جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 28 مايو 2021

(49)اختصار الدرس التاسع والأربعين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن

◆◇◆◇◆◇

سجود التلاوة

روى مسلم(81) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ! أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ».

هذا الحديث فيه فضل سجود التلاوة.

وقد أجمع العلماء على  مشروعية سجود التلاوة.

◆◇◆◇◆◇

حكم سجود التلاوة

مستحب، وهذا قول جمهور العلماء، والدليل على ذلك حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَنَّه قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ﴿وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ.

قال الشيخ ابن باز رَحِمَهُ الله في «مجموع الفتاوى» (11/415): دل ذلك-أي: حديث زيد رضي الله عنه-على عدم وجوب سجود التلاوة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على زيد تركه. اهـ. ويحتمل أنه لم يسجد لما قرأ عليه زيد بن ثابت؛ لأن زيدًا كان هو القارئ، ولم يسجد. فلذلك لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. «الاستذكار» (8/100).

وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّه قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ، نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيهِ. وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ.

هذا دليل ظاهر على أن سجود التلاوة غير واجب؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سجد في المرة الأولى ولم يسجد في الثانية.

وذهب أبو حنيفة إلى الوجوب، واحتج بقوله تعالى: ﴿ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)﴾. وقد أجاب عن هذا الاستدلال الإمام النووي رَحِمَهُ الله، وقال: (وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ المُرَادَ ذَمُّهُمْ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ تَكْذِيبًا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى بَعْدَهُ: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ﴾).

◆◇◆◇◆◇

عدد سجدات التلاوة في القرآن

قال الشافعي والجماهير: هي أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً: فِي الْأَعْرَافِ، وَالرَّعْدِ، وَالنَّحْلِ، وَسُبْحَانَ، وَمَرْيَمَ، وَفِي الْحَجِّ سَجَدَتَانِ، وَفِي الْفُرْقَانِ، وَالنَّمْلِ، والسَّجْدَة، وفصلت، وَالنَّجْمِ، والانشقاق، والعلق.

قد نظم بعضهم هذه المواضع، فقال:

فائدة في سور السجود

...

نظمتها كالدُّر في العقود

في الانشقاق سجدة والإسرا

...

وسجدة التنزيل ثم اقرا

والرعد ثم النجم ثم النحل

...

ومريم فُرقان ثم النمل

في الحج ثنتان وفي الأعراف

...

وسجدة في فُصلت توافي

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَلَكِنْ أَسْقَطَ الثَّانِيَةَ مِنَ الْحَجِّ وَأَثْبَتَ سَجْدَةَ ﴿ص﴾. وهناك أقوال أخرى.

وسجود التلاوة في سورة الحج في الموضع الأول، أما الموضع الثاني ففيه بعض الأحاديث الضعيفة، منها:

عن عقبة بن عامر قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ «نَعَمْ فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ بِهِمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا» فيه ابن لهيعة ضعيف. وقد ضعَّف الحديث الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله.

عن خالد بن معدان رحمه اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت سورة الحج على سائر الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ». وهذا مرسل من مراسيل خالد بن معدان فهو تابعي وليس بصحابي.

ولذلك اختار الطحاوي رَحِمَهُ الله في «شرح معاني الآثار» (1/ص469) أنه لا سجود في آخر سورة الحج. وذهب ابن حزم إلى جواز السجود فيها خارج الصلاة دون داخلها، قال: وإنما لم نجزه في الصلاة؛ لأنه لم يصح فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجمع عليها. وصح عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي الدرداء السجود فيها. اهـ من «المحلى» (5/ص106).

وقال الشيخ الألباني في «تمام المنة» (ص270): لم يوجد ما يشهد لها من السنة والاتفاق، إلا أنه عمل بعض الصحابة على السجود فيها قد يستأنس بذلك على مشروعيتها، ولا سيما ولا يعرف لهم مخالف، والله أعلم. اهـ.

◆◇◆◇◆◇

مواضع سجود التلاوة

 ذكرها النووي في «التبيان»، وقال: وَأَمَّا مَحَلُّهَا: فَسَجْدَةُ الْأَعْرَافِ فِي آخِرِهَا، وَالرَّعْدُ عُقَيب قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾[الْأَعْرَاف: 205 وَالنَّحْلِ...الخ.

العشر السجدات الأولى نقل الطحاوي في «شرح معاني الآثار» الاتفاق على السجود فيهن، ما عدا السجدة الثانية في سورة الحج.

وقال ابن حزم في «مراتب الإجماع» (ص57): اتفقوا أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة. واتفقوا منها على عشر، واختلفوا في التي في (صوفي الآخرة التي في (الحجوفي الثلاث التي في المفصل. اهـ.

وقد ذهب جماهير العلماء إلى أن عدد سجدات التلاوة 14 سجدة.

والذي ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم هو السجود في المفصل: في النجم، والانشقاق، والعلق، وفي غير المفصل، في سورة ﴿ص﴾.

وكان والدي رَحِمَهُ الله يرى الاقتصار على هذه الأربعة المواضع، ومع ذلك يقول: لا يُنكر على من سجد في السجدات الأخرى؛ لعموم الأدلة كحديث: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ! أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ».

أما السجود في المفصل فهذا فيه بعض الخلاف، وهذا غريب جدًّا، لأن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سجد فيها.

أما ما رواه أبو داود (1403) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنَ المُفَصَّلِ، مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ». فيه أبو قدامة ومطر وهما من رجال مسلم، ولكنهما مضعفان، كما في «التلخيص» (2/16).

وحكم الذهبي رَحِمَهُ الله في «ميزان الاعتدال» (1/439) على الحديث بأنه منكر.

◆◇◆◇◆◇

وهل سجدة ﴿ص﴾ من عزائم السجود؟

السجود في سورة (ص) في قوله تعالى: ﴿ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) ثبت أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سجد فيها، فهو معدود في سجدات القرآن، فالسجود فيها في الصلاة مستحب، لكن الاستحباب في السجود في هذا الموضع ليس استحبابًا مؤكدًا.

روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَالَ: ﴿ص لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ. وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِيهَا.

وهناك دليل آخر  أيضًا رواه أبو داود (1410) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ص، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ لِلسُّجُودِ»، فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا.

والحديث صحيح مذكور في «جامع الوالد» رَحِمَهُ الله (1044).

◆◇◆◇◆◇

هل شروط  سجود التلاوة  نفس شروط صَّلَاةِ النَّافِلَةِ؟

ذهب إلى ذلك جمهور العلماء؛ فلهذا يشترطون في سجود التلاوة ما يشترطون في صلاة النافلة. فِي اشْتِراطِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْحَدَثِ، وَعَنِ النَّجَسِ، وَفِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ.

وهذا ليس بلازم، فسجود التلاوة لا يشترط له طهارة من الحدث ولا من النجاسة؛ لأن سجود التلاوة ليست بصلاة على الصحيح، لقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رواه البخاري (756ومسلم (394).

 وسجود التلاوة لا يقرأ فيه بفاتحة الكتاب، فدل هذا على أنه ليس بصلاة.

ولحديث  عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» رواه أبو داود (61).

وسجود التلاوة لا يشرع فيه التكبير ولا التسليم.

أما من حيث الأفضل فالأفضل أن يكون على طهارة؛ لحديث الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ: عَلَى طَهَارَةٍ». رواه أبو داود (17وهو في «الصحيح المسند» (1145) لوالدي رَحِمَهُ الله

قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»(1/279): وَلَكِنَّ سُجُودَهَا عَلَى الطَّهَارَةِ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.

وهكذا الطهارة من النجاسة ليست بشرط في سجود التلاوة، طهارة الثوب والبدن والمكان، والوضوء هذا لا يشترط.

واستقبال القبلة كذلك، وستر العورة، قال الشوكاني في «نيل الأوطار»: ليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار طهارة الثياب والمكان. وأما ستر العورة والاستقبال مع الإمكان، فقيل: إنه معتبر اتفاقًا. اهـ.

قلت: صرح ابن حزم في «المحلى» (5/111) أنه لا يشترط استقبال القبلة في سجود التلاوة.

ورجح والدي رَحِمَهُ الله أنه لا يشترط، ولا تجب الطهارة، ولا استقبال القبلة، ولا ستر العورة، في سجود التلاوة.

وعلى ضوء ما تقدم نستفيد: جواز سجود التلاوة للحائض؛ لأنه لا يشترط الطهارة لسجود التلاوة على الصحيح.

◆◇◆◇◆◇

الخميس، 27 مايو 2021

(16) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين

 

تعاهد الفم بالسواك

عَنِ شُرَيْحِ بن هانئ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: «بِالسِّوَاكِ» رواه مسلم (253).

وسبب السواك عند دخول المنزل. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ بِصَلَاةِ النَّافِلَةِ فَقَلَّمَا كَانَ يَتَنَفَّلُ فِي الْمَسْجِدِ، فَيَكُونُ السِّوَاكُ لِأَجْلِهَا.

 وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَةُ الْفَمِ عِنْدَ مُحَادَثَةِ النَّاسِ، فَإِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ كَانَ مِنْ حُسْنِ مُعَاشَرَةِ الْأَهْلِ إِزَالَةُ ذَلِكَ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو شَامَةَ وَالنَّوَوِيُّ. «حاشية السيوطي على سنن النسائي» (1/13).

وعلى القول الثاني يكون هذا الحديثُ من ضِمْنِ الأدلة في تجمُّل الرجل لزوجته ونظافته، وأن هذا من حُسْن العشرة.

وكذا المرأة من باب أولى، قال الذهبي رحمه الله في « الكبائر»(175) في سياق ذِكْرِ بعض ما تتحلَّى به المرأة عند زوجها: وَطيب الرَّائِحَة، وتعاهد الْفَم بِالسِّوَاكِ وبالمسك وَالطّيب، ودوام الزِّينَة بِحَضْرَتِهِ، وَتركهَا الْغيْبَة، وإكرام أَهله وأقاربه، وَترى الْقَلِيل مِنْهُ كثيرًا.