جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 29 فبراير 2020

(28)التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ


         وقتُ النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر



عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، «كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ».رواه مسلم (670).



عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،رضي الله عنه قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ»رواه أبو داود(4850)بسندٍ حسن،وأصله في مسلم كما تقدم.



قوله:(تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ)قال ابن رسلان في «شرح سنن أبي داود»(18/562):الذي صلى فيه.

 لأنها أبعد في طرد النعاس.

 ولأنها مخالفة لهيئة الصلاة، فإذا دخل الداخل ووجد الإمام متربعًا علم أنه ليس في صلاة.

(حسناء)عَلَى وَزْنِهِ فَعَلَاءَ حَالٌ مِنَ الشَّمْسِ أَيْ نَقِيَّةٌ بَيْضَاءٌ زَائِلَةٌ عَنْهَا الصُّفْرَةٌ الَّتِي تُتَخَيَّلُ عِنْدَ الطُّلُوعِ،كذا في«عون المعبود».

نستفيد مما تقدم:

·     بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم بعد  صلاة الفجر وتطبيقه العملي،وقد قال الله عزوجل:﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾[الأحزاب].

وثبت عنه من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحث على ذلك:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ، مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى، أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً».رواه أبو داود(3667).

ويقول النَّبِيُّ صَلَّى عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا».

·     الحرصُ على بقاء المصلي في مكانه حتى تطلع الشمس وترتفع.

·     المحافظة على وقت بكور اليوم والاشتغال فيه بقراءة الأذكار وقراءة القرآن.

فهذه فرصة ثمينة،وتضييعها حرمان وخذيلة.

وما أكثر مَن يُحْرَمُ هذا الوقت النفيس،في النوم،وفي غيره.

وقد قال ابن القيم رحمه الله في«زاد المعاد»(4/222):نَوْمُ الصُّبْحَةِ يَمْنَعُ الرِّزْقَ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ تَطْلُبُ فِيهِ الْخَلِيقَةُ أَرْزَاقَهَا، وَهُوَ وَقْتُ قِسْمَةِ الْأَرْزَاقِ، فَنَوْمُهُ حِرْمَانٌ إِلَّا لِعَارِضٍ أَوْ ضَرُورَةٍ.

 وَهُوَ مُضِرٌّ جِدًّا بِالْبَدَنِ لِإِرْخَائِهِ الْبَدَنَ، وَإِفْسَادِهِ لِلْفَضَلَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَحْلِيلُهَا بِالرِّيَاضَةِ، فَيُحْدِثُ تَكَسُّرًا وَعِيًّا وَضَعْفًا.

وَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّبَرُّزِ وَالْحَرَكَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَإِشْغَالِ الْمَعِدَةِ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ الدَّاءُ الْعُضَالُ الْمُوَلِّدُ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْأَدْوَاءِ.


الخميس، 27 فبراير 2020

(20) اختصار الدرس الثامن عشر من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


من آداب المعلِّم

التواضع:

قال تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾[الحجر]. ﴿ وَاخْفِضْ أي: أَلِن.

 وروى الإمام مسلم (2865) عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلمإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ».

 وروى الإمام مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: « وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ»

وهذا من حقوق المسلم على أخيه المسلم،ومن باب أولى تواضع المعلم للطالب،فلا يتعاظم عليه ويتعالى. وكيف يترفع على طلبة العلم الذين هم مثل أولاده، والذين هم مشتغلون بالقرآن الكريم، تعلُّمًا وحفظًا وتفهُّمًا، فلهم شرف طلب العلم ومنزلته،ويترددون إليه ذهابًا وإيابًا فلهم حقُّ الصحبة. 

وخير الناس عند الله منزلة من كان خيرًا لصاحبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» رواه الترمذي (1944) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وهو في «الصحيح المسند» (793) لوالدي رحمه الله.

والحديث عام يدخل فيه الخَدَمُ والتلاميذ والأهل وغيرهم.

وقد ذكر بعضُ المفسرين في قول الله : ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾[النساء: 36] ما يدل أنه يدخل التلميذ في الصاحب بالجنب. قال ابنُ رجب في «جامع العلوم والحكم» (348): وَأَمَّا الصَّاحِبُ بِالْجَنْبِ، فَفَسَّرَهُ طَائِفَةٌ بِالزَّوْجَةِ، وَفَسَّرَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالرَّفِيقِ فِي السَّفَرِ، وَلَمْ يُرِيدُوا إِخْرَاجَ الصَّاحِبِ الْمُلَازِمِ فِي الْحَضَرِ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ صُحْبَةَ السَّفَرِ تَكْفِي، فَالصُّحْبَةُ الدَّائِمَةُ فِي الْحَضَرِ أَوْلَى، وَلِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرَّفِيقُ الصَّالِحُ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ جَلِيسُكَ فِي الْحَضَرِ، وَرَفِيقُكَ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَعْتَرِيكَ وَيَلُمُّ بِكَ لِتَنْفَعَهُ..
وترددهم إليه ليس لأجل ذاته وشخصيته، ولكن لأجل تعلم العلم النافع،فليتقِ الله فيهم.

والترفع والتعالي علامة على أمور:

·    عدم الانتفاع بالعلم، لأن الذي لا يعمل بعلمه دليل على أنه لم ينتفع بعلمه.

·     علامة أيضًا على عدم الإخلاص.

·    علامة على الشقاوة، قال ابن القيم رحمه الله في «الفوائد»(155): وعلامات الشقاوة أَنه كلما زيد فِي علمه زيد فِي كبره وتيهه وَكلما زيد فِي عمله زيد فِي فخره واحتقاره للنَّاس وَحسن ظَنّه بِنَفسِهِ.. إلخ.

·    علامة على حرمان بركة العلم النافع، قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف].

قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رحمه الله: إن الله يحب العالم المتواضع ويبغض العالم الجبَّار، ومن تواضع لله ورَّثه الله الحكمة. رواه الآجري في «أخلاق العلماء»(72). وسنده صحيح.

وهذه وصية ذكرها الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في «حلية طالب العلم»(191) تنفع المتعلم والمعلم، يقول رحمه الله: من علامات العلم النافع:

تساءل مع نفسك عن حظك من علامات العلم النافع، وهى:

·    العمل به.

·    كراهية التزكية والمدح والتكبر على الخلق.

·    تكاثر تواضعك كلما ازددت علمًا.

·    الهرب من حب الترؤُّسِ والشهرة والدنيا.

·    هجر دعوى العلم.

·    إساءة الظن بالنفس، وإحسانه بالناس تنزها عن الوقوع بهم

وقد كان عبد الله بن المبارك إذا ذُكِر أخلاقُ من سلف ينشد:

لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم...ليس الصحيح إذا مشى كالمقعَد


المؤلف النووي رحمه الله يقدم في هذا الفصل بعض النصائح للمعلمين:

§    الأولى: أن المعلم يكون معلِّمًا ومربيًا.

وهذا ما يُسمَّى بالتصفية والتربية.

فعلى المعلم أن يحثَّ الطالب على الآداب والأخلاق، لأَنَّ الطالب بأدبه وعمله وليس بعلمه فحسب،قال الله في وصف النبي صلى الله عليه وسلم:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾[القلم].

ويقول النبي صلى الله عليه وسلممَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ»رواه أبو داود في «سننه» (4799) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.وذكره والدي رحمه الله في «الصحيح المسند» (1037).

وقد اهتم العلماء بنشر الآداب والحث عليها، لأنه لا ينفع علم بلا أدب،ولأن الأدب عنوان السعادة.

ومن الآثار:

·     ما جاء عن عبيد الله بن عمر العمري-وقد أشرف على أصحاب الحديث فرأى منهم شيئًا-فقال: «شِنْتُمُ الْعِلْمَ، وَأَذْهَبْتُمْ نُورَهُ، وَلَوْ أَدْرَكَنِي وَإِيَّاكُمْ عُمَرُ رضوان الله عليه لَأَوْجَعَنَا» رواه الدارمي(600).

·    وجاء عن غير واحد من السلف منهم الليث بن سعد أنه قال: -وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَرَأَى مِنْهُمْ شَيْئًا-فَقَالَ: «أَنْتُمْ إِلَى يَسِيرٍ مِنَ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ» رواه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1/405).

·    والشاعر يقول:

يا خادمَ الجسمِ كمْ تَشقَى بِخِدْمَتِهِ...أتَطلُبُ الرِّبْحَ فيما فيه خُسرانُ

أقْبِلْ على النفسِ واسْتكمِلْ فَضائِلَها...فَأَنْتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ

وما كانوا يعرفون الطالبَ إلا بأدبه وسمته وخُلُقِه.

وقد سألني والدي رحمه الله هل تنصحين طالباتك في الدرس؟

جوابي: أُلقي لهن الدرسَ فقط. يعني الذي في الكتاب ولا أزيد عليه، ومعلوم أن الطالب يحتاج إلى التربية والتأديب. فأنكر عليَّ وأفادني أنه لا بُدَّ من النصح في الدرس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

§    الثانية: أن يكون المعلم حكيمًا في تربيته وتعليمه.

 وذلك بالترقي والتدريج من الأدنى إلى الأعلى والأقل إلى الأكثر. فينقل الطالب من حاله وأخطائه وأخلاقه الرديئة بالتدرج، لأن الانتقال عن المألوف فيه صعوبة، والفطام عن المألوف شديد، ولأهمية التدرج جاء الشرع بالتدريج.

التدرج مع الطلاب في تعليم الآداب وتهذيب الأخلاق ونقلهم من الحال السيء إلى أخلاق الدين والقرآن يجلب لهم المحبة لِهذا الدينِ الحنيفِ والظَفَرِ بحلاوته، بخلاف العكس فإنه ينتج نتيجة سيئة وثمرةً وخيمة ويسبب النفور. قال ابن القيم رحمه الله في «بدائع الفوائد»(3/184): وحكمة هذا التدريج التربية على قبول الأحكام والإذعان لها والانقياد لها شيئا فشيئا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثالثة: أن يعود الطالب الصيانة في جميع أموره الباطنة والجلية

الصيانة: الحفظ والنزاهة عن الرذائل والعيوب باطنًا وظاهرًا.

 (الباطنة) أي: الخفية، وهي عيوب النفس.

وهذا فيه الحث على صيانة النفس عن الرذائل كالذِّلَّةِ والمهانة ومدِّ الأيدي إلى الناس وسوء الظن والنفاق وغير ذلك.

(والجلية) الواضحة، يعني: ينبغي للمعلم أن يربِّي الطالب على النزاهة في جميع أموره، وهذا هو التقوى. التقوى: امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.

ويدخل في الجلية:صيانة الجوارح كصيانة اللسان وحفظه، صيانة البصر عن النظر الرجال إلى النساء ونظر النساء إلى الرجال الأجانب، صيانة السمع عن اللهو والغناء وما حرم الله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرابعة: أن يحثهم حثًّا متكررًا عَلَى الإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ وَحُسْنِ النِّيَاتِ، وَمُرَاقَبَةِ اللهِ.

وهذا من أدب المعلم مع تلاميذه أن يحثهم حثًّا متكررًا على الاتصاف بهذه الأخلاق وعلى ما ينفعهم، لأن الإنسان يغفل ويسهو، وبالتذكير يتنبَّه ويصلح حاله.

الإِخْلَاصِ: الإخلاص أساسُ العبادة ولا يصح العمل بغير إخلاص. روى مسلم (2985) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ».

الصدق: الصدق في القول والفعل، فلا يليق بالطالب أن يكون كذابًا وأن يكون عنده صفات المنافقين، ومن صدَقَ صَدَقَ الله معه، قال الله: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) [المائدة]. وقال: ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)﴾[محمد].

وابن القيم رحمه الله يقول: وَمن صدق الله فِي جَمِيع أُمُوره صنع الله لَهُ فَوق مَا يصنع لغيره. كما في «الفوائد»(186).

 فعلى طالب العلم التحلي بخلق الصدق لينتفع بعلمه، وليفتح الله له أبواب العلم، فإن الكذب من شِيَمِ المنافقين وليس من شِيَمِ المؤمنين.

حسن النيات: حسن النية في طلب العلم هذا يكون في أمور، قال ابن جماعة رحمه الله في «تذكرة السامع والمتكلم» (118): حسن النية في طلب العلم بأن يقصد به وجه الله تعالى، والعمل به، وإحياء الشريعة، وتنوير قلبه، وتحلية باطنه، والقرب من الله تعالى يوم القيامة، والتعرض لما أعد لأهله من رضوانه وعظيم فضله. اهـ.

المراقبة: دوام علم العبد بأن الله مطلع عليه.

فمن آداب المعلم حث الطالب على هذه الأوصاف والأخلاق وعلى مراقبة الله في كل لحظة وساعة، قال الله : ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾[الحديد: 14]. وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)﴾[آل عمران].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخامسة: التنبيه على أن من حافظ واتصف بهذه الصفات الجليلة وهذه الأخلاق العالية فإنه ينال هذه البركات والخيرات.

هذا من آداب المعلم مع تلاميذه، وهذا كما قال تعالى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾[مريم: 76 وقال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ(17)﴾[محمد وقال في قصة أصحاب الكهف: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى(13)﴾[الكهف] قال السعدي في «تفسير هذه الآية»: أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان، زادهم الله من الهدى، الذي هو العلم النافع، والعمل الصالح.

فطالب العلم إذا استقام حالُه يفتح الله له أبواب العلم، ويرزقه انشراح الصدر، وتتفجر ينابيع الحكم من قلبه، ويجعل الله له البركة في علمه وجهوده، ويرزقه التوفيق في أفعاله وأقواله، فيمشي على نور وسداد، فلا يفعل إلا خيرًا ولا يقول إلا خيرًا، إن تكلم فكلامه سديد وإن صمت فصمته سديد، لأنه موفَّق، ونسأل الله التوفيق.

الاثنين، 24 فبراير 2020

(77)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


(2) تفسير سورة الحج رقم السورة(22) :الآيات3-4

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (4)﴾.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ الجدالُ:الخصومة،سمي بذلك لشدته،كما في«مجمل اللغة»(1/179)لابن فارس،وقال ابن الأثير في«النهاية»(1/247): الجَدَل:مُقابَلة الحُجَّة بالحجَّة. والمُجَادَلَة:المُناظَرةُ والمخاصَمة.

﴿وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ﴾ الشيطان:كل عاتٍ متمرد. والمراد هنا رؤساء الكفر والضلال والأهواء.

﴿مَرِيدٍ﴾ الْمَرِيدُ:المتمرد الغالي العاتي والمستمر في الشر،كما في«تفسير البغوي»(3/324).

﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ:يَعْنِي الشَّيْطَانَ.

 فالضمير المجرور في عليه يعني:الشيطان.

﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ قال ابن كثير:أَيِ اتَّبَعَهُ وَقَلَّدَهُ. قال ابن جرير في تفسير هذه الآية (18/566):تأويل الكلام -أي:تفسيره-:قُضي على الشيطان أنه يضلّ أتباعه ولا يهديهم إلى الحق.

﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ﴾ قال ابن كثير:أَيْ يُضِلُّهُ فِي الدُّنْيَا،وَيَقُودُهُ فِي الْآخِرَةِ.

أي:يقوده ويسوقه إلى عذاب السعير.

﴿ عَذابِ السَّعِيرِ﴾ قال ابن كثير:وهو الحار المؤلم المقلق المزعج. وهو عذاب النار،وهذا كما قال تعالى في سورة لقمان:﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾.

وقد جاء في بعض الآثار أن الآية نزلت في النضر بن الحارث،جاء عن أبي مالك وابن جريج وهو قول جمهور العلماء،ولكن هذا معتمد على بعض الآثار،ولا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء عن أَبي كَعْبٍ الْمَكِّيِّ قَالَ:قَالَ خَبِيثٌ مِنْ خُبثاء قُرَيْشٍ:أَخْبِرْنَا عَنْ رَبِّكُمْ،مِنْ ذَهَبٍ هُوَ،أَوْ مِنْ فِضَّةٍ هُوَ،أَوْ مِنْ نُحَاسٍ هُوَ؟ فَقَعْقَعَتِ السَّمَاءُ قَعْقَعَةً -وَالْقَعْقَعَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ:الرَّعْدُ-فَإِذَا قِحْف رَأَسِهِ سَاقِطٌ بَيْنَ يَدَيْهِ.

الله عزوجل قد يعجِّل العقوبة انتقامًا منه لدينه ولرسله،وقد جاء هذا المعنى عند البزار في«مسنده»(7007) عَن أَنَسٍ،قَالَ:بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى رَجُلٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ يَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ:أَيْش رَبُّكَ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ؟ مِنْ نُحَاسٍ هُوَ؟ مِنْ حَدِيدٍ هُوَ؟ مِنْ فِضَّةٍ هُوَ؟ مِنْ ذَهَبٍ هُوَ؟ فَأَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَأَعَادَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الثَّانِيَةَ , فَقَالَ:مِثْلَ ذَلِكَ فَأَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَأَرْسَلَهُ إِلَيْهِ الثَّالِثة فَقَالَ:مِثْلَ ذَلِكَ فَأَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَرْسَلَ عَلَى صَاحِبِكَ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وهم يجدلون في الله،وهُو شديد المحال} .هذا في«الصحيح المسند»(91) لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله.

فالله قد يعجل بالعقوبة وقد يمهل استدراجًا وليس عن رِضا،فالله يمهل ولا يهمل﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)﴾[الأعراف:182].

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3)﴾

هذه الآية ذكرها الله في أثناء آيات المعاد والجزاء،ردًّا على من يجادل في شأن البعث ويعاند

وقد كرر سبحانه هاتين الآيتين:﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ولكنه قال في آخر الآية الأولى:﴿ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾ وقال في آخر الآية الثانية﴿وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍفمن أهل العلم من قال:التَّكْرِيرُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الذَّمِّ،كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ تَذُمُّهُ وَتُوَبِّخُهُ:أَنْتَ فَعَلَتْ هَذَا،أَنْتَ فَعَلَتْ هَذَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّكْرِيرُ لِكَوْنِهِ وَصَفَهُ فِي كُلِّ آيَةٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى.ذكر هذا الشوكاني رحمه الله في«فتح القدير»(3/519).

وأجاب بعضهم بأن الآية الأولى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ هذه في الأتباع المقلِّدين و الثانية في المتبوعين المقلَّدين،وهؤلاء هم الدعاة الذين يصدون عن دين الله . وهذا الذي قرره ابن القيم رحمه الله في«الصواعق المرسلة»وذكر مثله شيخ الإسلام ابن تيمية في«تعارض العقل والنقل»وذكره الشنقيطي في«أضواء البيان»ولكنه نسبه إلى بعض أهل العلم ولم يعين من قاله. وهذا القول رده الشوكاني في«فتح القدير»وقال:لا وجه لهذا،والله أعلم.

§     من فوائد الآيتَين:

-ذم الجدل بغير علم،قال سبحانه:﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾[الكهف:54]وقال سبحانه:﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾[الزخرف:58] وقال سبحانه ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[آل عمران:66] .

فالجدل بجهل وبغير علم مذموم.

-مفهوم الآية مشروعية الجدل بعلم ونور وبصيرة،كما قال تعالى:﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[النحل:125].

ومن نصائح علمائنا لطالب العلم الابتعاد عن الجدل والتحذير منه،لأنه يوغر الصدور ويُضَيِّعُ الأوقات،وقد لا يأمن على نفسه إذا كان يجادل صاحب باطل،كما جاء عن مَعْنِ بْنِ عِيسَى قَالَ انْصَرَفَ مَالِكٌ يَوْمًا مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِي قَالَ فَلَحِقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ كَانَ يُتَّهَمُ بِالإِرْجَاءِ فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله اسْمَعْ مِنِّي شَيْئًا أُكَلِّمُكَ بِهِ وَأُحَاجُّكَ وَأُخْبِرُكَ برأى قَالَ فَإِنْ غَلَبْتَنِي قَالَ اتَّبَعْتَنِي قَالَ فَإِنْ غَلَبْتُكَ قَالَ اتَّبَعْتُكَ قَالَ فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ فكلمناه فغلبنا قَالَ تَبِعْنَاهُ قَالَ أَبُو عبد الله بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا بِدِينٍ وَاحِدٍ وَأَرَاكَ تَتَنَقَّلُ.رواه ابن عبد البر في«الانتقاء»(33).

وهذا كان يذكره الوالد رَحِمَهُ الله بهذا المعنى.

وقال عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،«مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ،أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ» رواه الدارمي في«مقدمة سننه».

يعني الجدل والخصومة في الدين سواء مع أهل الأهواء والكلام أو غيرهم من أصحاب الشبهات هذا من أسباب الزيغ والانحراف.

وثبت عن بكر بن مُضَر كما في«جامع بيان العلم وفضله»(1777)قَالَ:«إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا أَلْزَمَهُمُ الْجَدَلَ وَمَنَعَهُمُ الْعَمَلَ».

الجدل على نوعين:محمود ومذموم،فالمحمود:ما كان في إظهار الحق وما كان من ورائه مصلحة وفائدة،والمذموم:ما كان في باطل و ليس من ورائه فائدة.

روى أبو داود (3597) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ،لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ »الحديث. وهو في«الصحيح المسند»(755) لوالدي رَحِمَهُ الله.

وهكذا إذا كان ليس من ورائه فائدة يعد الجدل مذمومًا.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال في وصيته في توجيهه لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما لما أرسلهما إلى اليمن قَالَ:«يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا،وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا،وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا»رواه البخاري (3038) ومسلم(1732).

والجدل فيه اختلاف،ومن أسباب حرمان العلم وقد قال ابن مسعود:الاختلاف شر.

 فإذا كانت بعض المواضيع تثير جدلًا تُغلق، وطرق الخير وأبواب العلم كثيرة فيحرص الإنسان على إفادة الحاضرين ما يقربهم إلى ربهم وينجيهم من عذاب النار،ولا يأتي الشيطان ويستفزهم في أمور الجدل، ،والأمور يتولاها الله،نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الثبات في القول والعمل ونسأله سبحانه أن يحفظ لنا ديننا وأن يوفقنا لكل خير.

-ومن فوائد الآيتين:حال من يجادل في الله بغير علم أنه متبع للشيطان وأن الشيطان يقود من اتبعه إلى الضلال وإلى عذاب النار.نسأل الله العافية.

(28)الحديثُ وعلومُه


       كراهة بعض السلف التحديث في بلدٍ فيها من هو أولى منه


1.                    عن سمرة بن جُنْدُبٍ: لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ هَا هُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي، وَقَدْ «صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَسَطَهَا»رواه مسلم(964).

وقد أخرج البخاري منه المرفوع  وهو الصلاة على النفاس (332- 1331- 1332).

2. عن يحيى بن معين يقول: ما رأيت منذ خرجت من بلادي أحدًا أشبه بالمشيخة الذين أدركت من أبي مسهر، والذي يحدث وفي البلاد من هو أولى بالتحديث منه فهو أحمق. رواه عبدالرحمن بن أبي حاتم في مقدمة «الجرح والتعديل» (286)بإسناد صحيح.



3. عن يحيى بن معين يقول: إذا حدثتُ في بلد فيه مثل أبي مسهر فيجب لحيتي أن تُحلَق.

قال أحمد بن أبي الحواري:وأنا إذا حدثتُ في بلدة فيها مثل أبي الوليد هشام بن عمار فيجب لحيتي أن تحلق.

رواه الخطيب في «جامعه» (1/708)وسنده صحيح.

وأحمد بن أبي الحواري هو أحمد بن عبدالله بن ميمون التغلبي،يكنى أبا الحسن ثقة زاهد.

وفي هذه المسألة يقول ابن الصلاح في«علوم الحديث»(239):ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِذَلِكَ.

وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَتَكَلَّمْ إِبْرَاهِيمُ بِشَيْءٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَكِرَهَ الرِّوَايَةَ بِبَلَدٍ فِيهِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، لِسِنِّهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ.

قلت:الصواب أن التحديث في بلد فيها من هو أولى منه ليس فيه كراهة،بل مطلوب لِما فيه من التعاون على البرِّ والتقوى،ولأن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم،وكذلك التابعون كانوا يفتون في عهد الصحابة.

ومن الأدلة في ردِّه:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالاَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ لِرَجُلٍ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَارْجُمْهَا»، فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا.رواه البخاري(2695)،ومسلم(1697).

استنبط الحافظ في «فتح الباري»من هذا الحديث فوائد،منها:

1)  جواز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل.

2)    الرد على من منع التابعي أن يفتي مع وجود الصحابي مثلًا.

3)    أن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بلده.


قال السيوطي في «الألفية»:

وَمَنْ يُحَدِّثْ وَهُنَاكَ أَوْلَى ... فَلَيْسَ كُرْهًا أَوْ خِلافَ الأَوْلَى

هَذَا هُوَ الأَرْجَحُ وَالصَّوَابُ ... عَهْدَ النَّبِيِّ حَدَّثَ الصِّحَابُ

وَفِي الصِّحَابِ حَدَّثَ الأَتْبْاعُ ... يَكَادُ فِيهِ أَنْ يُرَى الإِجْمَاعُ



وقد مرَّت هذه المسألة معنا عند والدي الشيخ مقبل رحمه الله في درس «تدريب الراوي» فانتقد هذا-أي القول بالمنع- وقال : من الذي يستطيع أن يسدَّ فراغَ  احتياجات الناس ؟!

الأحد، 23 فبراير 2020