جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 30 مايو 2020

(13)دروس مختصرة في الصيام من كتاب عمدة الفقه الحنبلي

الدرس الثالث عشر:

قال الإمام أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله في كتاب الصيام من عمدة الفقه:

وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ

وَصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ

وَلا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ أَنْ يَصُوْمَهُ

وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ أَيَّامِ الْبِيْضِ

 وَالاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيْسِ

الشرح

قوله رحمه الله:

وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ

 وَصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ

دليل ذلكَ: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال:سُئِلَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ» قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ»رواه مسلم (1162).

في هذا الحديث:استحباب صيام يوم عرفة وصوم يوم عاشوراء.

 

 وَلا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ أَنْ يَصُوْمَهُ

دليل ذلك:

عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ.رواه البخاري ومسلم.

هذا الحديث فيه:أن الحاج يستحب له ألا يصومَ بعرفة.

 والحكمة من أجل التَّقَوِّي على طاعة الله وعبادته.

قوله رحمه الله:وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ أَيَّامِ الْبِيْضِ

والدليل:عن أبي ذَرٍّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ»رواه الترمذي(761).

قوله رحمه الله:وَالاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيْسِ

والدليل:

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ»رواه الترمذي(745).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»رواه الترمذي(747).

انتهى الدرس الثالث عشر ،ولله الحمد والمنة.

الجمعة، 29 مايو 2020

(30)التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ

عَنْ عَائِشَةَ  رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ  رضي الله عنه فَقَالَ: فِي كَمْ كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟

قَالَتْ: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ.

 وَقَالَ لَهَا: فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟

 قَالَتْ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ.

 قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: يَوْمُ الاثْنَيْنِ.

قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي، وَبَيْنَ اللَّيْلِ، فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ، فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا، وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهَا. قُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَلَقٌ.

 قَالَ: إِنَّ الحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ المَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ، فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلاَثَاءِ، وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ.رواه البخاري(1387).

(لِلْمُهْلَةِ)القَيْح والصَّدِيدُ الَّذِي يَذُوبُ فيسيلُ مِنَ الجسدِ، وَمِنْهُ قِيلَ للنُّحَاسِ الذَّائبِ: مُهْلٌ. «النهاية».

 

قال الحافظ: قيل: ذكر لها أبوبكر ذلك بصيغة الاستفهام، توطئة لها للصبر على فقده، واستنطاقًا لها بما يعلم أنه يعظم عليها ذكره، لما في بداءته لها بذلك من إدخال الهم العظيم عليها، لأنه يبعد أن يكون أبوبكر نسي ما سأل عنه مع قرب العهد، ويحتمل أن يكون السؤال عن قدر الكفن على حقيقته، لأنه لم يحضر ذلك، لانشغاله بأمر البيعة.

 وأما تعيين اليوم فنسيانه أيضًا محتمل، لأنه صلى الله عليه وسلم دفن ليلة الأربعاء، فيمكن أن يحصل التردد: هل مات يوم الاثنين، أو الثلاثاء؟

وقوله:(أرجو فيما بيني). قال القسطلاني في «إرشاد الساري» (3/555):أي: فيما بين ساعتي هذه، وترجي الصديق أن يموت يوم الاثنين لكونه عليه الصلاة والسلام توفي فيه، فله مزية على غيره من الأيام بهذا الاعتبار. اهـ

قال الحافظ في فوائد هذا الحديث:

فيه:استحباب التكفين في الثياب البيض.

تثليث الكفن.

                    جواز التكفين في الثياب المغسولة.

                    إيثار الحي بالجديد.

                    الدفن بالليل.

                    فضل أبي بكر وصحة فراسته وثباته عند وفاته.

                    أخذ المرء العلم عمن دونه.

 

 

(27)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي

              جلوس طالب العلم عند مَن يَنتفِعُ بمجالسته

 

قال الإمام مالك: قال نافع بن جبير لعلي بن الحسين:

 إنك تجالس أقوامًا دونًا.

 فقال له علي بن الحسين: إني أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني.

قال: وكان نافع يجد في نفسه، وكان علي بن الحسين رجلًا له فضل في الدين.

أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/545)بسندٍ حسن.

وعلي بن الحسين هو:

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبٍ الهاشمي، زينُ العابدين: ثقةٌ ثَبْتٌ عابدٌ فقيهٌ فاضلٌ مشهورٌ، قال ابنُ عُيَيْنة عن الزُّهري: ما رأيتُ قرشيًّا أفضلَ منه.

وقوله:(تجالس أقوامًا دونًا)أي:تجالس قومًا أنزل منك نسبًا وشرَفًا وعلمًا.

وهذا دليلٌ على تواضعه رحمه الله وحرصِه على العلم النافع.

الخميس، 28 مايو 2020

(12)دروس مختصرة في الصيام من كتاب عمدة الفقه الحنبلي

الدرس الثاني عشر

قال الإمام أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله في كتاب الصيام من عمدة الفقه:

بَابُ صِيَامُ التَّطَوُّعِ

أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُدَ عليه السلام، كَانَ يَصُوْمُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الَّذِيْ يَدْعُوْنَهُ الْمُحَرَّمَ،

 وَمَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيْهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ،

 وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ.

قوله رحمه الله:أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُدَ عليه السلام..

دليله:عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ: «فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ»، فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ «لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» رواه البخاري (1976)،ومسلم (1159).

هذا الحديث نصٌّ أن أفضل صيام التطوع صيام يوم وإفطار يوم،وذلك نصف الدهر.

وهذا  لِمَن لديه قوة واستطاعة على صيام  نبي الله داود،ولم يفوِّت به الحقوق والواجبات،ولا ما هو أهَمُّ.

قوله: وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ..

دليل ذلك: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ رواه مسلم(1163).

وهذا الحديث فيه استحباب الإكثار من الصيام في شهر محرم،وليس المراد صيامه كله،فقد قالت عائشة رضي الله عنها :وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ.رواه الإمام مسلم(746).

قوله:وَمَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ..

دليله:عن ابن عباس رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:«مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ:«وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». رواه البخاري (969).

وهذا الحديث فيه فضل عشر ذي الحجة واستحباب الإكثار من الأعمال الصالحة فيها.

قوله:وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ..

دليله:عن أَبِي أَيُّوبَ الأنصاري رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْرِ»رواه مسلم.

هذا الحديث فيه استحباب صيام ست من شوال.

انتهى الدرس الثاني عشر ولله الحمد والمنة.


(1)من أحكام السفر

       رجوع المغترب إلى أهله ووطنه فورَ انتهاء حاجته

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، قَالَ:السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ. رواه البخاري(1804).

 

قال ابن عبد البر في «التمهيد»(22/36): فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طُولَ التَّغَرُّبِ عَنِ الْأَهْلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَكِيدَةٍ مِنْ دِينٍ أَوْ دُنْيَا لَا يَصْلُحُ وَلَا يَجُوزُ .

وَأَنَّ مَنِ انْقَضَتْ حَاجَتُهُ لَزِمَهُ الِاسْتِعْجَالُ إِلَى أَهْلِهِ الَّذِينَ يُمَوِّنُهُمْ وَيَقُوتُهُمْ مَخَافَةَ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ بَعْدَهُ فِيهِمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ.

وقال الحافظ في فوائد هذا الحديث:

 في الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع، ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا ،وتحصيل الجماعات والقوة على العبادة.

الخميس، 21 مايو 2020

(11)دروس مختصرة في الصيام من كتاب عمدة الفقه الحنبلي

الدرس الحادي عشر

قال ابن قدامة رحمه الله:

 وَمَنْ أَكَلَ يَظُنُّهُ لَيْلًا، فَبَانَ نَهَارًا، أَفْطَرَ، وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِيْ طُلُوْعِ الْفَجْرِ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ ، وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِيْ غُرُوْبِ الشَّمْسِ فَسَدَ صَوْمُهُ.

قوله رحمه الله:وَمَنْ أَكَلَ يَظُنُّهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا أَفْطَرَ

هذا له صورتان:

أن يأكل ظانًّا أنه ليل ثم تبيَّن أنه أكلَ   بعد طلوع الفجر

أن يأكل ظانًّا أن الشمس قد غربت ثم تبيَّن أن الشمس  لم تغرب

وهذا على المذهب الحنبلي وأكثر أهل العلم  يفسدُ صومُه وعليه القضاء.

والصحيح أن صومه صحيح،لأن هذا وقع خطأ وقد قال تعالى:﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾[البقرة: 286].

وروى البخاري (1959)عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ». (25/ 216)،

 وليس فيه أن الصحابة قضوا هذا اليوم.

وقد ذهب إلى هذا  جماعة من أهل العلم قالوا:ليس عليه قضاء كالناسي.

وهذا قول عروة والحسن البصري.

وقول إسحاق بن راهويه - وَهُوَ قَرِينُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَيُوَافِقُهُ فِي الْمَذْهَبِ:أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَقَوْلُهُمَا كَثِيرًا مَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ.«مجموع الفتاوى»(25/232)لشيخ الإسلام.

وأهل الظاهر.

واختاره شيخ الإسلام في«مجموع الفتاوى»(20/572)،واستدل ببعض ما تقدم من الأدلة وبعض الآثار ثم قال رحمه الله:وَفِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا الْقَوْلُ أَقْوَى أَثَرًا وَنَظَرًا وَأَشْبَهُ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ.

وهو قول والدي الشيخ مقبل.

وقول الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع»(6/398).ويُنظر «المغني»(3/147).

قوله:وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِيْ طُلُوْعِ الْفَجْرِ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ

والدليل قوله تعالى:﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾  [البقرة: 187].

فإذا أكل وهو متردد في طلوع الفجر هذا صومه صحيح،لأنه لم يتبين له طلوع الفجر،ولأن الأصل بقاء الليل.

والفرق بين الظن والشك:

الظن:ترجيح أحد الطرفين على الآخر.

الشك:استواء الطرفين.

قوله:وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِيْ غُرُوْبِ الشَّمْسِ فَسَدَ صَوْمُهُ

هذه المسألة في صائم شك في غروب الشمس و أكل، هذا صيامه فسد،لأن الأصل بقاء النهار.

انتهى ولله الحمد والمنة الدرس الحادي عشر.

ويليه:بَابُ صِيَامُ التَّطَوُّعِ. إن شاء الله تعالى.

الأربعاء، 20 مايو 2020

(17)فتاوى رمضان

 

بارك الله فيك وجعلك ربي ممن فازوا بليلة القدر

حديث:من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.

هل يقصد به قيام  بالصلاة... أم يقوم يعبد الله في الليل  من قراءة القرآن...وإلى آخره من العبادات.

وهل الحائض تشملها ليلة القدر إذا قامت  بالعبادات من قراءة القرآن  وتسبيح  ...

 

الجواب:

المراد بقيام  ليلة القدر إحياؤها بالعبادة والطاعة.

وقيام ليلة القدر  يكون بقيامها  كلِّها أو أغلبِها.قال المباركفوري رحمه الله في«مرعاة المفاتيح»(6/405):الظاهر من الحديث عُرفًا كما قال الكرماني أنه لا يقال: قام الليلة إلا إذا قام جميعها أو أكثرها.اهـ

ويدخل في قيام ليلة القدر:

-صلاة التراويح.

-الدعاء كما روى الترمذي (3513) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.

فالدعاء في ليلة القدر من أسباب الإجابة.وينبغي أن يُكَرَّرَ هذا الدعاء الذي جاء الحث عليه.

-الذكر والاستغفار والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل وسائر الذكر.

-قراءة القرآن.

وقراءة القرآن جائز للحائض على الصحيح لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعائشة  لما حاضت وكانت حاجة:افعلي ما يفعل  الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حتى تطهري.

فلم يمنعها صلوات ربي وسلامه عليه من قراءة القرآن،بل أرشدها إلى أن تفعل ما يفعل الحاج،سوى الطواف بالبيت فلا تطوف حتى تطهر.

-التضرع والابتهال إلى الله.

-الاجتهاد فيها بالعبادة والحرص على الفوز بقيام هذه الليلة المباركة إيمانًا واحتسابًا.

وإذا تأمَّلنا فيما تقدم: نجد أن الذي لا تفعله الحائض في ليلة القدر صلاة التراويح،وما عدا ذلك فإنه لا يفوتها شيءٌ منه،إن وُفِّقَتْ.

فيكون جزءٌ فقط من قيام ليلة القدر لا تحصل عليه ولا سبيل لها إليه،وهو الصلاة،لعذرها شرعًا في تركه.

وهناك فتوى للعلامة الألباني مفادُها:إرشاد المرأة في مثل هذا الحال أن تلتمس ليلة القدر،كما في مدونة ابنته سكينة رحمهما الله وغفر لهما.

أسأل الله عزوجل أن يكرمَنا وإياكِ وسائر الصالحين والصالحات بليلة القدر وبفضائل هذا الشهر المبارك كلِّه،وأن يختم لنا فيه بخير.

 

 

السبت، 16 مايو 2020

(11)مواعظ رمضان

حديثٌ نبويٌّ في آداب اللسان

عن علقمة بن وقاص الليثي: أن بلال بن الحارث المزني، قال له: إني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء، وتغشاهم، فانظر ماذا تحاضرهم به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم  يقول: <إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الخير، ما يعلم مبلغها، يكتب الله له رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من الشر، ما يعلم مبلغها، يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه>.

وكان علقمة يقول: رُبَّ حديث قد حال بيني وبينه ما سمعت من بلال.

رواه الإمام عبدالله بن المبارك في «الزهد» (ص49/رقم: 1394).

والحديث صحيح، على شرط الشيخين،كما في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين».

وفيه من الفوائد:

عمل السلف بالدليل

فهذا التابعي الجليل علقمة بن وقاص بسبب هذا الحديث الذي سمعه من بلال بن الحارث رضي الله عنه يضبط لسانه ويتحرَّز من الكلام.

فحقًّا إنهم رجال علم وعمل ودين،لهذا رفعهم الله وجعل لهم لسان صدقٍ في الآخرين. 

فضل الكلام الطيب وخطر الكلام السيء

قال ابن القيم  في  «الجواب الكافي» (ص183): وفي اللسان آفتان عظيمتان، إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام، وآفة السكوت، وقد يكون كل منهما أعظم إثمًا من الأخرى في وقتها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، عاص لله مراء مداهن، إذا لم يخف على نفسه.

والمتكلم بالباطل شيطان ناطق، عاص لله، وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته، فهم بين هذين النوعين.

وأهل الوسط، وهم أهل الصراط المستقيم، كفوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة، فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة، بلا منفعة فضلًا أن تضره في آخرته.

وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله، وما اتصل به اهـ كلامه .

(23)تذكيرٌ بالصَّحابة رضي الله عنهم

         مذاكرة وعِبْرة جعلتْ عبد الله بن عمر يبكي

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، قَالَ: التَقَى عَبْدُالله بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُالله بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما عَلَى المَرْوَةِ فَتَحَدَّثَا، ثُمَّ مَضَى عَبْدُالله بْنُ عَمْرٍو، وَبَقِيَ عَبْدُالله بْنُ عُمَرَ يَبْكِي.

 فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا يُبْكِيكَ؟ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ؟!

 قَالَ: هَذَا ‑يَعْنِي: عَبْدَالله بْنَ عَمْرٍو‑ زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: <مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ، أَكَبَّهُ الله عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ>.رواه أحمد.

والحديث صحيح، رجاله رجال الصحيح.كما في كتاب والدي الجليل«الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين».

 

وقوله:«أَكَبَّهُ الله»أي:قَلَبَهُ.

نسأل الله العافية والسلامة.

الجمعة، 15 مايو 2020

(10)مواعظ رمضان

           الحث على الإكثار من لا حولا ولا قوة إلا بالله

عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ». قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»رواه البخاري(4205)،ومسلم(2704).

عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَمَرَنِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ المَسَاكِينِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي الله لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ.رواه أحمد وهو حديث حسن.

في هذَيْنِ الحديثَيْنِ:فضل لا حول ولا قوة إلا بالله وأنها من كنوز الجنة.

قال النووي رحمه الله في شرح حديث أبي موسى: قَالَ الْعُلَمَاءُ: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وَتَفْوِيضٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَاعْتِرَافٍ بِالْإِذْعَانِ لَهُ وأنه لا صانع غيره ولارادَّ لأمره،وأن العبد لايملك شَيْئًا مِنَ الْأَمْرِ.

 وَمَعْنَى الْكَنْزِ هُنَا أَنَّهُ ثَوَابٌ مُدَّخَرٌ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ ثَوَابٌ نَفِيسٌ كَمَا أَنَّ الْكَنْزَ أَنْفَسُ أَمْوَالِكُمْ.اهـ

ومن فضائل لا حول ولا قوة إلا بالله أنها:

لها تأثير عجيب في معالجة الأشغال الصعبة

 وتحمل المشاق

 والدخول على الملوك

 ومن يخاف

 وركوب الأهوال.

ولها أيضًا تأثير في دفع الفقر. «الوابل الصيب»(77)لابن القيم.

هذه الكلمة فيها الإيمان بالقدر 

قال ابن القيم في «شفاء العليل»(112): قد أجمع المسلمون على هذه الكلمة وتلقيها بالقبول وهي شافية كافية في إثبات القدر وإبطال قول القدرية.اهـ

هذه الكلمة ذكرٌ ودعاء،ومن أسباب الرزق وجلب الخيرات، وهي من الباقيات الصالحات.ومن أعظم الاستعداد لدار المعاد والفوز بالجنات.

فلنُكْثِر من هذه الكلمة العظيمة،وخاصةً في هذه الأيام والليالي المباركة العشر الأواخر من رمضان.

اللهم أعنَّا ووفقنا وارزقنا القوة على طاعتك.

اللهم ذلِّل ألسنَتَنا وسخِّرْها  لذكرِك والقول لِما تحب وترضى.

(9)مواعظ رمضان

        بعضُ المحفِّزات على الاجتهاد في العشر الأواخر

تقول أخت لنا:ماذا تنصحينني بعمله في هذه الأيام الفاضلة لأنه يحصل فتور عن الطاعة؟

الجواب

أذكِّر نفسي وإياكِ وكلَّ من يطلع على هذه الرسالة بما يلي:

أن نعلم أن هذه أيامٌ لا تُعوَّض،أيام موسم من مواسم الخير والسعادة،لا يفرِّطُ فيها إلا محروم. قال ابن رجب في لطائف المعارف(15):السعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات،فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات.

أن نستعيذ بالله من العجز والكسل،كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:«اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ ،اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا» رواه مسلم (2722)عن زيد بن أرقم.

وما أكثر حِرْمان الخير بسبب العجز والكسل،وفرقٌ بين العجز والكسل.

العجز:ليس فيه قدرة على الفعل بسبب مرض أو ضعف أو كِبَر سنٍّ.

الكسل:ترك الخير والمصالح بسبب الفتور.فهو قادر لكنه كسلان.وهذا أشد حرْمانًا من العجز. قال ابن القيم في «زاد المعاد»(2/326):  اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمَا-العجز والكسل-، وَهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَيَصْدُرُ عَنْهُمَا الْهَمُّ، وَالْحَزَنُ وَالْجُبْنُ، وَالْبُخْلُ وَضَلَعُ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةُ الرِّجَالِ، فَمَصْدَرُهَا كُلُّهَا عَنِ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ.

أن نلازم  الذكر والاستغفار ففيهما تنشيطٌ للنفس على الخير وقوة على الطاعة.

القراءة أو سماع صوتيات في فضائل هذا الشهر العظيم ولا سيما العشر الأواخر منه،وهذا مما يحفِّز النفوس ويقوِّي عزائمها،فقد قال ربنا سبحانه:﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)﴾،أي: لا يقابلونها بالإعراض،وهذا يثمر لهم زيادة الإيمان والنشاط والسرور،كما قال ربنا في الآية الأخرى:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)﴾.

الحرص على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم،فقد كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها،وكان يعتكف في العشر الأواخر ليتفرغَ تفرُّغًا تامًّا وينقطع عن الشواغل،ويحيي لياليها بالعبادة والقيام والذكر وقراءة القرآن والابتهال والتضرع إلى الله.

فهذا هدي قدوتنا وأُسوتنا الكريم الذي اتباعه سعادة ونجاة من الهلاك والشر.

الجليس الصالح عون على حياة القلب وصلاحه وعلى الطموحات العالية،ولهذا ربنا عزوجل يقول:﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾[الكهف:28].

الاطلاع على شيءٍ من حياة سلفنا الصالح في رمضان،وكيف كانوا مسابقين مقبلين على العبادة،وأحدهم يختم المصحف في رمضان مرارًا،وفي نهار رمضان يحافظون على صيامهم من نقص الأجر والفساد،قَالَ الإمام أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ، وَلَا يُمَارِي، وَيَصُونَ صَوْمَهُ، كَانُوا إذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَالُوا: نَحْفَظُ صَوْمَنَا. وَلَا نغْتَابُ أَحَدًا.المغني مسألة (2142).

معرفة أن التفريط في هذه العشر الأواخر خسارة كبيرة،ولا سيما ليلة القدر التي فيها يقول سبحانه:﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)﴾،والْأَلْف شَهْرٍ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ،كما في تفسير ابن كثير.

فالسِّباقَ السِّبَاقَ قبل غلق أبواب الجنة المفتحة ،وقبل فتح أبواب النيران وانتشار دوافع الشر،كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ».

 وقبل فوات هذا الموسم العظيم وهذه الليالي والأيام المباركة.

وقبل فوات ليلة القدر.قال ربنا عزوجل:﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾.  

اللهم اكتب لنا قيام ليلة القدر واجعلنا من الفائزين ولا تجعلنا من المحرومين.

الخميس، 14 مايو 2020

(10)دروس مختصرة في الصيام من كتاب عمدة الفقه الحنبلي

الدرس العاشر :

أشياء لا تفطر الصائم

قال الإمام أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله في سياق بيان بعض الأشياء التي لا تفسد الصيام:

وَإِنْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارٌ، أَوْ تَمَضْمَضَ أَوِ اسْتَنْشَقَ، فَوَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ مَاءٌ ، أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ،أَوْ قَطَّرَ فِيْ إِحْلِيْلِهِ ، أَوِ احْتَلَمَ ، أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ. 

الشرح 

قوله رحمه الله:(وَإِنْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارٌ، أَوْ تَمَضْمَضَ أَوِ اسْتَنْشَقَ، فَوَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ مَاءٌ)

 إذا غلب الصائم دخول شيء إلى جوفه  فصومه صحيح.

 والدليل قوله تعالى:﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: 5].

 

قوله: أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ

إذا فكَّر في الجماع فأنزل لا يفسد صومُه،والدليل:

عن أبي هريرة أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» رواه البخاري (5269)، ومسلم (127)وهذا لم يعمل ولم يتكلم.

قوله:أَوْ قَطَّرَ فِيْ إِحْلِيْلِهِ

قال الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع»(6/371): أي: قناة الذكر، فلو أدخل عن طريق الذكر خيطاً فيه طعم دواء فإنه لا يفطر، لأن الذكر لا يصل إلى الجوف ما دخل عن طريقه، فإن البول إنما يخرج رشحًا، هكذا علل الفقهاء ـ رحمهم الله ـ ومرادهم بذلك أن البول يجتمع في المثانة عن طريق الرشح؛ لأنه ليس لها إلا منفذ واحد.

والحمد لله نحن في غنى عن هذه التعليلات من الأصل إذا أخذنا بالقول الراجح، وهو أن المفطر هو الأكل والشرب، وما أدخل من طريق الإحليل فإنه لا يسمى أكلاً ولا شرباً، وإذا كانت الحقنة وهي التي تدخل عن طريق الدبر لا تفطر على القول الراجح، فما دخل عن طريق الإحليل من باب أولى.

قوله:أَوِ احْتَلَمَ

الاحتلام  لا يُفسد الصيام

قال النووي في «المجموع»(6/322):إذَا احْتَلَمَ فَلَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ .اهـ.

قوله:أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ

أي:غلبه القيء.وهذا في المسألة شِبه إجماع بين أهل العلم أنه لا يُفسِدُ الصيامَ.

قال ابن المنذر في «الإجماع»فقرة (126):أجمعوا على أنه لا شيء على الصائم إذا ذرعه القيء، وانفرد الحسن البصري، فقال: عليه، ووافق في أُخرى.اهـ.

انتهى الدرس العاشر ولله الحمد والمنة.