جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

(25) نصائح وفوائد

 

إتلاف الرسائل التي يُخشى من بقائِها

عن كعب بن مالك  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  في قصة هجر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بسبب تخلفه عن غزوة تبوك، أرسل إليه ملك غسان بكتاب،قال: فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، قَالَ فَقُلْتُ: حِينَ قَرَأْتُهَا: وَهَذِهِ أَيْضَا مِنَ الْبَلَاءِ فَتَيَامَمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهَا بِهَا. رواه البخاري ومسلم.

نستفيد منه: أنه إذا وصلت رسالة يُخشى منها الفتنة على النفس، إذا كانت في جوال تُحذَف، وإن كانت في ورقة تُحْرَق؛ لأن النفس قد ترغب في الاطلاع عليها مرة أخرى، ولا يُؤمَن على النفس.

 

(32)تذكيرٌ بالصَّحابة رضي الله عنهم

 

زَيدُ بنُ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ

هو زيد بن عمرو بن نفيل العدويّ، والد سعيد بن زيد أحد العشرة، وابن عم عمر بن الخطاب. ذكره البغويّ، وابن مندة، وغيرهما في الصَّحابة، وفيه نظر؛ لأنه مات قبل البعثة بخمس سنين. اهـ المراد من « الإصابة في تمييز الصحابة»(2/507).

فعلمنا أن زيد بن عمرو بن نفيل ليس بصحابي لكنه رجل فاضل، وقد التقى بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل البعثة، ولما مات أثنى عليه، ونذكر حديثًا واحدًا في لقائه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

عن زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُرْدِفِي فِي يَوْمٍ حَارٍّ مِنْ أَيَّامِ مَكَّةَ، وَمَعَنَا شَاةٌ قَدْ ذَبَحْنَاهَا وَأَصْلَحْنَاهَا، فَجَعَلْنَاهَا فِي سُفْرَةٍ، فَلَقِيَهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، فَحَيَّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا زَيْدُ، يَعْنِي زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو، مَالِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنِفُوا لَكَ» ، قَالَ: وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ ذَلِكَ لِغَيْرِ تِرَةٍ لِي فِيهِمْ، وَلَكِنْ خَرَجْتُ أَطْلُبُ هَذَا الدِّينَ حَتَّى أَقْدِمَ عَلَى أَحْبَارِ خَيْبَرَ فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَيُشْرِكُونَ بِهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدِمَ عَلَى أَحْبَارِ الشَّامِ، فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، فَقُلْتُ مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِينٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَعْبُدُ اللَّهَ بِهِ إِلَّا شَيْخٌ بِالْجَزِيرَةِ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدِمَ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: إِنَّ جَمِيعَ مَنْ رَأَيْتَ فِي ضَلَالٍ، فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟، قُلْتُ: أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ اللَّهِ، مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْقَرَظِ، قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ قَدْ ظَهْرَ بِبَلَدِكَ، قَدْ بُعِثَ نَبِيُّ قَدْ طَلَعَ نَجْمُهُ، فَلَمْ أُحِسُّ بِشَيْءٍ بَعْدُ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: فَقَرَّبَ إِلَيْهِ السُّفْرَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟، قَالَ: شَاةٌ ذَبَحْنَاهَا لِنُصُبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْصَابِ، قَالَ: مَا كُنْتُ لِآكُلَ شَيْئًا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَتَفَرَّقَا قَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ وَأَنَا مَعَهُ، فَطَافَ بِهِ وَكَانَ عِنْدَ الْبَيْتِ صَنَمَانِ، أَحَدُهُمَا مِنْ نُحَاسِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: يَسَافٌ، وَلِلْآخَرِ نَائِلَةٌ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا تَمَسَّحُوا بِهِمَا، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَمْسَحْهُمَا فَإِنَّهُمَا رِجْسٌ، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَأَمْسَحَنَّهُمَا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَقُولُ: فَمَسَحْتُهُمَا، فَقَالَ: يَا زَيْدُ أَلَمْ تُنْهَهُ؟، قَالَ: وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَمَاتَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ». رواه البزار (1331) عَن زَيدِ بنِ حَارِثَةَ، وهو في «الصحيح المسند» (354) لوالدي رَحِمَهُ الله.

 

وقوله: شَاةٌ ذَبَحْنَاهَا لِنُصُبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْصَابِ. قال إبراهيم بن إسحاق الحربي في «غريب الحديث» (2/791): لذلك وجهان:

إما أن يكون فعله من غير أمر رسول الله  ولا رضاه، إلا أنه كان معه فنسب ذلك إليه؛ لأن زيدًا لم يكن معه من العصمة ما كان الله أعطاه نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ومنعه مما لا يحل من أمر الجاهلية وكيف يجوز ذلك وهو قد منع زيدًا في حديثه هذا بعينه أن يمس صنمًا.

 وما مسه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قبل نبوته ولا بعد، فهو ينهى عن مسه ويرضى أن يذبح له، هذا محال.

والوجه الثاني: أن يكون ذبح لزاده في خروجه فاتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده، فكان الذبح منهم للصنم والذبح منه لله تعالى إلا أن الموضع جمع بين الذبحين، فأما ظاهر ما جاء به الحديث فمعاذ الله.

(24) نصائح وفوائد

ليالي الشتاء

الليل يعدُّ فرصة من الفُرَص، فهو فرصة للتفرغ للعبادة وليس للسمر في القيل والقال واللهو، واللقاءات المتكررة، يقول الله تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ (17) ﴾ [الذاريات:17 ].

وهذه الليالي ليالي الشتاء، وليالي الشتاء تكون طويلة، وهذه نعمة من الله يستطيع الإنسان يرتاح فيها وينام، ويقوم الليل ويقرأ ورده، ويستفيد ويحفظ ويراجع، ليالي مباركة، والمحروم من حرمه الله، نسأل الله العافية.

وقد ذكر ابن رجب كلامًا في الحث على استغلال ليالي الشتاء وموسم الشتاء، يقول في «لطائف المعارف» (1 / 326): فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش، فإن نهاره قصير بارد، فلا يحس فيه بمشقة الصيام.

وأما قيام ليل الشتاء فلطوله يمكن أن تأخذ النفسُ حظها من النوم، ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة، فيقرأ المصلي ورده كله من القرآن، وقد أخذت نفسُه حظها من النوم، فيجتمع له فيه نومُه المحتاج إليه مع إدراك ورده من القرآن، فيكمل له مصلحة دينه وراحة بدنه. اهـ.

والتوفيق من الله، فكم من إنسان تذهب عليه الليلة من غير فائدة، حتى النوم قد لا ينام، يبقى مع الكلام والجوالات وفي أشياء لا تنفعه، وفي النهار نوم، و ماذا بقي له من العمر؟!، الله المستعان.

 

ثم إن آخر الليل وقت نفيس وهو أفضل من أول الليل، فينبغي لطالبة العلم أن تحرص على وقتها وتحافظ عليه ولا تلعب بها الأجواء، هذا اليوم برد، هذا اليوم حر، ويذهب الوقت؛ لأنه حَرٌّ، صحيح الحر يأتي بالفتور، ويزعج النفس، ويقلِّل من انشراح الصدر، لكن طالبة العلم تصبر على أي حال، وتجاهد، «المُجَاهِدُ مَن جَاهَدَ نَفسَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ». رواه الإمام أحمد (39/ 386) عن فَضَالَةَ بنِ عُبَيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ. وهو في «الصحيح المسند» (1065) لوالدي رَحِمَهُ الله.

 

وما أحسن ما قاله أحمد بن فارس الرازي اللغوي رحمه الله:

 إذا كان يؤذيك حر المصيف ** وكرب الخريف و برد الشتاء

و يلهيك حسن زمان الربيع ** فأخذك للعلم قل لي: متى؟!

وهذا فيه الحث على استغلال الوقت واستثماره في المصالح والمنافع، ومن شُغل بفصول السنة هذا ما أبعد العلم عنه، فأخذك للعلم قل لي متى؟ فما أبعد العلم عنه!

(86)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ

 

[سورة الحج (22) : الآيات 63 الى 66]

﴿أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ الإِنسانَ لَكَفُورٌ (66)﴾

﴿فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً﴾  قال ابن كثير: أي: خضراء بعد يباسها وَمُحُولِهَا.

 ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ أَي: عَلِيمٌ بِمَا فِي أَرجَاءِ الأَرضِ وَأَقطَارِهَا وَأَجزَائِهَا مِنَ الحب وإن صغر، ولا يَخفَى عَلَيهِ خَافِيَةٌ، فَيُوَصِّلُ إِلَى كُلٍّ مِنهُ قِسطَهُ مِنَ المَاءِ فَيُنبِتُهُ بِهِ.

﴿لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ﴾ أَي: مُلكُهُ جَمِيعُ الأَشيَاءِ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَمَّا سِوَاهُ، وَكُلُّ شَيءٍ فَقِيرٌ إِلَيهِ، عَبدٌ لَدَيهِ.

﴿ أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَا فِي الأَرضِ﴾ أَي: مِن حَيَوَانٍ وَجَمَادٍ وَزُرُوعٍ وَثِمَارٍ.

﴿وَالفُلكَ تَجرِي فِي البَحرِ بِأَمرِهِ﴾ أَي: بِتَسخِيرِهِ وَتَسيِيرِهِ.

﴿وَيُمسِكُ السَّماءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرضِ إِلَّا بِإِذنِهِ﴾ مِن لُطفِهِ وَرَحمَتِهِ وَقُدرَتِهِ يُمسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرضِ إِلَّا بِإِذنِهِ، ولهذا قال:﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ أَي «مَعَ ظُلمِهِم».

﴿وَهُوَ الَّذِي أَحياكُم﴾ أَي: خَلَقَكُم بَعدَ أَن لَم تَكُونُوا شَيئًا يُذكَرُ، فَأَوجَدَكُم.

﴿ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم﴾ أَي: يَومَ القِيَامَةِ.

﴿إِنَّ الإِنسانَ لَكَفُورٌ﴾ أي: جحود.

- من الفوائد:

نستفيد الدلالة على علم الله الشامل، وقدرته التامة، وعظيم سلطانه، فهو منزل الأمطار ومنبت النبات، والله قادر على أن ينبت الأرض من غير مطر، ولكن هذه أسباب.

- دلالة على وحدانية الله، والإيمان بالبعث وحجة على منكري البعث، فإن من قدر على إنزال المطر وإخراج نبات الأرض فإنه يكون هو المستحق للعبادة وحده، ويدل أيضًا على بعث الناس من قبورهم أحياءً.

- وفيه رحمة الله وحده بعباده، وإكرامه لخلقه، فهو يخرج هذه الثمرات رحمة بالعباد وأرزاقًا لهم.

- وفيه تذكير الله عباده بنعمه وإحسانه إلى خلقه؛ ليشكروه ويوحدوه، وهذه النعم عامة للكافر والمسلم، ولكن النعمة في حق المسلم دائمة ومستمرة، ففرق بين النعمتين.

- وفيه الحث على الاعتبار والتفكر في نعم الله.

- وفيه أن الجميع عبيد لله، فالملك ملكه، والخلق خلقه.

- وفيه كمال غنى الله، فالله هو الغني ونحن الفقراء، وما أحسن ما قال الطحاوي رَحِمَهُ الله: وَيَملِكُ كُلَّ شَيءٍ وَلَا يَملِكُهُ شَيءٌ وَلَا غنى عن الله تَعَالَى طَرفَةَ عَينٍ وَمَنِ استَغنَى عَنِ اللَّهِ طَرفَةَ عَينٍ فَقَد كَفَرَ وَصَارَ مِن أَهلِ الحين. «العقيدة الطحاوية» (89).

- وفيه أن من أسماء الله الحسنى: اللطيف، الخبير، الغني، الحميد.

- وفيه أن من أنواع النعم تسخير الله لعباده الأرض وما فيها وسخر لعباده الفلك -الفلك: وهي السفن-، وهكذا في أزمنتنا الطائرات تسخير من الله تمشي في الهواء، ﴿ وَيَخلُقُ مَا لَا تَعلَمُونَ (8) ﴾[النحل:8 ]، فالله هو الذي سخرها وهيأها وذلَّلها.

- وفيه أن الله هو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض وليس بطبيعتها.

- وفيه أن الله إذا أذن للسماء بالسقوط تسقط، وهذا يكون يوم القيامة، والإذن هنا في الآية كوني قدري.

- وفيه جحد ابن آدم لنعم الله، ولا يوفَّق للشكر إلا القليل كما قال تعالى:﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)﴾[سبأ] .