جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 9 فبراير 2019

(62) سِلْسَلَةُ المَسَائِلِ النِّسَائِيَّة


رطوبة الفرج



قال النووي رحمه الله في المجموع(2/570): رُطُوبَةُ الْفَرْجِ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ.



رطوبة فرج المرأة من حيث الطهارة والنجاسة


اختلف العلماء في رطوبة فرج المرأة هل هي طاهرة أم نجسة على قولين:

قال النووي في«المجموع»(2/570):قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا:الْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ وَحُكِيَ التَّنْجِيسُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْآخَرُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصَحُّ طهارتها.


وقال ابن قدامة في المغني(2/65):وَفِي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْفَرْجِ لَا يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، أَشْبَهَ الْمَذْيَ. وَالثَّانِي: طَهَارَتُهُ، لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَهُوَ مِنْ جِمَاعٍ، فَإِنَّهُ مَا احْتَلَمَ نَبِيٌّ قَطُّ، وَهُوَ يُلَاقِي رُطُوبَةَ الْفَرْجِ، وَلِأَنَّنَا لَوْ حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، لَحَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ مَنِيِّهَا، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِهَا، فَيَتَنَجَّسُ بِرُطُوبَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا أَصَابَ مِنْهُ فِي حَالِ الْجِمَاعِ فَهُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْمَذْيِ، وَهُوَ نَجِسٌ. وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ، فَإِنَّ الشَّهْوَةَ إذَا اشْتَدَّتْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دُونَ الْمَذْيِ، كَحَالِ الِاحْتِلَامِ.اهـ


ومِن حجتهم مع التعليل الذي ذُكِر ما رواه البخاري(293)عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ:إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ؟ قَالَ:«يَغْسِلُ مَا مَسَّ المَرْأَةَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي».

 قال النووي رحمه الله في المجموع(2/571):هذا الحديث في جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ بِلَا غُسْلٍ ،وهو منسوخ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ،وَأَمَّا الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذَّكَرِ وَمَا أَصَابَهُ مِنْهَا فَثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ ،وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْحُكْمِ بنجاسة رطوبة الفرج،والقائل الآخر يحمله عَلَى الِاسْتِحْبَابِ،لَكِنْ مُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ المراد



وهل هي من نواقض الوضوء؟


ذهب جمهور العلماء إلى أن رطوبة فرج المرأة ناقضة للوضوء.


وذهب آخرون إلى أنها لا تنقض الوضوء.
وهذا قول ابن حزم في المحلى مسألة(169)فقد قال:لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ .. وَلَا شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ قَصَّةٍ بَيْضَاءَ.. بُرْهَانُ إسْقَاطِنَا الْوُضُوءَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ بِإِيجَابِ وُضُوءٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ..وَلَا شَرْعَ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَتَانَا بِهِ رَسُولُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


وهو قول الأئمة الثلاثة :الألباني ،ووالدي،وابن عثيمين في قوله الذي ترجح لديه أخيرًا.وهذه بعض النصوص عنهم رحمهم الله.




هذا السائل قولًا واحدًا لا يوجب الغسل .

والقول الراجح أنه لا يوجب الوضوء،لأنه لا دليل في الكتاب و لا في السنة على أن هذا السائل الذي يُعرف عند النساء يخرج منهن في أوضاع طبيعية لا دليل على أنه ينقض الوضوء،ولو كانت متوضئة فهي تصلي ،ولو كانت تصلي فهي تستمر في صلاتها ،وإن رأت شيئًا من هذا السائل.

الشيخ : واضح.

السائل: واضح. ولكن هناك سؤال  من ضمن هذا السؤال.

 ألا يعتبر هذا من ضمن الخارج من السبيلين ؟

الشيخ : بلى،ولكن يجب أن نعلم أنَّ ما يُذكر في بعض الكتب الفقه من نواقض الوضوء«كل ما خرج من أحد السبيلين»،هذه الكُلِّيَّةُ لا أصل لها في الإسلام بالكُلِّيَّةِ .عرفتَ،ومِن هنا يأتي الوهْمُ«كل ما خرج من السبيلين فهو ناقض»هذا رأيٌ لبعض العلماء،وإلا هناك إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول: لو خرج من دبر الإنسان حصاةٌ أو دودٌ فذلك لا ينقض الوضوء.

وهذا خارج من أحد السبيلين، كذلك لو خرج من القُبُلِ شيء من ذلك دودة أو نحو ذلك فلا ينقض الوضوء، لأنَّ الناقض إما أن يؤخذ من القرآن أو يؤخذ من السنة،فهذا قرأ في القرآن قولَه تعالى:﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾[النساء:43]﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾لا يعني كل شيء خرج من الدبر،إنما يعني البول والغائط ،السنة تأتينا بإيضاحات كثيرة في كثير من الأحكام الشرعية،فيجب التزامها كما يجب التزام القرآن الكريم،ففي السنة ثبت أن المذي مثلًا والودي من نواقض الوضوء، وهو كذلك، مثلًا أكل  لحم الجزور من نواقض الوضوء،فهذه أشياء تؤخذ ،لأنه جاء النص فيها، أما أن نتوسعَ بقياسات من عندنا فنقول:﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾[النساء:43] طيب، لكن لو خرج منه دودة فهي تكون ملوثة بالغائط بتقولوا طبيعية.. نعم ،لكنَّ الله كما جاء في بعض الروايات،«وسكتَ عن أشياء رحمةً بكم فلا تسألوا عنها».

فربنا عز وجل لو أراد بنا العَنَتَ،﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ﴾[البقرة:220]  كما في القرآن الكريم لكان قال: كل ما خرج من السبيلين. عبارة  أيش مختصرة،لكن لا يوجد شيء من هذا لا في الكتاب ولا في السنة، لذلكَ لا يشكلنَّ عليك أنَّ ما سألت عنه هو خارج من أحد السبيلين  ... وكما قلنا لا دليل على هذه الكُلِّيَّةِ بالكُلِّيَّةِ.اهـ.



وأما فتوى والدي فقد قرأتُ عليه بحث مصطفى العدوي من«جامع أحكام النساء»(1/63)وترجيحه لطهارة رطوبة فرج المرأة وعدم نقضِها الوضوء فأقرَّه،وقلت له للتأكُّد:هل أنت على هذا القول؟فقال: نعم.

وأوردت قولهم:ما خرج من السبيلين فهو ناقض.

فأنكر عمومَ هذا اللفظ وقال:هذه قاعدة أغلبية.وكان رحمه الله في بعض مجالسه يذكر لنا كلام الشوكاني عن القواعد أنَّه:ما من قاعدة إلَّا ويُحتاج أن يُسْتَدَلَّ لها لا أن يُسْتَدَلَّ  بها.


وأما الشيخ ابن عثيمين فكما في رسالة حكم الرطوبة.لرقية المحارب فقد ذكرتْ وفَّقها الله(ص3)أن الشيخ قرأ رسالتها وكتب بخطه على غلاف الكتاب هذه العبارة:راجعتُه فرأيتُ أقوى دليلٍ أن الرطوبة لا ينتقض بها الوضوء أنَّ الأصلَ عدمُ النقض إلا بدليل.اهـ


قلت:وبعدَ أن تبيَّنَ لنا ما تقدم نستفيد ولله الحمد طهارة ما ذُكِرَ وعدم نقضِ الوضوء، وخُلاصةُ الاستدلالِ لذلكَ:

أن هذا مما تعمُّ به البلوى عند النساء.

رفع الحرج والمشقة وقد قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: 78].

حاجة النساء الشديدة لهذا الحُكم في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم،ولم يأتِ دليل فيه الأمر بالوضوء أو الحكم بنجاسة الرطوبة.


البقاء على البراءة الأصلية إذ الأصل الطهارة ما لم يأتِ دليلٌ ينقل عن هذا الأصْلِ.

أنَّ هذا مما سكت عنه الشرع،وقد جاء في الحديث«وسكتَ عن أشياء رحمةً بكم فلا تسألوا عنها».


ويبقى التنبيه على أنَّ مَنْ أحبَّت أن تتوضَّأَ فلَهَا ذلك،لكن مِنْ غير إلزام بشيءٍ لم يُلزِمِ اللهُ به ولا رسوله. والحمد لله على ما ألهم وعلَّم وأكرم.