جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 31 أغسطس 2023

(9)المرأة والدعوة إلى الله

 

                               عدم المبالاة بالمثبِّطين

 

المؤمن لا يبالي بسخرية من يسخر، فالكفار يسخرون بالدين الحق وأهله المتمسكين به، قالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ﴾ [المطففين: 29- 30].

وقال تَعَالَى مجيبًا لأهل النار: ﴿قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111)﴾[المؤمنون].

وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)[المائدة].

بل حتى بعض ضعفاء الإيمان، يسخرون بلباس المرأة المحتشمة، ويرون أن المحافظة على الوقت والحرص عليه تشدد وتضييق على النفس...، فيقلبون الحقائق، وما علموا أن هذا هو السعادة.

 فالمؤمن يثبت على دينه ولا يتزعزع أو يتزحزح، وقد كان والدي رَحِمَهُ اللهُ يثبِّتُنا ويقول: المجتمع لا يساعد على الخير، فأهلك يثبِّطونك، وكذلك امرأتك وأبوك. اهـ.

 فكل من حولك قد يثبطك عن الثبات عن الاستقامة وعن طلب العلم، لكن على طالبة العلم بل على كلِّ مسلم ومسلمة الثبات، وسيدركون ولو بعد حين أنك على الحق وهم على الباطل، حتى ولو تأخر إلى حين لا ينفع الندم، فيقعون في أعظم حسرة وخسارة.

السحرة لما أسلموا قالوا لفرعون لما هددهم: ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) ﴾ [طه].

 فلا تبالي طالبة العلم بالمثبطين ولا بالمستهزئين في طلبها للعلم، وتمسكها بدينِها، وفي دعوتِهَا، وتعتز بما هي عليه، أعزَّنا الله وإياكِ، ولا عزيز إلَّا من أعزه الله.

وسبحان من يلقي التثبيت والثبات! كم من مواقف يا أخوات حصلت لوالدي في التثبيط والتهديد والوعيد على أن يترك السنة، وثبت ثبوت الجبال الراسيات.

ويقول: بحمد الله أنا لا أبالي بالمثبِّطين.

وكان يذكر لنا رَحِمَهُ اللهُ:  أنه عند أن كان يدْرُسُ في «شرح القطر» في جامع الهادي، فيمر به بعض زنابيل الرافضة فيسخرون منه، ويقولون: قبيلي صَبِّن غِرارة، يعني: أنَّ التعليم لا يؤثِّر فيه؛ لأنهم يحتقرون القبائل الذين ليسوا من بني هاشم، كأنَّ الله اختصهم بالعلم!

وذكر لنا رَحِمَهُ الله أنه عند أن كان يَدْرُسُ في الجامعة الإسلامية كانوا يقولون: إنني لا أعرف إلا (حدثنا) و(أخبرنا)، ولا أعرف عن الواقع شيئًا! وأنا ‑بحمد الله‑ عاكف على كتب السنة، وهم عاكفون على الجرائد والمجلات! وبعد أيام عند أن كنا نحضر رسالة الماجستير إذا هم يأتون ويسألون: ما حال هذا السند؟! وكيف حال هذا الرجل؟! وهل الحديث هذا صحيح أم ليس بصحيح؟!

وأنا ما سألتهم يومًا من الدهر: ماذا قالت جريدة الندوة؟ ولا ماذا قال التلفزيون الفلاني؟ فحمدت ربي الذي وفقني وثبتني.

وانظر النص في «غارة الأشرطة» (1/273).

فمن ثبت يجد ثمرة ثباته في الدنيا والآخرة.

حتى نحن في نشرنا للعلم بعضهم يقول: ما يحتاج الناس إلى علمكم، الدنيا مليئة بالكتب والعلم. وهذا من التثبيط الذي لا يُبالى به، فهناك من فضل الله من ينتفع حتى ولو عددًا يسيرًا «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» رواه البخاري (2942)، ومسلم (2406) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وفوائد نشر العلم لا تنحصر، يقول والدي رَحِمَهُ الله كما في «إجابة السائل على أهم المسائل» رقم السؤال(153): إذا أردتم أن يباركَ الله في علمِكُم، عليكم أن تُوَزِّعُوا أوقاتكم: وقتًا لطلب العلم، ووقتًا للدعوة إلى الله، ووقتًا للتأليف. اهـ.

وبعضهم يقول: المرأة لا تنشر العلم في المواقع والقنوات، يكفيها بيتُهَا، يظنون أن من نفعتْ بشيءٍ أنها تُضيِّع واجباتها، أو خوفًا عليها. كذا  زعموا.

فالمثبِّطُون لا يُلتفت إليهم أيًّا كانوا، (فكن كأنك لم تسمع ولم يقُلِ)، هم محرومون فلا نكن مع المحرومين، نسأل الله الثبات.

الأربعاء، 30 أغسطس 2023

(146)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

 

 

هل يكره اليهود والنصارى على الدخول في الإسلام؟

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلَاتًا فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} [البقرة: 256]. رواه أبوداود (2682). والحديث صحيح.

 

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْمِقْلَاتُ الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ.

 

قال ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (1/ 199): هُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تَهَوَّدَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ غَيْرَ يَهُودِيٍّ فَإِنَّهُ مِثْلُهُمْ. اهـ.

والآية في أهل الكتاب إذا دفعوا الجزية، فلا يُكرهون على إدخالهم في الإسلام، وليس معناه إقرارهم على دينهم، يقول تَعَالَى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾  [آل عمران:85].

 

(145)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

 

                               صفة العَجَبِ لله عَزَّ وَجَل

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاسِلِ» رواه البخاري (3010).

قال النووي رَحِمَهُ الله في « رياض الصالحين»: معناها يؤسرون ويقيدون ثم يسلمون فيدخلون الجنة.

(35) أحاديث منتقاة من أحاديث البخاري ومسلم

          

 فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة

عن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» رواه مسلم (656).

وقوله: « فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» أَيْ: بِانْضِمَامِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. كما في «فتح الباري»(3/197).

قال المباركفوري في «تحفة الأحوذي»(2/11): قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي « التَّرْغِيبِ»:  قَالَ ابن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ: بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ والفجر، وَبَيَانُ أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَأَنَّ فَضْلَهَا فِي الْجَمَاعَةِ ضِعْفَا فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عُثْمَانَ بِنَحْوِ لَفْظِ مُسْلِمٍ.

 قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ يُدَافِعُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ انْتَهَى.

قال المباركفوري:  قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ.

 

 

(1) أدعية من القرآن الكريم

 

                           أدعية من القرآن الكريم

 

فالقرآن الكريم نأخذ منه أدعيتنا، ونأخذها من السنة الثابتة، وهذا أسلم من أن نأخذ الأدعية من هنا وهنا، وإذا كانت سالمة من حيث المعنى لا مانع من أن يُدعى بأدعية ليست من القرآن ولا السنة، ولكن هذا من حيث الأفضل.

قال شيخ الإسلام في « مجموع الفتاوى» (22/510): الْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ النَّبَوِيَّةُ هِيَ أَفْضَلُ مَا يَتَحَرَّاهُ الْمُتَحَرِّي مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَسَالِكُهَا عَلَى سَبِيلِ أَمَانٍ وَسَلَامَةٍ، وَالْفَوَائِدُ وَالنَّتَائِجُ الَّتِي تَحْصُلُ لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانٌ وَلَا يُحِيطُ بِهِ إنْسَانٌ.

وقال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»(22/525): الْمَشْرُوعُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ؛ فَإِنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ،  وَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ عَنْ الِاعْتِدَاءِ فِيهِ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّبِعَ فِيهِ مَا شُرِعَ وَسُنَّ، كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَاَلَّذِي يَعْدِلُ عَنْ الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ إلَى غَيْرِهِ-وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحْزَابِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ-الْأَحْسَنُ لَهُ أَلَّا يَفُوتَهُ الْأَكْمَلُ الْأَفْضَلُ، وَهِيَ الْأَدْعِيَةُ النَّبَوِيَّةُ؛ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَهَا بَعْضُ الشُّيُوخِ، فَكَيْفَ وَقَد يَكُونُ فِي عَيْنِ الْأَدْعِيَةِ مَا هُوَ خَطَأٌ أَوْ إثْمٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؟

 وَمِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَيْبًا مَنْ يَتَّخِذُ حِزْبًا لَيْسَ بِمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ حِزْبًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ وَيَدَعُ الْأَحْزَابَ النَّبَوِيَّةَ الَّتِي كَانَ يَقُولُهَا سَيِّدُ بَنِي آدَمَ وَإِمَامُ الْخَلْقِ وَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

                               من سورة المؤمنون

 

قال تَعَالَى: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾[المؤمنون:118].

 

في هذا الدعاء التوسل إلى الله باسم من أسمائه -وهو الرب- قبل الدعاء، وختمه بالتوسل إلى الله بصفة من صفاته وهي الرحمة.

قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة المؤمنون(رقم الآية 118): هذا إرشاد من الله تعالى إلى هذا الدعاء.

 فالغُفْر إذا أُطلق معناه: مَحْوُ الذَّنْبِ وَسَتْرُهُ عَنِ النَّاسِ.

 وَالرَّحْمَةُ مَعْنَاهَا: أَنْ يُسَدِّدَهُ وَيُوَفِّقَهُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ. اهـ.

مع إثبات صفة الرحمة؛ لأن هذا التفسير ظاهره تفسير باللازم وبأثر الرحمة؛ لأن من رحمهم الله وفَّقهم وسدد أقوالهم وأفعالَهم،  فنحن نثبت صفة الرحمة لله  سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما يليق بالله، مع إثبات المعنى، وأثر الصفة.

 

وفيه أن الله أفضل الراحمين كما تفيده صيغة أفضل التفضيل، فالمخلوقون يتراحمون، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أرحم بالخلق منهم ومن أمهاتهم، بل وأرحم بهم من أنفسهم.

 

رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.