جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 23 ديسمبر 2018

(5) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين


                 مِنْ أخلاق الرجل مع أهله



قال البخاري رحمه الله في كتاب الأدب من صحيحه :بَابٌ: كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ.

ثم أخرج  برقم(6039) عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلةُ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ».





قال:وفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي التَّوَاضُعِ وَتَرْكِ التَّكَبُّرِ ،وَخِدْمَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ اهـ



وقد جاء بعضُه مفسَّرًا في بعض الروايات.

فقد سُئِلْتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟

 قَالَتْ: «كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ» أخرجه أحمد (43/263).

وفي رواية عند أحمد (41/390)قَالَتْ:«كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ».


وزاد ابن حبان في رواية أخرى(5676)«وَيَرْقَعُ دَلْوَهُ».

قال المُناوي في«فيض القدير»(5/236): فيه ندبُ خدمة الإنسان نفسَه وأن ذلك لا يخلُّ بمنصبه وإن جلَّ .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله في آداب الزفاف(290):ليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك إذا وجد الفراغ والوقت،بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين.اهـ



قلت:هذا هدي نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسيرته الكريمة  وأخلاقه الرفيعة مع أهله ،-مع شواغله  فهو  إمام  المسلمين،وهو المجاهد ،وهو العابد وقد كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، وهو الداعي إلى الله،وهو المعلِّم،وهو المُربِّي،وهو الذي يتفقد أحوال أصحابه،وهو الذي يقوم بالصلح بين المتخاصمين..-

هذه الأخلاق تكاد تكون معدومة حتى في بيوت أهل الصلاح والخير.

فعلى الزوجين أن ينظر كلُّ واحدٍ منهما في سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم العَطِرَة وطريقته وهديه،ثم الحرص على تطبيق ذلك،احتسابًا لا عادةً فقد قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب: 21].


وهذا مِنْ حُسْن المعاشرة،ومِنَ السعادة الزوجية،ومن تعظيم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في فتح المجيد(227):«إنما يحصل تعظيم الرسول صلي الله عليه وسلم بتعظيم أمره ونهيه، والاهتداء بهديه، واتباع سنته، والدعوة إلى دينه الذي دعا إليه ونُصرته، وموالاة من عمل به، ومعاداة من خالفه».

(43) الأحاديثُ الضعيفة والموضوعة وما لا أصل لها لوالدي رحمه الله


        حديث:كلوا البلح بالتمر



عَنْ عَائِشَةَ،رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا الْبَلَحَ بِالتَّمْرِ، كُلُوا الْخَلَقَ بِالْجَدِيدِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَغْضَبُ، وَيَقُولُ بَقِيَ ابْنُ آدَمَ، حَتَّى أَكَلَ الْخَلَقَ بِالْجَدِيدِ». استفدت من والدي الشيخ مقبل رحمه الله:الحديث ضعيف فيه يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَنِيُّ وهوضعيف.



----------------------------


قلت:الحديث أورده ابن الصلاح رحمه الله في«مقدمة علوم الحديث»(82)مثالًا  للحديث المنكر .

وقال النسائي كما في «تحفة الأشراف»(12/224):هذا منكر.

وقال الذهبي في «تلخيص المستدرك»: حديث منكر ولم يصححه المؤلف.



قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله في«فتح الباقي بشرح ألفية العراقي»(1/239):مَعنى الحديث رَكِيكٌ لا ينطبقُ عَلَى مَحاسنِ الشَّريعةِ، لأنَّ الشَّيطانَ لا يَغْضَبُ من مجرَّدِ حياةِ ابنِ آدمَ، بَلْ حياتُهُ مسلمًا مطيعًا لله تَعَالَى.


(4)من أحكام الصلاة




        جواز صلاة راتبة الفجر الفائتة بعد صلاة الصبح



عن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا(عن الركعتين بعد صلاة العصر)، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ»رواه البخاري(1233).



وروى أبوداود(1267)من طريق محمد بن إبراهيم

عن قيس بن عمرو قال: رأى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم رجلًا يُصلّي بعد صلاةِ الصبح ركعتين، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم : "صلاةَ الصبح ركعتين؟!فقال الرجل: إني لم أكن صلَّيتُ الركعتين اللتين قبلهما، فصليتُهما الآن، فسكتَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم.
ورواه الترمذي بنحوه(422)،وقال: وَإِسْنَادُ هَذَا الحَدِيثِ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ قَيْسٍ.

قال ابن قدامة رحمه الله في المغني(1030):سُكُوتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ،وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ،وَهَذِهِ فِي مَعْنَاهَا،وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ سَبَبٍ،فَأَشْبَهَتْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ.اهـ


وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى نور على الدرب:يجوز للإنسان إذا فاتته سنة الفجر قبل صلاة الفجر أن يقضيها بعد الصلاة فإذا انتهى من التسبيح الوارد خلف الصلاة فإن له أن يقضيها في الحال.

 وله أن يؤخر القضاء إلى الضحى لكن إذا كان يخشى أن ينسى أو يشتغل عنها فإنه يصليها بعد صلاة الفجر.



استفدنا مما تقدم:

جواز صلاة راتبة الفجر الفائتة بعد صلاة الصبح وأنه لا كراهة فيه. 

وهذا يُخصِّص قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس.

الجمعة، 21 ديسمبر 2018

(136)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله


       الأحاديث والآثار التي في مقدمة صحيح الإمام مسلم



استفدنا من والدي رَحِمَهُ الله: أن الإمام مسلمًا لم يلتزم بالصحة في«مقدمة صحيحه»،فليس لها شرطُ صحيح مسلم.

 فلهذا كان والدي يضعف بعض الأحاديث والآثار التي في «مقدمة صحيح مسلم»مثل:


·     «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

 وقد رواه الإمام مسلم في «مقدمة صحيحه» (1/ 10)من طريقين:

الأولى: مرسلة من طريق حفص بن عاصم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

إلا أنه وقع خطأ في طبعةٍ بتحقيق محمد فؤاد، فصار ظاهره الوصل، بذكر الصحابي أبي هريرة رضي الله عنه.

وقد نبهنا على هذا والدي رحمه الله في بعض دروسه العامة.

الطريق الثانية: موصولة بذكر أبي هريرة.

قال الدارقطني في «التتبع» (176): الصواب مرسل، قاله معاذ، وغندر، وعبدالرحمن بن مهدي، وغيرهم.
 

قلت:ومما يدل أيضًا على خطأ  ذكْر الطريق الأولى موصولة قول النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم:أَمَّا فِقْهُ الْإِسْنَادِ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ عَنْ حَفْصٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُرْسَلًا فَإِنَّ حَفْصًا تَابِعِيٌّ ،وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِي عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّصِلًا..

وقال  والدي رحمه الله في حاشية«التتبع»للدارقطنيعند تعليقه على هذا الحديث: والعذر لمسلم واضح، وهو أنه قدم المرسل ثم ذكر الحديث المسند، وأيضًا ذكره في المقدمة ولم يذكره في أصل الكتاب كما قاله الحاكم (ج1 ص112). والله أعلم.اهـ


قلت:فتنبَّه لهذا حتى لا تقع في الخطأ والخبط والخلط،فالحديث رواه مسلم مرسلًا ومتصلًا.

وللفائدة نصُّ كلام الحاكم في «المستدرك»الذي أشار إليه والدي:«قَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَوْسَاطِ الْحِكَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي خِطْبَةِ الْكِتَابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ مُحْتَجًّا بِهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْكِتَابِ..».


·     عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:«مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً» رواه الإمام مسلم في «مقدمة صحيحه» (1/ 11).

 هذا الأثر استفدنا من والدي رَحِمَهُ الله: أنه منقطع الراوي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ وهو لم يسمع من ابن مسعود. 



·     عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ننزل الناس منازلهم.


رواه مسلم معلقًا في «مقدمة صحيحه» ص (6)وصدَّره بصيغة التمريض فقال:وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا...


وكان والدي رحمه الله يذكر قول  أبي داود في سننه(4842)في إعلاله للحديث:«مَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ».

أي ميمون بن أبي شبيب.


(4)فوائد من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


                    فضل قراءة القرآن على الأذكار



قال النووي رحمه الله :واعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه مَن يُعتمد عليه مِن العلماء أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار،وقد تظاهرت الأدلة على ذلك.



هذا نقلَ شيخ الإسلام رَحِمَهُ الله في «مجموع الفتاوى» (24/238) الإجماعَ عليه وقال:قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.اهـ.

ولا يعني هذا أن الأذكار منحصرة في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ونحو ذلك،فالقرآن من الذكر،بل هو أفضل الذكر،قال تعالى:﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9]،وقال:﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص:1]،وقال:﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ [الأنبياء:50]،وكذا كل طاعةٍ وقربة لله هي داخلة في ذكر الله.قال النووي رحمه الله في «الأذكار» (9):اعلم أن فضيلة الذكر غيرُ منحصرةٍ في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كلُّ عاملٍ لله تعالى بطاعةٍ فهو ذاكرٌ لله تعالى، كذا قاله سعيدُ بن جُبير رضي الله عنه وغيره من العلماء. وقال عطاء رحمه الله:مجالسُ الذِّكر هي مجالسُ الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيعُ وتصلِّي وتصومُ وتنكحُ وتطلّق وتحجّ، وأشباه هذا.اهـ

وكون قراءة القرآن أفضل من الأذكار

أي:سوى المواضع التي لها أوقاتٌ محدَّدة ،فهذه يكون الإتيان بها أفضل من قراءة القرآن؛ لأنها تفوت بفوات وقتها.فمثلًا:الأذكار عقب الصلوات أفضل من قراءة القرآن،أذكار الصباح والمساء أفضل من قراءة القرآن،متابعة المؤذن أفضل من قراءة القرآن..وهكذا.

قال النووي رَحِمَهُ الله في «المجموع» (2/164) :قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَذِهِ الْأَذْكَارِ فِيهَا.اهـ. وهذا أيضًا مضمون كلام ابن القيم رَحِمَهُ الله في «الوابل الصيب» (91)،والشيخ ابن عثيمين في«مجموع الفتاوى »(14/356)وغيرهم.


ونستفيد مما تقدم:

¯    الاهتمام بالأذكار والأوراد كأذكار الصباح والمساء وعقب الصلوات.

¯    أن القرآن داخلٌ في ذكر الله،فمن كان يقرأ القرآن فهو في ذكرٍ لله عَزَّ وَجَل وحِصْنٍ منيعٍ من الشيطان الرجيم.

روى الترمذي (2863) عن الحَارِثِ الأَشْعَرِيِّ،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بني إسرائيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا فذكرها وقال عن الكلمة الخامسة:«وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ،كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ ».

¯    أنَّ أفضل الذكر القرآن الكريم.

¯    أن قراءةَ القرآن أفضل من الذِّكْر كالتسبيح والتحميد إلا ما ثبت تقييدُه بوقتٍ معيَّن فالذكر أفضل.

¯    الاهتمام بالقرآن قراءة وحفظًا وتدبُّرًا وتفهُّمًا وعملًا،وبذلك تُنالُ بركات القرآن ومنافعه.

مسألة:هل كلُّ حافظ للقرآن يكون مِنْ أهلِ القرآن؟

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ» قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَنْ هُمْ؟ قَالَ:«هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ،أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ».رواه ابن ماجة (215).

قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «زاد المعاد» (1/327) :أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمُ الْعَالِمُونَ بِهِ،وَالْعَامِلُونَ بِمَا فِيهِ،وَإِنْ لَمْ يَحْفَظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.

وَأَمَّا مَنْ حَفِظَهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ،فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ أَقَامَ حُرُوفَهُ إِقَامَةَ السَّهْمِ.اهـ.

وكلام ابن القيم رَحِمَهُ الله يفيد:

أن أهل القرآن على قسمين:

˜  قسمٌ يحفظونه ويعملون به.

˜  وقسمٌ يعلمون أحكامه وكنوزه ويعملون به ولكنهم لم يحفظوه عن ظهر قلب.

ويفيد:أنَّه لا يكون من أهل القرآن من لم يفهم معانيه ولم يعمل به وإن كان يحفظه عن ظهر قلب.

الخميس، 20 ديسمبر 2018

(65)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ




                      
                                             فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير

                                    [سورة الأنبياء (21)الآية: 45-47]


﴿قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47)﴾.



﴿قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ﴾ قال ابن كثير رَحِمَهُ الله:أَيْ إِنَّمَا أنا مبلغ عن الله ما أنذرتكم به من العذاب وَالنَّكَالِ،لَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا عَمَّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ،وَلَكِنْ لَا يُجْدِي هَذَا عَمَّنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ.اهـ

﴿ إِذا مَا يُنْذَرُونَ﴾ إذا جاءت «ما»بعد «إذا»فهي زائدة:

يا طالبًا خذ فائدة ... بعد «إذا» «ما» زائدة

﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ﴾ قال ابن كثير رَحِمَهُ الله:أَيْ وَلَئِنْ مَسَّ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ لَيَعْتَرِفُنَّ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَانُوا ظالمين لأنفسهم فِي الدُّنْيَا.

﴿وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ﴾القسط:العدل.

 وأكثر العلماء أن الميزان يوم القيامة هو ميزان واحد ،وأجابوا عن الأدلة التي فيه ذكر الموازين بصيغة الجمع أنه جُمع باعتبار تعدد الأعمال الموزنة فيه.

﴿فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾قال ابن كثير:كَمَا قَالَ تَعَالَى:﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[الْكَهْفِ:49] وَقَالَ:﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيمًا﴾[النِّسَاءِ:40]،وَقَالَ لُقْمَانُ:﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لُقْمَانَ:16].اهـ

﴿مِثْقالَ﴾ أي:وزن.

﴿وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47)﴾«الباء» بعد «كفى» زائدة والضمير «نا» هو الفاعل مثل:﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)﴾[النساء:79].

·     فائدة:

آخر حديث في صحيح البخاري

حديث:«كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ،ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ،حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ:سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ،سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ».



 أول حديث في صحيح البخاري

حديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا،أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا،فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».



·     استفدنا مسائل وفوائد من هذه الآيات الكريمات:

1.  أن الرسل وظيفتهم التبليغ والإنذار وليس إلزام الناس بالهداية والقبول ،وكما قال تَعَالَى:﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾[الشورى:48].

2. أن من أعمى الله بصيرته لا ينتفع بما يسمع فصار بمنزلة الأصم لعدم انتفاعه بالوعظ والإنذار ،وكما قال تعالى عن أصحاب النار:﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾[الملك:10].

3.  تغير حالة الكفار عند نزول العذاب واعترافهم بذنوبهم وندمهم على ذلك في حين لا ينفع فيه الندم.

4.  الإيمان بالميزان يوم القيامة وهذا على الحقيقة وليس بمجاز كما قال بعضهم: إنه عبارة عن العدل،وهذا خلاف ظاهر الأدلة،وحديث البطاقة دليل على أنه ميزان حقيقي، والحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وفيه:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا:أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،قَالَ:فَيَقُولُ:يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ،مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ:إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ،فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ،وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ،فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ،وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ» رواه ابن ماجه (4300).

5. أن الميزان ميزان عدلٍ فليس فيه نقص ولا ظلم.

6. الحث على مراقبة الله فأعمال العباد توزن ،وهي محصاة مكتوبة كما قال تعالى:﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)﴾[يس:12].

فعلى العبد أن يحتفظ في أقواله وأفعاله وحركاته؛ لأنها محسوبة وتوزَن يوم القيامة ويجازى عليها.والله المستعان.

الاثنين، 17 ديسمبر 2018

(23)الحديثُ وعلومُه


        
           أثر يحيى بن سعيد القطان في جرح الرواة



هذا أثر صحيح .أحمد بن كامل ترجم له الذهبي رحمه الله في«سير أعلام النبلاء»،وقال:

الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ أحمد بن كامل بن خَلَفِ بنِ شَجَرَةَ البَغْدَادِيُّ تِلْمِيْذُ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ.

أبوسعد الهروي ترجم له الذهبي في«تاريخ الإسلام»(25/387)وقال:محمد بْن جعْفَر بْن محمود.

أَبُو سعْد الهَرَويّ الصَّيْرفيّ.

روى عَنْ: محمد بْن عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان الحضْرميّ، وأقرانه.

وعنه: أبو عبد الله الحاكم..

وكان حنبليًّا صالحًا. وقد توبع كما يأتي.

 أبوبكر بن خلاد :محمد بن خلّاد بن كثيرٍ الباهليُّ، أبو بكر البصري: ثقة.

وأخرجه الخطيب في«الجامع لأخلاق الراوي»(1268)من طريق عَبْدِ اللَّهِ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيِّ، عن أبي بَكْر مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيّ نحوه. 



وهذا عليه إجماع أهل العلم جرح مَنْ لا يستحق الأخذ عنه وأنه ليس من الغيبة،لأن هذا من النُّصحِ لدين الله.
 

السبت، 15 ديسمبر 2018

(135)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله





عن عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ،يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ فِي إِمَارَتِهِ: أَخَّرَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ العَصْرَ، وَهُوَ أَمِيرُ الكُوفَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، جَدُّ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ، شَهِدَ بَدْرًا.. رواه البخاري (4007).



قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»(تحت رقم 4007) بعد أن ذكر الخلاف في ذلك: الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَإِنَّمَا رَجَّحَ مَنْ نَفَى شُهُودَهُ بَدْرًا بِاعْتِقَادِهِ أَنَّ عُمْدَةَ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ وَصْفَهُ بِالْبَدْرِيِّ، وَأَنَّ تِلْكَ نِسْبَةٌ إِلَى نُزُولِ بَدْرٍ لَا إِلَى شُهُودِهَا، لَكِنْ يُضَعِّفُ ذَلِكَ تَصْرِيحُ مَنْ صَرَّحَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ شَهِدَهَا.

وقال رحمه الله:الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،وَهُوَ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَدْرَكَ أَبَا مَسْعُودٍ وَإِنْ كَانَ رَوَى عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ بِوَاسِطَةٍ.




وقد تعقَّب  هذا والدي الشيخ مقبل رحمه الله في«السير الحثيث شرح اختصار علوم الحديث»(423)،وقال:
قوله:شَهِدَ بَدْرًا.يعتبر مرسلًا،لأن الذي قاله عروة بن الزبير وهو تابعي.

وقال رحمه الله عن قول ابن حجر:وَهُوَ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَدْرَكَ أَبَا مَسْعُودٍ.
لكن ما قال:حدثني أبومسعود.

وقال عن قاعدة : الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي.
هذا الإثبات أقوى،لكن كونه صحيحًا ليس بصحيح.اهـ


قلت:وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن أبا مسعود البدري نزل بدرًا ولم يشهدها.
وهو قول العراقي رحمه الله في«الألفية»(180) فقد قال: 


وَنَسَبُوا لِعَارِضٍ كَالْبَدْرِيْ
نَزَلَ بَدْرًا عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو





(98) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ





في«مجموع الفتاوى» (28/403) للشيخ ابن باز:

أسمع بعض الناس إذا سمع كلاما مستغربا أو رأى شيئا غريبا قال: (يا وجه الله) فما حكم هذا القول؟


ج: لا يجوز لأحد من المسلمين أن يدعو صفات الله، عند جميع أهل العلم، كأن يقول: يا وجه الله، أو يا علم الله، أو يا رحمة الله أو ما أشبه ذلك.
 وإنما الواجب أن يدعوه سبحانه بأسمائه الحسنى؛ لقول الله عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾[الأعراف:180]، فيقول: يا الله،يا رحمن،يا رحيم. ونحو ذلك.


ويستحب التوسل بصفات الله فيقول: اللهم إني أسألك بأنك عظيم، أو بقدرتك العظيمة، أو بحلمك ونحو ذلك. والله ولى التوفيق.اهـ

(22)الحديثُ وعلومُه


                من أمثلة المقلوب في المتن



جاءت رواية في«صَحِيحِ مُسْلِمٍ»(1031)عن أبي هريرة رضي الله عنه في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ».

والحديث رواه البخاري(660)بلفظ:«حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ».

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في«فتح الباري»:هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ،وَوَقَعَ فِي«صَحِيحِ مُسْلِمٍ»مَقْلُوبًا«حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ»،وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث أغفله بن الصَّلَاحِ،وَإِنْ كَانَ أَفْرَدَ نَوْعَ الْمَقْلُوبِ،لَكِنَّهُ قَصَرَهُ عَلَى مَا يَقَعُ فِي الْإِسْنَادِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي«مَحَاسِنِ الِاصْطِلَاحِ»،وَمَثَّلَ لَهُ بِحَدِيث: أَن ابن أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ.

وَقَالَ شَيْخُنَا-البُلقيني-:يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ الْمَعْكُوسَ انْتَهَى. 

وَالْأَوْلَى تَسْمِيَتُهُ مَقْلُوبًا فَيَكُونُ الْمَقْلُوبُ تَارَةً فِي الْإِسْنَادِ وَتَارَةً فِي الْمَتْنِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْمُدْرَجِ سَوَاءً وَقَدْ سَمَّاهُ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ مَقْلُوبًا.

قَالَ عِيَاضٌ:هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْنَا مِنْ«صَحِيحِ مُسْلِمٍ»،وَهُوَ مَقْلُوبٌ أَوِ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ،وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الصَّدَقَةِ إِعْطَاؤُهَا بِالْيَمِينِ،وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ بَابُ الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ.ثم تكلَّم رحمه الله على الذي وهِم فيه.

وقال ابن حجر رحمه الله في«النكت على مقدمة ابن الصلاح»(2/882):

 كذا..،والمحفوظ من طرق أخرى في «الصحيح»«حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ».فاليمين آلة الإنفاق لا الشمال، لكن حمل بعضهم هذا على ما إذا كان الإنفاق باليمين مستلزما إظهار الصدقة،والإنفاق بالشمال يستلزم إخفاءها، فإن الإنفاق بالشمال والحالة هذه يكون أفضل من الإنفاق باليمين.اهـ

وقال  رحمه الله في«نزهة النظر»(228):

 هذا ممَّا انْقَلَبَ على أَحدِ الرُّواةِ، وإِنَّما هو:«حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ». كما في الصَّحيحينِ.



فائدة:

أمثلة المقلوب في المتن قليلة .كما في«فتح المغيث»(1/346)للسخاوي.

أي:والأكثر القلب في الإسناد.


(3)من أحكام الصلاة


        
                  العدد الذي تنعقد به صلاة الجماعة


قال البخاري رحمه الله:بابٌ: اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ.

ثم أخرج حديث مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ(658)،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».

وروى أبوداود (574)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم  أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ.

قال ابن رجب رحمه الله في «فتح الباري» (4/51): ولا نعلم خلافًا أن الجماعة تنعقد باثنين إذا كانا من أهل التكليف، ولو كَانَ المأموم امرأةً.


فإن كَانَ المأموم صبيا، فهل تنعقد بِهِ الجماعة؟

فِيهِ روايتان عَن أحمد فِي الصلاة المكتوبة، فأما النافلة فتنعقد كما صلى النَّبِيّ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم بالليل بابن عَبَّاس وحده.

وأكثر العلماء عَلَى أنه لا فرق بَيْن الفرض والنفل فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلِ أَبِي حنيفة والشافعي .اهـ

استفدنا مما تقدم:

أن صلاة الجماعة تنعقد بإمامٍ ومأموم

سواء كان المأموم رجلًا أو امرأة أو صبيًّا.

(60) سِلْسَلَةُ المَسَائِلِ النِّسَائِيَّة


            
                    من الذين يظلهم الله في ظله

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ "رواه البخاري(660)،ومسلم(1031).



هذا الحديث عام للرجل والمرأة إذِ الأصلُ عموم التشريع إلا ما خصصه الدليل.

عدا الخصلة الأولى: الإِمَامُ العَادِلُ.على تفسيره بالإمامة العظمى.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (تحت رقم 660): ذِكْرُ الرِّجَالِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا مَفْهُومَ لَهُ،بَلْ يَشْتَرِكُ النِّسَاءُ مَعَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ،إِلَّا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْعَادِلِ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى،وَإِلَّا فَيُمْكِنُ دُخُولُ الْمَرْأَةِ حَيْثُ تَكُونُ ذَاتَ عِيَالٍ فَتَعْدِلُ فِيهِمْ.


وقال رحمه الله قبل ذلك في أثناء الشرح:الْإِمَامُ الْعَادِلُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْعَدْلِ،وَذكر ابن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْعَدْلِ،قَالَ:وَهُوَ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُسَمَّى نَفْسَهُ عَدْلًا،وَالْمُرَادُ بِهِ صَاحِبُ الْوِلَايَةِ الْعُظْمَى،وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ،وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رَفَعَهُ أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا.

وَأَحْسَنُ مَا فُسِّرَ بِهِ الْعَادِلُ أَنَّهُ الَّذِي يَتَّبِعُ أَمْرَ اللَّهِ بِوَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ،وَقَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ لِعُمُومِ النَّفْعِ بِهِ.

أما الخصلة الثالثة المذكورة في الحديث:وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ.

هذا عام للرجال والنساء،وإن كانَ الأفضل للمرأة الصلاة في بيتها،ولكن باعتبار حُسن نيتِها في حبها الشديد للمساجد ووجود الأُنس فيه والراحة والطمأنينة،ولولا أن الأفضل لها أن تصلي في بيتها لبادرت إلى المساجد.



وقد سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذه المسألة ونص السؤال:سائلة تقول: أنا أحب المساجد؛ لأنها بيوت الله، ولكن لا أذهب إليها،لأنني امرأة، والمرأة غير مستحب لها ذهابها إلى المساجد، فهل أكون مع السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

فأجاب: يرجى لك ذلك،لأنك ذكرت شرعا بأن بيتك أفضل لك، فأنت لولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع للنساء البيوت لسارعت إلى المساجد لحبك المساجد، فالمعذور كالمريض والمقعَد ونحو ذلك إذا كانت نيته الصلاة في المساجد، ويحب الصلاة في المساجد - لولا العذر - فيكون هو مع المصلين في الأجر. وهكذا النساء اللاتي يحببن الصلاة في المساجد لولا أن الله شرع لهن الصلاة في البيوت فهي مع المحافظين على الصلاة في المسجد في الأجر، وفي كونهن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، لأنهن يفترضن فيه لولا أن الله شرع لهن الصلاة في البيت.اهـ من فتاوى نور على الدرب(12/288).


أما الحافظ ابن حجر رحمه الله فقد استثنى مسألتين من هذا الحديث:

 المسألة المتقدمة في إمامة العادل إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْعَادِلِ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى.كما تقدم. 


والثانية: وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ.


قال: وَتَخْرُجُ خَصْلَةُ مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ.

قال:وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْمُشَارَكَةُ حَاصِلَةٌ لَهُنَّ حَتَّى الرَّجُلُ الَّذِي دَعَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي امْرَأَةٍ دَعَاهَا مَلِكٌ جَمِيلٌ مَثَلًا فَامْتَنَعَتْ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ حَاجَتِهَا،أَوْ شَابٌّ جَمِيلٌ دَعَاهُ مَلِكٌ إِلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ مَثَلًا فَخَشِيَ أَنْ يَرْتَكِبَ مِنْهُ الْفَاحِشَةَ فَامْتَنَعَ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ.اهـ

نسأل الله سبحانه أن يجعلنا ممن يظلهم  في ظله يوم لا ظل إلا ظله.