جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 30 نوفمبر 2020

(70)الإجابةُ عن الأسئلةِ

السؤال: متى بدأ التشيع في اليمن؟

الجواب:

دخل التشيع في اليمن في القرن الثالث، وقد كان والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله يذكر لنا هذا، وذكره أيضًا في كتاب «مقتل الشيخ جميل الرحمن الأفغاني» ص(8 فقال رَحِمَهُ الله: الشعب اليمني عاش تحت وطأة التشيع ووطأة التصوف، والقليل الذي هو متمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لقد دخل التشيع إلى اليمن من القرن الثالث، واعتبرها المؤرخ الجعدي صاحب «طبقات فقهاء اليمن» فتنةً دخلت إلى اليمن، ثم لم يزل التشيع إلى أعوام قريبة حتى من تظاهر بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم استحلوا دمه. اهـ.

وقال رحمه الله في «غارة الأشرطة»(1/53): اليمن ما كانت تعرف ولا تعمل إلا بسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إلى آخر القرن الثالث، ثم دخل الهادي رَحِمَهُ الله تَعَالَى ونشر بدعة التشيع، ولم يزل التشيع سائدًا إلى أن ظهرت دعوة أهل السنة في هذه الأزمنة الأخيرة، وانتشر بسببها الخير الكثير، وتفقه المسلمون في اليمن وفي غير اليمن، بواسطة الكتب والأشرطة. إنه من باب التحدث بنعمة الله، فإن الله عَزَّ وَجَل يقول لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)﴾ [الضحى].

نعمة اعترف بها النجدي، والمصري، والجزائري، والسوداني، والأمريكي، والبلجيكي، بل جميع الأقطار الإسلامية يغبطون أهل هذه البلد على الخير الذي وصل إليهم، ويتمنون أن يأتوا لطلب العلم. اهـ.

ولقد قضى الله على التشيع في زمن والدي، وأصبح مبغوضًا منبوذًا، حتى إن كثيرًا من الشيعة رجعوا إلى السنة، وتحولت مساجدهم من البدع والشركيات إلى مساجد توحيد وسنة.

ثم في هذه السنوات الأخيرة أراد أعداء الدين ودعاة الضلال رجوع هذه البدعة في اليمن بقوة، خاصة في المناطق الشمالية؛ لأن الشيعة سُلَّمٌ لضرب الإسلام باسم الإسلام،ويتعاونون هم والكفار ضد الإسلام والمسلمين.

قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»(25/307): وَلَمْ تَعْرِفْ طَوَائِفُ الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ كَذِبًا وَفِتَنًا وَمُعَاوَنَةً لِلْكُفَّارِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَة الضَّالَّةِ الْغَاوِيَةِ فَإِنَّهُمْ شَرٌّ مِنْ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ. وَأُولَئِكَ-الخوارج- قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ.

 وَهَؤُلَاءِ يُعَاوِنُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ ،كَمَا أَعَانُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ التُّرْكِ وَالتَّتَارِ عَلَى مَا فَعَلُوهُ بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا بِأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَعْدِنِ الرِّسَالَةِ وَلَدِ الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَخَرَابِ الدِّيَارِ.

 وَشَرُّ هَؤُلَاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلَامِ.

وقال ابن القيم رحمه الله في «مفتاح دار السعادة» (1/73):هؤلاء أشد الناس غِلًّا وغشًّا بشهادة الرسول والأمة عليهم وشهادتهم على أنفسهم بذلك فإنهم لا يكونون قط إلا أعوانًا وظَهْرا على أهل الإسلام ،فأي عدو قام للمسلمين كانوا أعوان ذلك العدو وبطانته.

 وهذا أمر قد شاهدتْه الأمةُ منهم، ومن لم يشاهد فقد سمع منه ما يصمُّ الأذان ويُشْجِي القلوب. اهـ. 

(20)تربيةُ الأَولَادِ

 

الاهتمام بتعليم البنات

عن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ»رواه البخاري(5995)،ومسلم (2629)واللفظ له.

عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ، وَسَقَاهُنَّ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»رواه ابن ماجه(3669).

[هذا حديث صحيحٌ.الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين939].

(مِنْ جِدَتِهِ)بِكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ:غِنَاهُ ،وَيُقَالُ: وَجَدَ يَجِدُ جِدَةً إِذَا اسْتَغْنَى.«حاشية السندي على سنن ابن ماجة».

قال الحافظ في «فتح الباري»(10/428):وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِفَاعِلِهِ إِذَا اسْتَمَرَّ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ اسْتِغْنَاؤُهُنَّ عَنْهُ بِزَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ،كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ.اهـ

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة:«مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ»يفيد بحكم عمومه: أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدة من البنات،كما قال القرطبي في « المفهم»(6/636).

ومن أعظم الإحسان والصبر على البنات: تعليمهن وتربيتهن وتأديبهن.

كما أن أعظم رحمة بالأولاد تربيتهم وتعليمهم

قال ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (2/252): ومما ينبغي أن يعلم: أن الرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كَرِهَتْها نفسه وشقت عليها، فهذه هي الرحمة الحقيقية، فأرحم الناس بك من شق عليك في إيصال مصالحك، ودفع المضار عنك.

فمن رحمة الأب بولده: أن يُكرهه على التأدب بالعلم والعمل ويشُق عليه في ذلك بالضرب وغيره، ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنه يرحمه ويُرفِّهه ويريحه فهذه رحمة مقرونة بجهل، كرحمة الأم.اهـ

 

الجمعة، 27 نوفمبر 2020

(3)سلسلة رسائل سعادة المرأة المسلمة

 «سلسلة رسائل سعادة المرأة المسلمة»

الرسالة الثالثة:  
 
▪️حرص المرأة المسلمة على منافعها، ومصالحها الدينية والدنيوية.

▪️أمثلة من حياة الصحابة رضي الله عنهم في الحرص على منافعهم الدينية الأخروية.

▪️اغتنام الفرص وعدم المبالاة بأهل الغفلة  وأهل البطالة.
 
لأم عبد الله بنت الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى.

الخميس، 26 نوفمبر 2020

(1) سلسلة من صحيح الأذكار

 «من صحيح أذكار الصباح والمساء»

لأم عبد الله بنت الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى.

لتحميل الملف اضغط هنا.

 

(18)تذكيرٌ بالصَّحابة رضي الله عنهم

 

عدم إهمال عمر بن الخطاب التعليم وهو على فراش الموت

عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ، وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا، أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ؟ قَالاَ: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ، قَالَ: انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ، قَالَ: قَالاَ: لاَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ، لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ العِرَاقِ لاَ يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا، قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ.ثم ذكر قصة قتلِ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه،وفيه:

وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدَمٍ فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي، فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الغُلاَمَ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ..الأثر بطوله.

رواه البخاري (3700).

هذا الحديث فيه: أن من شدة إيمانِ عمر بن الخطاب لم يمنعه ذلك الذي هو فيه من الإنكار على من أسبل إزاره.

« الإفصاح عن معاني الصحاح»(1/172)لابن هُبيرَة.

الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

اختصار الدرس الخامس والثلاثين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


من آداب حامل القرآن

تعاهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان

عَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ؛ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا!» البخاري (5033)، ومسلم (791).

وَعَن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ: إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ» (5031)، ومسلم (789).

«تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ» قال الطيبي رَحِمَهُ الله في «شرح مشكاة المصابيح» (5/1679): تعاهد الشيء وتعهُّده محافظته وتجديد العهد به، أي: واظبوا على تلاوته، وداوموا على تكراره ودرسه؛ كيلا ينسى. اهـ.

-وفي هذين الحديثين كما قال الحافظ في «فتح الباري» (9/83): الْحَضُّ عَلَى مُحَافَظَةِ الْقُرْآنِ بِدَوَامِ دِرَاسَتِهِ وَتَكْرَارِ تِلَاوَتِهِ، وضَرْبِ الْأَمْثَالِ لِإِيضَاحِ الْمَقَاصِدِ. اهـ.

-سرعة تفلت القرآن الكريم من الصدور.

-مشقة استرداد ما نُسي من القرآن الكريم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثلًا لنسيان القرآن بتفلت الإبل في عقلها، واستردادها فيه صعوبة.

فائدة: الإبل يُضربُ المثَلُ بطبعِها في سُرعة التفلت من رباطها، كما في هذا الحديث.

ويُضرب المثل بشرَاستِها وشدَّة حقدها، يقال: فلان أحقد من جمل. كما في «سراج الملوك»(112).

أما عن نسيان القرآن فعندنا أدلة وبعض الآثار:

-النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتعاهد القرآن حتى لا ينساه، كما تقدم.

-أدخل بعض المفسرين نسيان القرآن في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) [طه].

-عن الضحاك بن مزاحم-أحد التابعين-: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يحدثه؛ لأن الله يقول: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عن كَثِيرٍ [الشورى: 30]. وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب! رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في «فضائل القرآن» (ص104) بسند حسن.

وهذا فيمن تساهل وفرَّط في القرآن حتى نسيَهُ.

قال أبو عبيد في «غريب الحديث» (3/149-150) عن التحذير من نسيان القرآن: إِنَّمَا هَذَا على التّرْك، فَأَما الَّذِي هُوَ دائب فِي تِلَاوَته حَرِيص على حفظه إِلَّا أَن النسْيَان يغلبه فَلَيْسَ من ذَلِك فِي شَيْء. وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كَانَ ينسى الشَّيْء من الْقُرْآن حَتَّى يذكرهُ. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نسيان القرآن أو بعضه عن عذر

 

أما إذا لم يُفرِّط فيه فهذا ليس فيه إثم؛ لِما يلي:

-يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إلا ما شَاءَ اللهُ [الأعلى].

-عن عَائِشَةَ رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ، قال: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ! لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا، آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا» رواه البخاري (5038ومسلم (788).

وهذا فيه نسيانه صلى الله عليه وسلم خارج الصلاة.

-عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي الْفَجْرِ فَتَرَكَ آيَةً، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: «أَفِي الْقَوْمِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ؟ قَالَ أُبَيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، نُسِخَتْ آيَةُ كَذَا وَكَذَا، أَوْ نُسِّيتَهَا؟ قَالَ: نُسِّيتُهَا». رواه أحمد(24/80وصححه والدي رحمه الله في «الجامع الصحيح»(2515).

وهذا فيه نسيانه داخل الصلاة.

فإذا كان الذي أُنزلَ عليه القرآن قد ينسى بعض الآيات، فكيف بنا نحن؟!

والأعذار في نسيان القرآن عافانا الله وإياكم، مثل:

-من ابتُلي بمرضٍ فنسي بسببه.

-من ابتلي بمشاكل، أو مشاغل فوق طاقته وقدرته، كما سيأتي هذا في كلام والدي.

-من كان يغلب عليه النسيان.

-أو طارئ وقت قراءته التبس عليه بعض الآيات.

وبعد هذا فدونَكُم فتوى والدي رَحِمَهُ الله في هذه المسألة أنقلها لكم من «إجابة السائل» (ص399قال رَحِمَهُ الله: إن كان الشخص قصَّر وأهمل كتاب الله، فيأثم إثمًا الله أعلم بمقداره. وإن لم يقصر وابتلي بمرض، أو مشاكل، أو مشاغل فوق طاقته وقدرته، فأرجو ألا يأثم.

ثم قال: بقي التفريط وعدم المبالاة بالقرآن، هذا يأثم، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «رحم الله فلانًا! لقد ذكرني آية كذا وكذا؛ أنسيتها».

فالشخص إذا نسي وذاكر، هذا أمر محمود، لكن إذا نسي وأهمل وفرط فهو يعتبر آثمًا إثمًا الله أعلم بمقداره. اهـ المراد.

فعلى حافظ القرآن أن يحذر من نسيان القرآن تفريطًا منه وإهمالًا، قال القرطبي في «المفهم» (2/419): من جمع القرآن فقد علت رتبتُه ومرتبته، وشرف في نفسه وقومه شرفًا عظيمًا، وكيف لا يكون ذلك، ومن حفظ القرآن قد صار ممن يقال فيه: هو من أهل الله وخاصته، وإذا كان كذلك فمن المناسب تغليظ العقوبة على من أخل بمرتبته الدينية، ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره، كما قال تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَف لَهَا العَذَابُ ضِعفَينِ﴾؛ لا سيما إذا كان ذلك الذنب مما يحبط تلك المنزلة ويسقطها؛ كترك معاهدة القرآن المؤدي به إلى الرجوع إلى الجهالة. اهـ.

فهذا ليس بهين أن يرجع إلى الجهل بعد العلم.

تنبيه

أنبِّه هنا على حالِ مَن تأتي له أفكار أن لا يحفظ القرآن؛ لئلَّا ينساه، فيحمل إثمًا.

 وهذا من مداخل الشيطان؛ ليُحرم من الخير ومن بركات القرآن وفضائله، فعلى الإنسان أن يحسن الظن بالله، وأن يعزم على حفظ القرآن، ويجتهد فيه ليلًا ونهارًا، ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾[مريم].

وإذا قدَّر الله ونسي بعض الآيات لا عن تساهل أو نسي القرآن لعذر، فإنه لا حرج عليه ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾[الطلاق: 7والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من نام عن ورده

 

الورد: المقدار المعلوم، يقال لفلان كل ليلة ورد من القرآن يقرؤه، والورد: الجزء من الليل يكون على الرجل يصليه. ينظر: «لسان العرب» (3/458).

عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عن حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ عن شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ، الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ» رَوَاهُ مُسلِمٌ(747).

(عن حِزْبِهِ) في «المصباح المنير» (1/133): الْحِزْبُ: الْوَرْدُ يَعْتَادُهُ الشَّخْصُ مِنْ صَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا: الْوَرْدُ مِنْ الْقُرْآنِ، كما في «نيل الأوطار»(3/60)للشوكاني.

(أَوْ عن شَيْءٍ مِنْهُ) أي: بعضًا منه.

في هذا الحديث من الفوائد:

- الحث على اتخاذ ورد في الليل من العبادات.

-الحث على المحافظة على الورد المحدود والجد والحزم، وعدم التفريط فيه والتسويف في العمل. وقد عدوا من تلاعب الشيطان التسويف في العمل، حتى قال بعضهم: احذروا سوف؛ فإنها أكبر جنود إبليس! يراجع آخر كتاب: «تلبيس إبليس».

-أنه إذا فاته ورده من الليل لغلبة نوم قضاه ما بين صلاه الفجر وصلاة الظهر.

-تفضُّل الله على عباده ولطفه بهم.

وإذا فاتته صلاة الليل لغلبة نوم فيصليها شفعًا؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ، أَوْ وَجَعٌ عن قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. رواه مسلم (746).

فإذا كان يصلي في الليل ثلاثًا فيصليها أربعًا، وإذا كان يصلي خمسًا فيصليها ستًّا من أجل الشفع، وهكذا.

ثم ذكر النووي رَحِمَهُ الله في كتاب «التبيان» بعض الرُّؤى المنامية في الحث على المداومة على الورد في الليل،نقتصر على ذكر رؤيا :

وَعن ابنِ أَبِي الدُّنيَا، عن بَعضِ حُفَّاظِ القُرآنِ، أَنَّهُ نَامَ لَيلَةً عن حِزبِهِ، فَرَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ:

عَجِبتُ مِن جِسمٍ وَمِن صِحَّةٍ...وَمِن فَتًى نَامَ إِلَى الفَجرِ

وَالمَوتُ لَا تُؤمَنُ خَطَفَاتُهُ...فِي ظُلَمِ اللَّيلِ إِذَا يَسرِي

 

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2020

شرح كتاب «التبيان في آداب حملة القرآن»


 الدرس الخامس والثلاثون من «كتاب التبيان في آداب حملة القرآن»

 10/من شهر ربيع الآخر/ لعام 1442هـ.

(139)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله

 

هل الأنبياء يحتلمون ويتثاءبون وغير ذلك من الأمور الصادرة من الشيطان؟

ج: ما فيه دليل أنهم كانوا يحتلمون، وهم بشر وليس الاحتلام من الشيطان في كل الأحوال.

وأما حديث عائشة وأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَما كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُ»[رواهما البخاري(1925)،ومسلم (1109)،واللفظ لمسلم] .

فقولهما:«مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ»اختلف أهل العلم: هل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يحتلم؟

فمنهم: من رأى أنه لا يحتلم، وعده من خصائص الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وعلل أنه من الشيطان.

ودعوى أنه من الشيطان فقط غير صحيح؛ فإن للاحتلام أسبابًا:

كالمرض ،والبرد الشديد ،أو ينام وهو يفكر في الجماع، ونحو ذلك.

والحاصل: أنه لا مانع من أنه كان يجري عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يجري على غيره من الاحتلام، إلا أنه لا يكون سببه الشيطان؛ لأَنَّ الله قد عصمه من الشيطان، والله أعلم.

وكذلك التثاؤب ما جاء أنهم كانوا يتثاءبون.

استفدته وقيَّدته من/دروس والدي رحمه الله.

---------------------

قلت:وللحافظ ابن كثير كلام بنحو هذا في «الفصول في سيرة الرسول»(302)،فقد قال:هل كان يحتلم؟ على وجهين:

صحح النووي المنع، ويشكل عليه حديث عائشة.ثم ذكر الحديث المتقدم.

قال:والأظهر في هذا التفصيل، وهو أن يقال:

 إن أريد بالاحتلام فيض من البدن، فلا مانع من هذا.

 وإن أريد به ما يحصل من تخبط الشيطان، فهو معصوم من ذلك صلى الله عليه وسلم.

ولهذا لا يجوز عليه الجنون ويجوز عليه الإغماء، بل قد أغمي عليه في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها في الصحيح، وفيه أنه اغتسل من الإغماء غير مرة، والحديث مشهور.

 

الخميس، 19 نوفمبر 2020

(46)سنينٌ من حياتي مع والديْ وشيخي مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله

الاستمرار في طلب العلم حتى الموت

سمعت والدي رحمه الله يقول: إن شاء الله نطلب العلم إلى أن نموت.

قلت: ومن الآثار عن سلفِنا الصالح:

عبد الله بن المبارك قيل له: يا أبا عبدالرحمن، كم تكتب؟ قال: لعل الكلمة التي تقع فيها نجاتي لم تقع إليَّ. أخرجه الخطيب في «جامعه» (1726).

وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: ما زال القلم في يد أبي حتى مات. رواه الخطيب في «الكفاية» (574(.

 

حكم الذبيحة إلى غير القبلة

كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يفيدنا بأنه لا يلزم استقبال الذبيحة القبلة.

ولكنه كان يحذر من إحداث فتنة، فإن الناس يرون أن الذبيحة إذا لم توجه إلى القبلة تكون ميتة ما يحل أكلها.

وكان هناك طالب مصري من طلاب والدي قديما،وكان مقيمًا بدعوة في بعض المناطق اليمنية، وفي العيد قام وذبح الأضحية، ولم يوجِهها إلى القبلة، فثار العوام وكفروه وطردوه.أو نحو هذا.

وكان والدي يحث على مراعاة تأليف قلوب الناس وعدم تنفيرهم،ويذكر حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: «يَا عَائِشَةُ لَوْلا قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ - قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ - بِكُفْرٍ، لَنَقَضْتُ الكَعْبَةَ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ وَبَابٌ يَخْرُجُونَ  فَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ» رواه البخاري( 126(.

قلت: وللفائدة أنقل لكم فتوى الشيخ ابن عثيمين في «فتاوى نور على الدرب»في مسألة استقبال الذبيحة القبلة:

استقبال القبلة عند الذبح ليس بواجب،بل لو ذبح الإنسان لأي جهةٍ كانت فالذبيحة حلال، وعلى هذا لا يحتاج إلى لَيِّ الرقبة عند الذبح، بل إن أمكن أن يوجه الذبيحة كلها إلى القبلة وإلا ذبحها حيث كانت.


استشارة الطالب معلِّمَه

يذكرون في آداب الطالب أن يستشيرَ معلمه في أموره ،وقد مرَّ معنا هذا الأدب في درس «تدريب الراوي »عند والدي رحمه الله وغفر له فعلَّق، وقال:هذا إذا كان المعلم فاهمًا،أما إذا كان لا يعرف أن يتصرَّفَ لنفسه فلا.

 

تحذيره الطالب أن يرجِع بخفَي حُنين

كان والدي رحمه الله يحفِّز الطالب أن يجتهدَ في طلب العلم  حتى يرجعَ إلى بلده وقد استفاد.ويذكر قصة حُنين الذي يُضرَبُ به المَثَل  لمن رجَعَ  بغير فائدة وهذا نصُّ القصة :

 قال الميداني في «مجمع الأمثال» (1/296): قال أبوعبيد: أصلُه أي هذا المَثَل-أن حُنَينًا كان إسكافا من أهل الحِيرة، فساوَمَه أعرابي بخُفَّين، فاختلفا حتى أغْضَبه، فأراد غَيْظَ الأعرابي.

فلما ارتَحَلَ الأعرابي أخذ حنينٌ أحدَ خفيه وطَرَحه في الطريق، ثم ألقى الآخر في موضع آخر.

 فلما مرَّ الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا الْخفَّ بخف حنين ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى، فلما انتهى إلى الآخر نَدِمَ على تركه الأولَ، وقد كَمنَ له حنينٌ، فلما مضى الأعرابي في طلب الأول عمد حنينٌ إلى راحلته وما عليها فذهب بها، وأقبل الأعرابي وليس معه إلا الخُفَّانِ.

 فقال له قومه: ماذا جئت به من سفرك؟

 فقال: جئتكم بِخُفَّيْ حُنَين.

 فذهبت مثلًا ، يضرب عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة.

وقوله:(كان إسكافا) الإسكاف: كُلُّ صَانِعٍ سِوَى الخَفَّافِ، فَإِنَّهُ الأَسْكَفُ، كأَحْمَد.

وَقَالَ شَمِرٌ: رَجُلٌ إِسْكَافٌ، وأُسْكُوفٌ: لِلْخَفَّافِ. أَو الإِسْكَافُ: النَّجَّارُ.

وَفِي المُحْكَمِ: الإِسْكَافُ، وَكَذَا لُغَاتُهُ الثَّلاثةُ: الصَّانِعُ أَيَّا كَانَ، وخَصَّ بعضهُمْ بِهِ النَّجَّارَ.كذا في «تاج العروس»(23/450(