأناة.
فائدة:
الفرق بين الحلم والصبر
قال ابن القيم رحمه الله في «عِدَة الصابرين» (280): والفرق بين الصبر والحلم أن الصبر ثمرة الحلم وموجبه فعلى قدر حلم العبد يكون صبره فالحلم في صفات الرب تعالى أوسع من الصبر ،ولهذا جاء اسمه الحليم فى القرآن في غير موضع ولسعته يقرنه سبحانه باسم العليم كقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا﴾ [الأحزاب:51]، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ [النساء:12]. اهـ.

(89) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ


عِظَمُ مقالة المشركين

قال تعالى:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)}[مريم].

وقال سبحانه:{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)}[الشورى].

في هذه الآيات :
أن هذه المخلوقات :السماوات السبع والأرضين السبع والجبال تسمع شرك المشركين بالله عز وجل والله على كل شيء قدير.
عِظَم ذنب الشرك.
أن هذه المخلوقات المذكورة تكاد أن تزول من قول المشركين لله ولد ،وهو سبحانه مالك الملك،فلا يليق به سبحانه ولا يصلح له الولد لكمال غناه، ولأن الخلق كلهم عبيده خاضع لحكمه.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة مريم(4/581): أَيْ:يَكَادُ يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ سَمَاعِهِنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ فَجَرَةِ بَنِي آدَمَ،إِعْظَامًا لِلرَّبِّ وَإِجْلَالًا؛ لِأَنَّهُنَّ مَخْلُوقَاتٌ وَمُؤَسَّسَاتٌ عَلَى تَوْحِيدِهِ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا وَلَدَ لَهُ، وَلَا صَاحِبَةَ لَهُ، وَلَا كُفْءَ لَهُ، بَلْ هُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ:
وَفِي كُلّ شَيءٍ لَهُ آيةٌ . تَدُل عَلَى أَنَّهُ واحِدُ

الثلاثاء، 6 مارس 2018

(54) سِلْسَلَةُ المَسَائِلِ النِّسَائِيَّة


               حكم أجرة الأم على رضاع الولد


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى(5/519):

وَإِرْضَاعُ الطِّفْلِ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَعَ الزَّوْجِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ .

وَلَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ زِيَادَةً عَلَى نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فَلَمْ يُوجِبْ لَهُنَّ إلَّا الْكِسْوَةَ وَالنَّفَقَةَ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْوَاجِبُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَمَا عَسَاهُ يَتَجَرَّدُ مِنْ زِيَادَةٍ خَاصَّةٍ لِلْمُرْتَضِعِ كَمَا قَالَ فِي الْحَامِلِ: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] . فَدَخَلَتْ نَفَقَةُ الْوَلَدِ فِي نَفَقَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِهَا.

وَكَذَلِكَ الْمُرْتَضِعُ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ هُنَا وَاجِبَةً بِشَيْئَيْنِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ الْوُجُوبُ فَأَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ. كَمَا لَوْ نَشَزَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ لِلْإِرْضَاعِ لَا لِلزَّوْجِيَّةِ.

فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَائِنًا وَأَرْضَعَتْ لَهُ وَلَدَهُ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ أَجْرَهَا بِلَا رَيْبٍ. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6].اهـ المراد

وَقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة الطلاق .قَوْلُهُ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} أَيْ: إِذَا وَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَهُنَّ طَوَالِقُ، فَقَدْ بنَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ، وَلَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تُرْضِعَ الْوَلَدَ، وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ تُغَذِّيَهُ باللبَّأ -وَهُوَ بَاكُورَةُ اللَّبَنِ الَّذِي لَا قِوَامَ لِلْوَلَدِ غَالِبًا إِلَّا بِهِ-فَإِنْ أَرْضَعَتِ اسْتَحَقَّتْ أَجْرَ مِثْلِهَا، وَلَهَا أَنْ تُعَاقِدَ أَبَاهُ أَوْ وَلِيَّهُ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَةٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.

قال:وَقَوْلُهُ:{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}أَيْ: وَلْتَكُنْ أُمُورُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالْمَعْرُوفِ، مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ وَلَا مُضَارَّةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ "الْبَقَرَةِ":{لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [الْبَقَرَةِ: 233].

وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} أَيْ: وَإِنِ اخْتَلَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، فَطَلَبَتِ الْمَرْأَةُ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ كَثِيرًا وَلَمْ يُجِبْهَا الرَّجُلُ إِلَى ذَلِكَ، أَوْ بَذَلَ الرَّجُلُ قَلِيلًا وَلَمْ تُوَافِقْهُ عَلَيْهِ، فَلْيَسْتَرْضِعْ لَهُ غَيْرَهَا. فَلَوْ رَضِيَتِ الْأُمُّ بِمَا اسْتُؤْجِرَتْ عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيَّةُ فَهِيَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا.اهـ

علمنا مما تقدم:

أن الأم إن كانت في عصمة زوجها فلا حقَّ لها في الأُجرة،والواجب لها النفقة والكسوة بمقتضى الزوجية لقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]فلم يذكر سبحانه أَجْر الرضاعة.

أن الأم إن كانت مطلقة وجب لها الأُجرة على رضاعها لقوله تعالى في سورة الطلاق:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.والله أعلم.






الاثنين، 5 مارس 2018

(38) الأحاديثُ الضعيفة والموضوعة وما لا أصل لها لوالدي رحمه الله


                           حَدِيثُ الْأَوْعَالِ

عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟» قَالُوا: السَّحَابَ، قَالَ: «وَالْمُزْنَ» قَالُوا: وَالْمُزْنَ، قَالَ: «وَالْعَنَانَ» قَالُوا: وَالْعَنَانَ " قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «لَمْ أُتْقِنِ الْعَنَانَ جَيِّدًا» قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟» قَالُوا: لَا نَدْرِي، قَالَ: «إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ» حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ «ثُمَّ فَوْقَ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ مَا بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ». رواه أبو داود (4723).



كتبت عن والدي رحمه الله: الحديث ضعيف، فيه عبدالله بن عَميرة: مجهول.
وفيه الوليد بن أبي ثور: ضعيف.



 -------------

فائدة

هذا الحديث يقال له حديث الأوعال.

يعني أن الملائكة حملة العرش على صورة أوعال.

والأوعال جمع وَعِل بكسر العين والوعل تيس الجبل .يراجع«النهاية» (5/ 207).

والتيس هو الذكر من المعز ،وتيس الجبل معز جبلية تعيش في الصحراء ولها قرنان طويلان.

وهذا الحديث مع ضعفه مشهور في كتب العقيدة في الاستدلال به على علُوِّ الله على خلقه.

وأشار إليه ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى:{تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4)}[طه]ولم ينبِّه على ضعفه.

الجمعة، 2 مارس 2018

(21) العلم وفضلُه


العلم من أسباب انشراح الصدر

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(2/23)في سياق الكلام على أسباب انشراح الصدر.

وَمِنْهَا: الْعِلْمُ، فَإِنَّهُ يَشْرَحُ الصَّدْرَ، وَيُوَسِّعُهُ حَتَّى يَكُونَ أَوْسَعَ مِنَ الدُّنْيَا، وَالْجَهْلُ يُورِثُهُ الضِّيقَ وَالْحَصْرَ وَالْحَبْسَ، فَكُلَّمَا اتَّسَعَ عِلْمُ الْعَبْدِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ وَاتَّسَعَ، وَلَيْسَ هَذَا لِكُلِّ عِلْمٍ، بَلْ لِلْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ، فَأَهْلُهُ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَوْسَعُهُمْ قُلُوبًا، وَأَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقًا، وَأَطْيَبُهُمْ عَيْشًا.

وللفائدة أيضًا  نذكربعض أسباب انشراح الصدر من كلام ابن القيم رحمه الله.

الصدقة:قال ابن القيم :إِنَّ لِلصَّدَقَةِ وَفِعْلِ الْمَعْرُوفِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي شَرْحِ الصَّدْرِ.

التوحيد :قال ابن القيم: أَعْظَمُ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْر التَّوْحِيدُ، وَعَلَى حَسَبِ كَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِ صَاحِبِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22] .

فَالْهُدَى وَالتَّوْحِيدُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ، وَالشِّرْكُ وَالضَّلَالُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ وَانْحِرَاجِهِ.
نور الإيمان:قال وَمِنْهَا: النُّورُ الَّذِي يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، وَهُوَ نُورُ الْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ يَشْرَحُ الصَّدْرَ وَيُوَسِّعُهُ وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ. فَإِذَا فُقِدَ هَذَا النُّورُ مِنْ قَلْبِ الْعَبْدِ ضَاقَ وَحَرَجَ، وَصَارَ فِي أَضْيَقِ سِجْنٍ وَأَصْعَبِهِ.

الإنابة:قال ابن القيم:الْإِنَابَةُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَحَبَّتُهُ بِكُلِّ الْقَلْبِ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَالتَّنَعُّمُ بِعِبَادَتِهِ، فَلَا شَيْءَ أَشْرَحُ لِصَدْرِ الْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ. حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ أَحْيَانًا: إِنْ كُنْتُ فِي الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنِّي إِذًا فِي عَيْشٍ طَيِّبٍ.

محبة الله عزوجل:قال: وَلِلْمَحَبَّةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَطِيبِ النَّفْسِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ، لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا مَنْ لَهُ حِسٌّ بِهِ، وَكُلَّمَا كَانَتِ الْمَحَبَّةُ أَقْوَى وَأَشَدَّ كَانَ الصَّدْرُ أَفْسَحَ وَأَشْرَحَ، وَلَا يَضِيقُ إِلَّا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَطَّالِينَ الْفَارِغِينَ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ، فَرُؤْيَتُهُمْ قَذَى عَيْنِهِ، وَمُخَالَطَتُهُمْ حُمَّى رُوحِهِ.

المداومة على ذكر الله سبحانه:قال:وَمِنْ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْرِ دَوَامُ ذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ، فَلِلذِّكْرِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ، وَلِلْغَفْلَةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي ضِيقِهِ وَحَبْسِهِ وَعَذَابِهِ.

الإحسان إلى الناس:قال وَمِنْهَا: الْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ وَنَفْعُهُمْ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالنَّفْعِ بِالْبَدَنِ وَأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا، وَالْبَخِيلُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِحْسَانٌ أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا.

طهارة القلب:قال:وَمِنْهَا بَلْ مِنْ أَعْظَمِهَا: إِخْرَاجُ دَغَلِ الْقَلْبِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي تُوجِبُ ضِيقَهُ وَعَذَابَهُ، وَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُصُولِ الْبُرْءِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَتَى الْأَسْبَابَ الَّتِي تَشْرَحُ صَدْرَهُ، وَلَمْ يُخْرِجْ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمَذْمُومَةَ مِنْ قَلْبِهِ، لَمْ يَحْظَ مِنَ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِطَائِلٍ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَادَّتَانِ تَعْتَوِرَانِ عَلَى قَلْبِهِ، وَهُوَ لِلْمَادَّةِ الْغَالِبَةِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا.

قال :وَمِنْهَا: تَرْكُ فُضُولِ النَّظَرِ وَالْكَلَامِ وَالِاسْتِمَاعِ وَالْمُخَالَطَةِ وَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْفُضُولَ تَسْتَحِيلُ آلَامًا وَغُمُومًا وَهُمُومًا فِي الْقَلْبِ، تَحْصُرُهُ وَتَحْبِسُهُ وَتُضَيِّقُهُ وَيَتَعَذَّبُ بِهَا، بَلْ غَالِبُ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْهَا.

متابعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.قال ابن القيم: أَكْمَلُ الْخَلْقِ مُتَابَعَةً لَهُ، أَكْمَلُهُمُ انْشِرَاحًا وَلَذَّةً وَقُرَّةَ عَيْنٍ، وَعَلَى حَسَبِ مُتَابَعَتِهِ يَنَالُ الْعَبْدُ مِنَ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ وَقُرَّةِ عَيْنِهِ وَلَذَّةِ رُوحِهِ مَا يَنَالُ، فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذُرْوَةِ الْكَمَالِ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ وَرَفْعِ الذِّكْرِ وَوَضْعِ الْوِزْرِ، وَلِأَتْبَاعِهِ مِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ نَصِيبِهِمْ مِنَ اتِّبَاعِهِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَهَكَذَا لِأَتْبَاعِهِ نَصِيبٌ مِنْ حِفْظِ اللَّهِ لَهُمْ، وَعِصْمَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَدِفَاعِهِ عَنْهُمْ، وَإِعْزَازِهِ لَهُمْ، وَنَصْرِهِ لَهُمْ، بِحَسَبِ نَصِيبِهِمْ مِنَ الْمُتَابَعَةِ، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ. فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ. وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.اهـ المراد.


هذه بعض أسباب انشراح الصدر فتأمَّلْها أيها المسلم وسابق إليها ففيها فوزك وسعادتُك في الأُولى والأُخرى.
نسأل الله أن يشرح صدورنا وأن يحفظ لنا ديننا.