جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 30 نوفمبر 2017

(33) الأحاديثُ الضعيفة والموضوعة وما لا أصل لها لوالدي رحمه الله


حديث:أَتَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ» قَالَ: فَوَلَّتْ تَبْكِي فَقَالَ: «أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ» إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 36].


كتبت عن والدي رحمه الله:
ضعيف.


--------------------


قلت: الحديث رواه الترمذي في الشمائل(241)عن الحسن البصري مرسلًا.

ومراسيل الحسن البصري من أضعف المراسيل.

وهذه الآية الكريمة{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 36] فيها بعض أوصافِ نساء أهل الجنة.

(أَبْكَارًا)هذا دليلٌ أنهن أبكار ليس فيهن ثيِّبات.

قال ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين(244):وذلك لفضل وطء البكر وحلاوته ولذاذته على وطء الثيب .
قالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو مررت بشجرة قد رُعي منها وشجرة لم يرع منها ففي أيهما كنت ترتع بعيرك فقال: "في التي لم يرع منها" تعني أنه لم يتزوج بكرا غيرها .وصح عنه أنه قال لجابر لما تزوج امرأة ثيبا هلَّا بكرا تلاعبُها وتلاعبك.اهـ

وقوله (عُرُبًا)قال ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين (245):جمع عروب وهي التي جمعت إلى حلاوة الصُّورة حسن التأني والتبعُّل والتحبب إلى الزوج بدَلِّها وحديثها وحلاوة منطقها وحسن حركاتها.

وقال رحمه الله في التبيان في أقسام القرآن:هي المرأة المتحبِّبة إلى زوجها بأخلاقِها ولطافتها وشمائلها.اهـ

وقوله: (أَتْرَابًا) يعني أنهنّ مستويات على سنٍّ واحدة .تفسير ابن جرير تحت رقم آية(37)من سورة الواقعة.

وقال ابن القيم رحمه الله في حادي الأرواح(154): أتراب .أي:في سن واحد ليس فيهن العجائز والشواب .

وفي هذا السِّن من الحكمة ما لا يخفى فأنه أبلغ وأكمل في استيفاء اللذات لأنه أكمل سن القوة..اهـ

وروى مسلم (2837) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا  فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:{وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43].


وهذا دليلٌ على أن سنَّ أهل الجنة سنُّ الشباب .




الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

(21)معجزات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: «أَيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ» قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» رواه البخاري(59).

--------------------
هذا الحديث من أشراط الساعة.

ومن معجزات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد وقع ما أخبر به مِن الفِتن وإسناد الأمور إلى غير مستحقيها -إلا ما رحم ربي-وهذا فيه فساد الدين والدنيا، وتضييع الأمور والحقوق،وانتشار الظلم ..

وفيه :أن إسناد الأمور إلى غير أهلِها من تضييع الأمانة.

قال الحافظ في فتح الباري: إِسْنَادُ الْأَمْرِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ غَلَبَةِ الْجَهْلِ وَرَفْعِ الْعِلْمِ وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَشْرَاطِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ مَا دَامَ قَائِمًا فَفِي الْأَمْرِ فُسْحَةٌ.اهـ

وهذا عام في أمور الرئاسة والقضاء ،والإفتاء والتعليم،والجرح والتعديل ..الخ.

هذه الأمور من الأمانة  لا يجوز أن يتولَّاها من ليس بأهلٍ لها ،وتضييعها  خيانة ومن أشراط الساعة أفلا تعقلون.


ويستفاد من الحديث:الأمر بالمحافظة على هذه الأمانة.

الجمعة، 24 نوفمبر 2017

(86) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ


                 ولايةُ الله سبحانه لخلقه

ولايةُ الله سبحانه لخلقه نوعان:

ولاية عامة لجميع الخلق ،وهي ولاية قهرٍ ومُلك ونفوذٍ ومشيئة قال تعالى:( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62))[الأنعام].

وَوِلاية خاصة بالمؤمنين وهِيَ :وِلَايَةُ الثَّوَابِ وَالنَّصْرِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ ،قال تعالى:( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ).

وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150))[آل عمران].

وقال تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ)[محمد:11].

وقال تعالى:(قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2))[التحريم].
وقد ذكر ذلك الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان في تفسير سورة الكهف رقم الآية(26).


فالله سبحانه ولي المؤمنين أي: ولاية نُصْرة ومعونة وتوفيق.

وهو وليُّ الكافرين أي:ولاية ملك وقهر ونفوذ مشيئة.

وما جاء من النفي أن الله سبحانه ليس بولي للكافرين:(وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ)[محمد:11] فالمنفي الولاية الخاصة بالمؤمنين.

وكما أن الله ولي المؤمنين فالمؤمنون أولياء لله.

قال تعالى:( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63))[يونس].

ومَن هو الْوَلِيُّ؟

 هُوَ مَنِ انْعَقَدَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ سَبَبٌ يُوَالِيكَ وَتُوَالِيهِ بِهِ.
 فَالْإِيمَانُ سَبَبٌ يُوَالِي بِهِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ بِالطَّاعَةِ، وَيُوَالِيهِمْ بِهِ الثَّوَابَ وَالنَّصْرَ وَالْإِعَانَةَ.أضواء البيان للشنقيطي(3/257).

ومن لم يكن وليًّا لله فهو وليُّ الشيطان ،والشيطان وليُّه.

قال تعالى : ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)﴾[النحل].

وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا (50)﴾[الكهف].
أي: بئس البدل إبليس وذريته.

وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)﴾[النساء]. وفي هذه الآية بيان أن تولِّي الشيطان خسارة عظيمة.
وقال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)﴾ [الأعراف]، وقال تعالى﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)﴾ [النساء].

واستفدنا مما تقدم أن الناس على قسمين:

أولياء للرحمن والله وليهم وهؤلاء هم المؤمنون المتقون.

أولياء للشيطان وجنوده  والشيطان وليُّهم وهم الكفار.

فيجبُ معرفة هذا حتى لا يكون الإنسان وليًّا لعدوِّه فيخسر نفسَه وحياته ودينَه وآخرتَه.

وأيضًا لِيَعلَمَ من الذين يواليهم ويعاديهم في الله سبحانه.

ولأهمية هذه المسألة ألَّف شيخ الإسلام كتابه القيم الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.

نسأل الله أن يجعلنا من أوليائه المتبعين لما يحبه ويرضاه.




الخميس، 23 نوفمبر 2017

(120)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله


تحنيط الطيور وتعليقها في البيوت هل تعد من الصور؟

جـواب والدي الشيخ مقبل رحمه الله:

 ليست من الصور المحرمة، لأنها حقيقة، ولكن تعد من إهانة المخلوق.

استفدته وقيَّدته من دروس والدي .

فهذا الذي استفدناه :

أن تحنيط الطيور ووضعها في البيوت ليس داخلًا في  تصوير ذوات الأرواح .

ولكن يُترَكُ هذا لأنه  يُعَدُّ من إهانة المخلوق .

الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

(1) الآداب



                          الوفاء بالوعد


قال تعالى:(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54))[سورة مريم].
قال ابن كثير في تفسير سورة مريم: هَذَا ثَنَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَهُوَ وَالِدُ عَرَبِ الْحِجَازِ كُلِّهِمْ بِأَنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ.اهـ

والآية عامة في مدح إسماعيل في وفائه بالوعد أَنَّه لَمْ يَعِدْ شَيْئًا إِلَّا وَفَّى بِهِ.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية(11/115): وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ
وقد وفَّى بذلك إسماعيل  ولما أراد أبوه إبراهيم عليهما السلام  أن يذبحه فداه الله بذبحٍ عظيم،قال تعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}[الصافات].
مع أن الموت من أعظم المصائب كما قال تعالى:{فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}[المائدة].

وقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصَّفِّ: 2- 3] .

وَفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ».

وروى البخاري(3110)،ومسلم (2449)عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما الحديث وفي  آخره:«ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ، قَالَ: «حَدَّثَنِي، فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي».

قال الذهبي رحمه الله في«سير أعلام النبلاء»(1/331)عن أبي العاص الذي أثنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مصاهرته: أَسْلَمَ قَبْلَ الحُدَيْبِيَةِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ.وَكَانَ قَدْ وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِزَيْنَبَ ابْنَتِهِ، فَوَفَى بِوَعْدِهِ، وَفَارَقَهَا مَعَ شِدَّةِ حُبِّهِ لَهَا، وَكَانَ مِنْ تُجَّارِ قُرَيْشٍ وَأُمَنَائِهِم، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ رِوَايَةً. وَلَمَّا هَاجَرَ، رَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَتَهُ زَيْنَبَ بَعْدَ سِتَّةِ أَعْوَامٍ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ .اهـ


وروى البخاري (2598)عن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا - ثَلاَثًا»، فَلَمْ يَقْدَمْ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ، فَلْيَأْتِنَا، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَنِي فَحَثَى لِي ثَلاَثًا.

ووفاء أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه بوعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد وفاتِه إنما هو على وجه الاستحباب.

فهذه جملة من الأدلة في الوفاء بالوعد .
وهذا من أبرز صفات المؤمنين،الوفاء بالوعد في العطاء ،في القول ،في الشفاعة،في المعونة ،في سائر الوعود ،حتى وعد الإنسان بينه وبين ربه كما قال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)}[التوبة].

 فانتبه أيها المسلم واحذر أن تقع في خُلْف الوعد لغير عُذرٍ فتقع في كبيرةٍ وفي صفةٍ من صفات المنافقين.



السبت، 18 نوفمبر 2017

(11) من أحاديث السيرة الضعيفة والموضوعة



عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَمْسَاءِ، قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ، فَنَسِيتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ، فَقَالَ: «يَا فَتًى، لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ، أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ».

----------------

قال المزي رحمه الله في تحفة الأشراف(4/313):رواه أبو داود في الأدب (90: 2) عن محمد بن يحيى النيسابوري، عن محمد بن سنان، عن إبراهيم بن طهمان، عن يزيد بن ميسرة، عن عبد الكريم، عن عبد الله بن شقيق، عن أبيه، عنه بِهِ.

قال محمد بن يحيى: هذا عندنا عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق.
ثم ذكر رحمه الله بعض الاختلاف في إسناده.

قلت:عبد الكريم بْن عَبد اللَّهِ بْن شقيق العقيلي البَصْرِيّ لم يذكر المزي في تهذيب الكمال(18/251)راويًا عنه سوى بُديل وهو بديل بن ميسرة.ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلًا.

وقال الذهبي رحمه الله في ميزان الاعتدال :لا يعرف.
تفرد عنه بديل بن ميسرة.اهـ

وضعَّفَ الحديث العلامة الألباني رحمه الله في تعليقه على مشكاة المصابيح(4880).

وهذا الحديث يذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54))[سورة مريم] ويستدلُّون به على أن صِدْقَ الوعد  وعدم خُلْفِه من الصفات الحميدة والخصال الجليلة ،وأنه من أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.


الجمعة، 17 نوفمبر 2017

(45)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا(24)﴾ [الكهف].
------------
قَوْلُهُ:﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ﴾فيه أقوال:
أحدها: المراد إذا نسيتَ قول إن شاء الله فمتى ذكرتَ استثنيتَ ولو بعد مدة امتثالًا لأمر الله، إذا قال مثلًا :سأسافر غدًا ثم تذكر بعد ساعة أنه لم يقل إن شاء الله  يقول إن شاء الله. قال الشنقيطي في أضواء البيان (3/254):وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ ،لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى قَبْلَهُ:(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)،وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.اهـ

الثاني:قَالَ عِكْرِمَةُ :وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ. إِذَا غَضِبْتَ ،قال ابن كثير :وَهَذَا تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ.اهـ
أي:أن الغضب من لازمِه النسيان.
قال الشاعر
العلم آفته الإعجاب والغضب
                والمال آفته التبذير والنهبُ

الثالث:قال ابن كثير رحمه الله: وَيَحْتَمِلُ فِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يكون الله تعالى قَدْ أَرْشَدَ مَنْ نَسِيَ الشَّيْءَ فِي كَلَامِهِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَنْشَؤُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، كَمَا قَالَ فَتَى مُوسَى: :(وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) [الْكَهْفِ: 63].اهـ

وقد أخرج ابن جرير في «تفسيره»(15/225)من طريق نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ، قَالَ :لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَلَوْ إِلَى سَنَةٍ، وَكَانَ يَقُولُ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] فِي ذَلِكَ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ :سَمِعْتَهُ مِنْ مُجَاهِدٍ، فَقَالَ: ثني بِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ .وهذا إسنادٌ ضعيف .نعيم بن حماد هو الخزاعي ضعيف .
والأعمش لم يسمعه من مجاهد إنما سمعه من ليث بن أبي سليم ،وليث بن أبي سليم :مختلط .
وهذا ظاهرُه أن الاستثناء ينفع  ولو بعد حين .وقد ذكر ابنُ جريرٍ رحمه الله في «تفسيره»(15/227)أن الكفارة  للحانث لَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِحَالٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاؤُهُ مَوْصُولًا بِيَمِينِهِ .
ثم قال:فَإِنْ قَالَ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، وَمَنْ قَالَ: لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُمْ فِي ذَلِكَ نَحْوُ مَعْنَانَا فِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَوْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، وَأَنَّهُ بِاسْتِثْنَائِهِ وَقِيلِهِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ حِينٍ مِنْ حَالِ حَلِفِهِ، يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَرَجُ الَّذِي لَوْ لَمْ يَقُلْهُ كَانَ لَهُ لَازِمًا، فَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلَهُ لَازِمَةٌ بِالْحِنْثِ بِكُلِّ حَالٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاؤُهُ كَانَ مَوْصُولًا بِالْحَلِفِ، وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ قَائِلًا قَالَ مِمَّنْ قَالَ لَهُ الثُّنْيَا بَعْدَ حِينٍ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ يَضَعُ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ إِذَا حَنِثَ.اهـ
وتوجيه ابن جرير لكلام ابن عباس-على ثبوته- وما شابهه أن المراد يستثني  ليكون آتيًا بسنة الاستثناء ،لا أنه يكون رافعًا للحنث ارتضاه ابن كثير رحمه الله وقال:هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ 

وقوله:﴿وقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾.
إذا سُئل الإنسان عن شيء لا يعلمه فيتوجه إلى الله ويضرع إليه، وكذلك من أشكل عليه فهم مسألة يلجأ إلى الله سبحانه.وقد بوب والدي رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين:من أشكل عليه مسألة فليقل:اللهم فهمنيها.
من فوائد الآيتَيْن:
1-إثبات صفة المشيئة لله عزوجل.
2-الحث على قول إن شاء الله في الشيء المستقبل.
 وهذا فيه النجاح بالمطلوب.روى البخاري(6639) ،ومسلم (1654) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ".
يقول والدي الشيخ مقبل : إن شاء الله كلمة مباركة لا تقال في شيء إلا تحقَّقَ غالبًا أو بهذا المعنى .
ومن فوائد قول إن شاء الله :أنه إذا حلف وقال إن شاء الله لم يحنث إذا لم يفعل.
ومن الفوائد: أنه إذا قال مثلًا سأفعل إن شاء الله غدًا إذا لم يفعل لاشيء عليه ،ولهذا قال موسى للخضر عليهما السلام:﴿ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا﴾ .ولم يصبر .ولم يعد كاذبًا ولا مخلفًا للوعد لأنه استثنى.
ومن الفوائد :ذِكْر الله سبحانه وتعالى والتبرك بذكر الله .

3 – الحث على ذكر الله  عند النسيان.فمن نسي شيئًا يذكرُ الله ليتذكرَ مطلوبَه.

4-اللجوء إلى الله سبحانه لمن سُئِلَ عن شيءٍ لا يعلمه، وهكذا عند الشيء الذي لم يفهَمْه.

(123)سِلْسِلَةُ الفَوَائِدِالعِلْمِيَّةِ والمَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ

                       

                                             معاني اللسان

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين(2/260): أَمَّا لِسَانُ الصِّدْقِ: فَهُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ بِالصِّدْقِ. لَيْسَ ثَنَاءً بِالْكَذِبِ. كَمَا قَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ:{وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم: 50] وَالْمُرَادُ بِاللِّسَانِ هَاهُنَا: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ. فَلَمَّا كَانَ الصِّدْقُ بِاللِّسَانِ، وَهُوَ مَحَلُّهُ. أَطْلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَلْسِنَةَ الْعِبَادِ بِالثَّنَاءِ عَلَى الصَّادِقِ، جَزَاءً وِفَاقًا. وَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ.

فَإِنَّ اللِّسَانَ يُرَادُ بِهِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ:

 هَذَا-أي الثناء الحَسَن.
 وَاللُّغَةُ:كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]،وَقَوْلِهِ:{وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}[الروم: 22]، وَقَوْلِهِ:{لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] .

وَيُرَادُ بِهِ الْجَارِحَةُ نَفْسُهَا. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16].اهـ

فهذه ثلاثة معان للسان:

يأتي بمعنى الثناء الحَسن، ويأتي بمعنى اللغة، وجارحة اللسان نفسها.

الخميس، 16 نوفمبر 2017

(85) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

                  
                     حكمُ الاستغفار للكافر

قال الله سبحانه:(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4))[الممتحنة].

 قوله:( إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ)قال ابن كثير في تفسير سورة مريم آية(47):يعني إلا في هذا القول فلا تتأسوا به.

قال:وقد استغفر إبراهيم صلّى الله عليه وسلم لِأَبِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَبَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إِلَى الشَّامِ، وَبَنَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَبَعْدَ أَنْ وُلِدَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ:(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) [إِبْرَاهِيمَ: 41].
وَقَدِ اسْتَغْفَرَ الْمُسْلِمُونَ لِقَرَابَاتِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ اقْتِدَاءً بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ فِي ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ثم ذكر الآية المتقدمة(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ)،ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَقْلَعَ عَنْ ذَلِكَ وَرَجَعَ عَنْهُ، فَقَالَ تَعَالَى: (مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ- إلى قوله- وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)[التوبة: 113-114].اهـ المراد.

وقوله سبحانه:( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113))[التوبة] هذه الآية نزلت في أبي طالب.
 روى البخاري (1360)،ومسلم (24) عن سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ المُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ: " يَا عَمِّ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ " فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ المَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ:(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ)[التوبة: 113] الآيَةَ.

 وروى الإمام مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ».
هذه جملةٌ من الأدلة في تحريم الاستغفار للكافر.
وفي حديث أبي هريرة دليل على جواز زيارة قبور الكفار للموعظة والاعتبار لا للتبجيل والتعظيم والاستغفار ، فمن مات له ميت على الكفر لا يجوز الدعاء والاستغفار له،ولو كان أقربَ قريب كالأبِ والأمِّ والأخ،والعاطفة لا بد أن تخضع للحق وتستسلم للشرع نسأل الله التوفيق.
قد يموت الأب وهو لا يصلي أو هو على الشرك هذا لا يُستغفر له ولا يتصدق عنه ولا يحج عنه استسلامًا لشرع  الله سبحانه.


الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

(54)أحاديث مختارة من أحاديث «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»لوالدي رحمه الله

                     
                        حديث البطاقة

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ ، قَالَ: «فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ»رواه الترمذي(2639).

[هذا حديث صحيح.الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين(787)].

--------------

هذا الحديث العظيم من فوائده:

كتابة أعمال بني آدم في الصُّحف.

مراقبةُ الله سبحانه في السِّرِّ والعَلَن.

من أدلة الرجاء ومن أدلة فضل التوحيد.

الإيمان بالميزان يوم القيامة وأنه ميزان حسي.

قال ابن أبي العز رحمه الله في شرح العقيدة الطحاوية (419):فَعَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ، كَمَا أَخْبَرَنَا الصَّادِقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.

وَيَا خَيْبَةَ مَنْ يَنْفِي وَضْعَ الْمَوَازِينِ الْقِسْطِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا أَخْبَرَ الشَّارِعُ، لِخَفَاءِ الْحِكْمَةِ عَلَيْهِ، وَيَقْدَحُ فِي النُّصُوصِ بِقَوْلِهِ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْمِيزَانِ إِلَّا الْبَقَّالُ وَالْفَوَّالُ!!

 وَمَا أَحَرَاهُ بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الَّذِينَ لَا يُقِيمُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي وَزْنِ الْأَعْمَالِ إِلَّا ظُهُورُ عدلِه سبحانه لجميع عباده، فإنه لا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. فَكَيْفَ وَوَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ مَا لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ.اهـ

وزنُ صحائف الأعمال.

أن الميزان له كفَّتان حسِّيَتان.

تفاضلُ الأعمال بتفاضل ما في القلوب.فهذا الرجل قام في قلبه من اليقين والإخلاص والصدق ما أوصله إلى طيش السجلات المليئة بالذنوب ورجحان حسنة التوحيد عليها.

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين(1/340):الْأَعْمَالُ لَا تَتَفَاضَلُ بِصُوَرِهَا وَعَدَدِهَا، وَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ بِتَفَاضُلِ مَا فِي الْقُلُوبِ،فَتَكُونُ صُورَةُ الْعَمَلَيْنِ وَاحِدَةً،وَبَيْنَهُمَا فِي التَّفَاضُلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالرَّجُلَانِ يَكُونُ مَقَامُهُمَا فِي الصَّفِّ وَاحِدًا، وَبَيْنَ صَلَاتَيْهِمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَتَأَمَّلْ حَدِيثَ الْبِطَاقَةِ الَّتِي تُوضَعُ فِي كِفَّةٍ، وَيُقَابِلُهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فَتَثْقُلُ الْبِطَاقَةُ وَتَطِيشُ السِّجِلَّاتُ، فَلَا يُعَذَّبُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مُوَحِّدٍ لَهُ مِثْلُ هَذِهِ الْبِطَاقَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَدْخُلُ النَّارَ بِذُنُوبِهِ، وَلَكِنَّ السِّرَّ الَّذِي ثَقَلَ بِطَاقَةَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَطَاشَتْ لِأَجْلِهِ السِّجِلَّاتُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْبِطَاقَاتِ، انْفَرَدَتْ بِطَاقَتُهُ بِالثِّقَلِ وَالرَّزَانَةِ.اهـ

فائدة :

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح العقيدة السفارينية(474):ثم إن رجحان الحسنات معناه أن تنزل الكفة، لا أن ترتفع الكفة، فهي لما تثقل تنزل، وفي حديث البطاقة طاشت السجلات أي:ارتفعت، وعلى هذا يكون الوزن من جهة نزول الكفة إذا ثقلت كالوزن في الدنيا.

وأما من قال: إن رجحان الحسنات يكون إذا ارتفعت، وأن هذا هو الثقل، فهذا غير صحيح، وهو خلاف المحسوس، نسأل الله أن يثقل موازيننا يوم القيامة .اهـ