جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 28 فبراير 2019

(11)من أحكام الصلاة


نهي المصلي أن يرفع بصره إلى السماء



عن أنس بن مَالِكٍ  رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ»، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ: «لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ»رواه البخاري(750).



عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ»رواه مسلم(428).



في هذَيْنِ الحديثَيْنِ:

الوعيد الشديد على رفع البصر إلى السماء في الصلاة.

 قال النووي رحمه الله في«شرح صحيح مسلم»(4/152):

 وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكِ.اهـ


فالواجب على المصلي أن يحذر من رفع بصره إلى السماء لمنافاتِه للخشوع،ولأجل لا يخرج بعضُ بدنه عن استقبال الكعبة،فإنه إذا رفع بصرَه يصير وجهه إلى السماء وليس إلى القبلة.




وأُنبِّه على مسألة ذكرها القاضي عياض ثم الحافظ ابن حجر في«فتح الباري»شرح تبويب حديث رقم(750)أن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة،ونسباه إلى الأكثرين.


وهذا نص كلام القاضي عياض رحمه الله في«إكمال المعلم»(2/341): وقد حكى الطبري كراهة رفع البصر في الدعاء إلى السماء في غير الصلاة، وحكى عن شريح  أنه قال لمن رآه فعله: اكفف يديك، واخفض بصرك، فإنك لن تراه ولن تناله، وقال غيره ممن أجازه  وهم الأكثرون : إن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، فلا ينكر رفع الأبصار والأيدي، إلى جهتها، قال الله تعالى:{وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدونَ}.اهـ



وهذا خطأ فقِبْلة الدعاء هي قبلة الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أدلةٍ متكاثرة كان يستقبل القبلة في الدعاء،كما يستقبل القبلة في الصلاة.


قال البخاري رحمه الله: بَابُ الدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ.

ثم أخرج برقم(6343)،وهو عند مسلم(894)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ:«خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا المُصَلَّى يَسْتَسْقِي، فَدَعَا وَاسْتَسْقَى، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ».


وما نُسِبَ إلى الأكثرين أن قبلة الدعاء هي السماء فهذا قول أهل الكلام لينفوا به صفة العلو لله عزوجل وأنه مستوٍ على عرشه.


وهذه بعض النقولات عن أهل العلم في الرد على هذه المقالة



قال شيخ الإسلام في«بيان تلبيس الجهمية»(4/543):والقبلة التي تستقبل بهذا الدعاء هي قبلة الصلاة بعينها،ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في الدعاء يستقبلها كما فعله في أثناء الاستسقاء الذي رفع فيه يديه رفعًا تامًا. فأخبر أنه استقبل القبلة التي هي قبلة الصلاة في أثناء دعاء الاستسقاء.


قال: وإذا كانت قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة بعينها كان قول الجهمي إن العرش والسماء قبلة للدعاء قول مخالف لإجماع المسلمين،ولِما عُلم بالاضطرار من دين الإسلام فيكون من أبطل الباطل.


قال:كون العرش أو السماء قبلة للدعاء لا يثبت بغير الشرع،فإن اختصاص بعض الجهات والأمكنة بأنه يستقبل دون غيرها هو أمر شرعي. ولهذا افترقت أهل الملل كما قال تعالى:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}[البقرة 148] فلو كان الله قد جعل العرش أو السماء قبلة للدعاء كان في الشريعة ما يبين ذلك،ومعلوم أنه ليس في الكتاب والسنة ولا شيء من الآثار عن سلف الأمة ولا أئمتها ولا في الآثار عن الأنبياء المتقدمين كموسى وعيسى وغيرهما من المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين أن العرش أو السماء قبلة للدعاء،فعُلِم أن دعوى ذلك من أعظم الفرية على الله،وأن هذا من جملة افتراء الجهمية ونحوهم على الله وعلى رسله ودينه.


وقال: القبلة ما يستقبله الإنسان بوجهه وكذلك يسمى وجهة ووجهًا وجهة لاستقبال الإنسان له بوجهه وتوجهه إليه كما قال تعالى:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}والاستقبال ضد الاستدبار، فالقبلة ما يستقبله الإنسان ولا يستدبره فأما ما يرفع الإنسان إليه يده أو رأسه أو بصره فهذا باتفاق لا يسمى قبلة لأن الإنسان لم يستقبله، كما لا يستدبر الجهة التي تقابله،ومن استقبل شيئًا فقد استدبر ما يقابلها،ومعلوم أن الداعي لا يكون مستقبلًا للسماء ومستدبرًا للأرض، بل يكون مستقبلاً لبعض الجهات إما القبلة أو غيرها مستدبرًا لما يقابلها كالمصلي،فظهر أن جعل ذلك قبلة باطل في العقل واللغة والشرع بطلانًا ظاهرًا لكل أحد.اهـ المراد


 وقال ابن أبي العز رحمه الله في«شرح العقيدة الطحاوية»(292): مَنْ قَالَ إِنَّ لِلدُّعَاءِ قِبْلَةً غَيْرَ قِبْلَةِ الصَّلَاةِ،أَوْ إِنَّ لَهُ قِبْلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا الْكَعْبَةُ وَالْأُخْرَى السَّمَاءُ؛ فَقَدِ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ، وَخَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ.


وقال رحمه الله: الْقِبْلَة هِيَ مَا يَسْتَقْبِلُهُ الْعَابِدُ بِوَجْهِهِ، كَمَا تُسْتَقْبَلُ الْكَعْبَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَالذِّكْرِ ..وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ وُجْهَةً. وَالِاسْتِقْبَالُ خِلَافُ الِاسْتِدْبَارِ، فَالِاسْتِقْبَالُ بِالْوَجْهِ، وَالِاسْتِدْبَارُ بِالدُّبُرِ،فَأَمَّا مَا حَاذَاهُ الْإِنْسَانُ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ جَنْبِهِ فَهَذَا لَا يُسَمَّى قِبْلَةً، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، فَلَوْ كَانَتِ السَّمَاءُ قِبْلَةَ الدُّعَاءِ لَكَانَ الْمَشْرُوعُ أَنْ يُوَجِّهَ الدَّاعِي وَجْهَهُ إِلَيْهَا، وَهَذَا لَمْ يُشْرَعْ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي تُرْفَعُ الْيَدُ إِلَيْهِ لَا يُسَمَّى قِبْلَةً، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا.اهـ



وقال الشيخ الألباني رحمه الله في«سلسلة الأحاديث الضعيفة»(6204)عن حديث: «السماءُ قبلة الدُّعاءِ»



لم أقف له على أصل، إلا ما قاله الحافظ في «نتائج الأفكار» (1/259 -

260) في "آداب الدعاء ":"قلت: أما الاستقبال؛ فلم أر فيه شيئاً صريحاً يختص به، وقد نقل الروياني

أنه يقول رافعاً بصره إلى السماء، وقد تقدم ذلك فِي حَدِيثِ عمر، وفي حديث ثوبان: "السماء قبلة الدعاء"، فلعل ذلك مراد من أطلق ".



قال الشيخ الألباني:كذا قال!
 وحديث ثوبان تقدم عنده (1/245) ، وليس فيه ما ذكر، ولا رأيت ذلك في كتاب من كتب السنة التي وقفت عليها. بل ظاهر كلام شارح «العقيدة الطحاوية» ابن أبي العز (ص 327) وغيره أن هذا الحديث المزعوم هو من قول بعض المؤولة، أو المعطلة الذين ينكرون علو الله على خلقه، واستواءه على عرشه، وما فطر عليه الناس من التوجه بقلوبهم في دعائهم جهة العلو، فقال الشارح: "إن قولكم: إن السماء قبلة. الدعاء لم يقله أحد من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان ... ".



علمنا مما تقدم:


أن قول قبلة الدعاء السماء ليس عليه دليل.


أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يستقبل القبلة في الدعاء.


أن قِبْلَة الشيء مَا يَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ،وليس ما يرفع بصره إليه.

الأربعاء، 27 فبراير 2019

(67)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


تفسير الباقيات الصالحات



عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، في قوله:{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا} قال:الأعمال الصالحة.

أخرجه ابن جرير في تفسير سورة الكهف رقم الآية(46)بسند صحيح.


واختارهذا القول ابن جرير وقال: الصواب قول من قال:هنَّ جميع أعمال الخير،لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويُثاب،وإن الله عزّ ذكره لم يخصص من قوله:(وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا) بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


فإن ظنّ ظانّ أن ذلك مخصوص بالخبر الذي رويناه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك بخلاف ما ظن.

 وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ورد بأن قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هنّ من الباقيات الصالحات، ولم يقل: هنّ جميع الباقيات الصالحات، ولا كلّ الباقيات الصالحات، وجائز أن تكون هذه باقيات صالحات، وغيرها من أعمال البِرِّ أيضا باقيات صالحات.اهـ


ورجحه ابن القيم رحمه الله في عدة الصابرين» (173)وقال: الباقيات الصالحات هي الأعمال والأقوال الصالحة التي يبقى ثوابها ويدوم جزاؤها خير ما يؤمله العبد ويرجو ثوابه اهـ.



وجاء عن بعض السلف تفسير الباقيات بتفسيرٍ أخص


  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: هِيَ قَوْلُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.


وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَسْرُوقٌ وَإِبْرَاهِيمُ: "الباقيات الصَّالِحَاتُ" هِيَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.كما في«تفسير البغوي»(5/175).

الثلاثاء، 26 فبراير 2019

كتب ورسائل والدي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله.

كتاب «نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة»

لوالدي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى.


لتحميل الكتاب اضغط هنا.

الاثنين، 25 فبراير 2019

(5) فوائد من دروس التبيان في آداب حملة القرآن




في هذا الباب جملةٌ من الأدلة في احترام أهلِ القرآن وتوقيرهم وإكرامهم،وبيان أن تعظيمَهم من تعظيمِ شعائر الله،منها:

قال الله:﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[الحج:32].

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط»رواه أبو داود.

الحديث إسناده ضعيف فيه أبو كنانة وهو مجهول حال.ويغني عنه حديث«من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا» رواه البخاري في «الأدب المفرد» (354) عن عبد الله بن عمرو،والحديث صحيح مذكور في «الصحيح المسند» (783) لوالدي رحمه الله.


هؤلاء الثلاثة المذكورون في الحديث جاء الشرع بإكرامهم واحترامهم:

§     الأول:«إكرام ذي الشيبة المسلم»

قال صاحب «عون المعبود» (13/132):أَيْ تَعْظِيمَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ فِي الْإِسْلَامِ بِتَوْقِيرِهِ فِي الْمَجَالِسِ وَالرِّفْقِ بِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ،كُلُّ هَذَا مِنْ كَمَالِ تَعْظِيمِ اللَّهِ لِحُرْمَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ اهـ.

والمراد بالكبير:من كان من العلماء العاملين،أو الحكام العادلين،أو العباد الصالحين،أو ذوي الأسنان من المسلمين.


وممَّا يُقدَّم فيه الكبير،سواء كان كِبَر سِنٍّ أو فضل:


·     تقديم الأكبر في الإمامة:

روى البخاري (7246ومسلم (674) عن مالك بن الحويرث قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:«وصلوا كما رأيتموني أصلي،فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم،وليؤمكم أكبركم».مع مراعاة مراتب الإمامة المذكورة في حديث أبي مسعود«يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً..».


·      تقديم الأكبر في الكلام إذا لم يكن ميزة لِمَنْ هو أصغر سنًّا:


روى البخاري (7192ومسلم (1669) عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الحديث في شأن القتيل وفيه:فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُحَيِّصَةَكَبِّرْ كَبِّرْ» يُرِيدُ السِّنَّ،فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ،ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ..الحديث.


·     تقديم الأكبر في الإعطاء وفي سقي الشراب

روى البخاري(246ومسلم(2271) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أراني أتسوك بسواك،فجاءني رجلان،أحدهما أكبر من الآخر،فناولت السواك الأصغر منهما،فقيل لي:كبر،فدفعته إلى الأكبر منهما»

وروى أبو يعلى في «مسنده» (2425) عن ابن عباس قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إذا سقى قال:«ابدءوا بالكبير.أو قال:بالأكابر».

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري»:قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام ،وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن ،وهو صحيح.اهـ.


·     احترام كبير السن بالمجيء إليه دون أن يأتي هو:

فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة،ودخل المسجد،أتاه أبو بكر بأبيه أبي قحافة،فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال:«هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه» .قال أبو بكر:يا رسول الله،هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه،الحديث رواه الإمام أحمد في «مسنده» (44/ 518)،وذكره والدي رحمه الله في «الصحيح المسند» (1527).

·      الصغير يسلم على الكبير

روى البخاري(6231) عن أبي هريرة،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يسلم الصغير على الكبير،والمار على القاعد،والقليل على الكثير».


فينبغي معرفة هذه الآداب العظيمة وتربية الصغار عليها حتى ينشأُوا على الأدب والاحترام،والجزاء من جنس العمل،فمن كان سيءَ الأدب مع الكبير قد يُقيَّضُ له عند كِبَرِهِ مَنْ يزدريه ويسيئ الأدب معه،فكما تدينُ تُدان.

ولا نستدل هنا بما جاء عَنْ أَنَسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا مِنْ أَجْلِ سِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ عِنْد سنه من يُكرمهُ».رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ(2022وسنده ضعيف لأنه من طريق يزيد بن بيان المعلم عن أبي الرحال عن أنس،به،ويزيد بن بيان وشيخه أبو الرحال ضعيفان،ولهذا ذكره العلامة الألباني رحمه الله في «السلسلة الضعيفة» (304).


كما ينبغي للكبير ألَا يتطاولَ على أحد وأن يتواضع وأن يكون رحيمًا حليمًا وعلى خلُقٍ جَمٍّ.نسألُ الله أن يؤدبَنا بآداب الإسلام كبارًا وصغارًا رجالًا ونساءً.

ويأتي إن شاء الله تتمة الكلام على حديث أبي موسى في الرسائل القادمة.


الجمعة، 22 فبراير 2019

(20)الأورَادُ من الأذكار والأدعية




من أدعية السفر



عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ،رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ رواه مسلم(1343).



---------------------------------------

هذا الحديث العظيم فيه التعوُّذُ عند السفر من هذه الأمور الخمسة:

وعثاء السفر:شِدَّته ومشقته ،ولذلكَ كان جُزْءًا من العذاب كما روى البخاري(1804)،ومسلم (1927) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ، فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِه.

 كآبة المنقلَب:قال الخطابي في«معالم السنن»(2/258):معناه أن ينقلب من سفره إلى أهله كئيبًا حزينًا غير مقضي الحاجة،أو منكوبًا ذهب ماله أو أصابته آفة في سفره ،أو أن يَرِدَ على أهله فيجدهم مرضى أو يفقد بعضهم،وما أشبه ذلك من المكروه.

الحَور بعد الكَور: أَيْ مِنَ النُّقْصَان بَعْد الزِّيادة. وَقِيلَ مِنَ فَسَادِ أمورِنا بَعْدَ صَلاحِها. وَقِيلَ مِنَ الرُّجُوع عَنِ الْجَمَاعَةِ بَعْد أَنْ كُنَّا مِنْهُمْ. وَأَصْلُهُ مِنْ نَقْض العِمَامة بَعْدَ لَفِّها. النهاية.

دعوة المظلوم:دعوة المظلوم يجب اتقاؤها في الحضر والسفر.
 والجواب عن تخصيص ذلك في السفر:أن السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبِ، وَالْمَشَقَّةُ فِيهِ أَكْثَرُ فَخُصَّتْ بِهِ  قاله الطيبي.

قال القاري:يُرِيدُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مَظِنَّةٌ لِلنُّقْصَانِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَبَاعِثٌ عَلَى التَّعَدِّي فِي حَقِّ الرُّفْقَةِ وَغَيْرِهِمْ.

 أَوْ يُقَالُ: إِنَّ الْمَظْلُومَ إِذَا كَانَ مُسَافِرًا يَكُونُ دُعَاؤُهُ أَقْرَبَ إِلَى الْإِجَابَةِ اهـ المراد  من مرقاة المفاتيح(4/1681).

 قال ابن القيم رحمه الله في«بدائع الفوائد»(3/242):سبحان الله كم بكت في تنعُّم الظالم عين أرملة،واحترقت كبد يتيم،وجرت دمعة مسكين ﴿ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ﴾ [المرسلات:46] ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص:88]،ما ابيضَّ لون رغيفهم حتى اسود لون ضعيفهم،وما سمنت أجسامُهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه.

لا تحتقر دعاءَ المظلوم فشرر قلبِه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك،ويحك نبالُ أدعيته مصيبة وإن تأخر الوقت، قوسه قلبه المقروح،ووتره سواد الليل،وأستاذه صاحب، لأنصرنك ولو بعد حين،وقد رأيتَ ولكن لستَ تعتبر،احذر عداوة من ينام وطرفه باكٍ يقلب وجهه في السماء،يرمي سهاما ما لها غرض سوى الأحشاء منك.اهـ

سوء المنظر فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ:مَا يَسُوءُكَ النَّظَرُ إِلَيْهِ وَأَنْ تَقِفَ عَلَيْهِ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ«الاستذكار»(8/528)لابن عبدالبر.



ومن الفوائد أيضًا:

الاهتمام بدعاء الثبات لأن الانحراف عن الصراط المستقيم داخل في الحَوْر بعد الكَوْر.

الاستعاذة بالله من الظلم.

 قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم»(9/112):   يَتَرَتَّبُ عَلَى الظلم دُعَاءُ الْمَظْلُومِ،وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ، فَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنَ الظُّلْمِ وَمِنَ التَّعَرُّضِ لِأَسْبَابِهِ.اهـ المراد

الاستعاذة بالله من أسباب الأحزان.



 ومن الأدعية المشهورة لمن أراد السفر

عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ»، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ:«آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ»رواه مسلم(1342).

الخميس، 21 فبراير 2019

الأحد، 17 فبراير 2019

(52) دُرَرٌ مِنَ النَّصَائِحِ


          
          الظاهر عنوان الباطن وارتباط أحدهما بالآخر



هذه مسألة مهمَّة مرت معي في فتح الباري تحت رقم(742)وهي:أن الظاهر عنوان الباطن.

 هذه العبارة ذكرها ابنُ حجر رحمه الله في مسألة الخشوع وأن من سكنَ بدنُه الذي هو ظاهره كان دليلًا على خشوع قلبه.

قال البخاري رحمه الله : بَابُ الخُشُوعِ فِي الصَّلاَةِ.

ثم أخرج حديثين:

الأول:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ برقم(741)أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا، وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلاَ خُشُوعُكُمْ، وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي».

الثاني: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ برقم(742)عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي وَرُبَّمَا قَالَ: مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ».

أما مناسبة الحديث الأول للباب فواضح.

وأما حديث أنس فقال الحافظ :اسْتَشْكَلَ إِيرَاد البُخَارِيّ لحَدِيث أنس هَذَا لكَونه لا ذكر فِيهِ لِلْخُشُوعِ الَّذِي تَرْجَمَ لَهُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْخُشُوعَ يُدْرَكُ بِسُكُونِ الْجَوَارِحِ إِذِ الظَّاهِرُ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ(في الكبرى(2/392)) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ ابن الزُّبَيْرِ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ عُودٌ وَحَدَّثَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كَانَ كَذَلِكَ.قَالَ:وَكَانَ يُقَالُ ذَاكَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ.اهـ



وقد تكلم على المسألة الشاطبي رحمه الله في الموافقات(1/367)فقال:مَنِ الْتَفَتَ إِلَى الْمُسَبَّبَاتِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ عَلَامَةً عَلَى الْأَسْبَابِ فِي الصِّحَّةِ أَوِ الْفَسَادِ، لَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَقَدْ حَصَلَ عَلَى قَانُونٍ عَظِيمٍ يَضْبُطُ بِهِ جَرَيَانَ الْأَسْبَابِ عَلَى وِزَانِ مَا شُرِعَ،أَوْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَمِنْ هُنَا جُعِلَتِ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ فِي الشَّرْعِ دَلِيلًا عَلَى مَا فِي الْبَاطِنِ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مُنْخَرِمًا حُكِمَ عَلَى الْبَاطِنِ بِذَلِكَ،أَوْ مُسْتَقِيمًا حُكِمَ عَلَى الْبَاطِنِ بِذَلِكَ أَيْضًا،وَهُوَ أَصْلٌ عَامٌّ فِي الْفِقْهِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْعَادِيَّاتِ وَالتَّجْرِيبِيَّاتِ،بَلِ الِالْتِفَاتُ إِلَيْهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ نَافِعٌ فِي جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ جِدًّا،وَالْأَدِلَّةُ عَلَى صِحَّتِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا،وَكَفَى بِذَلِكَ عُمْدَةً أَنَّهُ الْحَاكِمُ بِإِيمَانِ الْمُؤْمِنِ،وَكُفْرِ الْكَافِرِ، وَطَاعَةِ الْمُطِيعِ، وَعِصْيَانِ الْعَاصِي،وَعَدَالَةِ الْعَدْلِ، وَجَرْحَةِ الْمُجَرَّحِ، وَبِذَلِكَ تَنْعَقِدُ الْعُقُودُ وَتَرْتَبِطُ الْمَوَاثِيقُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ، بَلْ هُوَ كلية التشريع، وعمدة التكليف بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِقَامَةِ حُدُودِ الشَّعَائِرِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ.اهـ

 وقال الشيخ الألباني رحمه الله:من فوائد السنة وثمارها اليانعة الجَنِيَّةُ أن المسلم بها تستقيم حياته مع الناس جميعًا، وبخاصَّةٍ من كان منهم طلابَ علم.


مِن هذه الأحاديث -التي كنت أنا وغيري في وقت في غفلة عنها ولم نتنبه لها إلا بعد أن هدانا الله تبارك وتعالى إليها -حديث أبي ثعلبة

الخشني رضي الله عنه قال:«كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآلِهِ وسلم فنزلنا منزلًا من تلك المنازل في الوديان والشعاب  تفرقنا فيها».

وإذا كان التفرق في مجالس العلم حقيقةً واقعةً،ولكنها مُرَّةٌ ،فأولى وأولى

أن يتفرقوا في الصحراء حينما ينزلون في بعض المنازل،مع ذلك لم

 يرضَ ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وآلِهِ وسلم فقال لهم ذات

يوم لما نزلوا مرة في سفرة من أسفارهم مع النبي صلى الله عليه وعلى آلِهِ وسلم وتفرقوا كما جاء عادتهم قال لهم عليه الصلاة والسلام: «إنما تفرقكم في هذه الوديان والشعاب من عمل الشيطان».


 أمرٌ عجيب تفرُّق لا يلاحظ فيه تباعد بين القلوب،لأن أصحاب الرسول عليه السلام كانوا بحقٍّ إخوانًا على سرر متقابلين،مع ذلك فنبينا صلوات الله وسلامه عليه يقول لهم:«إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان» يعني بذلك أنه من عمل الشيطان الذي قد يؤدي بالأحبَّة المتوادِّين المتحابِّين إلى التباغض وإلى التنافر،ومن أجل ذلك وصف الله عز وجل أنَّ شرب الخمر هو من عمل الشيطان،لأنه يلقي العداوة والبغضاء بين الناس .

قال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه:«فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلًا اجتمعنا حتى لو جلسنا على بِساط لوسِعَنا» في الصحراء لو اجتمعنا على بساط لوسعنا.

إذا كان هذا في ذلك المجلس فأولى وأولى أن يكون الناس مجتمعين في

مجالس العلم،وألَّا يكونوا عِزِين متباعدين متفرقين لأن(الظاهر عِنوان الباطن )،رُبَّما يتوهَّم بعض الناس أن هذه الكلمة( الظاهر عنوان الباطن)

 كلمة صوفية،ومن تمام التوهُّمِ عند بعض الناس أيضًا أن يُظن أن كل شيء يتكلم به بعض الصوفية يكون إيش؟ منبوذًا إسلاميا.


 ليس الأمر كذلك ،هم طائفة من المسلمين يُحاسَبُون و يؤاخَذون كغيرهم

 يوزَنون بميزان الشرع ،فهذه الكلمة كذلك ينبغي أن توزَنَ بميزان الشرع.

(الظاهر عنوان الباطن)هل هذا كلام صحيح أم هو كلام باطل؟

 نقول:لا،هو كلام صحيح،ذلك لأن هناك أحاديثَ كثيرة تؤكد هذا المعنى.


 مِن أشهر هذه الأحاديث قوله عليه الصلاة و السلام في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي أوله:«إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ، وَالحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أمور مُشتَبِهَاتٌ» إلى آخره. ثم قال عليه الصلاة و السلام :«أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ»فإذَن صلاح الظاهر بصلاح الباطن.


لكن من العجائب الغيبية الدقيقة التي لَوْ لَمْ نُؤتَ بهذا الشرع السَّمح لَمَا عرفناها أن كلًا من(الظاهر والباطن) يتفاعلان ويتعاونان،إذا قوي القلب صلُح الظاهر،إذا صلُح الظاهر ازداد القلب قوة،وهكذا دواليك، ولذلك نخرج بنتيجةٍ هامَّة جدًّا وهي: أن على كل مسلم يهتمُّ بأحكام دينه أنْ يُعْنَى بظاهره كما يُعنَى بباطنه.

ولا يقول كما تقول الجهلة حينما تأمرهم بالإتيان بما فرضه الله عليهم من الفروض والواجبات كالصلاة مثلًا يقول لك: العبرة ليست بالصلاة،العبرة بما في القلب.

الجواب: الذي تعرفونه،لو كان هذا قلبُه سليمًا صحيحا لنضحت

جوارحه بما يُنبي عن صلاح قلبه،لكن الواقع أن الأمر على

 العكس تمامًا،هو يقول: العبرة بما في القلب.طيب الرسول يقول: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ»إذن علينا أن نهتم بإصلاح الظواهر كما نهتم بإصلاح البواطن،و لا نغتر بهذه الكلمة التي تصدر من بعض الجهلة،وهي أن العبرة بما في الباطن فقط ،لا،لأن الظاهر و الباطن مترابطان متعاونان أشد التعاون،وأحدهما يقوي الآخر، كما ذكرنا آنفا.


من أجلِ ذلك كان من آداب مجالس العلم هو التقارب،لأن هذه الظاهرة هي ظاهرة التي لها علاقة بالقلب، لكن هذا التجمع وهذا التقارب في مجلس

العلم يوجد ارتباطا وثيقا في القلوب أيضا.

و يؤكد لكم هذه الحقيقة العلمية الشرعية تلك السُّنَّة التي هجرها

وأعرض عنها أكثر أئمة المساجد،ولا يحافظ عليها إلا من كان متمسكا بالسنة،وهي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله  سلم كان من هديه و سنته أنه لا يكبر تكبيرة الإحرام إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف و أن يسويها كما جاء في الحديث كما تُسَوَّى الأقداح،فيقول لهذا تقدم و لذاك تأخر،حتى يصبح الصف كالبنيان المرصوص ،و يُوعِدهم عليه السلام و يؤدِّبُهم بمثل قوله:«لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»إذن تسوية الصفوف و عكسها كل منهما يؤثر في القلب صلًاحا أو فسادا.

«لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»فإذن هذا أيضا مما

يؤكد أن الظاهر له تأثير في الباطن ،حتى ظواهر الأشخاص

المتعددين ،فضلا عن ظاهر الشخص نفسه و ذاته فهو عليه الصلاة

والسلام يجعل اختلاف الناس في الصف الواحد تقدُّمًا و تأخرا سببًا لفساد القلوب ،والعكس بالعكس، تسوية الصفوف سبب شرعي لإصلاح

ما في القلوب.



لهذا ينبغي الاهتمام كل الاهتمام بإصلاح الظواهر،ومنها عند القيام إلى الصلاة بتسوية الصفوف كما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله و سلم يسوِّيها و يأمر بتسويتها ..

[مرجع كلام الشيخ رحمه الله سلسلة الهدى والنور رقم الشريط 201].



نكون استفدنا مما تقدم:

صحة عبارة:الظاهر عنوان الباطن.

أن الظاهرَ دليلٌ على ما في الباطن من خيرٍ وشرٍّ وحُسْنٍ وسوءٍ وصلاحٍ وفساد.

فإذا كان الرجل يحلق لحيته كان عنوانًا على فسادٍ ومرضٍ في قلبه إذ لو كان قلبه سليمًا  لظهر ذلك على جوارحه وظاهرِه وجسده.أو امرأة تخرج متبرجة كان دليلًا على فساد ومرضٍ  في قلبها لأنها لم تبغض ما أبغضه الله ووقعت فيما حرَّم الله،أو تخرج متطيِّبة ثم تمر بالرجال هذا كذلك..فأي فسادٍ في الظاهر فإنه يدل على فسادٍ في الباطن،لأن القلب السليم جوارحه تنبع بالخير والرُّشد.


التلازم بين الظاهر والباطن فالظاهر يؤثِّر على الباطن كما تقدم في حديث إن تفرقكم من الشيطان،وحديث تسوية الصفوف،والباطن يؤثِّر على الظاهر كما في حديث النعمان.


الرد على من يكون عنده مخالفات للشرع ويشير إلى قلبه يعني:أن نيته طيبة،فلو كان قلبه سليمًا نقيًّا لظهر على جوارحه الاستقامة والمحاسن،ولكنه من تلاعب الشيطان بهم.

اللهم ربنا أصلِحنا ظاهرًا وباطنًا.