حديث نسج العنكبوت على باب الغار
اشتهر في كتب السيرة أن العنكبوت نسجت على باب الغار الذي بقي فيه النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عند خروجهما للهجرة، وهذه القصةُ لا يثبت إسنادُها جاء عند أحمد (5/301) عن ابن عباس في نسجِ العنكبوت في باب الغار، وفيه عثمان الجزري، ويقال له: عثمان المشاهد.
وجاء من طريق أخرى عند ابن سعدٍ (1/177) في نسج العنكبوت وذكر الحمامتين وفي إسناده من لا يعرف.
ويدل على بطلانها ما رواه البخاري (3653)، ومسلم (2381) عن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا!».
فهذا يدل على أن الغار مكشوف.
وهنا بعض المسائل عن العنكبوت:
من أوصاف العنكبوت:
قال الدميري في «حياة الحيوان» (2/224): العنكبوت: دويبة تنسج في الهواء، وجمعها: عناكب، والذكر: عنكب، وكنيته أبو خيثمة وأبو قشعم، والأنثى: أم قشعم، ووزنه: فعللوت، وهي قصار الأرجل، كبار العيون، للواحد ثمان أرجل، وست عيون. اهـ.
على أي شيء يجمع العنكبوت؟ عناكب، وفي «القاموس» مع شرحه «تاج العروس» (3/447): جمع العنكبوت: عنكبوتات وعناكب وعناكيب.
كنية العنكبوت الذكر والأنثى:
أبو خيثمة، وأبو قشعم كنيتان، وللأنثى: أم قشعم.
عدد أرجل العنكبوت وعيونها:
عدد أرجل العنكبوت ثمان، وعدد عيونها ست، سبحان من يخلق ما يشاء.
والعنكبوت معروف أنه ينسج خيوطًا، وهذه الخيوط قد تنفعه، ومن هذه المنافع: أنه قد يصيد بها الحشرات والذباب؛ ليتغذى بها.
هل العنكبوت مسخ؟
المسخ: تشويه الخلق وتحويله من صورة إلى صورة. «مجمل اللغة»(831) لابن فارس.
وهذا يذكره بعض المفسرين في تفسير قول الله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾، وقد رواه ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (8/17): عَنْ عَبد اللَّهِ بْنِ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: «الْعَنْكَبُوتُ شَيْطَانٌ مَسَخَهُ اللَّهُ فاقتلوه».
وفيه مسلمة بن علي أبو علي الخشني، قال يَحْيى بن معين: مسلمة بْن علي الخشني ليس بشَيْءٍ، وقَالَ البُخارِيّ: منكر الحديث عن الأَوْزاعِيّ. وقال النسائي: متروك الحديث. كما في «الكامل»(8/12).
وذكر الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ الحديث في «الضعيفة»(151)، وقال: موضوع.
ويدل على بطلانه ما ثبت في «صحيح مسلم» (2663) عن أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا، وَقَدْ كَانَتِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ».
فهذا الحديث يدل على بطلان حديث أن العنكبوت مسخ؛ لأن المسخ لا يتناسل.
وقد جاء في بعض الآثار أنه لا يبقى المسخ بعد مسخه إلا ثلاثة أيام. وهذا لم يأتِ به دليلٌ صحيح، ولكنه ورد عن ابن عباس موقوفًا عليه، كما أخرج الطبري رَحِمَهُ الله في «تهذيب الآثار»(1/194)، من طريق بِشْرِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «لَمْ يَعِشْ مَسْخٌ قَطُّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَأْكُلْ، وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يَنْسِلْ». وقد ضعف الأثر الطبري وقال عقبه: هذا خَبَرٌ فِي سَنَدِهِ نَظَرٌ؛ لِعِلَّتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الضَّحَّاكَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ بِشْرَ بْنَ عُمَارَةَ لَيْسَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ.
هل من أسباب الفقر وجود العنكبوت في البيوت؟
هذا ليس عليه دليل يصح، ولكن ورد عن علي بن أبي طالب أنه قال: طهّروا بيوتكم من نسيج العنكبوت، فإنّ تركه في البيوت يورث الفقر. أخرجه الثعلبي في «تفسيره» (7/280) موقوفًا على علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وفيه عبدالله بن ميمون القداح وهو متروك، فالأثر ضعيف جدًّا بهذا السند.