جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 30 سبتمبر 2020

اختصار الدرس الثامن والعشرين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن

 

من آداب المتعلم:

الرفق بالمعلم

من آداب الطالب مع شيخه:الرفق به ومراعاة حالِهِ،فلا يقرأ عليه،أو يسأله عن مسألةٍ،أو يطلب منه تعليمًا وإفادة في حال انشغال قلبه،قال النووي رحمه الله:(وَمِمَّا يَتَأَكَّدُ الاِعتِنَاءُ بِهِ:أَلَّا يَقرَأَ عَلَى الشَّيخِ فِي حَالِ شُغلِ قَلبِ الشَّيخِ،وَمَلَلِهُ،وَاِستِنفَارِهِ،وَغَمِّهِ،وَفَرَحِهِ،وَجُوعِهِ،وَعَطَشِهِ،وَنُعَاسِهِ،وَقَلَقِهِ،وَنَحوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيهِ أَو يَمنَعُهُ مِن كَمَالِ حُضُورِ القَلبِ وَالنّشاطِ)

وعن عبدالله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَالصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا»،قَالَ:ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ:ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَالجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ:حَدَّثَنِي بِهِنَّ،وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي» رواه البخاري (527ومسلم (85) وفي رواية لمسلمفَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلَّا إِرْعَاءً عَلَيْهِ».

فإذا كان الشيخ مشغولًا أو مرهَقًا فلا ينبغي للطالب أن يطلب منه أن يقرأَ عليه،أو يسأله عن مسألةٍ فإنه قد يعرضه للزلل،ومخاطر مزالق الفتوى والتعليم،قال الله تعالى:﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4].

وذكر لنا والدي رحمه الله أنه سأله طالب عند انصرافه من الدرس،وقد كان مرهقًا،فقال له:فكري مشوش،أتريد أن أجيبك بالخطأ؟!

وقد تكون الإجابة ناقصة،قال والدي رحمه الله في «مقدمة إجابة السائل على أهمِّ المسائل»(14):بعض الأوقات أنشطُ في الجواب،وبعض الأوقات أكون مرهَقًا أو مستعجِلًا،فلا أُعطِيْ الموضوعَ حقَّه.اهـ.

وقد يكون هذا سببًا لإضجار المعلم،لأن الطالب لم يتحين الفرصة المناسبة،فيحصل له من الشيخ جفاء وشدة وقسوة.

قال الخطيب رحمه الله في «جامعه»:(مَنَ أَضْجَرَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَأَطْلَقَ لِسَانَهُ بِذَمِّهِمْ) ومن الآثار الثابتة التي ذكرها:

-عن سفيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ:انْظُرْ مَنْ نُجَالِسُ،مِنْ كُلِّ طَيْرٍ رِيشَةٌ وَمِنْ كُلِّ ثَوْبٍ خِرْقَةٌ،سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِيَّايَ اتَّبَعْتُمْ،أَمْ هَذِهِ الْعَصَا،إِنِّي لَأَرْغَبُ عَنْ مُجَالَسَتِكُمْ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

-عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ،قَالَ:«مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ،يَأْتُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَوْا،وَيَزُورُونَ مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ،وَيُمَلُّونَ بِالْمُجَالَسَةِ،وَيُبْرَمُونَ بِطُولِ الْمُسَاءَلَةِ».

ثم قال الخطيب رحمه الله في «جامعه»(تحت رقم 410):والإضجار يُغير الأفهام،ويفسد الأخلاق،ويحيل الطباع.ثم أخرج بعض الآثار،نقتصر على ذِكْرِ ثلاثة منها:

-عن مجاهد بْنَ مُوسَى الخوارزمي،يَقُولُ:كَانَ أَبُو مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُنَا يَوْمًا بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ ذَرٍّ،وَكَانَ ثَمَّ أَهْلُ الْبَانوجَةِ،فَجَعَلُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ:الْأَعْمَشُ عَمَّنْ؟ فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يَفْهَمُونَ،قَالَالْأَعْمَشُ،عَنْ إِبْلِيسَ،مِنَ الضَّجَرِ».

عن سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ،قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ وَهُوَ بِمَكَّةَ،فَقُلْتُ لَهُ:كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَبِشَرٍّ مَا رَأَيْتُ وَجْهَكَ،فَإِنَّكَ مُبْرِمٌ».

-عن عَفَّانَ وهو:ابن مسلمٍ الصفَّار،قَالَ:كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ،فَجَعَلُوا يَقُولُونَ:يَا أَبَا بِسْطَامٍ،يَا أَبَا بِسْطَامٍ،فَقَالَ:لَا أُحَدِّثُ الْيَوْمَ مَنْ قَالَ:يَا أَبَا بِسْطَامٍ.

وأيضًا روى أبو نعيم في «الحلية» (7/201) عن مسعر بن كدام قال-وقد أزعجوه-:من أبغضني جعله الله مُحَدِّثًا.والأثر صحيح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اغتنام وقت نشاط المعلم

هذا أدب نفيس أن يتحين الطالب وقت نشاط معلمه،لأنه أرفق بالمعلم،ولأنه يكون في حال نشاطه منشرح الصدر،ولأن هذا أدعى للبسط في المحادثة والإفادة،ولأن هذه فُرصَةٌ ثمينةٌ والحياة فُرَصٌ.

من اغتنام السلف الفُرصَةَ في سؤالِهم واستفادتِهم من شيوخِهم:

عن ابْنِ عَبَّاسٍ،يَقُولُ:كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ المَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،فَمَكَثْتُ سَنَةً،فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُ حَاجًّا،فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرَانَ ذَهَبَ عُمَرُ لِحَاجَتِهِ،فَقَالَ:أَدْرِكْنِي بِالوَضُوءِ فَأَدْرَكْتُهُ بِالإِدَاوَةِ،فَجَعَلْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ المَاءَ،وَرَأَيْتُ مَوْضِعًا،فَقُلْتُ:يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ،مَنِ المَرْأَتَانِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:فَمَا أَتْمَمْتُ كَلاَمِي حَتَّى قَالَعَائِشَةُ،وَحَفْصَةُ».رواه البخاري (4915).

فيه تربية للطالب على الحلم والصبر،وألا يكون مزاجيًّا ما أراده فعله.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ:وُجِدَ أَكْثَرُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ.وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَآتِي الرَّجُلَ مِنْهُمْ فَيُقَالُ:هُوَ نَائِمٌ،فَلَوْ شِئْتُ أَنْ يُوقَظَ لِي،فَأَدَعُهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِأَسْتَطِيبَ بِذَلِكَ حَدِيثَهُ.رواه الإمام الدارمي في «مقدمة سننه» (586).

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الطُّفَيْلِ،فَوَجَدْتُهُ طَيِّبَ النَّفْسِ،فَقُلْتُ:لَأَغْتَنِمَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ،فَقُلْتُ:يَا أَبَا الطُّفَيْلِ،النَّفَرُ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،مِنْ بَيْنِهِمْ،مَنْ هُمْ؟.الأثر رواه الإمام أحمد (39/ 212).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحمل الطالب جفاء معلمه وسوء خلقه إن حصل

من آداب الطالب أن يصبر إذا بدا منه ذلك،ولا يغضب عليه،لأن المعلم بمنزلة الوالد،ولأن الطالب يحتاج إلى علم معلمه،فكان أنفع له أن يكون سليم الصدر على شيخه،وأن يبقى ولا ينصرف.

وقد بوب لهذه المسالة الخطيب في «جامعه» (1/222-223):(الرِّفْقُ بِالْمُحَدِّثِ،وَاحْتِمَالُهُ عِنْدَ الْغَضَبِ).ومن الآثار الثابتة التي ذكرها:

-عن الشَّافِعِيِّ،يَقُولُ:كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى الْأَعْمَشِ رَجُلَانِ،أَحَدُهُمَا كَانَ الْحَدِيثُ مِنْ شَأْنِهِ،وَالْآخَرُ لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ مِنْ شَأْنِهِ،فَغَضِبَ الْأَعْمَشُ يَوْمًا عَلَى الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الْحَدِيثُ،فَقَالَ الْآخَرُ:لَوْ غَضِبَ عَلَيَّ كَمَا غَضِبَ عَلَيْكَ لَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ،فَقَالَ الْأَعْمَشُ:إِذَنْ هُوَ أَحْمَقُ مِثْلُكَ،يَتْرُكُ مَا يَنْفَعُهُ لِسُوءِ خُلُقِي.

عن الشَّافِعِيِّ قال:قِيلَ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ:إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَكَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ تَغْضَبُ عَلَيْهِمْ،يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبُوا وَيَتْرُكُوكَ قَالَ:هُمْ حَمْقَى إِذَنْ مِثْلُكَ أَنْ يَتْرُكُوا مَا يَنْفَعُهُمْ لِسُوءِ خُلُقِي.

وروى الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (133) عن مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ،قَالَ:كَانَ الْأَعْمَشُ لَا يَدَعُ أَحَدًا يَقْعُدُ بِجَنْبِهِ.فَإِنْ قَعَدَ إِنْسَانٌ،قَطَعَ الْحَدِيثَ وَقَامَ.وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ،يَسْتَثْقُلُهُ.قَالَ:فَجَاءَ،فَجَلَسَ بِجَنْبِهِ،وَظَنَّ أَنَّ الْأَعْمَشَ لَا يَعْلَمُ.وَفَطِنَ الْأَعْمَشُ،فَجَعَلُ يَتَنَخَّمُ،وَيَبْزُقَ عَلَيْهِ،وَالرَّجُلُ سَاكِتٌ،مَخَافَةَ أَنْ يَقْطَعَ الْحَدِيثَ.والأثر حسن.

وهذا من همة السلف ومحبتهم ورغبتهم الشديدة للعلم النافع،ولهذا يصبرون على ذلة العلم،وقد يكون هذا فيه فائدة للطالب تتعلق بحفظ المعلومة ورسوخها(فإن رسوب العلم في نفراته)،فعلى الطالب أن يتحلى بالصبر إذا وجد بعض الجفاء.

وبعض الطلاب إذا وجد جفاء وشدة ينصرف لضعف الهمة،وهذا هو الغالب في أزمنتنا،لكن صاحب الهمة العالية يصبر ويحتمل،و لا ينصرف.

وقد كان والدي رحمه الله يغضبُ إذا تخلف أحدٌ عن الدروس العامة لغير عذر مرضٍ أو نحوه،وذات مرَّةٍ تخلَّف طالبٌ عنِ الدرس -أعرف اسمه ونسبته لكن الستر أولى- فسمعنا والدي يسأل عنه فقالوا:يبحث.

فقال كلمةً قويَّةً:لا باركَ الله فيه ولا في بحثه.

فقرر الطالبُ السفر لأجل ذلك،كما أخبرتني زوجته،مع أنه يعلم شرطَ والدي في قبول الطالب أن يلتزم بحضور الدروس العامة حتى يستفيد،ويُعْلَم أنه طالبُ علم ليس بمتلاعب.ثم أخبرتني أهله أنه عزم على البقاء.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تأويل أقوال المعلم وأفعاله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة

يعني:إذا وجد الطالب هذا فعليه أن يحمله على أحسن محمل:إحسانًا للظن به،وإذا كان هذا من حق المسلم على أخيه المسلم،فالمعلم يكون أولى وأولى.

وقد استنبط الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم» (15/137) من قصة موسى والخضر،وقال:فيه الْأَدَبُ مَعَ الْعَالِمِ وَحُرْمَةُ الْمَشَايِخِ..وَتَأْوِيلُ مَا لَا يُفْهَمُ ظَاهِرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَالْوَفَاءُ بِعُهُودِهِمْ وَالِاعْتِذَارُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ عَهْدِهِمْ.اهـ.

وروى البخاري (6303) من طريق سُفْيَانَ،عن عمرو بن دينار قَالَ ابْنُ عُمَرَوَاللَّهِ مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ،وَلاَ غَرَسْتُ نَخْلَةً،مُنْذُ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» قَالَ سُفْيَانُ:فَذَكَرْتُهُ لِبَعْضِ أَهْلِهِ،قَالَ:وَاللَّهِ لَقَدْ بَنَى.قَالَ سُفْيَانُ:قُلْتُ:فَلَعَلَّهُ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ.

قال الحافظ:هَذَا اعْتِذَارٌ حَسَنٌ مِنْ سُفْيَانَ رَاوِي الْحَدِيثِ،وَيحْتَمل أن يكون ابن عُمَرَ نَفَى أَنْ يَكُونَ بَنَى بِيَدِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،وَكَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم فِعْلُ ذَلِكَ،وَالَّذِي أَثْبَتَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ كَانَ بَنَى بِأَمْرِهِ فَنَسَبَهُ إِلَى فِعْلِهِ مَجَازًا،وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهُ بَيْتًا مِنْ قَصَبٍ أَوْ شَعْرٍ،وَيَحْتَمِلُ ان يكون الَّذِي نَفَاهُ ابن عُمَرَ مَا زَادَ عَلَى حَاجَتِهِ،وَالَّذِي أَثْبَتَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِنَاءُ بَيْتٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَوْ إِصْلَاحُ مَا وَهَى مِنْ بَيْتِهِ.

وينبغي للمعلِّم أن يخبرهم عن الأفعال والتصرفات التي ظاهرها خلاف الصواب:

فعن سهل بن سعدٍ الساعدي،قال:لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَيْهِ -أي:على المنبر- فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ،وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ،ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ،ثُمَّ عَادَ،حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ،فَقَالَيَا أَيُّهَا النَّاسُ،إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي،وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي» رواه البخاري(377ومسلم (544).

وعن علي بن أبي طالب أنه«شَرِبَ قَائِمًا» فَقَالَ:إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ،وَإِنِّي «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ»رواه البخاري(5615)،والشرب قائمًا مكروه،ولكن هذا لبيان الجواز.

فإن لم يخبر الشيخُ عن سببِ ذلك فينبغي للطالبِ أن يسأله بتلطُّفٍ وأدبٍ.

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،يَقُولُ:دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ،ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الوُضُوءَ فَقُلْتُ:الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَقَالَالصَّلاَةُ أَمَامَكَ» رواه البخاري(139ومسلم (1280).

عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ،فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ،فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا.الحديث رواه البخاري(27ومسلم (150).

عن بريدة بن الحصيب،أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمصَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ،وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ،قَالَعَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ» رواه مسلم (277).

 (تأويلات صحيحة) هذا القيد يفيد أنه:لا يكون في التأويلات مجازفة أو تكون مستحيلة.

ولهذا يقول الإمام الذهبي في «تاريخ الإسلام» (49/286):وإن فتحنا باب الاعتذار عن المقالات وسلكنا طريقة التّأويلات المستحيلات لم يبقَ في العالَمِ كُفْرٌ ولا ضلال،وبَطَلَت كُتُبُ المِلَل والنِّحَل واختلاف الفِرَق.اهـ.

ونستفيد من كلام الذهبي:أن مَنْ عُلِم انحرافه وتبديله فهذا لا يلتمس له العذر ولا كرامة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبادرة بالاعتذار للمعلم

هذ من آداب الطالب إذا جفاه معلِّمُه أن يبادر بالاعتذار وكأنه هو المخطئ.

قال الإمام النووي رحمه الله:(وَإِذَا جَفَاهُ الشَّيخُ ابتَدَأَ هُوَ بِالاِعتِذَارِ إِلَى الشَّيخِ،وَأَظهَرَ أَنَّ الذَّنبَ لَهُ وَالعَتَبَ عَلَيهِ،فَذَلِكَ أَنفَعُ لَهُ فِي الآخِرَةِ وَالدُّنيَا،وَأَنقَى لِقَلبِ شَيخِهِ لَهُ وَقَد قَالُوا:مَن لَم يَصبِر عَلَى ذُلِّ التَّعَلُّمِ بَقِيَ عُمَرُهُ فِي عَمَايَةِ الجَهالَةِ،وَمَن صَبَرَ عَلَيهِ،آلَ أَمرُهُ إِلَى عِزِّ الآخِرَةِ وَالدُّنيَا)

وإذا كان الطالب يعتذر لمعلمه وإن لم يحصل منه خطأ،فكيف إذا كان الخطأ فِعْلًا صدر من الطالب؟

ذات مرة كان والدي يتحدث عن مسألةٍ اجتهادية يرى التحريم فيها،فاستأذن طالبٌ -أعرف اسمه ونسبتَه- فوقف،وقال:أنت ترجِّح هذا فيلزمك أيضًا أن تقول بتحريم كذا وكذا،فقال له:اجلس.ثم بعد أيام عرف أنه أساء،وأن الشيخ قد وجد عليه،فدخل بيته واعتذر لوالدي مما حصل منه.

وقد سمعته رحمه الله في بعض مجالسه يقول:الإلزام ليس بلازمٍ في كلام البشر،كيف يُلزم بشيءٍ وهو لا يقرُّ به.

 

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020

الخميس، 24 سبتمبر 2020

اختصار الدرس السابع والعشرين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


من آداب المتعلم في درسه ومع رفقته وحاضري الشيخ:

التأدب مع الرفقة

هذا من آداب الصحبة، فعليه الطالب أن يراعي حقوق الصحبة في مجلس الدرس، وأن يشفق على رفيقه، وأن يكون جميل الأخلاق معه، ويتقى مساءته، ويكف أذاه عنه،وألَّا يحسدَه ويحقد عليه،وأن يكون قلبه نقيًّا  صافيًا عليه،ومن الخطأ أن يكون الطالبُ جليسًا لأخيه وزميله، وبين يدي شيخ واحد،واتجاهٍ واحدٍ وهو طلب العلم والدار الآخرة،ومع ذلكَ يكيد لأخيه وقلبه مليءٌ عليه بالحقد، هذه مصيبة يحرص عليها الشيطان، ليوقع طلاب العلم في الفتنة، وليشغلهم عن التحصيل، والله المستعان.

وعلل لهذا أيضًا الأدب النووي، وقال: (فَإِنَّ ذَلِكَ تَأَدُّبٌ مَعَ الشَّيخِ وَصِيَانَةٌ لِمَجلِسِهِ) سبحان الله! الأدب مع الرفيق يعد تأدبًا مع الشيخ واحترامًا وإجلالًا للشيخ وصيانةً لمجلسه من الفوضى.

فينبغي التأدب بهذا ليكون طالب العلم من المحسنين،النّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»رواه مسلم (1955) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ

وليكون من خير الأصحاب عند الله ،روى الترمذي في «سننه» (1944) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» وهو في «الصحيح المسند»  (793) لوالدي رَحِمَهُ الله.

 فالإحسان إلى الرفيق سعادة، ومن مكارم الأخلاق، وتوفيق من الله سبحانه، والإخلال به حرمان وخسران.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القعود بين يدي الشيخ قِعدة المتعلمين

من الأدب أن يجلس الطالب جلوسَ المؤدب، وقد ذكر هذا الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في «حلية طالب العلم» (162)، وقال: فليكنْ شيخُك مَحَلَّ إجلالٍ منك وإكرامٍ وتقديرٍ وتَلَطُّفٍ، فخُذْ بِمَجَامِعِ الآدابِ مع شيخِك في جلوسِك معه، والتحَدُّثِ إليه. اهـ.

قال الشيخ ابن عثيمين في «شرح حلية طالب العلم»(117): وهذا صحيح،اجلس جلسة المتأدب،يعني: مثلًا لا تمد رجليك ولا يديك لأن هذا سوء أدب،ولا تجلس متكئًا،هذا أيضًا سوء أدب لا سيما في مكان الطلب،أما إذا كنت في مكان جلوس عادي فالأمر أهون. اهـ.

ومن حسن الجلوس بين يدي المعلم:

- السكوت، فلا يتكلم لغير حاجة.

-أن يشعرَ بأنه طالبٌ  يحتاج إلى العلم  أكثر مما يحتاج إلى الكلام ،كان هناك طالب في صدر مجلس والدي رَحِمَهُ الله في دروسه العامة،وكان ذلك الطالب يتكلم وكأنه المعلم، فغضب مرةً والدي رحمه الله وكان الدرسُ في «الصحيح المسند من دلائل النبوة»، وقال له:اجلس جلسة المتعلمين، وإلا قم هناك، يعني:بعيدًا في آخر الحلقة.

-حُسْنُ هَيْئَتِهِ وعدم تكشفه، وقد رأى والدي رَحِمَهُ الله جالسًا في حلقتِه وعنده بعض التكشف، فقال له: يا فلان، اجلس جِلسة طالب العلم.

- ألا يجلس في مكان مرتفع أعلى من شيخه.

-عدم الاستناد إلى جدار أو نحوه من غير حاجة كوجعِ الظَّهْرِ .قال الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»:(وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْعَدُ الطَّالِبِ مِنَ الْمُحَدِّثِ بِمَنْزِلَةِ مَقْعَدِ الصَّبِيِّ مِنَ الْمُعَلِّمِ) ثم ساق بسنده (343) عَنْ حَمْدَانَ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ شَرِيكٍ فَأَتَاهُ بَعْضُ وَلَدِ الْمَهْدِيِّ، فَاسْتَنَدَ إِلَى الْحَائِطِ وَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَسْتَخِفُّ بِأَوْلَادِ الْخِلَافَةِ، قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ الْعِلْمَ أَزْيَنُ عِنْدَ أَهْلِهِ مِنْ أَنْ يُضَيِّعُوهُ، قَالَ: فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ شَرِيكٌ: هَكَذَا يُطْلَبُ الْعِلْمُ. والأثر صحيح.

وقد بوب لهذه المسألة البخاري في كتاب العلم من «صحيحه»، وقال: (بَابُ مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ المُحَدِّثِ) ثم أخرج حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الحديث وفيه «فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا فَسَكَتَ».

 وجاء ذلك عن جمعٍ من السلف،منهم وكيع بن الجراح: قال محمود بن آدم المروزي: ما رأيت وكيعًا عند ابن عيينة قط إلا جاثيًا بين يديه على ركبتيه ساكتًا لا يتكلم. رواه ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل»(50).

والأمر واسع سواءً جلس على هذه الكيفية أو غيرها، ولكن يبتعد عما يعد سوء أدب من الجلسات التي لا تليق في أثناء الدرس، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم الضحك

 روى أبو نعيم في «الحلية الأولياء» (9/ 6) عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ، وَضَحِكَ رَجُلٌ فِي مَجْلِسِهِ وَسَمِعَهُ، فَقَالَ: «مَنْ الَّذِي يَضْحَكُ؟» فَأَعَادَ مِرَارًا، فَأَشَارُوا إِلَى رَجُلٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: «تَطْلُبُ الْعِلْمَ، وَأَنْتَ تَضْحَكُ؟ مَرَّتَيْنِ. لَا حَدَّثْتُكُمْ شَهْرَيْنِ». فَقَامَ النَّاسُ، فَانْصَرَفُوا، وَلَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ضَاحِكًا شَدِيدًا بِقَهْقَهَةٍ إِلَّا التَّبَسُّمَ، فَإِنْ خَشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْلِبَهُ أَمْسَكَ عَلَى فَمَهِ. والأثر ثابت.

أما إذا ضحك المعلم فلا بأس به، وذات مرة في جلسة علمية لوالدي رَحِمَهُ الله: رأى واحدًا يضحك، فقال له: لا تضحك إلا إذا ضحك الناس.

 

ألا يكثر من الكلام إلا لحاجة

من الأدب أن الطالب يكون ساكنًا ساكتًا مصغيًا لكلام شيخه ولا يتكلم إلا لحاجة ، أخرج البخاري (121)، ومسلم (65)عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» فَقَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».

ومن أخلَّ بهذا الأدب فقد أحرم نفسَه خيرًا كثيرًا،قال ابن القيم في «مفتاح دار السعادة»(483):من الناس من يُحْرَمُ العلم لسوء إنصاته، فيكونُ الكلامُ والممارات آثَر عنده من حُسْن الاستماع. وهذه آفةٌ كامنةٌ  في أكثر النفوس الطالبة للعلم، وهي تمنعهم علمًا ولو كان حَسَنَ الفهم..الخ.

وذكر الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد في «حلية طالب العلم»(162)في آداب الطالب: عدم الإكثار من الكلام عند الشيخ، قال الشيخ ابن عثيمين معلِّقًا على هذا في«شرح الحلية طالب العلم»(118): إكثار الكلام عنده فيه تفصيل، فالمجالس تختلف إذا كان مجلس علم ومجلس جِدٍّ فلا تكثر، لكن إذا كان مكان نزهة فهذا لا بأس أن يأتي أحد ويكثر الكلام ويوسع صدر الشيخ وصدر الحاضرين ليس فيه مانع. اهـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم العبث والالتفات

من الأدب التحلي بالسكينة والوقار، فلا يعبث بيده ولا برجله ولا غير ذلك. وأن يقبل على شيخه ولا يلتفت لغير حاجة.

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم عند تلقيهم العلم في غاية السكينة والخشوع ،ولا يتحركون لغير حاجة روى البخاري (2842) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الحديث وفيه:«وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرَ».

قال ابن الأثير في «النهاية» (3/ 150): وصَفَهم بالسُّكون والوَقَار، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ طَيْشٌ وَلَا خِفَّةٌ، لِأَنَّ الطَّيْر لَا تَكَادُ تَقَعُ إِلَّا عَلَى شيءٍ سَاكِن. اهـ.

وكذلك كانت مجالس السلف ممن بعدهم حتى كأنهم في صلاة أخرج ابن أبي حاتم رَحِمَهُ الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (ص257): نا أحمد بن سنان، قال: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يُتحدث في مجلسه ولا يُبْرَى قلمٌ ولا يُبتَسم ولا يقوم أحد قائمًا كأن على رءوسهم الطير، وكأنهم في صلاة. فإن رأى أحدًا منهم تبسم أو تحدث أو يضحك أو يبرى قلمًا، لبس نعله وخرج.

وأهل العلم ينبِّهون الطالب على الابتعاد عن الالتفات في الدرس وأن يقبِل على شأنِه.

ثبت عن مسعر بن كدام قال: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ إِلَى حَلْقَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَا فَاتَكَ مِنَ الْعِلْمِ أَكْثَرُ. رواه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (348).

 

الإصغاء:

الإصغاء هو:الاستماع، والمراد يلقي الطالب سمعه ويحضر ذهنه ويلزم السكوت، وبذلك يستفيد الطالب ويفهم ما يلقيه عليه شيخه، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾[ق]. شهيد:أي: قلب حاضر.

فلا يكون الطالب بجسمه فقط بل بقلبه وقالَبه.قال ابن القيم في «مفتاح دار السعادة»(169):صاحبُ القلب لا ينتفعُ بقلبه إلا بأمرين:

 أحدهما:أن يُحْضرَه ويُشْهِدَه لما يُلقى إليه، فإذا كان غائبًا عنه مسافرًا في الأماني والشهوات والخيالات لا ينتفعُ به.

(الثاني):إذا أَحْضَرَه وأَشْهَدَه لم ينتفع إلا بأن يلقي سمعه ويصغي بكلِّيَّته إلى ما يُوعَظُ به ويُرْشَدُ إليه.

وها هنا ثلاثةُ أمور:

أحدها: سلامةُ القلب وصحتُه وقبولُه.

الثاني: إحضارُه وجَمْعُه ومنعُه من الشُّرود والتفرُّق.

الثالث: إلقاءُ السمع وإصغاؤه والإقبالُ على الذكر.

فذكرَ اللهُ تعالى الأمورَ الثلاثة في هذه الآية.اهـ

وقد كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يتفقد طلابَه في الدرس ويحرص على إحضار أذهانهم،فلهذا يسأل الطالب فجأة عن بعض ما ذكره لهم ،مما يُحَفِّزُ الطالبَ على الانتباه وعدم شرود ذهنِهِ.وربما قال للذي شرد ذهنه:سافرتَ سفرًا قريبًا أم بعيدًا،وربما ودَّعه وقال:أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.


 

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2020

الاثنين، 21 سبتمبر 2020

(24)الحديثُ وعلومُه

 

سلسلة  عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من  يعني بجده؟

عمرو بن شعيب هو : عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص، لكنه لا يعني بجده الجد الأدنى الذي هو محمد، وإنما هو الجد الأعلى عبدالله بن عمرو بن العاص، وقد صرح بهذا -كما أفادنا والدي رَحِمَهُ الله- في بعض الروايات يقول: عن جده عبدالله بن عمرو بن العاص.

وقوَّى هذا الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء»(5/173)،وقال: الرَّجُلُ لا يَعْنِي بِجَدِّهِ إِلَّا جَدَّهُ الأَعْلَى عَبْدَ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَدْ جَاءَ كَذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي غَيْرِ حَدِيْثٍ، يَقُوْلُ: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُرْسَلٍ.

وَقَدْ ثَبَتَ سَمَاعُ شُعَيْبٍ وَالِدِهِ مِنْ: جَدِّهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو.

وَمِنْ: مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِم.

وَمَا عَلِمْنَا بِشُعَيْبٍ بَأْسًا، رُبِّيَ يَتِيْمًا فِي حَجْرِ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَسَافَرَ مَعَهُ، وَلَعَلَّهُ وُلِدَ فِي خِلاَفَةِ عَلِيٍّ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ.

ثُمَّ لَمْ نَجِدْ صَرِيْحًا لِعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،وَلَكِنْ وَرَدَ نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ أَحَادِيْثَ هَيْئَتُهَا: عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَبَعْضُهَا: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ، وَمَا أَدْرِي؛ هَلْ حَفِظَ شُعَيْبٌ شَيْئًا مِنْ أَبِيْهِ أَمْ لا؟ وَأَنَا عَارِفٌ بِأَنَّهُ لاَزَمَ جَدَّهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ.اهـ

(54)الإجابةُ عن الأسئلةِ

 

تسأل أختٌ لنا:عن حال هذا الحديث الآتي لأن الألباني ضعفه؟

الجواب:

الحديث هو:

عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَتَى  النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ سَمِعْتُ مُتَكَلِّمًا يَقُولُ: اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ، إِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، عَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ،فَأَهْلٌ أَنْ تُحْمَدَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي جَمِيعَ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِي،وَاعْصِمْنِي فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي، وَارْزُقْنِي عَمَلًا زَاكِيًا تَرْضَى بِهِ عَنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ مَلَكٌ أَتَاكَ يُعَلِّمُكَ تَحْمِيدَ رَبِّكَ.

رواه أحمد (38/378)،وفي إسناده مبهم وهو الراوي عن حذيفة بن اليمان.

وذكر الحديث العلامة الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة»(6850).

وما كان لنا أن نخالف الشيخ الألباني وهو من أئمة أهل الحديث إلا ببرهانٍ يفيدنا أن الحديث صحيح.

الأحد، 20 سبتمبر 2020

(101) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ


سائلة تقول:زادكِ الله من فضله نريد أن توضحي لنا معنى الآية في سورة البقرة:(واتبعوا ماتتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ....الآية)

 فقد أشكل علينا بعد قراءة تفسير ابن كثير والسعدي رحمهما الله تعالى، هل هاروت وماروت ملكان أم شيطانان؟

وجزاكِ الله خيرًا.

الجواب

قال تعالى:﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 102].

اختلف أهل العلم في قوله:﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾.

فمنهم من قال:ما اسم موصول بمعنى الذي ،وقال: إن الآية تدل أن الملكين هاروت وماروت كانا يعلمان الناس السحر ابتلاء للعباد من الله وأنهما يقولان وقت تعليم السحر إنما نحن فتنة فلا تكفر،كما قال تعالى: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ﴾.وبابل موضع بالعراق.

ومنهم من قال:ما نافية أي أن الله عزوجل نفى عن الملكين تعليم السحر،وأن المراد ولم ينزل على الملكين..

والقول الأول اختيار جماعة من المحققين من أهل العلم،وهو قول السعدي رحمه الله في «تفسير هذه الآية»(102)من سورة البقرة،وهذا نصُّ كلامِه:

﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ من إضلالهم وحرصهم على إغواء بني آدم، وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق، أُنزل عليهما السحر امتحانا وابتلاء من الله لعباده فيعلمانهم السحر.

﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى ﴾ ينصحاه، و﴿يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ﴾أي:لا تتعلم السحر فإنه كفر، فينهيانه عن السحر، ويخبرانه عن مرتبته، فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس والإضلال، ونسبته وترويجه إلى من برأه الله منه وهو سليمان عليه السلام، وتعليم الملكين امتحانا مع نصحهما لئلا يكون لهم حجة.

فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين، والسحر الذي يعلِّمه الملكان، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم الشياطين، وكل يصبو إلى ما يناسبه.اهـ

وقول الشيخ الألباني فقد قال رحمه الله:الشاهد في قصة هاروت وماروت كان الملوك يومئذ يستعينون بالسحرة، فربنا عز وجل أنزل الملكين ليجعلوا علم السحر علمًا عامًّا يعرفه الشعب برمته، حتى يعرفوا أن هؤلاء السحرة ما يأتون بشيء فوق طاقة بشر..  فلما عرفوا بطريق تعليم الملائكة أو الملكين لهم طريق السحر صاروا ما عاد ينغشوا بسحر السحرة، فنجوا من كيدهم ومن ضلالهم.اهـ من «موسوعة الألباني في العقيدة»(3/1108).والله أعلم.

وهو قول والدي الشيخ مقبل رحمه الله فقد استفدت منه:أن ما اسم موصول ،وأنهما ملكان مأموران بذلكَ امتحانًا واختبارًا للعباد.

وكان والدي ينبِّهُنا على أننا نأخذ بظاهر القرآن ،وأن  القصص المأخوذة عن أهل الكتاب في شأن هذين الملَكَين لا يجوز الأخذ بها.