بسم الله الرحمن الرحيم
درس أسبوعي بمعونة الله ومشيئته في عمدة اﻷحكام حيث
وصلنا مع أخواتي في الله في جيزان
آخر (باب الجنابةِ).1436/10/11
سائلة المولى سبحانه أن يعيننا ويتم علينا فضله
وإحسانه .وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل .
وقبل البدء فيما أردنا وعلى ربنا توكلنا أنبه أننا لا
نرتبط بمذهب معين ولكننا نحرص على اتباع الدليل مع من كان لأن ربنا سبحانه يقول { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} ومن فارق الدليل ضل السبيل كما
قال شيخ الإسلام .
ولا نخرج عن نهج سلفنا الصالح إن شاء الله عليه نحيا
وعليه نموت ثبتنا الله .
هذا وأشكر أختنا في الله أم عبدالرحمن على كتابة الدرس ثم
إرساله إليَّ لأراجعه بارك الله لها وفقهها في دينه .
والآن مع كتاب (عمدة الأحكام )
قال الإمام أبو محمد عبد الغني بن عبدالواحد
المقْدِسِيِّ رحمه الله في عمدة الأحكام من خير كلام الأنام
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
((كُنْت أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلاةِ , وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ)) .
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ ((لَقَدْ كُنْتُ
أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرْكاً,
فَيُصَلِّي فِيهِ)) .
ش:
(كُنْت أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ)أي
أثر المني .
(بُقَع)قال القاضي في مشارق الأنوار :
بِضَم الْبَاء وَفتح الْقَاف أَي موَاضعه جمع بقْعَة وأصله لون يُخَالف بعضه
بَعْضًا اهـ المراد .
(أَفْرُكُهُ)الفرك الدلك .
في هذا الحديث من الفوائد
1- خدمةالمرأة
لزوجها.
وقدأجمع العلماءعلى مشروعيةخدمةالمرأةلزوجها كالطبخ
وغسل الثياب ونظافة بيته.
واختلفواهل هو واجب أم مستحب .
فمن أهل العلم من ذهب إلى أنه واجب وهذا قول جماعة من
أهل العلم منهم أبوبكرابن أبي شيبةو أبوإسحاق الجُوزجاني كما في المغني لابن قدامة
رقم المسألة (5696) وهواختيارشيخ الإسلام كمافي مجموع الفتاوى (32/260).وهوقول الشيخ
اﻷلباني والشيخ الوادعي رحمهم الله.
وذكرابن القيم في زاد المعاد (5/170) عن أبي ثورأيضا أنه قالَ : عَلَيْهَا أَنْ تَخْدِمَ
زَوْجَهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ .
ودليل الوجوب
قول ربناعزوجل {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ
عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ
حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ
فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء
: 34] .
وَإِذَا لَمْ تَخْدِمْهُ الْمَرْأَةُ، بَلْ يَكُونُ
هُوَ الْخَادِمَ لَهَا، فَهِيَ الْقَوَّامَةُ عَلَيْهِ.
وقال شيخ الإسلام قَوْلُهُ: {فَالصَّالِحَاتُ
قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} يَقْتَضِي وُجُوبَ
طَاعَتِهَا لِزَوْجِهَا مُطْلَقًا: مِنْ خِدْمَةٍ وَسَفَرٍ مَعَهُ وَتَمْكِينٍ
لَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ .
وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال(لوكنت آمراً أحدا أن يسجدﻷحدﻷمرت المرأةأن تسجدلزوجها).
وفي صحيح البخاري (3113) ومسلم (2727) عن علي ابن
أبي طالب رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ
الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ، فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ، فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَلَمْ
تُوَافِقْهُ، فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ، فَأَتَانَا، وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا،
فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا» . حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ
قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا
سَأَلْتُمَاهُ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا
وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلاَثًا
وَثَلاَثِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ» .
والشاهدأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل لها
لايجب عليك خدمةزوجك .
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتقوا الله
في النساء فإنما هن عوانٍ عندكم . رواه أحمد والحديث حسن .
وَالْعَانِي: الْأَسِيرُ،
وَمَرْتَبَةُ الْأَسِيرِ خِدْمَةُ مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ
النِّكَاحِ نَوْعٌ مِنَ الرِّقِّ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: النِّكَاحُ رِقٌّ
فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيمَتَهُ كما في زاد المعاد(5/171) في سياق
ذكره لمناقشة الطرفين الموجبين والمستحبين .
هذه بعض أدلة من قال بالوجوب .
وذهب جمهور العلماء الأئمة الأربعة وهو قول أهل
الظاهر إلى أنه مستحب لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ إِنَّمَا اقْتَضَى
الِاسْتِمْتَاعَ لَا الِاسْتِخْدَامَ وَبَذْلَ الْمَنَافِعِ فلايجب الخدمةللزوج.
وأجابوا عن أدلة القول الأول بأنه للاستحباب وتَدُلُّ
عَلَى التَّطَوُّعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ومن بابِ ما جرت به العادةُ.
قال ابن قدامة في المغني(وهو من القائلين بعدم
الوجوب) الْأَوْلَى لَهَا فِعْلُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقِيَامِهَا بِهِ؛
لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، وَلَا تَصْلُحُ الْحَالُ إلَّا بِهِ، وَلَا تَنْتَظِمُ
الْمَعِيشَةُ بِدُونِهِاهـ.
وبقيام المرأةبخدمة الزوج تنتظم الحياةوتحصل السعادة .وقدنظَّم الله عزوجل
الحياةالزوجية وأوجب على الرجل النفقة والكسوة وما أشبه ذلك وأوجب على المرأةالخدمةللزوج
فهذا أمرُ الله وعليناالسمع والطاعةوأن نقول سمعنا وأطعنا وهذامن حكمةالله سبحانه وتعالى
تعاون الزوجين في حياتهما والله أعلم وأحكم.
وعلى المرأةالاحتساب في الخدمة لتؤجر وتكتسب حسنات
وصدقات .
2-(لَقَدْ
كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرْكاً)
فيه دليل على
طهارة المني وهذا قول كثير من أهل العلم كمافي شرح صحيح مسلم للنووي .
ومن الأدلة على طهارة المني أنه أصل الإنسان ولو كان
نجسا لكان أصل الإنسان نجسا.
ومن أهل العلم من ذهب إلى نجاسة المني لحديث عائشة(كنت
أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويجاب عنه أن هذا من باب النظافة
كما يزيل الإنسان من ثوبه الوسخ والقذر والمخاط ،فهذا على وجه الإستحباب.
وهناك بعض الأحاديث الضعيفة استُدِلَّ بها على نجاسة
المني. وقدذكرابن القيم في (بدائع الفوائد)مناقشةبين الطرفين القائل بطهارة المني والقائل
بنجاسته. فليستفاد .
قال الإمام أبومحمد المقدسي رحمه الله :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا
الأَرْبَعِ , ثُمَّ جَهَدَهَا , فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)) , وَفِي لَفْظٍ
((وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ)) .
شعبُها الأَربعُ: رجلاها ويداها، وهو
كنايةٌ عنِ الجِماعِ.
جَهَدَها: بلغَ المشقةَ بِكَدِّها، وهوَ
كنايةٌ عنِ المباشرةِ بالتقاءِ الخِتانَيْنِ.
ش
تفسير قوله (بَيْنَ شُعَبِهَا
الأَرْبَعِ - ثُمَّ جَهَدَهَا) ساقط في بعض نُسَخ العمدة .
وقوله (ثم
جهدها) ليس المراد مجرد مس الختان الختان ولكن يراد به الإيلاج في الفرج بإجماع العلماء
.
قال ابن قدامة في المغني مسألة (286) : وَلَوْ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ مِنْ
غَيْرِ إيلَاجٍ فَلَا غُسْلَ بِالِاتِّفَاقِ.
و قال النووي في المجموع(2/130)نقلا
عن أبي حامد من أئمة الشافعية وغيره :وَلَيْسَ الْمُرَادُ
بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ الْتِصَاقَهُمَا وَضَمَّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ
فَإِنَّهُ لَوْ وَضَعَ مَوْضِعَ خِتَانِهِ عَلَى مَوْضِعِ خِتَانِهَا وَلَمْ
يُدْخِلْهُ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ .
وقال الحافظ في فتح الباري تحت رقم 291 :وَلَوْ حَصَلَ الْمَسُّ قَبْلَ الْإِيلَاجِ لَمْ يَجِبِ
الْغُسْلُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.
وفيه من الفوائد
1-استعمال ألفاظ الكناية .وهذا ممدوح ،ترك التصريح
بالألفاظ المستهجنة والتي يستحيا من التصريح بها عادة إلا إذا اقتضى المقام
التصريح فيكون التصريح أولى .
2-وجوب الغسل بالتقاء الختانين .
وفي صحيح مسلم (349) عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ:
اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ رَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ فَقَالَ
الْأَنْصَارِيُّونَ: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إِلَّا مِنَ الدَّفْقِ أَوْ مِنَ
الْمَاءِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: بَلْ إِذَا خَالَطَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ،
قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: فَأَنَا أَشْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ فَقُمْتُ
فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأُذِنَ لِي، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهْ -
أَوْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ
وَإِنِّي أَسْتَحْيِيكِ، فَقَالَتْ: لَا تَسْتَحْيِي أَنْ تَسْأَلَنِي عَمَّا
كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ، فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ،
قُلْتُ: فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ قَالَتْ عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا
الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» .
وقد كان في أول الإسلام الغسل لايجب إلا بالإنزال كما
في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الماءمن
الماء) . ثم نُسخ .
حديث أبي سعيد مفهومه أن الغسل لا يجب إذا لم ينزل
وهو منسوخ بحديث الباب(إذا جلس بين ..)
وفي سنن أبي داود (215) عن أُبي بن كَعْبٍ،
«أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَفْتُونَ، أَنَّ الْمَاءَ مِنَ المَاءِ،
كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ
أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ» .
وعلى هذا عامةُأهل
العلم حصول النسخ. هناك خلاف يسيرعن بعض الصحابة لكن استقر اﻷمرعندأهل العلم على ثبوت
النسخ وانقرض الخلاف والله أعلم.
قال الإمام المقدسي رحمه الله
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي اللهُ عنهم ((أَنَّهُ كَانَ
هُوَ وَأَبُوهُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَعِنْدَهُ قَوْمٌ ,
فَسَأَلُوهُ عَنْ الْغُسْلِ؟ فَقَالَ: صَاعٌ يَكْفِيكَ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا
يَكْفِينِي , فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْك شَعَرَاً ,
وَخَيْراً مِنْكَ - يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ
أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ)) , وَفِي لَفْظٍ ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثاً)) .
الصَّاعُ: مكيالٌ يسعُ أَربعةَ أَمدادٍ،
والمُدُّ: مِلءُ كَفَّي الرجلِ الوَسَطِ.
ش:
مقدارالصاع أربعةأمداد. والمد ملء كفي الرجل المعتدل
وقد بين ذلك المقدسي رحمه الله.
في هذا الحديث من الفوائد
1-بيان مجالس السلف وأنهامجالس علم ومذاكرة .
وهذا من حرص السلف على العلم واستغلال
أوقاتهم عند اللقاءات قال عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: كَانَ
الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ،
فَهُوَ يَوْمُ غُنَيْمَتِهِ، سَأَلَهُ وَتَعَلَّمَ مِنْهُ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ
هُوَ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ عَلَّمَهُ، وَتَوَاضَعَ لَهُ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ
هُوَ مِثْلَهُ فِي الْعِلْمِ ذَاكَرَهُ وَدَارَسَهُ.أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ والرامهرمزي في المحدث الفاصل
.وهو أثر صحيح .
عكس مجالس الناس اﻵن مجالس قيل وقال ومجالس دنيوية إلامن
رحم الله نسأل الله العافية. والقليل من يكون همته الآخرة والدنياانشغالاتهاكثيرة ولاتترك
فراغا لمن أحبها فهي تأكل الوقت أكلا ذريعاوالإقبال عليهامفسدةومهلكةولهذايقول النبي
صلى الله عليه وسلم( والله مالفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا
فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (ماذئبان جائعان أرسلا
في غنم بأفسدلهامن حرص المرءعلى المال والشرف لدينه) .
2-وفيه دليل على الاقتصاد في ماء الطهارة . النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث اغتسل
بصاع .
والصاع: أربعةأمداد
. المد ملء كفَي الرجل المعتدل .
وتوضأ صلى الله عليه وسلم بثلثي مد .وهذا أقل ما توضأ
به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
قال النووي في شرح صحيح مسلم : أَجْمَعَ
الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ
غَيْرُ مُقَدَّرٍ بَلْ يَكْفِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ إِذَا وُجِدَ شَرْطُ
الْغُسْلِ وَهُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يَرْفُقُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي وَيَخْرُقُ
بِالْكَثِيرِ فَلَا يكفي قال العلماء والمستحب ألاينقص في الغسل عن صاع ولافي
الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ اهـ .
مسألة الاقتصاد
الاقتصاد مع الاحتساب فيه أجر سواءفي الماء أوفي الطعام
أو في المشروبات أو الملابس أوغير ذلك إذا احتسب اﻷجر يثاب على ذلك.
النفس من طبيعتها الاقتصاد والبعد عن التبذير فهذه
عادة لها لكن إذا اقتصدمحتسباللأجر فإنه يؤجر .
ويا سبحان الله كيف تختلف الأحوال بسبب حُسْن النية .
وهناك أناس لايبالون ويقعون في التبذير والتبذير حرام
مايبالي يرمي بالطعام يرمي بالشراب يرميي بالثياب ولازالت ممكن ينتفَعُ بها التبذيرحرام
والبخل مذموم والوسطيةممدوحةقال ربنا {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا
وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا} [الفرقان : 67] {وَلَا تُبَذِّرْ
تَبْذِيرًا} [الإسراء : 26] .
إذن حفظكن الله الاقتصاد مع الاحتساب فيه أجرفمثلا أنت
تطبخين تأخذين على قدرالحاجةبحيث لايزيد فيُرمى به إذا احتسبت لك أجر فضل الله على عباده كثير ولكن التقصيرعندنا كبير
. نسأل الله العفو والعافية.
هذه مسألة يغفل
عنهاكثيرمن الناس الاحتساب في الاقتصاد . فالعادة قد تنتقل عبادة في حق الموفق نسأل
الله التوفيق .
3-جواز
صلاة الرجل في ثوب واحد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أوَلكلكم ثوبان .
قال
النووي في شرح صحيح مسلم :فيه جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إِلَّا مَا حُكِيَ عن ابن مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ وَلَا أَعْلَمُ صِحَّتَهُ.
قال : وَأَجْمَعُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي ثَوْبَيْنِ أَفْضَلُ وَمَعْنَى
الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا كُلُّ أَحَدٍ فَلَوْ
وَجَبَا لَعَجَزَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا عَنِ الصَّلَاةِ وَفِي ذَلِكَ
حَرَجٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدين من حرج اهـ المراد.
نسأل الله أن يوفقنا لكل خير وأن يثبتنا وإياكن على العلم
والسنةحتى الممات وأن يرزقناحسن العاقبة وبهذا نكتفي.
الدرس الثاني :ليلة الأحد17من شوال 1436.
قال المؤلف ابومحمد المقدسي رحمه الله
باب التيمم
باب التيمم
ذكرالمؤلف المقدسي
رحمه الله (باب التيمم) عقب الطهارة
بالماء ﻷن التيمم بدل عن الماء.
تعريف التيمم
التيمم لغة :القصد
.ومنه قوله تعالى { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } [البقرة : 267] .أي لا تقصدوا .
وقال امرؤ
القيس :
تيمَّمتُها من
أَذْرِعاتٍ وأهلُها ... بيثرِبَ أدنى دارِها نظرٌ عالِ
مرجع البيت (الزاهر
في معاني كلمات الناس) لمحمد بن القاسم أبي بكر الأنباري .
وشرعا:عرَّفه الحافظ
ابن حجر في الفتح وقال: هوالقصد إلى الصعيدلمسح الوجه واليدين بنيةاستباحةالصلاة.
ومن أهل العلم من قال
:التيمم :هومسح الوجه واليدين بشئ من الصعيد وهذا التعريف ذكره ابن قدامة في المغني (1/1782).
متى شرع التيمم
؟
مختلف في ذلك وأفادالحافظ
في فتح الباري في أول شرح التيمم أنه جَزَمَ
ابن عبدالبر فِي الاستذكار وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابن سعد وابن حِبَّانَ أنه شرع
في غزوة بني المصطلق .
قال الحافظ:
وَغَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ اهـ.
وكانت غزوة بني المصطلق
سنةخمس وقال ابن إسحاق سنة ست.
سبب
شرعية التيمم
من الآيات مانزل لسبب ومنها ما نزل لغير
سبب . ومما كان نزوله لسببٍ آية التيمم .
أخرج البخاري (334)عَنْ
عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ،
حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي،
فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التِمَاسِهِ،
وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى
مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ:
حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا
عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو
بَكْرٍ، وَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ
فِي خَاصِرَتِي، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا» ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ:
مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا
البَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ .
فتبين من الحديث أن نزول آية التيمم ضياع
عقد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وآية التيمم هي آية الوضوء فقد أخرج
البخاري (4608)ما يبين ذلك وفيه فَالْتُمِسَ المَاءُ فَلَمْ
يُوجَدْ فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} .
وقد اختلف العلماء في ذلك .قال الحافظ في
فتح الباري :قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ هَذِهِ مُعْضِلَةٌ مَا وَجَدْتُ لِدَائِهَا
مِنْ دَوَاءٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّ الْآيَتَيْنِ عَنَتْ عَائِشَة .قَالَ بن
بَطَّالٍ هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ أَوْ آيَةُ الْمَائِدَةِ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هِيَ آيَةُ
النِّسَاءِ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ تُسَمَّى آيَةَ الْوُضُوءِ
وَآيَةُ النِّسَاءِ لَا ذِكْرَ فِيهَا لِلْوُضُوءِ فَيُتَّجَهُ تَخْصِيصُهَا
بِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَأَوْرَدَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ هَذَا
الْحَدِيثَ عِنْدَ ذِكْرِ آيَةِ النِّسَاءِ أَيْضًا وَخَفِيَ عَلَى الْجَمِيعِ مَا
ظَهَرَ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا آيَةُ الْمَائِدَةِ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ
لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ إِذْ صَرَّحَ فِيهَا بِقَوْلِهِ فَنَزَلَتْ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة الْآيَةَ اهـ.
قلت : فما بقي إشكال ولله الحمد أن آية
التيمم هي آية الوضوء .
وهذه ثلاثة أحاديث
في العمدة تحت باب التيمم
قال الإمام أبومحمد المقدسي رحمه الله :عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -
رضي الله عنه -: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً
مُعْتَزلاً , لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا فُلانُ , مَا مَنَعَكَ
أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي
جَنَابَةٌ , وَلا مَاءَ , فَقَالَ: عَلَيْك بِالصَّعِيدِ , فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ)
.
ش:
قوله
عليك بالصعيد ) إشارةإلى قوله تعالى{
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}.
الصعيد:هوالتراب . و{ طَيِّبًا} الطيب:هوالطاهر .
الصعيد:هوالتراب ولايجزئ
غيرالتراب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وجعلت تربتهالناطَهورا) رواه مسلم .نصَّ على التراب
في سياق الامتنان فلايجزئ الرمْل ولاالحديد
ولااﻷشجار ولاغيرها .والمسألة فيهاخلافٌ بين أهل العلم ولكن السنَّة تبيِّن ما
أُجْمِل في القرآن ويفسر السنة بعضها بعضاً .
من فوائد
من الحديث
1-تفقدالنبي صلى الله
عليه وسلم أصحابه .
وهذه مهمةُ ولاةِ
الأمور تفقد أمور رعيتهم والنصح لهم فليست الولاية اسم فقط بل هي حِمْلٌ كبير وقد
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نعمت المرضعة وبئست الفاطمة.
وترك القيام
بالرعاية كبيرة من الكبائر وكثير من حُكَّام اليوم كما قال الوالد الشيخ مقبل رحمه
الله :أهم شيء عنده أن يحافظ على كرسيه.
2-تيمم الجنب إذا لم يجد الماء .
وقد ذكرالله عزوجل في كتابه الكريم الحالات التي يشرع فيه التيمم فقال :{ وَإِن
كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ
أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ
ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ
وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة : 6].
الشاهد:قوله تعالى{ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ
أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ
} [المائدة : 6] .
ذكر سبحانه أربعة أمور مبيحة للتيمم.
-المرض مبيح للتيمم ولوكان الماء
موجودا بقيد الضرر.
قال ابن رجب في فتح الباري المراد به عند جمهور العلماء إذاكان استعمال الماء
معه يخشى منه الضرراهـ.
{أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ} المسافر
وذُكِر لأن السفر مظنة انعدام الماء خاصةً في اﻷزمنة
المتقدمة .
{ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} المحدث حدثا أصغر .
والغائط:كناية عن قضاء الحاجة .وأصل الغائط المطمئن من اﻷرض.
{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ
}أخرج ابن جرير في تفسير سورة النساء بسندٍ صحيح عن ابن عباس: أنه قال:"أو لامستم
النساء" قال: هو الجماع.
و هذه الثلاثة اﻷمور
السفروالحدث اﻷصغرواﻷكبرلايباح فيهاالتيمم إلا إذاكان الماء معدوما لقوله (فَلَمْ تَجِدُوا
مَاءً).
ومن الحالات التي يباح فيها التيمم إذاكان يخشى من استعمال الماء الضررمثل أن يكون الماء باردا
فيخشى لو استعمله أن يصاب بمرض كالزُّكام أو ألمٍ في العظام .وضابط هذا( أن يخشى حدوث
علة أودوامها ) .
صحيح ليس بمريض
لكنه يخشى حدوثَ علة أودوامها فإنه يباح له التيمم .
والدليل قول الله عزوجل
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ}َ [الحج : 78] .
وهناك( فاقدالطَّهورين
)بفتح الطاء. وقد بوب البخاري رحمه
الله تعالى في هذه المسألة (باب إذالم يجدماءولاتربا)
ثم ذكر حديث عائشة
المتقدم في سبب نزول آية التيمم وفي بعض ألفاظ هذه الرواية عند البخاري( 336) زيادة ( فَأَدْرَكَتْهُمُ
الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا ) .
الذي يفقد الماءوالتراب
يصلي على حاله قال سبحانه{ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ َ}
[البقرة : 286] وهذا كالمريض الذي لايجد من يخدمه وليس عنده ماء ولا تراب يصلي على
حاله وكالمربوط الذي ليس عنده ماء ولاتراب
.
قال الإمام المقدسي رحمه الله : عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله
عنهما قَالَ: (بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ ,
فَأَجْنَبْتُ , فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ , فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ , كَمَا
تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ , ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ: إنَّمَا
يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَاثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ
الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً , ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ ,
وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ )
ش:
قوله (تمرغت) تقلبت
.
( الدابة) كل مادبَّ
على وجه اﻷرض . ويطلق عرفا على ذوات اﻷربع .
هذا الحديث كالحديث
الذي قبله يفيد تيمم الجنب إذالم يجدالماء.
وفيه أيضاً من الفوائد
1-أن الصحابي قد
يجتهد في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا لم يتيسر له السؤال وقت
الحاجة .
2-وفيه التعليم بالفعل . والتعليم بالفعل أبلغ من
القول. النبي صلى الله عليه وسلم علمه كيفية التيمم بالفعل.
3-صفة التيمم .
4- أنه يضرب بيديه اﻷرض .وهذا يفيد أنه مايضعها على
اﻷرض وضعا كما يفيده لفظة يضرب .
هذا هو السنة . فلو
وضعها وضعاً أجزأه .
5-وقوله(ضربة واحدة)
يفيد أن التيمم ضربةواحدة.
وماجاءمن حديث ابن عمرعن
النبي صلى الله عليه وسلم(التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) .
هذا رجح الحفاظ وقفه . يراجع التلخيص الحبير .
6-فيه دليل على الاقتصار على مسح الكفين فلايزاد
على الكفين في المسح .وهذا قول أهل الحديث
وأهل الظاهر كما في بدايةالمجتهد لابن رشد.
وجمهور العلماء على
المسح إلى المرفقين كالوضوء .
ولابأس أن ينفخ التراب
من يده تخفيفا لأثرالتراب قبل أن يمسح لروايةٍ
في البخاري (338) ومسلم (368) واللفظ للبخاري( فَضَرَبَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ
فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ).
استفدنا من حديث
عمار كيفية التيمم. وسواءبدأبمسح اليدين أوبدأ بمسح الوجه فالرويات جاءت بهذا وهذا .
ولكن اﻷولى أن يبدأ
بمسح الوجه لقوله تعالى{ {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء : 43] بدأ سبحانه بمسح الوجه.
قال ابن القيم
رحمه الله في زاد المعاد(2/320) كَانَ-(أي
النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم )- يُحَافِظُ عَلَى تَقْدِيمِ مَا قَدَّمَهُ
اللَّهُ، وَتَأْخِيرِ مَا أَخَّرَهُ، كَمَا بَدَأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ (
«أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ) وَبَدَأَ فِي الْعِيدِ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ
جَعَلَ النَّحْرَ بَعْدَهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّ ( «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَهَا، فَلَا
نُسُكَ لَهُ» ) تَقْدِيمًا لِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] وَبَدَأَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِالْوَجْهِ،
ثُمَّ الْيَدَيْنِ، ثُمَّ الرَّأْسِ، ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ تَقْدِيمًا لِمَا
قَدَّمَهُ اللَّهُ، وَتَأْخِيرًا لِمَا أَخَّرَهُ، وَتَوْسِيطًا لِمَا وَسَّطَهُ،
وَقَدَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ تَقْدِيمًا لِمَا قَدَّمَهُ
فِي قَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}
[الأعلى: 14] [الْأَعْلَى: 13] وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
قال الإمام المقدسي رحمه الله عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أُعْطِيتُ خَمْساً, لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ
الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ , وَجُعِلَتْ لِي
الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا , فَأَيُّمَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ
الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ , وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ , وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ
قَبْلِي , وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ
خَاصَّةً , وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً) .
في هذا الحديث إثبات خمس خصائص للنبي صلى الله عليه وسلم
الخصيصةاﻷولى:نصره الله بالرعب
مسيرة شهر .الرعب:الخوف وهومايقذفه الله عزوجل في قلوب أعدائه.
وقوله (مسيرة شهر) قال البغوي
في شرح السنة (13/196)مَعْنَاهُ: أَن الْعَدو يخافني، وبيني وَبَينه مَسَافَة شهر،
وَذَلِكَ مِن نصر اللَّه إِيَّاه.
وقال ابن كثير في الفصول في سيرة الرسول281 قيل: كان إذا هم بغزو قوم أرهبوا منه قبل أن
يقدم عليهم بشهر، ولم يكن هذا لأحد سواه.
2-الخصيصةالثانية :(وجعلت لي اﻷرض
مسجدا وطهور)هذا من خصوصياته ومن خصوصيات هذه اﻷمةأنهم يصلون حيثماأدركتهم الصلاة بخلاف
مَن قَبْلنا كانوا يصلون في أماكنهم المعدَّةللصلاة .وكان هذا شرطاً في صحةصلاتهم .وروى
أحمد في مسنده (11/639)بسندٍ حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه :( وَجُعِلَتْ
لِي الْأَرْضُ مَسَاجِدَ وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ
تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، إِنَّمَا
كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ ).
وقوله (وطَهورا)قال ابن كثيرا في الفصول في سيرة الرسول : يعني به التيمم، فإنه لم يكن في أمة قبلنا،
وإنما شرع له صلى الله عليه وسلم ولأمته توسعة ورحمة وتخفيفاً اهـ.
وفيه دليل على أن التيمم رافعٌ للحدث كالماءرفعامؤقتا .وليس بمبيح للصلاة
كمايقول بعض العلماء .أي أنه مبيح للصلاة مع وجود الحدث .
- وفيه دليلٌ على أن التيمم بدل عن الوضوءفيقوم مقامَه ويأخذ أحكامه فيبقى
على طهارته حتى يحدث أويجدالماء ويصلي به ماشاء فيبقى على طهارته إلا إذا أحدث أووجد
الماء .وهذا قول جمهور العلماء أن وجودالماء ينقض الطهارةكمافي بدايةالمجتهد لابن رشد
.
وسواء في الصلاة أوخارج الصلاة إذا سَمع الماء وهوفي الصلاة تبطل صلاته
وعليه أن يخرج من صلاته .
وهذه مسألةمختلف فيها إذا كان في الصلاة وجاءالماء والصحيح أنه يبطل وضوءه
وذلك أن التيمم شُرع عند فقد الماء . ويستثنى إذا سمع الماءوهويصلي ولكنه لوخرج من الصلاة
فإنه يخرج وقت الصلاة .
يقول الوالد(الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله) لايخرج من الصلاة في هذا
الحال لأنه لو خرج يخرج الوقت . والله عزوجل يقول : {ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء : 103] .
هذاوعموم قوله(وجعلت لي اﻷرض مسجدا)
مخصوص هناك بعض اﻷماكن مثل معاطن اﻷبل والمقابر
والحمامات هذه لايصلى فيها.
3-الخصيصةالثالثة(وأحلت لي المغانم
ولم تحل ﻷحد قبلي ) -الغنائم جمع غنيمة:وهي مايؤخذ من مال الكفاربقتال.
وكانت لاتحل لمن قبلنا أخرج
البخاري (3124)ومسلم (1747) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ
مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا؟ وَلَمَّا يَبْنِ
بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ أَحَدٌ
اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا، فَغَزَا فَدَنَا
مِنَ القَرْيَةِ صَلاَةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ:
إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا،
فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ
يَعْنِي النَّارَ لِتَأْكُلَهَا، فَلَمْ تَطْعَمْهَا فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ
غُلُولًا، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ
بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ
يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَجَاءُوا
بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ، فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ
النَّارُ، فَأَكَلَتْهَا ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الغَنَائِمَ رَأَى
ضَعْفَنَا، وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا .
4-الخصيصةالرابعة(وأعطيت الشفاعة):وهي
الشفاعة العظمى المذكورةفي قوله تعالى{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً
لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء : 79 ] .
ولم ينكرها أحدمن اﻷمةالإسلامية لاالمعتزلة ولا الخوارج ولا غيرهمﻷنهالفصل
القضاء .
-الخصيصةالخامسة(وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)فيه
عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يؤمن بهذا فهو كافر قال تعالى {أَفَمَن
كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ
كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ
بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ
ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [هود
: 17] وقوله(ياأيهاالناس إني رسول الله إليكم ) وقال سبحانه (لأنذركم به ومن بلغ) .
وقدذكر شيخ الإسلام في الفرقان
بين أولياء الرحمن واولياء الشيطان أن كثيراًمن اليهود والنصارى يؤمنون برسالةالنبي
صلى الله عليه وسلم لكن يقولون إنمابعث للأميين أي للعرب ولم يُبعث ﻷهل الكتاب .ويبين
شيخ الإسلام أن هذا لايدخلهم في الإسلام لأن رسالة هذا النبي الكريم صلى الله عليه
وعلى آله وسلم عامة للثقلين .وقد قال ربنا { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
} .
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم(والذي نفسي بيده
لايسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لايؤمن بي إلاكان من أهل النار) .وفقنا وإياكم لمايحب
ويرضىَ .
اهـ باب التيمم وبالله العصمة والتوفيق .
باب الحيض
باب الحيض
معرفة أحكام الحيض من اﻷمور المهمة
-أسماءالحيض
مسألة نزول الحيض لمن كانت حاملاً
-الحيض من علامات البلوغ
مسألة:هل لنزول الحيض سن محدد ؟
باب الحيض
قال الإمام عبدالغني بن عبد الواحد المقدسي
رحمه الله
باب الحيض
-الحيض لغة:السيلان .ومنه حاض الوادي إذا
سال. وحاضت الشجرة إذا سال منها لون أحمر
.
الحيض شرعا:دمٌ يخرج من قعر رحم المرأة
في أوقاتٍ معلومة.
معرفة أحكام الحيض من اﻷمور المهمة
ﻷنه مما تعم البلوى به ولكثرة الحاجة إليه
وترتب كثير من الأحكام عليه ولقوة مسائله وكثرتها حتى قال الشيخ ابن عثيمين في آخر
رسالته الدماء الطبيعية 59: وما يحدث للنساء من ذلك بحرٌ لا ساحل له
.
و قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى كما
في حاشية الروض المربع لابن القاسم (1/369)
مكثت في كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته
.
وقال النووي رحمه الله في المجموع شرح
المهذب (2/341) اعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ عَوِيصِ الْأَبْوَابِ وَمِمَّا
غَلِطَ فِيهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْكِبَارِ لِدِقَّةِ مَسَائِلِهِ وَاعْتَنَى بِهِ
الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ فِي كُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ اهـ المراد.
وقال أيضاًرحمه الله (2/345)وقد
رأيت مالا يُحْصَى مِنْ الْمَرَّاتِ مَنْ يَسْأَلُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
عَنْ مَسَائِلَ دَقِيقَةٍ وَقَعَتْ فِيهِ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَوَابِ
الصَّحِيحِ فِيهَا إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ الْحُذَّاقِ الْمُعْتَنِينَ بِبَابِ
الْحَيْضِ اهـ
-أسماءالحيض
مجموعة في قول الناظم
حَيضٌ نِفَاسٌ دِرَاسٌ طَمسُ إعْصَارُ
... ضَحْكٌ عِراكٌ فِرَاكٌ طَمِثُ إِكبْارُ
مرجع البيت حاشيةالروض المربع لابن
القاسم (1/369)إلا أنه وقع هناك :نفاث. آخره ثاء .والمعروف نفاس .
-الحكمة من وجود الحيض
يقول العلماء من أجل تغذي الجنين به إذا
كانت حاملاً . ولهذا إذا حملت المرأة ينقلب
الحيض غذاءً له وإذا وضعت ينقلب لبنا له وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى .
مسألة نزول الحيض لمن كانت حاملاً
كونه ينقلب غذاء للجنين يقول بعض العلماء
:إن الحامل لاتحيض
قال الإمام أحمد رحمه الله :إنما تعرف النساءُ
الحملَ بانقطاع الدم .
وثبت عن عائشة هذا المعنى روى الدارمي
في «سننه» (985) من طريق سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: إِنَّ الْحُبْلَى لَا تَحِيضُ،
فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ، فَلْتَغْتَسِلْ، وَلْتُصَلِّي.
وهذا إسناد حسن.
وسليمان بن موسى: الدمشقي كما في ترجمة
عطاء ابن أبي رباح من «تهذيب الكمال». وهو الأشدق. حسن الحديث.
وذكر ابن عبدالبر رحمه الله في التمهيد:أنه
قَالَ به الثَّوْرِيُّ, وَأَبُوحَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ, وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ,
وَعُبَيْدُاللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ, وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَيْسَ بِحَيْضٍ,
وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحَاضَةٌ لَا تَكُفُّ بِهِ عَنِ الصَّلَاةِ, وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ عُلَيَّةَ وَدَاوُدَ.
وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ وَمَنْ قَالَ
بِقَوْلِهِمْ: أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تُطَلَّقُ
لِلسُّنَّةِ إِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ, وَأَنَّ
الْحَمْلَ كُلَّهُ كَالطُّهْرِ الَّذِي لَمْ يُجَامَعْ فِيهِ.
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُهُ صلى
الله عليه وسلم : <لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ, وَلَا حَائِلٌ حَتَّى
تَحِيضَ> قَالُوا: فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يَنْفِي
الْحَيْضَ اهـ.
وجاء في رواية عن الإمام أحمد أن
الحامل قد تحيض .
وأخرج الإمام مالك رحمه الله في «الموطأ» (194) أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنِ
الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ. قَالَ: تَكُفُّ عَنِ الصَّلاَةِ.
قَالَ
مَالِكٌ: وَذلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
وأخرجه
الدارمي في «سننه» (961) من طريق مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ به.
قلت
:وهو قول الشافعي في رواية عنه .
وقد
ذكر الحافظ أبوعمر ابن عبدالبر في «التمهيد» (16/86) اختلاف العلماء في المسألة,
ورجح أن الحامل قد تحيض .
قال
:وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ فِي أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ
مَا يُحِيطُ بِهِ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْحَائِضَ قَدْ تَحْمِلُ فَكَذَلِكَ جَائِزٌ
أَنْ تَحِيضَ كَمَا جَائِزٌ أَنْ تَحْمِلَ.
وَالْأَصْلُ
فِي الدَّمِ الظَّاهِرِ مِنَ الْأَرْحَامِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا حَتَّى تَتَجَاوَزَ
الْمِقْدَارَ الَّذِي لَا يَكُونُ مِثْلُهُ حَيْضًا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ
اسْتِحَاضَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم إِنَّمَا حَكَمَ بِالِاسْتِحَاضَةِ فِي دَمٍ زَائِدٍ عَلَى
مِقْدَارِ الْحَيْضِ.
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: <لَا
تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ, وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ> مَا يَنْفِي
أَنْ يَكُونَ حَيْضٌ عَلَى حَمْلٍ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي سبي
أوطاس حين أرادوا وطأهن, فأُخبروا أن الْحَامِلَ لَا بَرَاءَةَ لِرَحِمِهَا
بِغَيْرِ الْوَضْعِ, وَالْحَائِلَ لَا بَرَاءَةَ لِرَحِمِهَا بِغَيْرِ الْحَيْضِ,
لَا أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
قلت
:وهو أيضاًقول الشيخ ابن عثيمين في رسالته الدماء الطبيعية وقال14 : وليس في
الكتاب والسنة ما يمنعُ حيض الحامل.
وهوقول الوالد الشيخ مقبل رحمهم الله .
والحاصل
في المسألة: أن الحامل قد تحيض وهذا نادر و
الغالب أنها لاتحيض ولكن إذا وجدت الحامل الدم وعليه أوصاف دم الحيض فإنه يكون حيضا
فكما أن المرضعة قد يأتها الحيض وهي ترضع ولدها فكذلك الحامل وكما ذكر ابن عبدالبر
من الأدلة المتقدمة ما يفيد تقوية القول بأن الحامل قد تحيض .والله أعلم .
-الحيض من علامات البلوغ
-قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء
(2/219)أجمع أهل العلم على أن المرأةإذا حاضت وجب عليهاالفرائض اهـ .
ومن علامات البلوغ الإنبات .وهوطلوع العانة
:الشعر الخشن الذي يكون حول ذكر الرجل وقُبُل المرأة .
والدليل ما رواه أبوداود في سننه (4404) عن عطيةَ القُرَظي قَالَ:
«كُنْتُ مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَكَانُوا يَنْظُرُونَ، فَمَنْ أَنْبَتَ
الشَّعْرَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ
يُنْبِتْ» .والحديث في الصحيح المسند للوالد رحمه
الله .
ومن علامات البلوغ : الإنزال سواء كان بجماع أواحتلام وعليه الإجماع .
هذه اﻵن ثلاثُ علامات حفظكن الله في علامات
البلوغ .
مسألة:هل لنزول الحيض سن محدد ؟
أكثر أهل العلم على أنه لاينزل لأقل من
تسع ولا يزيد على الخمسين .هذا الذي عليه أكثر أهل العلم .
-وهناك قول آخر وهو أنه قد يأتي الحيض لأقل
من تسع وقد يزيد على الخمسين .
وهذا قول الدارمي واختيار شيخ الإسلام وهو
قول أحمد في رواية عنه وهو قول الشيخ ابن عثمين ﻷنه ليس هناك دليل من الكتاب والسنة
على التحديد بسن معين فإذا وجد دم الحيض يكون حيضا .
فدم الحيض قد يكون في سن مبكر قد يكون قبل العاشرة وقد يكون قبل التسع وقد يكون لثلاثة
عشر ونحو ذلك .وقد قال الإمام الشافعي رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة .معناه أنها حملت
وهي أقل من بنت عشر لم تبلغ العاشرة وكذا ابنتها حملت ﻷقل من سن العاشرة والله أعلم
.
-مسألة أخيرة:متى كان بدأ الحيض في النساء؟.
قيل: سبب ابتدائه أن الله ابتلى حواء لما أكلت من
الشجرة واستمر فيها وفي بناتها إلى يوم القيامة .
-ومنهم من قال:بدأ بالحيض في نساء بني إسرائيل
وهذا فيه بعض الآثار .
وقد بوب الإمام البخاري لهذه المسألة في كتاب الحيض
وقال:(باب كيف كان بدأ الحيض) وَقَوْلُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ
آدَمَ». وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الحَيْضُ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أي البخاري: «وَحَدِيثُ
النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم أَكْثَرُ» .
قال النووي في المجموع (2/344)وَحَدِيثُ النبي صلى الله عليه وسلم
أَكْثَرَ: يَعْنِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ .
وقال ابن رجب في فتح الباري: يشير البخاري
أن الحيض لم يزل في النساء منذ خلقهن الله .
قال:وهذا هوالمروي عن جمهور السلف اهـ.
فالحديث عام في نساء بني إسرائيل وفيمن قبلهنَّ من بنات آدم .
أما نساء أهل الجنة فلا حيض عندهن ولا نفاس
والدليل قوله تعالى { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
[البقرة : 25].
قال الإمام أبو محمد عبد الغني بن عبدالواحد
المقْدِسِيِّ رحمه الله
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها (أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي
حُبَيْشٍ: سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ
فَلا أَطْهُرُ , أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ قَالَ: لا، إنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ , وَلَكِنْ
دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي)
وَفِي رِوَايَةٍ (وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ , فَإِذَا أَقْبَلَتْ
الْحَيْضَةُ: فَاتْرُكِي الصَّلاةَ فِيهَا فَإِذَا
ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي) .
ش :
في هذا الحديث من الفوائد
1- خروج المرأة لحاجتها .
2- أن صوت المرأة ليس بعورة .
3- اهتمام الصحابيات بالعلم والفقه .
4- سؤال المرأة بنفسها العالم .
ولكن بشرط أمن الفتنة وبدون
خضوع في القول لأن ربنا سبحانه يقول { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ
فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} .
5-أن الحائض لاتصلي وأيضا لاتصوم كما في
اﻷحاديث اﻷخرى (أليست إذا حاضت إحداكن لم تصل ولم تصم).
6- أن بعض النساء قد تبتلى بالاستحاضة
.
-الاستحاضة :نزول الدم من أدنى رحم المرأة
في غير وقته المعتاد.
(من أدنى رحم ) أي من فم الرحم .
والعِرق الذي أشير إليه في الحديث يقول
أهل العلم: يسمى بالعاذل .
قال ابن رجب في فتح الباري (2/51)وقد فرَّق النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين دم الحيض والاستحاضة بأن دم الاستحاضة عرق، وهذا يدل على
أن دم الحيض ليس دم عرق؛ فإنه دم طبيعي، يرخيه الرحم فيخرج من قعره، ودم الاستحاضة
يخرج من عرق ينفجراهـ المراد .
وقال قبل ذلك عن دم الاستحاضة: هوَ دم
فاسد غير طبيعي، بل عارض لمرض، فدم الحيض هوَ دم جبلةٍ وطبيعةٍ، يرخيه
الرحم بعد البلوغ في أوقات معتادة .
7-أن من ابتليت بالاستحاضة ولها عادة متقررة
من قبل فإنها تتحيض أيام حيضتها المعلومة وماعدا ذلك يكون استحاضة .
مثلاًعندها عادة في أول الشهر سبعة أيام
ثم طرأت الاستحاضة بعد زمن ثم صار الشهر أكثره أو كله ينزل فيه الدم ماذا تعمل ؟
هذه تتحيض أيامها المعلومة السبعة أيام
من أول كل شهر والباقي تعتبره استحاضة .
المستحاضة:لها ثلاثة حالات هذه إحداها.
الحالة الثانية :ليس لديها أيام معلومة
ولكن عندها تمييز تميز لون دم الحيض من غيره فهذه تعمل بالتمييز والدليل قول النبي
صلى الله عليه وسلم (إن دم الحيض دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا
كان اﻵخرفتوضئي وصلي) .
الحالة الثالثة:ليس لديها عادة متقررة ولاتمييز
فهذه تتحيض كما يتحيض غالب النساء ستاً أو سبعاً ودليل هذه المسألة حديث حمنة بنت جحش
وفيه :تَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً ثُمَّ اِغْتَسِلِي فَإِذَا اسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعَةً
وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ وَصُومِي وَصَلِّي فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكَ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كَمَا تَحِيضُ
اَلنِّسَاءُ .وهذه الأدلة هي في بلوغ المرام
.
(انتهى.)
قال الإمام أبو محمد عبد الغني بن عبدالواحد المقْدِسِيِّ رحمه الله في عمدة الأحكام
قوله في الحديث السابق ( ثم اغتسلي وصلي) (فاغسلي عنك الدم ) قال ابن رجب في فتح الباري (2/66)يجمع بين الروايتين ويؤخذ بهما في وجوب غسل الدم والاغتسال عندَ ذهاب الحيض.
وفيه من الفوائد مع ما تقدم
1-الغسل للمرأة إذا طهرت من الحيض .
قال ابن قدامة في المغني (1/154)لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ اهـ .
-وهل يجوز للزوج أن يجامع امرأته إذا انقطع عنها دم الحيض قبل أن تغتسل؟.
للعلماء قولان في المسألة
1-أنه لايجوز له أن يجامعها قبل الغسل أو تتيمم إذا تعذر استعمال الماءوهذا قول جمهور أهل العلم .حتى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا كَالْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرُّوذِيُّ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا كما في المغني.
والدليل قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة] : [222]
-فإذا تطهرن / أي اغتسلن
2- القول الثاني أنه يجوز له أن يجامعها قبل الاغتسال إذا انقطع عنها الدم وهذا قول مجاهد وعكرمة وطاووس ويحيى بن بُكير من المالكية وجماعة آخرين .
يراجع تفسير القرطبي وابن كثير عند الآية المذكورة .
والأول هو الصحيح للآية المذكورة {فإذا تطهرن } .
-قال الإمام أبو محمد عبد الغني بن عبدالواحد المقْدَسِيِّ رحمه الله في عمدة الأحكام
عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة .
ش
(استحيضت) الاستحاضة :جريان الدم من أدنى رحم المرأة في غير أوانه .
والدماء التي تخرج من المرأة ثلاثة أنواع
1-دم حيض .
2- دم استحاضة .
3- دم نفاس .
<من فوائدالحديث>
1-أن أم حبيبة ابتليت بالاستحاضة سبع سنين .
2- سؤال أهل العلم .والله عزوجل يقول {ۖفَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء : 7]
3- الغسل عند انتهاء مدة الحيض . لأن قول عائشة( فأمرها أن تغتسل) يُراد به الغسل عند انقطاع الحيض .
قال ابن رجب في فتح الباري : النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أمرها أن تغتسل إذا ذهبت أيام حيضتها، فلا يدخل في ذَلِكَ غير الغسل عند فراغ حيضتها، وأما ما فعلته فَقد تكون فعلته احتياطاً وتبرعاً بذلك -: كذلك قاله الليث بنِ سعد وابن عيينة والشافعي وغيرهم مِن الأئمة.
ويدل على أن أمرها بالغسل لَم يعم كل صلاة: أن عائشة روت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها أن تغتسل، وقالت عائشة: (فكانت تغتسل لكل صلاة) ، فدل على أن عائشة فهمت مِن أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير ما فعلته المستحاضة، وعائشة راوية الحديث، وهي أفقه وأفهم مِن غيرها مِن النساء.
فقولها (وكانت تغتسل لكل صلاة ) .
هذا اجتهاد من أم حبيبة رضي الله عنها.
فقد روى الإمام مسلم (3034)
عن الليث ابن سعد أنه قال لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاةولكنه شي فعلته هي. وقد جاء في بعض الروايات( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تغتسل لكل صلاة )ولكنها معلة وبعضها ضعيفة السند وقد أعلها جماعة من الحفاظ فعلى هذا لا يستحب للمستحاضة أن تغتسل لكل صلاة .
قال ابن عبد البر في التمهيد (16/99)وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فِي إِيجَابِ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ فَكُلُّهَا مُضْطَرِبَةٌ لَا تَجِبُ بِمِثْلِهَا حُجَّةٌ اهـ .
وراجعي فتح الباري لابن رجب .والله أعلم .
- قال الإمام أبو محمد عبد الغني بن عبدالواحد المقْدِسِيِّ رحمه الله في عمدة الأحكام
(عن عائشة رضي الله عنها قالت :كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنب)
(وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض )
(وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض)
ش
هذه ثلاث روايات
-الرواية-اﻷولى (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد كلانا جنب)
<الفوائد>
1- فيه حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم ﻷهله فإن اغتساله مع أهله من إناء واحد يجلب اﻷُنس والمودة.
وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته كلها أخلاق عالية مع أهله وهو القائل (خيركم ﻷهله وأنا خيركم ﻷهلي)وفي صحيح البخاري عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ».
(مهنة أهله) أي خدمة أهله.
فهذه حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهذه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصفه ربه بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم] .
2- جواز نظر الرجل إلى فرج امرأته والعكس نظر المرأة إلى فرج زوجها.
أما مارواه ابن ماجة في سننه (1922)والترمذي في الشمائل (342)من طريق مولى لعائشة (عن عائشة رضي الله عنها قالت مارأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط)فهوحديث ضعيف . فيه مبهم وهو مولى لعائشة.
الرواية الثانية :(وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض )
-قولها فأتزر/أي تلبس إزارا يسترها من السرة إلى الركبة .
وقولها فيباشرني /المباشرة التقاءالبشرتين .
والبشرة ظاهر الجلد .
وفيه دليل على جوازمباشرة الحائض من فوق الإزار .
ومباشرة الحائض على ثلاثة أقسام
1-المباشرة في الفرج وهذا حرام بالدليل والإجماع قال تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ َۖ} [البقرة : 222]
وإذا جامعها وهي حائض فهو آثم .
وهل عليه كفارة ؟قولان للعلماء
والصحيح أنه ليس عليه كفارة ولكن عليه التوبة الصادقة
أما الكفارة فيها حديث معل وهو حديث ابن عباس في الذي يأتي أمرأته وهي حائض (قال يتصدق بدينار أوبنصف دينار) و الصحيح أنه موقوف .قال ابن كثير في تفسيرالآية { فاعتزلوا النساء في المحيض} عن القول بعدم الكفارة عليه قال :وَهُوَ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ .
2-المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة وهذا جائز.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أنس (اصنعوا كل شي إلا النكاح ) .ونقل النووي في شرح مسلم -الإجماع على الجواز.
3-أن يباشرها فيما بين السرة والركبة في غير الفرج فهذا الورع واﻷحوط تركه ﻷن النبي كان يأمرأهله فتتزرفيباشرها من فوق الإزار .
ولما في الصحيحين عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وأن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب).
الشاهد (ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) .فقد يؤدي القرب من الحرام إلى الوقوع فيه وهذا كما تقدم من باب الورع والأحوط .
وقد تقدم من حديث أنس (اصنعوا كل شي اﻷ النكاح) وهذا يدل على على الجواز. وثبت في سنن أبي داوود(292)عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ( كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا) والحديث صحيح
وقد ذهب إلى هذا جماعة من العلماء.
وذهب أكثر العلماء على أنه يحرم المباشرة فيما بين السرة والركبة للحائض في غير الفرج كما نقله النووي عنهم في شرح صحيح مسلم .
وذلك سداً لذرائع الوقوع في المحرم.
ونقل ابن كثير في تفسيره عن كثير من العلماء عكس ما نقله عنهم النووي.
قال ابن كثير :فَقَوْلُهُ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} يَعْنِي فِي الفَرْج، لِقَوْلِهِ: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ" ؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ إِلَى أَنَّهُ تَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْحَائِضِ فِيمَا عَدَا الْفَرْجِ.
الرواية الثالثة : (وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض)
1-فيه طهارة الحائض فالحائض طاهر وعرقها طاهر وملابسها طاهرة إلا إذا وقع عليها النجاسة.
2-جواز تغسيل المرأة الحائض الموتى .
وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: <سبحان الله إن المسلم لا ينجس>.
وقد ذهب إلى ذلك: مالك, وعلقمة, وعطاء, وابن المنذر, في «الإشراف» (2/321).
وقال النووي في «المجموع» (5/105) ط دار إحياء التراث: يجوز للجنب والحائض غسل الميت بلا كراهة, ودليلنا: أنهما طاهران كغيرهما. اهـ المراد.
وننبه على قصة لجماعة من المحدثين في هذه المسألة .وذلك فيما أخرجه الرامهرمزي رحمه الله عن شيخه أَبي عُمُرَ أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ ذَكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ وَأُنْسِيتُ أَنَا اسْمَهُ وَأَحْسبهُ يُوسُف بن الصَّاد قَالَ
وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ فِي جَمَاعَةٍ يَتَذَاكَرُونَ الْحَدِيثَ فَسَمِعَتْهُمْ يَقُولُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوَاهُ فُلَانٌ وَمَا حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ فُلَانٍ فَسَأَلَتْهُمْ عَنِ الْحَائِضِ تُغَسِّلُ الْمَوْتَى وَكَانَتْ غَاسِلَةً فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ فَأَقْبَلَ أَبُو ثَوْرٍ فَقَالُوا لَهَا عَلَيْكِ بِالْمُقْبِلِ فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ وَقَدْ دَنَا مِنْهَا فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ تُغَسِّلُ الْمَيِّتَ لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَمَا إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ وَلِقَوْلِهَا كُنْتُ أَفْرُقُ رَأْسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ وَأَنَا حَائِضٌ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فَإِذَا فَرَقَتْ رَأْسَ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ فَقَالُوا نَعَمْ رَوَاهُ فُلَانٌ وَحَدَّثَنَاهُ فُلَانٌ وَيَعْرِفُونَهُ مِنْ طُرُقِ كَذَا وَخَاضُوا فِي الطُّرُقِ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ فَأَيْنَ كُنْتُمْ إِلَى الْآنَ .
هذه القصة ضعيفة فيها شيخ الرامهرمزي أَبُو عُمُرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ لم أعرفه بعد البحث عنه وشيخه مبهم نسيه ابن خلاد أي الرامهرمزي وإن كان يوسف بن الصاد فلم أجده والله أعلم .
وأبوثور المذكور: إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي الفقيه.
وأبوخيثمة: زهيرُ بن حرب.
3- جواز مس المعتكف لزوجته وهذا من غير شهوة .
أما قوله تعالى {ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ } [البقرة : 187] .
فقال ابن كثير في تفسير هذه الآية الْمُرَادُ :بِالْمُبَاشِرَةِ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ مِنْ تَقْبِيلٍ وَمُعَانَقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَمَّا مُعَاطَاةُ الشَّيْءِ وَنَحْوهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ
4-خدمة المرأة لزوجها.
قال الإمام المقدسي رحمه الله عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ القُرْآنَ».
-الحِجْر : الحِضْن .
والحضن ما دُون الإبط إلى الكشح .
قال الخليل بن أحمد في كتاب العين (3/57) الكشح: من لدن السرة إلى المَتْن ما بَيْنَ الخاصِرة إلى الضِلَع الخَلْف، وهو مَوضِع مَوقِع السَّيْف إلى المُتَقَلِّد.
ويفسر الاتكاء ما في سنن أبي داود (260)«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِي فَيَقْرَأُ وَأَنَا حَائِضٌ» .
2-طهارة المرأة الحائض .
3-وفيه جواز قراءة القرآن بالقرب من مكان النجاسة .
وهذا يقتضي المنع من قراءة القرآن في الأماكن المستقذرة وقد قال تعالى { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} .
4-جواز قراءة القرآن للمضطجع وهذا داخل في قوله تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}.
قال الإمام أبو محمد عبد الغني بن عبدالواحد المقْدِسِيِّ رحمه الله في عمدة الأحكام
عن معاذة بنت عبد الله قالت :سألت عائشة رشي الله عنها فقلت :مابال الحائض تقضي الصوم ولاتقضي الصلاة ؟فقالت :أحرورية أنت ؟فقلت :لست بحرورية ولكني أسأل فقالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولانؤمر بقضاء الصلاة
<الفوائد>
1-فيه أن الحائض لاتصلي ولاتصوم .
2- قضاء الحائض الصيام دون الصلاة .
قال العلماء :الحكمة من ذلك أن الصلاة تكثر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم فإنه يكون في السنة مرة واحدة.
3-جرح أم المؤمنين عائشة للخوارج لأنها ذمتهم واستفسرت من معاذة فقالت ( أحرورية أنت) .
الحرورية : فرقة من الخوارج يرون قضاء الصوم وقضاء الصلاة على المرأة الحائض -فلهذا قالت عائشة(أحرورية أنت) وهذا من تعمقهم وتشددهم .
و مذهب أهل السنة على ما دلت عليه الأدلة من عدم القضاء للصلاة . قال ابن عبدالبر في التمهيد (22/107) :وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَصُومُ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ
4- أنه لا يلزم ذكر الحكمة والعدول إلى ما هو أهم وهو الاستسلام للدليل ، كان جواب عائشة : (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولانؤمر بقضاء الصلاة) .
وقد بوب البخاري في كتاب الصيام بَابٌ: الحَائِضُ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ . وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: " إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ المُسْلِمُونَ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ اهـ
فالرأي وهو العقل على وجوب قضاء الصيام والصلاة لأن كلا منهما عبادة لله سبحانه ولكن لا يجد المسلمون بُدَّاً من اتباع الدليل ولا مدخل للعقل في ذلك والواجب علينا نقول سمعنا وأطعنا . .
واﻷدلة غالبا معللة بالحكمة ولكن أحيانا يخفى على العلماء وأحيانا يختلفون فيها على عدة أقوال .
*وبهذا ننتهي* والحمد لله .
* * * ****
قال:الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله
كتاب الصلاة
الصلاة لغة:الدعاء ومنه قوله
تعالى{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَك سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
[التوبة : 103] .
وقال
الشاعر :
لَهَا
حَارِسٌ لَا يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَا ... وَإِنْ ذبحت صلّى عليها وزمزما
(صلى) أي
دعا لها .
الذَبْحُ:
الشَقُّ كما في الصحاح .
وزمزم
بمعنى ترنَّم .
والصلاة شرعا:عبادة ذات أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة
بالتسليم .
واختلف أهل العلم من أي شي اشتقت الصلاة على أقوال:
قال ابن
كثير في تفسيره : قِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصَّلَوَيْنِ إِذَا تَحَرَّكَا في
الصلاة عند الركوع والسجود، وهما عِرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفان عجْب الذنب
ومنه سمي المصلِّي وهو التالي لِلسَّابِقِ فِي حَلْبَةِ الْخَيْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَقِيلَ
هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصَّلَى وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ لِلشَّيْءِ من قوله تعالى:
لا يَصْلاها أي لا يَلْزَمُهَا وَيَدُومُ فِيهَا إِلَّا الْأَشْقَى [اللَّيْلِ:
15] .
وَقِيلَ
مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَصْلِيَةِ الْخَشَبَةِ فِي النَّارِ لِتُقَوَّمَ كَمَا أَنَّ
الْمُصَلِّيَ يُقَوِّمُ عِوَجَهُ بِالصَّلَاةِ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ
الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [الْعَنْكَبُوتِ: 45] .
وَاشْتِقَاقُهَا
مِنَ الدُّعَاءِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
وهذه
أربعة أقوال ذكرها ابن كثيرفي اشتقاق الصلاة الشرعية أي من أي شيء اشتقت ؟.
وقوله
عجب الذنب : العصعص وهو العظم الذي بين
الوركين .
وقول ابن
كثير :( ومنه سمي المصلِّي ) .
أي من
الصلوين سمي المصلِّي وهو الفرس التالي للسابق لأنه يضع رأسه عند صلوي الفرس
السابق وهو الصلا الذي ما عن يمين الذنب وشماله .
والحَلْبَةُ،
بالفتح: الدُّفْعَةُ من الخَيْلِ في الرِّهانِ، وخَيْلٌ تَجْتَمِعُ للسِّباقِ من
كلِّ أوْبٍ للنُّصْرَةِ كما في القاموس .
وقوله :
وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَصْلِيَةِ الْخَشَبَةِ فِي النَّارِ .أي مشتق من تصلية
العود الذي يوضع في النار من أجل تليينه وإقامة اعوجاجه فالمصلي يقوم اعوجاجه
بالصلاة لأن الصلاة تصلح باطنه وظاهره ومساوئه وأخطاءه . واستدل لذلك ابن كثير
بقوله تعالى{ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ } .
والحافظ
ابن كثير يرجح أن الصلاة الشرعية مشتقة من الدعاء .
قال:الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله
باب المواقيت
المواقيت جمع ميقات قال الجوهري في "الصحاح " الميقات:
الوقتُ المضروب للفعل، والموضعُ. يقال هذا ميقات أهل الشام، للموضع الذي يحرمون
منه.
وقال البعلي في " المطلع على ألفاظ المقنع" :هو الزمان
والمكان المضروب للفعل.
وهو قسمان
1-مواقيت زمانية كمواقيت الصلاة وكأشهر الحج .
2-مواقيت مكانية كمواقيت الْإِهْلَالِ بالحج والعمرة وفي ذلك ما في
الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ
المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ
نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ،
وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ
وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ
مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» .
قال الإمام
الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله
عن أبي عمروا
الشيباني -واسمه سعد بن إياس -قال:حدثني صاحب
هذه الدار-وأشاربيده إلى دار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:سألت النبي صلى الله
عليه وسلم:أي اﻷعمال أحب إلى الله عزوجل ؟ قال: (الصلاة على وقتها) قلت :ثم أي؟ قال:
(بر الوالدين) قلت :ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل لله)قال حدثني بهن رسول الله صل الله
عليه وسلم.
ولو استزدته لزادني .
الحديث فيه من الفوائد
1-أن اﻷعمال الصالحة تتفاوت في الفضل فبعضهما أفضل من بعض .
وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سئل (أي العمل أفضل فقال إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل
الله قيل ثم ماذا قال حج مبرور).
وأخرج الترمذي وغيره من حديث أبي الدرداءأن النبي صلى الله عليه وسلم
«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ،
وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ،
وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ
وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ» ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى»
.
وقد اشتُكل الجمع بين هذه اﻷحاديث وما في معناها فأن ظاهرها الاختلاف.
وقد جمع بعض العلماء بينها بأن
ذلك باعتبار اﻷشخاص واﻷحوال
فمن كان مطيقا للجهاد فأفضل أعماله الجهاد .
ومن كان كثير المال فأفضل الصدقة .
ومن كان غير متصف بأحد الصفتين المذكورتين فأفضل أعماله الذكر والصلاة
ونحو ذلك .
-ومنهم من قال هناك (من)مقدر أي من أفضل اﻷعمال .
راجعي إحكام اﻷحكام لابن دقيق العيد
في هذا الموضع
وفتح الباري للحافظ ابن حجر (527)
وتحفة الذاكرين للشوكاني صفحة(18) .
2- اثبات صفة المحبة لله عزوجل .
وهذه الصفة من الصفات الفعلية نؤمن بها ولانؤلها ولانكيفها قال تعالى
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]
3- فضل الصلاة في أول وقتها ويشمله قول ربنا عزوجل{ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ
ۚ } [البقرة : 148] وقوله
تعالى
{سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ
فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد
: 21]
وهناك زيادة خارج الصحيحين (في أول وقتها )ولكنها قد أعلت وقد تكلم ابن
حجر في فتح الباري (527)على طرقها.
وهناك حديث(أول الوقت رضوان الله وأوسطه رحمة الله وآخره عفوالله)
ولكنه حديث ضعيف جدا.من أحاديث بلوغ المرام .
4-قوله (ولو استزدته لزادني )دليل على شفقه الطالب على معلمه فلايرهقه
بكثرة اﻷسئلة أويوقعه في الضجروالملل .
وكثرة اﻷسئلة إذا كان يؤدي إلى إرهاق الشيخ وتضجُّره هذا لا ينبغي ابن مسعود يقول( ولواستزدته لزادني) وابن مسعود من
أحرص الصحابة على العلم لكنه اكتفى بهذه اﻷسئلة شفقة على النبي صلى الله عليه وسلم
.
وربما وقع منه في هذا الحال قسوة
ونفرة من الطالب، قال الخطيب رحمه الله في جامعه (رقم 413) والإضجار يُغيِّر الأفهام،
ويفسد الأخلاق، ويحيل الطباع. اهـ.
وقد حدث سعيد بن جبير يومًا بحديث
فاستعاده تلميذه أيوب السختياني فقال: ما كلَّ ساعة أحلب فأشرب. والأثر ثابت عند
الخطيب في جامعه والدارمي في مقدمة سننه وغيرهما.
وحدَّث أبو معاوية محمد بن خازم
الضرير، فألح عليه بعضهم بالإعادة، وجعلوا يقولون له: الأعمش عمن؟! فقال: الأعمش
عن إبليس! من الضجر. أخرجه الخطيب في جامعه (414) وهو صحيح.
وقال مسعر بن كدام وقد أزعجوه: من
أبغضني جعله الله مُحَدِّثاً. والأثر عند أبي نعيم في الحلية (7/201) والخطيب في
«الجامع» وغيرهما.
وكان طلاب شعبة يقولون له: يا أبا بسطام، يا أبا
بسطام؟ فقال: لا أحدث اليوم من قال: يا أبا بسطام.
وكل هذه الآثار ثابتة.
فهذا من اﻷدب أن لايعَّرِض الطالب
شيخه للقسوة ولايرهقه .
5- إلقاء عدد من اﻷسئلة في وقت واحد .
أما حديث( وكره لكم قيل وقال
وكثرة السؤال وإضاعةالمال) فكثرة السؤال هذا إذا كان عن تعنت لايريد إستفادة أو في
أمور لايحتاج لها وفي أمور استأثر الله بعلمها مثل السؤال عن كيفية صفات الله عزوجل فإن الله عزوجل يقول {ولا
يحيطون به علما } والسؤال عن الوقت الذي تقام فيه الساعة وما أشبه ذلك .
6-بيان أسئلة الصحابة وأنها أسئلة
علمية وهذا من حُسن السؤال الذي يقول عنه أهل العلم (حُسن السؤال نصف العلم ).
واﻷسئلة العلمية المفيدة توفيق من الله
أخرج مسلم من حديث أبي أَيُّوبَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صلى
الله عليه وعلى آله وسلم وَهُوَ فِي
سَفَرٍ فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، أَوْ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَمَا
يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ثُمَّ
نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: <لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ،
قَالَ: كَيْفَ، قُلْتَ: قَالَ: فَأَعَادَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى
آله وسلم : تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ
بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ
دَعِ النَّاقَةَ>.
وكما قال بعض السلف: للعلم أقفلة ومفاتيحها المسألة
.
وثبت في "المعرفة والتاريخ للفسوي عن ابن شهاب أنه قال: إنما هذا
العلم خزائن، وتفتحها المسألة.
نسأل الله أن ينفعنا ويفقهنا في دينه.
قال :الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي
عن عائشة رضي الله عنهاقالت (لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي
الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن مايعرفهن أحد
من الغلس )
فيشهد /فيحضر
متلفعات /مشتملات
بمرطهن /المرط الكساء
الغلس /اختلاط ضوء الصبح بظلمةالليل
[من فوائد الحديث]
1-جوازشهود المساجد النساءلصلاة الجماعة وهذا إذا أُمنت الفتنة على النساء
وهكذا أُمن على الرجال من الفتنة بهن .
وهناك أيضا آداب أخرى لخروج المرأة المسجد للصلاة .
-أن تخرج وهي متسترة .
ألا تتطيب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أيما أمرأة أصابت بخورا
فلاتشهد معنا العشاء اﻵخرة .)
وثبت في سنن أبي داود بسند حسن ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ
اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» .
أي غير متطيبات .
وقال (أي أمرأة استعطرت فمرت
بالقوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا ) أي زانية
.
وهذا يدل أنه كبيرة من الكبائر أن يجد الرجال رائحة الطيب والبخور من
النساء .
(البخور)بفتح الباء كما قال النووي
.
- اجتناب مزاحمة الرجال والله أعلم .
-ومع جواز ذهاب النساء إلى المسجد فإن اﻷفضل أن يصلين في بيوتهن لمارواه
أبوداوود (لاتمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن)
هذا هو اﻷفضل وأصله في الصحيحين بدون زيادة (وبيوتهن خير لهن).
وفي هذا المعنى ما رواه أبوداود بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا
فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي
بَيْتِهَا» .
2-وهذا الحديث من أدلة حجاب المرأة .بأنها تخرج متسترة وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم (المرأة عورة)رواه الترمذي عن أبن مسعود .
وقال ربنا عزوجل
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا
يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب : 59]
وقال :{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا
فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ
ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور :
60]
فهذا أفضل ولوكانت كبيرة السن أفضل لها تخرج متسترة ومغطية لوجهها وكفيها
.
ومفهوم الآية أن المرأة التي
ليست كبيرة في السن يلزمها التستر ومنه تغطية الوجه والكفين عند اﻷجانب.
أما مارواه أبو داوود من طريق
سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خَالِدٍ بْنِ دُرَيْكٍ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ
الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا
هَذَا وَهَذَا» وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيه .
فهذا حديث ضعيف .قال أبوداود عقبه : هَذَا مُرْسَلٌ، خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اهـ .
وسعيد بن بشير ضعيف . وقد خالفه
من هوأرجح منه وهوهشام ابن أبي عبدالله الدستوائي فروى الحديث مرسلاً وهو أحد اﻷثبات
في قتادة .
أثبت الناس في قتادة ثلاثة
1-هشام الدستوائي
2- شعبة ابن الحجاج
3- سعيدابن أبي عروبة
وفائد معرفة اﻷثبات
الترجيح عند المخالفة والله أعلم .
وقد بوب له البخاري في صحيحه
3- من فوائد الحديث ما بوب الإمام البخاري (باب في كم تصلي المرأة من
الثياب )
وقال عكرمة «لَوْ وَارَتْ
جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ لَأَجَزْتُهُ» .
-وارت /غطت
الشاهد :أن صلاة النساء متلفعات بمرطهن فيه احتمال أنهن يصلين في ثوب
واحد .
وقد اختلف العلماء كم تصلي المرأة فيه من الثياب
منهم من قال : تصلي في درع وخمار .
-الدرع /القميص
-والخمار/مايغطي الرأس
وذكر ابن المنذر في اﻷوسط (5/75) عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُخَمِّرَ فِي الصَّلَاةِ جَمِيعَ بَدَنِهَا
سِوَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَيَجْزِيهَا فِيمَا صَلَّتْ فِي ثَوْبٍ، أَوْ
ثَوْبَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ إِذَا سَتَرَتْ مَا يَجِبُ
عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا أَحْسِبُ مَا رُوِيَ عَنِ
الْأَوَائِلِ مِمَّنْ أَمَرَ بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ إِلَّا
اسْتِحْبَابًا وَاحْتِيَاطًا لَهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ .
فالمطلوب
أن تستر المرأة بدنها ولا يلزم أن تصلي في ثوبين أو ثلاثة .
-وأهل العلم أن المرأة تستر جميع بدنها في الصلاة سوى وجهها وكفيها .
وهكذا أيضا على الصحيح كشف القدمين للمرأة في الصلاة .
وجمهور العلماء على وجوب تغطية القدمين في الصلاة للمرأة.
وذهب أبو حنيفة وجماعة من العلماء وهو اختيار شيخ الإسلام كما في مجموع
الفتاوى واختيار الشيخ مقبل رحمه الله -أنه لايجب تغطية القدمين .
وأما مارواه أبوداود في سننه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ
عَلَيْهَا إِزَارٌ؟، قَالَ: «إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ
قَدَمَيْهَا» .
فهو حديث ضعيف لايستدل به على المنع فيه( أم محمد بن زيد بن قنفذ)مجهولة .
واﻷفضل لها تغطية القدمين لقوله تعالى} يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ
مَسْجِدٍ } [الأعراف : 31]
أي عند كل صلاة والله أعلم .
1-
التعجيل بصلاة الفجر في أول وقتها وهذا
قول جمهور العلماء .
وهناك من يرى أن الإسفار أفضل .
قال الخطابي في معالم السنن : قال الثوري
وأصحاب الرأي الإسفار أفضل.
وأصحاب الرأي هم الحنفية كما أفادنا الوالد رحمه
الله تعالى .
ودليلهم على الإسفارما جاء عن رافع ابن خديج الحديث
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(أسفروا بالصبح فإنه أعظم ﻷجوركم )ولكن المراد بالحديث
التأكد من طلوع الفجر كما قال الإمام أحمد والله أعلم .
وقوله (مايعرفهن أحد من الغلس )أي أنهن لايعرفن أرجال أم نساء.
قال المؤلف المقدسي رحمه الله
عن جابر بن عبدالله
رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه
وسلم يصلي الظهر: بالهاجرة والعصر: والشمس نقية والمغرب: إذا وجبت ،
والعشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا :عجَّل وإذا رآهم أبطؤوا أخَّر والصبح: كان
النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بالغلس.)
الشرح
جابر بن عبدالله صحابي
ابن صحابي .
وجابر بن عبد الله بن
عمرو بن حرام والده أفضل منه
قال النبي صلى الله
عليه وسلم لجابر:(مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ،
وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا) أخرجه الترمذي في سننه (3010) وهو حديث
حسن .
(كفاحاً )أي
مُواجَهةً لَيْسَ بَيْنَهُمَا حِجابٌ وَلَا رَسُولٌ كما في النهاية.
وجابر بن عبدالله تزوج بعد وفاة أبيه بامرأة
ثيب فعلم النبي صلى الله عليه وسلم
فقال:( هلا تزوجت بكراً
تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك قال يارسول إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ
أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ، وَتَمْشُطُهُنَّ، وَتَقُومُ
عَلَيْهِنَّ).
وفي رواية قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ
أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ،
فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ .
فآثر مصلحة أخواته على
مصلحة نفسه رضي الله عنه.
(الهاجرة والهجير)/نصف النهاروقت اشتداد الحرعقب
زوال الشمس .
زوال الشمس/ميل الشمس
عن كبد السماء إلى جهة الغروب .
-(والشمس نقية) قال
ابن الجوزي (3/12)أي لم يتغير لونها فإنه كل ما قرُب المساء ضعف نورها وتغير .
(والمغرب إذا وجبت) أي سقطت الشمس ومنه قوله تعالى
فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَاَ} [الحج : 36]
أي سقطت .
قال النووي رحمه الله
في شرح صحيح مسلم : حُذِفَ ذكرُ الشمس للعلم بها كقوله تعالى { حَتَّىٰ
تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص : 32].
(والعشاء أحيانا وأحيانا)
يفسره ما بعده (إذا رآهم اجتمعوا :عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر) .
من فوائد الحديث
1- المبادرة بصلاة
الظهرفي أول وقتها .
أول وقت صلاة الظهر
أول وقت صلاة الظهر
زوال الشمس كما في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمروعن النبي صلى الله عليه وسلم «وَقْتُ
الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ
يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ
صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ
إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ
الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ
عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ».
قال ابن المنذر رحمه الله في الإجماع 18: وأجمعوا
على أن وقت الظهر: زوال الشمس اهـ
2- المبادرة بصلاة العصر
.
وفي صحيح البخاري (522)
وصحيح مسلم (611)عن عائشة «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يُصَلِّي العَصْرَ، وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ» .
قال ابن عبدالبر في
التمهيد (8/96)الْحُجْرَةُ الدَّارُ ، وكل
ما أحاط به حائط فَهُوَ حُجْرَةٌ .
وَأَصْلُ
الْحُجْرَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّحْجِيرِ تَقُولُ :حَجَرْتُ عَلَى نَفْسِي إِذَا
أَحَطْتَ عَلَيْهَا بحائط .
وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى قِصَرِ بُنْيَانِهِمْ وَاخْتِصَارِهِمْ فِيهِ لِأَنَّ
الْحَدِيثَ إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ تَعْجِيلُ الْعَصْرِ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ
مَعَ قِصَرِ الحيطان .
أول وقت صلاة العصر
أول وقت العصر مصير
ظل الشئ مثله سوى فَئ الزوال .
لما رواه النسائي
في سننه (504) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «صَلِّ مَعِي» .
فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ فَيْءُ
كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ
حِينَ غَابَ الشَّفَقُ..والحديث حسن .
وهذا ما عليه
جمهورالعلماء أن وقت العصر يدخل بمصير ظل الشئ مثله سوى فئ الزوال
وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: لَا يَدْخُلُ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ .
وهذا قريب من
اصفرار الشمس .
وحديث جابر وما في
معناه دليل للجمهور .
قال ابن عبدالبر في
التمهيد (3/280) :قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ حَتَّى
يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ فَخَالَفَ الْآثَارَ وَجَمَاعَةَ
الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ اهـ المراد.
ليس هناك اشتراك
بين آخروقت الظهروأول وقت العصر
لقول النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم (وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ
الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ) .
دل الحديث أنه إذا
دخل وقت العصر لم يبقَ شيء من وقت الظهر.
أما ما جاء في حديث جابر عند النسائي بالرقم المذكور
سابقاً وفيه قَالَ: ثُمَّ صَلَّى
الظُّهْرَ –أي من الغد-حِينَ كَانَ فَيْءُ الْإِنْسَانِ مِثْلَهُ، وَالْعَصْرَ
حِينَ كَانَ فَيْءُ الْإِنْسَانِ مِثْلَيْهِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ كَانَ قُبَيْلَ
غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ. الحديث .
وأخرجه أحمد (22/408)وفيه أن جبريل هو الذي أمَّ
بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلمه مواقيت الصلاة.
فاستدل به مَالِكٌ
وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أنه إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ
دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الظُّهْرِ بَلْ يَبْقَى بَعْدَ
ذَلِكَ قَدْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ صَالِحٌ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَدَاءٌ .
وقد ذكر النووي في
شرح صحيح مسلم أنه أجاب عنه الشافعي وَالْأَكْثَرُونَ :بِأَنَّ مَعْنَاهُ فَرَغَ
مِنَ الظُّهْرِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَشَرَعَ فِي الْعَصْرِ
فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَلَا
اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ
الْأَحَادِيثِ وَأَنَّهُ إِذَا حُمِلَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ يَكُونُ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ
مَجْهُولًا لِأَنَّهُ إِذَا ابْتَدَأَ بِهَا حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ
مِثْلَهُ لَمْ يَعْلَمْ مَتَى فَرَغَ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ آخِرَ وَقْتِ
الظُّهْرِ مَجْهُولًا وَلَا يَحْصُلُ بَيَانُ حُدُودِ الْأَوْقَاتِ وَإِذَا حُمِلَ
عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ حَصَلَ مَعْرِفَةُ آخِرِ الْوَقْتِ وَانْتَظَمَتِ
الْأَحَادِيثُ عَلَى اتِّفَاقٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
صلاة العصر لها
وقتان :
اختياري :من أول وقت العصر ما لم تصفر الشمس .
اضطراري :وهو من
وقت اصفرار الشمس إلى غروبها .
وهذا ﻷصحاب الضرورات كالحائض إذا طهرت والنفاس وما
أشبه ذلك .
قال ابن القاسم في
حاشية الروض المربع (1/472) وسمي بالضرورة لأنه مختص بأرباب الضرورات من غفلة أو
نوم أو إغماء أو جنون أو حيض ونحو ذلك.
ولا تُؤخر صلاة
العصرعمداً لوقت الاضطرار لهذا الحديث (مالم تصفر الشمس) ولما رواه الإمام مسلم عن
أنس بن مالك سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
«تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ
بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ
فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» .
ولكنه لوصلاها بعد اصفرار
الشمس فإنها تجزئه لحديث أبي هريرة المتفق
عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد
أدرك العصر). ولما في صحيح مسلم (681)عن أبي قتادة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِيَّ
النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ
حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةَ الْأُخْرَى).
3- المبادرة بصلاة
المغرب حين غروب الشمس.
وقت صلاة المغرب
وأول وقت المغرب غروب
الشمس وهذا عليه إجماع العلماء نقل الإجماعَ ابن عبد البر في التمهيد(8/79)والبغوي
في شرح السنة (2/186) وغيرُهما من العلماء .
أما الروافض فعندهم
أول وقت المغرب طلوع النجوم وهذا من مشابهتهم لليهود.
وقد جاء في صحيح مسلم
(830) عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ: «إِنَّ
هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ
حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا
حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ». وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ.
وقد اختلف العلماء في
المراد بقوله (حتى يطلع الشاهد)على أقوال:
منها :أن (الشاهد النجم) إنما أراد أن النهي
يزول بغروب الشمس، وإنما علقه بطلوع الشاهد لأنه مظنة له، والحكم يتعلق بالغروب
نفسه.
ومنها: أنه نجم خفي
يراه حديدُ البصر بمجرد غروب الشمس فرؤيته علامة لغروبها اهـ
وثمة بعض الأقوال
الأخرى يراجع فتح الباري لابن رجب (4/355) .
من علامات الغروب
يتحقق الغروب بطلوع ظلام الليل من جهة المشرق وإدبار
النهار من جهة المغرب كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم(إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشس فقد أفطر الصائم)
.
للمغرب وقتان
لأن وقت المغرب يمتد
إلى دخول العشاء لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ
مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ ).
قال ابن القاسم في
حاشية الروض المربع (1/473) :فلها وقتان وقت اختيار، وهو إلى ظهور الأنجم، ووقت
كراهة، وهو ما بعده إلى مغيب الحمرة اهـ
قال ابن عبد البرفي
التمهيد (8/79):الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ
عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَبِهَذَا تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ إِلَّا
أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ فَإِذَا غَابَ
الشَّفَقُ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ .
ثم ذكر ابن عبدالبر
أن قول مالك في الموطأ قَالَ به أَبُو
حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وداود والطبري.
وهؤلاء جَعَلُوا لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ
كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ .
وكان من أدلة هذا
القول حديث عبدالله بن عمرو بن العاص المتقدم في الشرح (وَوَقْتُ صَلَاةِ
الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ).
وما رواه مسلم (614)
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَنَّهُ " أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ
الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ
انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ
أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ، حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ
قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ
فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ
بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ
حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ
مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ كَادَتْ، ثُمَّ أَخَّرَ
الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ
أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ
احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ
الشَّفَقِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ،
ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ، فَقَالَ: الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ " .
ففي الليلة الأولى
صلى بهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المغرب( حين وقعت الشمس) أي غربت ، وفي
الليلة الثانية( أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ)مما
يدل أن للمغرب وقتين.
ولما رواه الإمام
مسلم(557) عن أنس بن مالك ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِهِ
قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ».
وما رواه مسلم (560)عن
عائشة سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا
صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» .
قالوا: وقد قرأ
فيها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالطور، والصافات، والأعراف.
وَهَذَا كُلُّهُ
دَلَّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ لَهُ سَعَةٌ وَأَوَّلُ وَآخِرُ.
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَمْدُودٌ
إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ.
وَالْآخَرُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ
وَقْتَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ لَا وَقْتَ لَهَا إِلَّا حِينَ تَجِبُ الشَّمْسُ قَالَ
وَذَلِكَ بُيِّنَ فِي إِمَامَةِ جِبْرِيلَ أنه (صلى المغرب حين غربت الشمس ).
قال ابن عبدالبر في
التمهيد (8/84) الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ –أي أنه حين تغرب الشمس –
قال : وَالْحُجَّةُ لَهُمْ كُلُّ حَدِيثٍ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي
إِمَامَةِ جِبْرِيلَ عَلَى تَوَاتُرِهَا لَمْ تَخْتَلِفْ فِي أَنَّ لِلْمَغْرِبِ
وَقْتًا وَاحِدًا اهـ المراد.
وتحصَّل لنا اختلاف
العلماء على قولين في آخِرِ وَقْتِ المغرب .
منهم من يقول: وقت
المغرب موسع إذ هو يمتد إلى غياب الشفق .
وعرفنا أدلةهذا
القول .
ومنهم من يقول: أن
وقت المغرب بعدغروب الشمس فلا تؤخَّر .
ومن قال بهذا فقد
أخذ بطرف من الأدلة وهو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم المغرب حين غربت الشمس.
وهذا من حيث الجواز
وقد قال الترمذي في سننه(164) عقب حديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ،
قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
المَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالحِجَابِ» قال وهوقول
أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ،أنهم اخْتَارُوا تَعْجِيلَ
صَلَاةِ المَغْرِبِ، وَكَرِهُوا تَأْخِيرَهَا .
فتبين أن أكثر العلماء
على كراهة تأخيرصلاة المغرب عن أول وقتها .
4-مراعاة أحوال
المصلين في صلاة العشاء فإذا كانوا يجتمعون في أول وقت العشاء يعجل بصلاة العشاء وإن
كانوا يتأخرون فيؤخرها.
قال ابن قدامة رحمه
الله في المغني مسألة(539): وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا لِلْمُنْفَرِدِ
وَالْجَمَاعَةُ رَاضِينَ بِالتَّأْخِيرِ؛ فَأَمَّا مَعَ الْمَشَقَّةِ عَلَى
الْمَأْمُومِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ فَلَا يُسْتَحَبُّ، بَلْ يُكْرَهُ. نَصَّ
عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ .
هذا بالنسبة لأفضل
وقت العشاء .
وسيأتي إن شاء الله
مزيد لذلك في بعض الدروس القادمة .
(أول وقت العشاء )
أول وقت العشاء هو غياب
الشفق كما في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وفيه (وقت
المغرب مالم يغب الشفق).
وقد أجمع العلماء على
هذا .
قال ابن بطال في شرح
صحيح البخاري (2/1902،90)وقد أجمع العلماء أن وقت العشاء اﻵخرة مغيب الشفق اهـ .
المراد بالشفق
واختلفوا في الشفق هل
المراد به الحمرة أوالبياض ؟.
منهم من ذهب إلى
أنه الحمرة وهذا ذهب إليه جمهور العلماء .
وذهب أبوحنيفة
وآخرون إلى أنه البياض الَّذِي يكون عَقِيبَ الْحُمْرَةِ .
قال النووي في
المجموع (3/43):وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ
الْعَرَبِ أَنَّ الشَّفَقَ الْحُمْرَةُ وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي شِعْرِهِمْ
وَنَثْرِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا نَقْلُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ الشَّفَقُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْحُمْرَةُ الخ الأقوال التي ذكرها عن
أئمة اللغة في إثبات أن الشفق الحمرة اهـ .
والبياض يكون بعد
الحمرة قال ابن القاسم في حاشية الروض(1/475) وأول وقتها مغيب الشفق، وهو الحمرة
حكاه غير واحد، والأحاديث متضافرة على ذلك، ولا يلتفت إلى البياض بعدها، كما لا
يلتفت في الصوم إلى البياض الذي قبل الفجراهـ.
والشفق هو المقسَم به
في قوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق : 16].
للعشاء وقتان
-الوقت الأول
:اختياري من غيبوبة الشفق إلى نصف الليل الأوسط لحديث عبدالله بن عمرو (وَوَقْتُ
صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ).
وجاء في صحيح البخاري (864)عن عائشة الحديث وفي
آخره( وَكَانُوا يُصَلُّونَ العَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ
إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ ).
وتقدم أيضاً في
الشرح حديث أبي موسى (ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ
الْأَوَّلُ).
ولا منافاة بينهما
فالأقل وهو الثلث يندرج تحت اﻷكثر وهو النصف .
وَبه قال
الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ:أنه
يَمْتَدُّ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ كما في شرح السنة للبغوي (2/187).
-الوقت الثاني
:اضطراري من حين ينتهي الوقت الاختياري وهو نصف الليل إلى طلوع الفجر.
والدليل (أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِيَّ النَّوْمِ
تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى
يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةَ الْأُخْرَى) وتقدم في الشرح.
5-المبادرة بصلاة الفجر .
وقد تقدمت المسألة
في حديث عائشة عند المؤلف قبل هذا الحديث .
أول وقت صلاة الفجر
أول وقت صلاة الفجر
طلوع الفجر وعلى هذا إجماع العلماء .
قال ابن عبد البر في
التمهيد (8/94)أجمعوا أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر وانصداعه .
والمراد الفجر الصادق
ﻷن :
الفجر فجران.
-فجر صادق وهو الضوء
الذي ينتشر في اﻷفُق .
-فجر كاذب وهو الضوء
الذي يكون مستطيلا ممتداً إلى جهة السماء .
هذا فجر كاذب ويعقبه
ظلام .
الفجر الصادق الضوء
فيه منتشر مستطير بالراء من الجنوب إلى الشمال .
الفجر الكاذب الضوء
فيه مستطيل من المشرق إلى المغرب .
قال ابن القاسم
رحمه الله في حاشية الروض المربع : ولدقَّته يقال له ذَنَبُ السرحان، وهو المستطيل
من المشرق إلى المغرب، يسمى كاذبا، لأنه يقل ويتلاشى، أو لأنه يغر من لا يعرفه .
آخر وقت الفجر
آخر وقت الفجرطلوع الشمس
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ووقت الفجر مالم تطلع الشمس) .
قال البغوي في شرح
السنة (2/187): وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ
الأَكْثَرِينَ .وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ: آخِرُ وَقْتِهَا الإِسْفَارُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، وَفِي حَقِّ
الْمَعْذُورِ يَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ.
للفجر وقتان
للفجر وقتان
اختياري واضطراري قال ابن القاسم في حاشية الروض المربع (1/478)قال الوزير وغيره،
أجمعوا على أن أول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني.
وآخر وقتها المختار إلى أن يسفر، ووقت الضرورة
إلى أن تطلع الشمس اهـ
هذا وحديث جابرعند
المؤلف دليل على أن اﻷفضل أن تصلى الصلوات في أول وقتها.
إلا صلاة العشاء المستحب تأخيرها إلا في حالة اجتماع
المصلين فتصلى في أول الوقت .
وهكذا صلاة الظهر عند اشتداد الحر يستحب تأخيرها لحديث أبي هريرة (إذا اشتد الحر فأبردوا
بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ).
قال البغوي في شرح السنة (2/190) :أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، عَلَى «أَنَّ تَعْجِيلَ
الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ، إِلا الْعِشَاءَ، وَالظُّهْرَ فِي
شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِنَّهُ يُبَرِّدُ بِهَا» ، وَإِنَّمَا صَارُوا إِلَى
التَّعْجِيلِ فِي الصَّلَوَاتِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ} [الْبَقَرَة: 238] وَالْمُحَافَظَةُ فِي التَّعْجِيلِ
لِيَأْمَنَ مِنَ الْفَوْتِ بِالنِّسْيَانِ وَالشُّغْلِ.
الحاصل في أوقات
الصلوات الخمس
1- وقت صلاة الظهر زوال
الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله سوى فئ الزوال.
2- وقت صلاة العصر إذا
كان ظل كل شي مثله ما لم تصفر الشمس ويمتد الوقت الاضطراري إلى غروب الشمس.
3- وقت صلاة المغرب
غروب الشمس إلى مغيب الشفق.
4- وقت صلاة العشاء
من مغيب الشفق إلى نصف الليل ويمتد الوقت الاضطراري إلى طلوع الفجر الصادق.
5- وقت صلاة الصبح طلوع
الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.
إلى هنا نتوقف .
قال عبد الغني بن عبدالواحد
المقدسي رحمه الله .
عَنْ أَبِي
الْمِنْهَالِ سَيَّارِ بْنِ سَلامَةَ قَالَ: (دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي
بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ , فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ -
الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى - حِينَ
تَدْحَضُ الشَّمْسُ , وَيُصَلِّي الْعَصْرَ , ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى
رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ. وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي
الْمَغْرِبِ. وَكَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنْ الْعِشَاءِ الَّتِي
تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ. وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا , وَالْحَدِيثُ
بَعْدَهَا. وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلَ
جَلِيسَهُ. وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ) .
[الشرح]
-قوله(كان يصلي الهجير)
يعني يصلي الظهر
-قوله (التي تدعونها
اﻷولى) أي تسمونها
قال ابن دقيق العيد
في شرح العمدة إنما قيل لصلاة الظهر اﻷولى ﻷنها أول صلاة أقامها جبريل للنبي صلى الله
عليه وسلم على ما جاء في حديث إمامة جبريل عليه السلام .
فتبين لنا بالصلاة اﻷولى
لما نزل جبريل يعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس بدأ بصلاة الظهر.
-قوله(حين تدحض)
أي تزول .
(والشمس حية)قال
ابن الأثير في النهاية : أَيْ صَافِيَةُ اللَّوْنِ لَمْ يَدْخُلْهَا
التَّغَيُّرُ بدُنوّ الْمَغِيبِ؛ كَأَنَّهُ جَعَلَ مَغِيبَهَا لَهَا مَوْتاً،
وَأَرَادَ تَقْدِيمَ وَقْتِهَا.
(رحْله)
أي /مسكنه .
(العتمة)
العتمة/ سماها الله
في كتابه وقال:{وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور : 58]
سماها العشاء .
وينبغي أن نحافظ على ألفاظ القرآن والسنة .
أخرج مسلم (644)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ
الْعِشَاءِ، فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللهِ الْعِشَاءُ، وَإِنَّهَا تُعْتِمُ
بِحِلَابِ الْإِبِلِ » .
ويُشكِل في هذا ما أخرج
البخاري (615) ومسلم (437)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الحديث وفيه ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ
وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) .
قال ابن القيم رحمه
الله في زاد المعاد(2/320) لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَإِنَّهُ
لَمْ يَنْهَ عَنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْعَتَمَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا نَهَى
عَنْ أَنْ يُهْجَرَ اسْمُ الْعِشَاءِ، وَهُوَ الِاسْمُ الَّذِي سَمَّاهَا اللَّهُ
بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَيَغْلِبَ عَلَيْهَا اسْمُ الْعَتَمَةِ، فَإِذَا سُمِّيَتِ
الْعِشَاءَ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا أَحْيَانًا الْعَتَمَةُ، فَلَا بَأْسَ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَهَذَا
مُحَافَظَةً مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَسْمَاءِ الَّتِي
سَمَّى اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَاتِ، فَلَا تُهْجَرُ وَيُؤْثَرُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا،
كَمَا فَعَلَهُ
الْمُتَأَخِّرُونَ فِي هِجْرَانِ أَلْفَاظِ النُّصُوصِ، وَإِيثَارِ
الْمُصْطَلَحَاتِ الْحَادِثَةِ عَلَيْهَا، وَنَشَأَ بِسَبَبِ هَذَا مِنَ الْجَهْلِ
وَالْفَسَادِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ اهـ
فتبين من كلام ابن
القيم أن المنهي عنه أن يغلب على العشاء التسمية (بالعتمة)أماأحيانا نادراً فلا بأس.
(وكان ينفتل من صلاة
الغداة)
ينفتل/ينصرف .
صلاة الغداة /الصبح
.
من فوائد الحديث
1- بيان لقاءات السلف وأنها لقاءات علم ،لقاءات
مذاكرة، لقاءات استفادة، لقاءات أُخروية ،فلم تكن لقاءاتُهم لقاءات تنزُّه ولعب وضحك وضياع ولقائات
دنيوية .
2-قال ابن رجب في "فتح الباري "(4/256)
في هذه الرواية: أن لصلاة الظهر اسمين آخرين:
أحدهما: الهجير؛
لأنها تصلى بالهاجرة.
والثاني: الأولى
.
3- دخول وقت الظهر بالزوال.
4- المبادرة بصلاة الظهر .
وهذا هوالذي ينبغي أن
تُصلى الصلوات الخمس في أول وقتها إلا مااستثناه الدليل.
وقد تقدم ذلك.
فينبغي نحرص على هذا ولانتشاغل بأمور الدنيا أو نتشاغل
بالمفضول وندع اﻷفضل .
مثلا إذا كان إحدانا
تبحث وسمعت اﻷذان لو استمرت نصف ساعة مثلا يكون هذا من التشاغل بالمفضول عن اﻷفضل .
وقد ذكر ابن القيم في
بدائع الفوائد تدرج مراحل الشيطان وأنه إذا لم يستطع له قد يشغله بالمفضول عن اﻷفضل
نعوذ بالله رضي الشيطان بالمفضول ما استطاع
أن يوقعه في الشرك ولا في الكبائر ولا في البدعة ولا في كذا كذا يأتي له من طريق أخرى
وهو التشاغل بالمفضول عن اﻷفضل وقد لايدري أحدنا أن هذا من عداوة الشيطان نسأل الله
اللطف .
وهذا نص كلام ابن
القيم في بدائع الفوائد(2/261) نذكره محافظة على لفظ كلام ابن القيم رحمه الله
والاستفادة منه .
يقول في سياق
عداوة الشيطان وأنه إذا لم يقدر للعبد نقله
إلى مرحلة أخرى يقول رحمه الله :
المرتبة
السادسة: وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليزيح عنه الفضيلة ويفوته
ثواب العمل الفاضل فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له إذا تضمن ترك
ما هو أفضل وأعلى منه .
وقلَّ من يتنبه
لهذا من الناس فإنه إذا رأى فيه داعيا قويا ومحركا إلى نوع من الطاعة لا يشك أنه
طاعة وقربة فإنه لا يكاد يقول إن هذا الداعي من الشيطان فإن الشيطان لا يأمر بخير
ويرى أن هذا خير فيقول هذا الداعي من الله وهو معذور ولم يصل علمه إلى أن الشيطان
يأمر بسبعين بابا من أبواب الخير إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر وإما ليفوت
بها خيرا أعظم من تلك السبعين بابا وأجل وأفضل وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور
من الله يقذفه في قلب العبد يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم
وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه وأرضاها له وأنفعها للعبد وأعمِّها
نصيحة لله تعالى ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين خاصتهم وعامتهم ولا يعرف هذا
إلا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونوَّابه في الأمة وخلفائه في الأرض
وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك فلا يخطر بقلوبهم والله تعالى يمن بفضله على من يشاء
من عباده اهـ
نسأل الله التوفيق وأن
يجعلنا من المسابقين للخير .
5- استحباب تأخير العشاء قليلاً عن أول وقته .
6-كراهية النوم قبل صلاة العشاء ﻷن هذا قد يؤدي
إلى تأخيرصلاة العشاء الاختياري وقد يفوِّت صلاة العشاء في جماعة على الرجل .هكذا ذكر
أهل العلم .
7- كراهة الحديث بعد صلاة العشاء .
وهذا إذا كان لغير فائدة
أو يفوِّت قيام الليل أو تفوت صلاة الفجرفي جماعةللرجل أو يفوت استغلال بكوراليوم
ونحو ذلك .
وهذا من الآداب فالذين
يسمرون على الملاهي وعلى الضياع سمرُهم مذموم قال الله سبحانه في ذم كفار قريش.
{مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ
سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون : 67]
وهكذا السمر في القيل
والقال وما ليس فيه مصلحة ولا فائدة .
أما السمر في العلم
وفي الخير وفي محادثة الضيف وإدخال السرور على اﻷهل واﻷولاد فلا محذور فيه ولكن لا
يضيع الفضائل والمستحبات الأخرى كقيام آخر الليل وبكور اليوم وما أشبهه ..
وقد بوب الإمام البخاري
لهذه المسألة في كتاب العلم (باب السمر في العلم)
فقوله (والحديث بعدها
)
هذا ليس على إطلاقه
.
8-- دليل على التعجيل بصلاة الفجر في أول وقتها
خلافاً للحنفية .
9- التطويل في صلاة الفجر لأنه أحيانا كان صلى
الله عليه وسلم يقرأ بستين آية وأحيانا تبلغ مائة آية .
والله أعلم .
قال الإمام الحافظ عبدالغني
بن عبدالواحد المقدسي
عَنْ عَلِيٍّ -
رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ: (مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا , كَمَا شَغَلُونَا
عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ) .
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ (شَغَلُونَا عَنْ
الصَّلاةِ الْوُسْطَى - صَلاةِ الْعَصْرِ - ثُمَّ صَلاهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ) .
[الشرح]
قوله (يوم الخندق) وقعة
الخندق في السنة الرابعة والدليل ما رواه البخاري(2664 ) ومسلم (1868)عن
ابن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ
سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ
خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي» .
قال النووي في شرح
صحيح مسلم في شرح حديث ابن عمر : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَنْدَقَ
كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ
جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَهَذَا
الْحَدِيثِ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أُحُدًا كَانَتْ سَنَةَ
ثَلَاثٍ فَيَكُونُ الْخَنْدَقُ سَنَةَ أَرْبَعٍ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا فِي هَذَا
الْحَدِيثِ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ
اهـ
وخالف ابنُ القيم
في زاد المعاد (3/ 240)وقال :غزوةُ الخندق كَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ
الْهِجْرَةِ فِي شَوَّالٍ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ
أُحُدًا كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَوَاعَدَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَهُوَ سَنَةُ
أَرْبَعٍ، ثُمَّ أَخْلَفُوهُ لِأَجْلِ جَدْبِ تِلْكَ السّنَةِ، فَرَجَعُوا،
فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ خَمْسٍ جَاءُوا لِحَرْبِهِ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ السِّيَرِ
وَالْمَغَازِي.
قال :وَخَالَفَهُمْ
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ .
وَقَالَ بَلْ
كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
قَالَ أَبُو
مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ،
وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "
أَنَّهُ عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْهُ، ثُمَّ عُرِضَ
عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَهُ.
قَالَ: فَصَحّ
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا سَنَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَأُجِيبَ عَنْ
هَذَا بِجَوَابَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهُ لَمَّا اسْتَصْغَرَهُ عَنِ الْقِتَالِ،
وَأَجَازَهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَى السِّنِّ الَّتِي رَآهُ فِيهَا مُطِيقًا،
وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَنْفِي تَجَاوُزَهَا بِسَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا.
الثَّانِي:
أَنَّهُ لَعَلَّهُ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي أَوَّلِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ،
وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي آخِرِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ اهـ.
(الوسطى) يعنى الفضلى
.
وقد نصَّ الله
عليها ﻷهمية المحافظة عليها ولفضلها فقال سبحانه {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ
الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة : 238].
وفي الصحيحين من
حديث جرير بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ نَظَرَ إلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ، فَقَالَ: أَمَّا إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا
الْقَمَرَ، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا
تَغْلِبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ (فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:
130].
وروى الإمام مسلم (830)عَنْ
أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ
عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا
كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ
الشَّاهِدُ» .
ولعِظَم صلاة العصر
يقول النبي صلى الله عليه وسلم(من ترك صلاة العصر فقد حبِط عملُه ) .
من فوائدالحديث
1-أن(الصلاة الوسطى
)هي صلاة العصركما في لفظ مسلم ( شغلونا عن
الصلاة الوسطى صلاة العصر) والروايات يفسر بعضها بعضا وقدعزا الترمذي في سننه هذا القول
إلى أكثر أهل العلم .
ولايلتفت إلى اﻷقوال
الأخرى في تعيين الصلاة الوسطى ﻷنه إذا جاء
النص لايلتفت إلى غيره .
2-ظاهر هذه الرواية
أنه لايراعَى الترتيب في الصلاة الفائتة فله
أن يقدم الحاضرة على الفائتة لقوله ( ثم صلاها بين المغرب والعشاء ) أي صلى
صلاةالعصر.ولكنه في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما الآتي في آخر الباب (فَصَلَّى
الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ. ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ) .
وهذا يوضِّح الرواية
اﻷخرى التي في العمدة ( ثم صلاها بين المغرب والعشاء ) .
ففيه البدء بالصلاةالفائتة
قبل الصلاة الحاضرة .
قال النووي في شرح صحيح
مسلم :وهذا مجمع عليه . لكنه عند الشافعي وطائفة من أهل العلم على الاستحباب .
ولو صلى الحاضرة ثم
الفائتة جاز .
وعند مالكٍ وأبي حنيفة
وآخرين على الإيجاب فلو قدم الحاضرة لم يصح اهـ
3-ظاهر الحديث أنه لم
يفتِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا صلاةالعصر.
وقد جاء في موطأ مالك(1/184)
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، يَوْمَ الْخَنْدَقِ
حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» .وهذا مرسل .
وجاء أن النبي صلى الله
عليه وسلم أخَّر أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
أخرج الترمذي في
سننه (179)والنسائي في سننه (622) من طريق أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أبيه
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُبِسْنَا عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاء، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: نَحْنُ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا، فَأَقَامَ فَصَلَّى
بِنَا الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى بِنَا الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى
بِنَا الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى بِنَا الْعِشَاء، ثُمَّ طَافَ
عَلَيْنَا فَقَالَ: «مَا عَلَى الْأَرْضِ عِصَابَةٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ غَيْرُكُمْ» .
وأبو عبيدة عامربن عبدالله
بن مسعود .
وهذا إسناد منقطع .
أبو عبيدة لم يسمع من أبيه فقد قال الترمذي عقبه : «حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ
لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
عَبْدِ اللَّهِ».
وقال الشيخ
الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (239) ضعيف .
وأخرجه النسائي (661) وأحمد في مسنده(17/293) من
طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حُبِسْنَا
يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ هَوِيًّا،
وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْقِتَالِ مَا نَزَلَ، فَلَمَّا كُفِينَا
الْقِتَالَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ
اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] " أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَقَامَ الظُّهْرَ، فَصَلَّاهَا كَمَا يُصَلِّيهَا
فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَمَا يُصَلِّيهَا فِي
وَقْتِهَا، ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَمَا يُصَلِّيهَا فِي
وَقْتِهَا " .
ورجاله كلهم
ثقات .
وعَبْدُالرَّحْمَنِ
بْنُ أَبِي سَعِيدٍ : قال عنه الحافظ في
التقريب ثقة .
وقد ذكر الدارقطني
رحمه الله في العلل (11/300) الخلاف في إسناده ثم قال :والصحيح قول يحيى
القطان، ومن تَابَعَهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ.
وجمع النووي رحمه الله
في شرح صحيح مسلم بين هذا الاختلاف أن وقعةَ الخندق بقيت أياما فكان هذا في بعض اﻷيام
وهذا في بعضها اهـ
4-تأخيرالنبي صلى الله
عليه وسلم صلاة العصريوم الخندق حتى غابت الشمس .
وقد كان هذا قبل شرعية
صلاة الخوف يقول الله عز وجل
{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا
أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ
تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 239]
وصلاة الخوف استظهر
ابن القيم في زاد المعاد أن أول صلاة صلاها
النبي صلى الله عليه وسلم للخوف بعسفان لما روى أبوداود في سننه(1236) من طريق مُجَاهِدٍ،
عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ
الْوَلِيدِ، فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنَا
غِرَّةً، لَقَدْ أَصَبْنَا غَفْلَةً، لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي
الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَلَمَّا
حَضَرَتِ الْعَصْرُ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، وَالْمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ الحديث.
(فَنَزَلَتْ
آيَةُ الْقَصْرِ)أي صلاة الخوف .
5-ظاهر الرواية أنه
ما صلى إلا بعد الغروب .
وفي حديث ابن مسعود
الآتي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر حين احمرَّت الشمس أو اصفرت .
وهذا يكون قبل الغروب
وجمع ابن دقيق العيد رحمه الله في شرح العمدة بين الروايتين
وقال :قوله (حتى اصفرت) قد يتوهم مخالفة لما في الحديث
اﻷول من صلاتها بين المغرب والعشاءوليس كذلك بل الحبس انتهى إلى هذا الوقت ولم تقع الصلاة
إلا بعد المغرب وقد يكون ذلك الانشغال بأسباب الصلاة أو بغيرها .
هذا ماذكره ابن دقيق
العيد.
6-جواز الدعاء على المشركين
لقوله(ملأ الله قبورهم نارا) وأحيانا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهم حسب المصلحة
فقد روى البخاري في صحيحه(2937) ومسلم
(2524) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدِمَ
طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ، عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ:
هَلَكَتْ دَوْسٌ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ» .
وبوَّب عليه
البخاري وقال : بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ
.
قال الحافظ في فتح
الباري قَوْلُهُ ( لِيَتَأَلَّفَهُمْ) مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفَ إِشَارَةً
مِنْهُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ تَارَةً يَدْعُو عَلَيْهِمْ وَتَارَةً يَدْعُو لَهُمْ
فَالْحَالَةُ الْأُولَى حَيْثُ تَشْتَدُّ شَوْكَتُهُمْ وَيَكْثُرُ أَذَاهُمْ كَمَا
تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا بِبَابٍ وَالْحَالَةُ
الثَّانِيَةُ حَيْثُ تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمْ وَيُرْجَى تَأَلُّفُهُمْ كَمَا فِي
قِصَّةِ دَوْسٍ اهـ
الحديث الثاني
وَلَهُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: (حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْعَصْرِ , حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَوْ
اصْفَرَّتْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: شَغَلُونَا عَنْ
الصَّلاةِ الْوُسْطَى - صَلاةِ الْعَصْرِ - مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ
وَقُبُورَهُمْ نَاراً , أَوْ حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً) .
تقدم الكلام عليه في
الذي قبله .
الحديث الثالث
عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - بِالْعِشَاءِ. فَخَرَجَ عُمَرُ , فَقَالَ: الصَّلاةُ , يَا رَسُولَ
اللَّهِ. رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ
يَقُولُ: لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي - أَوْ عَلَى النَّاسِ -
لأَمَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الصَّلاةِ هَذِهِ السَّاعَةِ) .
[الشرح]
أعتم/أخرصلاة العشاء
عن أول وقتها.
وثبت في صحيح مسلم (638)
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ
الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ
أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» .
وقوله(حتى ذهب عامتها)
حتى ذهب عامتها/أي كثير
منها لا أكثرها .
ﻷن وقت العشاء الاختياري
ينتهي بنصف الليل وقد نبَّه على ذلك الإمام النووي في شرح صحيح مسلم .
في هذا الحديث من الفوائد
1-استحباب تأخير صلاة
العشاء لولا المشقة على المصلين.
وتقدم من حديث جابربن عبدالله (والعشاء أحيانا وأحيانا
إذا رآهم اجتمعوا عجَّل وإذارآهم أبطؤوا أخر)
فيستحب تأخير صلاة العشاء
في حق المنفرد والمصلين في جماعة إذا كان لا يشق عليهم .
2- شفقةُ النبي صلى
الله عليه وسلم على أمته وقد وصفه الله عز وجل بقوله
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ
مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ
رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة : 128]
العنت/المشقة .
3- تنبيه المفضول للفاضل
،عمر بن الخطاب رضي الله عنه نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (الصلاة يارسول
الله رقد النساء والصبيان) وذلك لاحتمال أنه غفل أو نسي أو ليستفيد كما يقوله أهل
العلم.
4- شهود النساء والصبيان
صلاة الجماعة في المسجد .
وأما ما رواه ابن
ماجة في سننه (750) عن وَاثِلَةَ بْنِ
الْأَسْقَعِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَنِّبُوا
مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ، وَمَجَانِينَكُمْ » فهوحديث ضعيف جداً
فيه الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ متروك .
5-أن النوم اليسير الذي
لايكون مستغرقاً لايبطل الوضوء .
فالنوم إذا كان يسيراً
بحيث يشعر صاحبه بنفسه وبمن حوله لايكون ناقضا والدليل حديث( الباب ).
وأخرج مسلم (376)عن
أنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ
أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ» .
وأخرجه أبو داود في
سننه (200) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ
رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» .وسنده صحيح وأصله في
صحيح مسلم كما تقدم .
أما النوم المستغرق
الذي لايشعر صاحبه بنفسه ولا بمن حوله فهذا ناقض للوضوء .
والدليل ما أخرجه
الترمذي (96 ) من حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه ، قَالَ: «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا
سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، إِلَّا
مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» .
يعني هذه الثلاثة اﻷمور
تبطل الوضوء وأنه إذا توضأ لا ينزع خفيه إلا من جنابة .
والمقصود في المدة المعلومة
المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها للمسافر ويوم وليلة للمقيم .
وبهذا التفصيل في حق
النائم يُجمع بين اﻷدلة وهو قول جماعة من أهل
العلم وهو ترجيح الوالد الشيخ مقبل رحمه الله .
وذكرابن رُشد في
بداية المجتهد(1/ 42)عن فقهاء الأمصاروالجمهور :أنهم فَرَّقُوا بَيْنَ
النَّوْمِ الْقَلِيلِ الْخَفِيفِ وَالْكَثِيرِ الْمُسْتَثْقِلِ، فَأَوْجَبُوا فِي
الْكَثِيرِ الْمُسْتَثْقِلِ الْوُضُوءَ دُونَ الْقَلِيلِ.
وقال ابن رُشد رحمه
الله : وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ حَمَلَ الْأَحَادِيثَ الْمُوجِبَةَ
لِلْوُضُوءِ مِنْهُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالْمُسْقِطَةَ لِلْوُضُوءِ عَلَى
الْقَلِيلِ، وَهُوَ كَمَا قُلْنَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى
مِنَ التَّرْجِيحِ مَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ اهـ.
ومنهم من قال نوم الجالس
ليس بناقض مطلقا وذكر ابن عبدالبررحمه الله
في الاستذكار(1/150) وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي عُبَيْد (القاسم بن سلاَّم)أَنَّهُ
قَالَ كُنْتُ أُفْتِي أَنَّ مَنْ نَامَ جَالِسًا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ حَتَّى
خَرَجَ إِلَى جَنْبِي يَوْمَ الْجُمْعَةِ رَجُلٌ فَنَامَ فَخَرَجَتْ مِنْهُ رِيحٌ
فَقُلْتُ لَهُ قُمْ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ لَمْ أَنَمْ فَقُلْتُ بَلَى وَقَدْ
خَرَجَتْ مِنْكَ رِيحٌ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَجَعْلَ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا كَانَ
ذَلِكَ مِنْهُ وَقَالَ لِي بَلْ مِنْكَ خَرَجَتْ فَتَرَكْتُ مَا كُنْتُ أَعْتَقِدُ
فِي نَوْمِ الْجَالِسِ وَرَاعَيْتُ غَلَبَةَ النَّوْمِ وَمُخَالَطَتَهُ لِلْقَلْبِ
.
ومنهم من يرى أن
النوم قليله وكثيره ناقض للوضوء لعموم حديث صفوان بن عسَّال المتقدم ولحديث أبي
هريرة المتقدم «إِذَا اسْتَيْقَظَ
أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي
وَضُوئِهِ»فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النَّوْمَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ قَلِيلَهُ
وَكَثِيرَهُ يُراجع بداية المجتهد .
أما نوم الأنبياء
فمن خصائصهم أن النوم مطلقاً لا ينقض وضوءَهم فقد أخرج البخاري (138)عن ابن
عباس رضي الله عنهما في قيام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (ثُمَّ
صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ
المُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ، فَصَلَّى
وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» .
قال الحافظ في فتح
الباري قَوْلُهُ (فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ )فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا بَلْ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ فَلَوْ أَحْدَثَ
لَعَلِمَ بِذَلِكَ وَلِهَذَا كَانَ رُبَّمَا تَوَضَّأَ إِذَا قَامَ مِنَ النَّوْمِ
وَرُبَّمَا لَمْ يَتَوَضَّأْ اهـ
وأخرج البخاري (1147)
ومسلم (738) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: «مَا كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي
غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ
حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ
حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ
إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي» .
وههنا إشكال وهو ما
رواه البخاري (344 ) ومسلم (682) عن عِمْرَانَ بن حُصين رضي الله عنهما،
قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً،
وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ المُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا
حَرُّ الشَّمْسِ الحديث .
وقد أورد الإشكال
النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم وأجاب عنه وقال :فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَامَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى
طَلَعَتِ الشَّمْسُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ
عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي .
فَجَوَابُهُ
مِنْ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا
لِأَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ
كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهُمَا وَلَا يُدْرِكُ طُلُوعَ الْفَجْرِ
وَغَيْرَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَإِنَّمَا يُدْرِكُ ذَلِكَ
بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ نَائِمَةٌ وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ يَقْظَانُ .
وَالثَّانِي
أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا
يَنَامُ فِيهِ الْقَلْبُ وَصَادَفَ هَذَا الْمَوْضِعَ .
وَالثَّانِي لَا
يَنَامُ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَهَذَا التَّأْوِيلٌ ضَعِيفٌ
وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ.
فتبين أن أمر الشمس
وطلوع الفجر متعلق بالعين وأن أمر الحَدَث يتعلق بالقلب فلو أحدث لأحسَّ به .
6- ترك النبي صلى الله عليه وسلم تنشيف جسمه بعد الغسل
وقد تقدم في أبواب الطهارة حديث ميمونةرضي
الله عنها وفيه (قالت ثم أتيته بالمنديل فرده).
وعلى كُلٍ جمهورأهل العلم أن التنشيف بعد الغسل لاكراهة فيه
ﻷنه لم يثبت دليل في النهي.
7- تمني الخير وقد ذكر
البخاري في صحيحه لهذه المسألة كتاباً بعنوان
(كتاب التمني ).
والمنهي عن استعمال
(لو) ماكان يصحبه سخط وجزع وهو المقصود بما ثبت في صحيح مسلم (2664)عن أبي
هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ
الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ: احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ،
وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ
أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ
فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.
فاستعمال( لو) لتمني
الخير وفي شي لايصحبه سخط ولاجزع هذا لاشي فيه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لو
استقبلت من أمري مااستدبرت ماسقت الهدي ولتحللت وجعلتها عمرة ) متفق عليه عن عائشة
.
واستعمال لو مع جزع
وسخط هذا حرام منهي عنه وهو ينافي الصبر والصبر واجب .
نكون قرأنا ثلاثة أحاديث
.
إلى هنا والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.
طريفة
الدرس الخامس من ( باب المواقيت)
من عمدة اﻷحكام
الحديث اﻷول والثاني قال الإمام الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي
رحمه الله
عَنْ عائِشَةَ رضي الله
عنها: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إذَا أُقِيمَتْ
الصَّلاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ) .
وعن ابن عمر نحوه.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: (لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلا
وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ) .
الشرح
(إذا أقيمت الصلاة )أي صلاة الجماعة.
(وحضر العَشاء ) قال المناوي في فيض القديرفي شرح هذا الحديث :المراد
بحضوره وضعه بين يدي الآكل أو قرب حضوره لديه وقد تاقت نفسه له.
(اﻷخبثان )البول والغائط.
من الفوائد
1-أنه إذاحضر العَشاء في وقت الصلاة فيُقدَّم أكل الطعام .
ولكن لايُتخذُ هذا عادةً أن يقدَّم
الطعام في وقت الصلاة .
2- المحافظة على الخشوع فإن الخشوعَ روحُ الصلاة ولُبُّها .
الخشوع فِي اللُّغَةِ: السُّكُونُ وَالتَّوَاضُعُ وَالْخَوْفُ
وَالتَّذَلُّلُ كما في فتح القدير للشوكاني تفسير قوله تعالى { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ }.
وصلاة بلاخشوع كجسد بلاروح .
وقد أثنى الله عزوجل على الخاشعين في صلاتهم وجعله الله من أسباب دخول
الجنة ومن أسباب الفلاح قال تعالى {قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ
خَاشِعُونَ }.
ويقول تعالى{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة
: 3] .
إقامة الصلاة الإتيان بها قائمةعلى وجهها التام كماقال ابن رجب في فتح
الباري .
وإقامة الصلاة قسمان
إقامةظاهرةوذلك بإقامة أركانهاوواجباتهاومستحباتها .
وإقامة باطنة وذلك بإقامة الخشوع فيها.
والخشوع في القلب ولهذا من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني
أعوذ بك من علم لاينفع ومن قلب لايخشع ومن نفس لاتشبع ومن دعوة لايستجاب لها) .
وقد ينسب الخشوع إلى الجوارح كما في حديث عن علي في (مسلم)أن النبي صلى
الله عليه وسلم (كان إذا ركع قال اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري
ومخي وعظمي وعصبي ) .
وخشوع السمع بحيث يكون ساكنا مُصغيا .
وخشوع البصر بحيث لايلتفت يميناولايسارا ولايرفع بصره إلى السماء. فقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة(إنه إختلاس يختلسه الشيطان من
صلاة العبد )
ومن خشوع البصر أن ينظر موضع سجوده .
وقد تكلم أهل العلم على تغميض البصر في الصلاة وكرهه اﻷكثرون كما في فتح الباري لابن رجب .
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(1/ 284)كَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا: هُوَ فِعْلُ الْيَهُودِ .
وَأَبَاحَهُ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَكْرَهُوهُ، وَقَالُوا: قَدْ يَكُونُ
أَقْرَبَ إِلَى تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ الَّذِي هُوَ رُوحُ الصَّلَاةِ وَسِرُّهَا
وَمَقْصُودُهَا.اهـ
ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك أحاديث منها :
مارواه البخاري(373) ومسلم (556)عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا
أَعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:
«اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ
أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي».
وأخرج البخاري في صحيحه (374)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، كَانَ
قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لاَ
تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي» .
تصاويره أي نقوشه .
وأخرج البخاري(748)ومسلم (907) عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: خَسَفَتِ
الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَصَلَّى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي
مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، قَالَ: «إِنِّي أُرِيتُ الجَنَّةَ،
فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا
بَقِيَتِ الدُّنْيَا» .
وهناك من فصَّل في المسألة قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 285)الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ تَفْتِيحُ الْعَيْنِ لَا يُخِلُّ بِالْخُشُوعِ،
فَهُوَ أَفَضْلُ، وَإِنْ كَانَ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُشُوعِ لِمَا فِي
قِبْلَتِهِ مِنَ الزَّخْرَفَةِ وَالتَّزْوِيقِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُشَوِّشُ
عَلَيْهِ قَلْبَهُ، فَهُنَالِكَ لَا يُكْرَهُ التَّغْمِيضُ قَطْعًا اهـ
المراد.
والأدلة تفيدعدم تغميض البصرفي الصلاة حتى وإن كان يجلب الخشوع .
وعلى المصلي أن يحرص على أسباب ما يعين على الخشوع فيستحضر أنه بين يدي
ربه لأن الصلاة مناجاة لله عزوجل أخرج البخاري (413 )عن أنس بن مَالِكٍ،
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ
إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ
بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ
قَدَمِهِ».
وهذا يعين على استحضارالخشوع أن يستحضر المصلي أنه بين يدي ربه .
وأن يجاهد نفسه وشيطانه حتى يتخلص
من الوساوس في الصلاة ﻷن الوساوس تذهب الخشوع .
والشيطان حريص على شغل المصلي بالوساوس حتى لايدري كم صلى أخرج الإمام
مسلم من طريق أَبِي الْعَلَاءِ، أَنَّ
عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي
وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ،
فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ
ثَلَاثًا» قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي» .
و أن ينحِّي المصلي عنه كل مايشغله
ويضعف خشوعه .
وتقدم في حكم مسألة تغميض العينين في الصلاة حديث عَائِشَةَ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا
أَعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «اذْهَبُوا
بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي
جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي».
الخميصة /كساءله أعلام .
وعلى هذا ينبغي أن يكون الفرش الذي يصلى عليه المصلي خاليا من النقوش والخطوط
وهكذا السجادات ولاتوضع الساعة في الأمام من أجل لاتشغل المصلين .
وقد كان الوالد الشيخ مقبل رحمه الله يقلب السجادة التي يصلى عليها ويضع
النقوشات على اﻷرض خشية الانشغال .
ويقول رحمه الله عن قول بعضهم إنه يتعود مع اﻷيام فلاينشغل بالخطوط والنقوش
.
يقول رحمه الله إن قلوبنا ليست بأطهرمن قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد
قال في الخميصة (إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي).
وقال لعائشة(أميطي عني قراميطك فإنه لاتزال تصاويره تعرض لي في صلاتي.)والله
المستعان .
3-أهمية الخشوع
في الصلاة حيث قدَّم الطعام على فضيلة الصلاة في أول وقتها محافظة على الخشوع
.
والشكاوى
كثيرة من قسوة القلوب والسبب في ذلك الذنوب قال سبحانه {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ
لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ } [المائدة : 13] .
4-قوله(وحضرالعَشاء فابدؤا بالعشاء) هذا من باب التنصيص على بعض أفراد
العام كما قال الإمام الشوكاني في نيل اﻷوطار.
وحديث عائشة(لاصلاة بحضرة طعام
ولاهو يدافع اﻷخبثان)هذا عام في جميع الصلوات .
5- ظاهر الحديث العموم سواء كان محتاجاً للطعام أولا .ولكن جمهور العلماء
نظروا إلى العلة وهي الاشتياق للطعام فإذا
كان مشتاقا للطعام يقدم الطعام وإذا كان لايشتاق له فيقدم الصلاة .
وأخرج البخاري (208 )ومسلم (355) عن عمرو بن أمية
الضَمْري أَنَّهُ
رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ
شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَلْقَى السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ
يَتَوَضَّأْ» .
قال ابن القاسم رحمه الله في حاشية الروض المربع(2/ 358) ولعل المراد مع عدم الحاجة، جمعا بين الأخبار، ولأن العلة تشوف النفس
إلى الطعام، فينبغي أن يدور الحكم مع علته وجودا وعدما اهـ
6-ظاهر الحديث أنه يأكل حتى لو خرج وقت الصلاة وقد أخذ بظاهره الظاهرية
.
وأما جمهور العلماء فقالوا إذا كان وقت الصلاة سيخرج فيبدأ بالصلاة لأدلة
توقيت الصلاة .وحياة الصحابة رضوان الله عليهم كانت حياتهم اقتصادية ويقتصرون على اﻷكل
الخفيف القليل فليس المقصود يأكل ولو خرج الوقت .
وقد ذهب إلى ما دل عليه ظاهر الحديث الوالد الشيخ مقبل رحمه الله فقد
سألته عن هذه المسألة أثناء تدريسي في بلوغ المرام سنة 1417 فقال :الحديث على
ظاهره يأكل ولو خرج الوقت .
وإذا خالف وصلى وقد حضر الطعام ونفسه مشتاقة إليه فقال الحافظ ابن رجب
في فتح الباري (6/104)متى خالف، وصلى بحضرة طعام تتوقُ نفسه إليه فصلاته مجزئة
عند جميع العلماء المعتبرين.
7- استدل بالحديث بعضُهم على أن صلاة الجماعة غير واجبة على الرجال ﻷنه
لو كان واجبا ماجاز التخلف عن صلاة الجماعة .
ويجاب عنه أن الحديث يدل على الرخصة عن التخلف عن صلاة الجماعة إذا حضر
الطعام فليس فيه دليل على ذلك. وستأتي مسألة وجوب صلاة الجماعة على الرجال في
الباب الآتي إن شاء الله .
فلايجوز التخلف إلا لعذر شرعي مثل المرض وفي حق من أكل الثوم والبصل ومادل
عليه أيضا حديث عائشة في الباب وما أشبه ذلك والله تعالى أعلم.
الحديث الثالث والرابععَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله
عنهما قَالَ: (شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ - وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي
عُمَرُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ
الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ) .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: (لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى
تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَلا صَلاةَ بَعْدَ
الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ) .
وفي البابِ عنْ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ، وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وعبدِ
اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطابِ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، وأَبي هريرةَ،
وسَمُرَةَ بنِ جُندُبِ، وسَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ، وزيدِ بنِ ثابتٍ ومعاذِ بنِ
جبلٍ، ومعاذِ بنِ عفراء، وكعبِ بنِ مُرَّةَ، وأَبي أُمامةَ الباهليِّ، وعمرِو بنِ
عبسةَ السُلَميِّ، وعائشةَ رضي الله عنهم، والصَّنابحيِّ، ولم يسمعْ منَ النبيِّ -
صلى الله عليه وسلم.
[الشرح]
أبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان .
أبوأمامة الباهلي صُدي بن عجلان .
قال ابن الجوزي رحمه الله في كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/76) :شهد عِنْدِي: مَعْنَاهُ بينوا لي هَذَا وأعلموني بِهِ، وَلَيْسَ
المُرَاد بِهِ إِقَامَة الشَّهَادَة الَّتِي تكون عِنْد الْحُكَّام. وَمثل هَذَا
قَوْله تَعَالَى: {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} [آل عمرَان: 18] قَالَ
الزّجاج: مَعْنَاهُ: بَين.
في هذين الحديثين بيان اﻷوقات
المنهي عن الصلاة فيها .
وأخرج الإمام مسلم (831)عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ،
يَقُولُ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا
أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ
تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ
الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ
حَتَّى تَغْرُبَ» .
(قائم الظهيرة )قبل زوال الشمس بنحو ربع ساعة .
وتبين من هذه الأحاديث اﻷوقات المنهي عن الصلاة فيها .
وهي خمسة أوقات على التفصيل
-بعد صلاة الفجر-وحين تطلع الشمس حتى ترتفع -وحين يقوم قائم الظهيرة -وبعد
صلاة العصر-وحين تتضيف الشمس للغروب .
هذه خمسة أوقات .
والنهي عند جمهور العلماء للتنزيه وليس للتحريم .
وهذه اﻷوقات المنهي عن الصلاة فيها عامة مخصوصة بما جاء فيه الدليل ومن
ذلك :
- تحية المسجد إذا دخل المسجد وقت الكراهة يصلي لعموم حديث أَبِي
قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ
أَنْ يَجْلِسَ»أخرجه البخاري (444)ومسلم (714) .
-صلاة الكسوف إذا كسفت الشمس قبل المغرب يصلي ولو كان في وقت كراهة لحديث
أبي بكرة عند البخاري (1040) عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُمَا، فَصَلُّوا، وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ» .
-من استيقظ من نومه أو كان ناسيا فلم يذكر إلا وقت كراهة لما روى
البخاري(597)ومسلم (684)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا
ذَلِكَ {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}.
-ومثل ركعتي الطواف تُصلَّى وقت
الكراهة لما أخرج أبوداود (1894)والترمذي(868) عَنْ جُبَيْرِ
بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا
بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ، وَصَلَّى
أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» .
- من صلى الفريضة ثم جاء المسجد وهم يصلون يستحب له أن يصلي معهم لما
روى الترمذي في سننه (219)عن يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَجَّتَهُ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ، فَلَمَّا
قَضَى صَلَاتَهُ انْحَرَفَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى القَوْمِ لَمْ
يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا» ، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ
فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا» ، فَقَالَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ:
«فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا
مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ».
هذه بعض المخصِّصَات.
ذوات اﻷسباب تُصلى ولو كان وقت كراهة الممنوع التنفل تنفلا مطلقاً من غير سبب .
أما ما رواه البخاري (935 )ومسلم
(852)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا
عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا،
إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا .
الشاهد:وهوقائم يصلي. -هل معناه أنه يتنفل في آخر ساعة من يوم الجمعة
مع أنه وقت كراهة؟ .
الْمُرَادَ (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ) أي مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ،
وَالْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ كَمَا في صحيح
البخاري(176 )عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ فِي المَسْجِدِ
يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ».
يُراجع سبل السلام شرح حديث أبي هريرة في ساعة الجمعة .
والله تعالى أعلم.
طريفة
سبب طلب الإمام ابن حزم رحمه الله للعلم
ذكر لنا الوالد الشيخ مقبل رحمه الله أن ابن حزم رحمه الله قبل أن يطلب
العلم دخل المسجد فقيل له صلِّ تحية المسجد
فقام يصلي ثم دخل مرةأخرى فقام يصلي تحية المسجد فقيل له إن هذا الوقت وقت نهي فقال
ﻷطلبن العلم .
هذا نحو ما أفادنا به الوالد رحمه الله .
وقد نقل القصةَ الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء (18/ 199)ترجمة ابن حزم
من طريق وَالِد أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِي أَخْبَرَنِي أَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ أَن سَبَبَ تَعَلُّمه الفِقْه أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَة،
فَدَخَلَ المَسْجَدَ، فَجَلَسَ، وَلَمْ يَركع، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: قُمْ فَصلِّ
تحيَّة المَسْجَد.
وَكَانَ قَدْ بلغَ سِتّاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
قَالَ: فَقُمْتُ وَركعتُ، فَلَمَّا رَجَعنَا مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى الجِنَازَة،
دَخَلْتُ المَسْجَد، فَبَادرتُ بِالرُّكُوْع، فَقِيْلَ لِي: اجْلِسْ اجْلِسْ،
لَيْسَ ذَا وَقتَ صَلاَة - وَكَانَ بَعْد العَصْر - قَالَ: فَانْصَرَفت وَقَدْ
حَزِنْتُ ، وَقُلْتُ لِلأسْتَاذ الَّذِي
رَبَّانِي: دُلنِي عَلَى دَار الفَقِيْه أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ دحُّوْنَ.
قَالَ: فَقصدتُه، وَأَعْلَمتُه بِمَا جرَى، فَدلَّنِي عَلَى (مُوَطَّأ
مَالِكٍ) ، فَبدَأَتُ بِهِ عَلَيْهِ، وَتتَابعت قِرَاءتِي عَلَيْهِ وَعَلَى
غَيْرِهِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَة أَعْوَام، وَبدَأتُ بِالمنَاظرَة اهـ.
وهذاعلى القول بأن تحية المسجد لاتصلَّى في وقت كراهة .
ونستفيد أهمية العلم وأنه نور وبيان سبب طلب ابن حزم رحمه الله للعلم
.
-الحديث الخامسعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما
(أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا
غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ , وَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ , مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا. قَالَ:
فَقُمْنَا إلَى بَطْحَانَ , فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ , وَتَوَضَّأْنَا لَهَا ,
فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ. ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا
الْمَغْرِبَ) .
وهذا فيه الترتيب بين الصلوات.
وقد تقدم معنى حديث جابر في حديث علي وابن مسعود الحديث الخامس
والسادس في هذا الباب. والله أعلم.
وبهذا نكتفي.
النفاق ﻻيأمن
أحد منه على نفسه
وأيهما
أفضل الرواتب أم قيام الليل ؟.
قال الإمام الحافظ عبدالغني بن عبد الواحد المقدسي
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة).
**************************************
الفذ/الفرد .
قوله (بسبع وعشرين درجة) وفي رواية أبي هريرة الآتية (تضعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا)
ولامنافاة بين الروايتين فالعدد لامفهوم له عند جمهور اﻷصوليين.
فلاتنافي بين رواية (خمس وعشرين )و(سبع وعشرين) اﻷقل ( بخمس وعشرين )يدخلُ في اﻷكثر .
*************************************
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال:رسول الله صلى الله عليه وسلم(صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لايخرجه إلاالصلاة لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة فإذا صلَّى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه :اللهم صل عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ولايزال في صلاة ما انتظر الصلاة) .
************************************
ش
قوله (فأحسن الوضوء) الإحسان لغة:الإتقان .
والإحسان في الوضوء أن يتوضأ كما شرع الله .
والإحسان في الوضوء أن يتوضأ كما شرع الله .
قوله (لم يخط خُطوة) قال ابن الأثير في النهاية : الْخُطْوَةُ بِالضَّمِّ: بُعْد مَا بَيْنَ القَدَمين فِي المشْي، وَبِالْفَتْحِ المَرَّةُ. وَجَمْعُ الْخُطْوَةِ فِي الكَثْرة خُطًا، وَفِي القلَّة خُطْوَات بِسُكُونِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا.
قوله (لم تزل الملائكة تصلي عليه )أي تدعو له ما دام في مصلاه.
والدعاءمفَسَّربما بعده بقوله (اللهم صل عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه) فهذا فيه بيان دعاء الملائكة.
وفي هذين الحديثين –حديث ابن عمروحديث أبي هريرة- من الفوائد
1-فضل صلاة الجماعة.
وهذا الفضل عام للرجال والنساء.
2-استُدل بهذين الحديثين على أن صلاة الجماعة سنة وليست بواجبة .
واختلف العلماء على أقوال في حكم صلاة الجماعة على الرجال الذين ليس لديهم عذر في التخلُّف .
-فمنهم من قال صلاة الجماعة واجبة .وهذا قول جماعة من التابعين -منهم عطاء ابن أبي رباح والحسن البصري .
وأخرج الإمام مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: « وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ» .وهذا نص من ابن مسعود على إجماع الصحابة رضوان الله عليهم في وجوب صلاة الجماعة وأن التخلف عنها من صفات المنافقين .
وممن ذهب إلى هذا القول الإمام أحمد في أشهر الرواية عنه واختاره ابن المنذر.
وعزاه ابن رجب في فتح الباري (5/ 450)إلى عامة فقهاء الحَدِيْث، منهم: ابن خزيمة وابن المنذر.
وهو قول الوالد الشيخ مقبل رحمهم الله .
ولهذا القول أدلة .
منها: قول الله تعالى {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء : 102]
فإذا كانت الجماعة واجبة وقت الخوف وقتال اﻷعداء ففي حال اﻷمن من باب أولى .
-ومنها :قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة : 43]
قوله {مَعَ الرَّاكِعِينَ} مع تفيد المعية أي أن صلاة الفريضةتصلى مع جماعة المصلين .
-ومنها: حديث اﻷعمى في صحيح مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ» .
فإذا كان اﻷعمى لايجد له رخصة فالبصير من باب أولى .
ومنها :حديث الباب الآتي عند المؤلف في هَمِّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يحرق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة .
وهمُّ الرسول صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوتهم دليل على الوجوب .
هذه بعض أدلة القائلين بالوجوب.
وهناك أدلة أخرى تراجع من (كتاب الصلاة) لابن القيم رحمه الله .
-ومنهم من قال :صلاة الجماعة سنة مؤكدة وهذا قول المالكيةوالحنفية .
ذكره ابن القيم رحمه الله صفحة(99) من كتابه الصلاة وقال : لكنهم يؤثِّمون تارك السنن المؤكدة ويصححون الصلاة بدونه.
قال :والخلاف بينهم وبين من قال إنها واجبة لفظي وكذلك صرح بعضهم بالوجوب اهـ.
اﻵن هنا قول الحنفية والمالكية لكنهم يقولون الذي لم يصل الصلاة في جماعة آثمٌ .
ابن القيم يقول:الخلاف بين أهل هذا القول وبين الموجبين خلاف لفظي- أي في اللفظ العبارات فقط مختلفة لأنهم يُؤثمون الذي لم يصل الصلاة الفريضة في جماعة .
ومن قال بالاستحباب فدليله حديث ابن عمر وأبي هريرة في الباب قالوا التفضيل يدل على الاستحباب .
وكان من أجوبتهم عن حديث أبي هريرة (لقد هممت أن آمر بحطب …) بأنه في التخلف عن صلاة الجمعة كما في صحيح مسلم (652) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ».
ولكن يستفاد من مجموع الروايتين التحذير من التخلف عن صلاة الجماعة وعن صلاة الجمعة .
وقالوا إنما همَّ بإحراق بيوتهم لنفاقهم. وليس كما ذكروا .
-ومنهم من قال: صلاة الجماعة شرط في صحة الصلاة وهذا هو القول الثالث في المسألة وهوقول أحمد في رواية عنه وقول الظاهرية .
وأدلة أهل هذا القول هي أدلة الموجبين لصلاة الجماعة .
وأيضاً ما رواه ابن ماجة (793 )من طريق هُشَيْمٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ» .
وهشيم صرَّح بالتحديث عند الحاكم في المستدرك .
وتابع هُشيماً قُراد وهوعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ على رفعه كما عند الحاكم في المستدرك(1/ 372) .
لكن قال الحاكم عقبه : هَذَا حَدِيثٌ قَدْ أَوْقَفَهُ غُنْدَرُ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ .
وقال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (5/ 449) ولكن وقفه هُوَ الصحيح عِنْدَ الإمام أحمد وغيره.
وهذا أيضاً ما استفدناه من الوالد رحمه الله أن الصحيح وقفه .
وهذا الحديث يستدل به من قال بوجوب صلاة الجماعة ومن قال بأنها شرط .
و القول بالشرطية بعيد يرده اﻷدلة مثل: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) فقوله (أفضل) أفعل التفضيل تدل على المشاركة والزيادة فتستوي صلاة الفرد والذي يصلي في جماعة في الصحَّة هذه صحيحة وهذه صحيحة إلا أن الصلاة في جماعة أفضل .
ولما روى الترمذي في سننه (219)عن يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّتَهُ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْحَرَفَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى القَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا» ، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا» ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ».
الشاهد:أنه لو لم تكن اﻷولى صحيحة لماكانت الثانيه نافلة .
وقد ذكر ابن القيم في كتاب الصلاة هذه المسألة (حكم صلاة الجماعة )واﻷقوال فيها وناقش اﻷدلة فيستفاد مما أفاده رحمه الله .
مسألة :قلت للوالد الشيخ مقبل رحمه الله ألا يكون حديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ».دليل على أن صلاة الجماعة غير واجبة على الرجال ؟.
فأجابني : لا ، الحديث دليل على صحة صلاة المنفرد واﻷدلة اﻷخرى تبين وجوب صلاة الجماعة .
3-قوله :(ثم خرج إلى المسجد لايخرجه إلاالصلاة لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة وحُط عنه بها خطيئة).
فيه فضل الخطا إلى المساجد ، كل خطوة يرفع له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة.
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه (665) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ» ، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ».
وأخرج مسلم رحمه الله (1009) من طريق هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ» قَالَ: «تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ» قَالَ: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».
دلَّ هذا الحديث أن من جملة الصدقات الخُطَا إلى المساجد .
4-قوله (فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه) . فيه فضل البقاء في مكان الصلاة عقب الصلاة .
الملائكة تصلي عليه فهذا وقت رحمة ووقت بركة فلاينبغي أن ينصرف المصلي مباشرة بعد الصلاة بل يبقى مبتغياً للخيرومحتسبا للأجر فيبقى يذكرالله ويقرأ اﻷذكار المشروعة بعدالصلوات .
فهذا من السنن التي ينبغي أن يحرِص عليها المصلي.
وبعض الناس ينصرف مباشرة بعد الصلاةلأنه يجهل هذا الفضل أو قد يتساهل .
5-الحديث هنا مختصرففيه زيادة عند البخاري بعد قوله (اللهم اغفر له اللهم ارحمه )(مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ)
وهذا يفيد أن الملائكة تصلي عليه وتدعو له بشرط (مالم يؤذِ فيه مالم يحدث فيه) .
(مالم يؤذِ فيه)اﻷذى كالسب والكذب والغيبة .
ويشمل اﻷذى بالفعل أن يؤذي جليسَه بالمزاحمة أو ببعض التصرفات .
( مالم يحدثْ فيه)يشمل الحدَثَ الذي ينقض الطهارة .
ويشمل أيضا البدعة فإذا ابتدع في دين الله لاتدعو له الملائكة.
6-قوله:(ولا يزال في صلاة ماانتظرالصلاة) فيه فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة.
قال ابن عبدالبر رحمه الله في التمهيد (19/ 26)فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَضْلَ مُنْتَظَرِ الصَّلَاةِ كَفَضْلِ الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَمْ يُرِدْ به أن ينتظر الصلاة قائما وَلَا أَنَّهُ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ فَضْلَ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بِالْقَصْدِ إِلَى ذَلِكَ وَبِالنِّيَّةِ فِيهِ كَفَضْلِ الصَّلَاةِ وَأَنَّ مُنْتَظِرَهَا كَالْمُصَلِّي فِي الْفَضْلِ وَلِلَّهِ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِمَا شَاءَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فِيمَا شَاءَ مِنَ الْأَعْمَالِ لَا معقب لحكمه لا رَادَّ لِفَضْلِهِ .اهـ
وهذا من جملة الرباط أخرج مسلم في صحيحه (251) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» .
قال الشيخ ابن عُثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين: يعني المرابطة على الخير وهو داخل في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} اهـ.
7- كثرة طرق الخير .
نفعنا الله عزوجل بذلك وأعاذنا جميعاً من فتنة المحيا والممات .
ونكتفي بهذا القدر.
ونكتفي بهذا القدر.
الدرس الثاني من "باب فضل الجماعة ووجوبها"
قال الإمام الحافظ عبدالغني بن عبدالواحدالمقدسي
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه
- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَثْقَلُ الصَّلاةِ
عَلَى الْمُنَافِقِينَ: صَلاةُ الْعِشَاءِ , وَصَلاةُ الْفَجْرِ. وَلَوْ
يَعْلَمُونَ مَا فِيهَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا. وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ
آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ , ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ,
ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لا
يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ , فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ) .
********************************
قوله (ولويعلمون مافيهما) أي مافي صلاة
العشاءوالفجرمن اﻷجر .
(ﻷتوهما )ﻷتوا إلى المسجد لهاتين الصلاتين .
(ولوحبواً ) قال ابن اﻷثير في النهاية
:الحَبْوُ: أَنْ يمشيَ عَلَى يَدَيْه ورُكْبَتَيْه، أَوِ اسْته. وحَبَا
البَعيرُ إِذَا برَك ثُمَّ زَحفَ مِنَ الإعْياء. وحَبَا الصَّبيُّ: إِذَا زَحَفَ
عَلَى اسْتِه.
وقوله (حبوا) منصوب لأنه خبر كان
المحذوفة مع اسمها .
مثل (التمس ولوخاتما من حديد )فأحيانا تحذف كان مع اسمها
ويبقى خبرها.
قوله(هممت) الهم العزم .
قوله(لايشهدون ) لايحضرون .
هذا الحديث من أدلة وجوب صلاة الجماعةعلى
الرجال.
وهمُّ الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحريق من باب التغليظ والتشديد.
وفيه أيضاًمن الفوائد
1-ثِقلُ الصلاة كلهاعلى المنافقين .
وأثقل أفعل تفضيل تدل على المشاركة وزيادة
.
وقد وصفهم الله عزوجل بذلك قال تعالى:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا
إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ
إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 142].
يقول أهل العلم سبب ثقل هاتين الصلاتين
بالأخص أن صلاة العشاء وقت السكون والراحة في البيوت والاجتماع مع اﻷهل .والصبح وقت
لذة النوم .
1-
التحذير من صفات المنافقين .
والنفاق قسمان
1-نفاق اعتقادي .
2-نفاق عملي .
النفاق الاعتقادي :أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر.
وهذا مخرج من ملة الإسلام .
-النفاق العملي :كفر أصغر لايخرج من الملة لكنه خطير .وقد قيل( المعاصي
بريد الكفر).
النفاق العملي كفر أصغر ومعنى هذا أنه كبيرة من الكبائر فالنفاق العملي
داخل في الذنوب الكبيرة .
وقد ذكر الله عزوجل صفات المنافقين ليحذرها المسلم كقوله تعالى
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ
ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة : 67] {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ
} يبخلون بالزكاة وبطعام المحاويج وبالاحسان إلى اﻷرحام واﻷيتام {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } أي تركهم .
ومن أوصافهم في سورة التوبة الكذب
واﻷيمان الكاذبة وخلف الوعد قال تعالى {۞ وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا
مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة : 75] وقال
تعالى {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا
وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا
لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن
فَضْلِهِ ۚ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ
اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ
مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [التوبة : 74] هذه أيمان كاذبة واﻷيمان الكاذبة هي اليمين
الغموس .
من صفات المنافقين الإرجافات
والخوف قال تعالى { وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ
مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا
إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ }.
وفي سورة اﻷحزاب قال تعالى {
لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ
فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}
[الأحزاب : 60] فمن صفات المنافقين الإرجافات
تخويفاً الناس وإرعابهم .
وفي سورة المنافقون ذكر الله
بعض أوصافهم منها الكذب وإظهار الإسلام وإبطان الكفر قال تعالى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ
إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون : 1] .
وأيضا في سورة البقرة ذكر الله
في أوائل سورة البقرة ثلاثة أصناف .
الصنف اﻷول :المؤمنون وذكر الله
عز وجل في مدحهم وأوصافهم أربع آيات قال تعالى {الم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى
لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ
وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[البقرة : 1-5].
الصنف الثاني: الكفار وذكر الله
عزوجل فيهم آيتين قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ
غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [البقرة : 6].
الصنف الثالث :المنافقون وذكر
الله سبحانه فيهم اثني عشر آية قاتل تعالى {ومن النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ
وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ
مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ إلى قوله {يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.
أطال الله سبحانه في أوصافهم ولم يذكر في الكفار إلا آيتين ﻷن المنافقين
يلتبس أمرهم ﻷنهم في أوساط المسلمين يصلون معهم ويزكون ويشهدون العيد وقد يطلعون على
أسرار المسلمين لأن المسلمين يحسبونهم إخوانهم .
فصفة المنافقين من الصفات الذميمة التي يجب على كل مسلم ومسلمة الحذرمنها
وباﻷخص طالبة العلم حتى تفلح في سيرها وطلبها للعلم .
يقول الوالد الشيخ مقبل رحمه
الله (أنت ياطالبَ العلم أحق بالاستقامة حتى لا تُطمس بصيرتك) .
نعم ياأخواتي تسبب طمس البصيرة فلايهتدي إلى الحق ويستحسن الباطل ولايوفَّق
في سيره ولا يبارَك له .والعياذبالله .
هناك كتاب ﻷبي جعفرالفريابي في ذم المنافقين وأيضا كتاب لابن القيم .
النفاق ﻻيأمن
أحد منه على نفسه
وقد قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم كلهم يخشى على نفسه من النفاق .
وسمعت الوالد الشيخ مقبل رحمه الله يقول :( لايأمن أحد على نفسه من
النفاق إلامغرور) .
والنفاق ما ظهر في مكة فمكة لم يكن
فيها نفاق بل كان خِلافه وهو أن من الناس من يُظهر الكفر مستكرهاً وهو في الباطن
مؤمن .
ولما قدم المدينة لم يكن إذ ذاك نفاق لأنه لم يكن للمسلمين شوكة وقوة
.
ولما قدم المدينة صار الكفار معه على ثلاثة أقسام .
قال ابن القيم في زاد المعاد (3/114)وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، صَارَ الْكُفَّارُ مَعَهُ
ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ صَالَحَهُمْ وَوَادَعَهُمْ عَلَى أَلَّا
يُحَارِبُوهُ، وَلَا يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ، وَلَا يُوَالُوا عَلَيْهِ عَدُوَّهُ،
وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ آمِنُونَ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.
وَقِسْمٌ: حَارَبُوهُ وَنَصَبُوا لَهُ الْعَدَاوَةَ.
وَقِسْمٌ: تَارَكُوهُ، فَلَمْ يُصَالِحُوهُ، وَلَمْ يُحَارِبُوهُ،
بَلِ انْتَظَرُوا مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَأَمْرُ أَعْدَائِهِ، ثُمَّ
مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ كَانَ يُحِبُّ ظُهُورَهُ، وَانْتِصَارَهُ فِي الْبَاطِنِ،
وَمِنْهُمْ: مَنْ كَانَ يُحِبُّ ظُهُورَ عَدُوِّهِ عَلَيْهِ وَانْتِصَارَهُمْ،
وَمِنْهُمْ: مَنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ مَعَ عَدُوِّهِ فِي
الْبَاطِنِ، لِيَأْمَنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ،
فَعَامَلَ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى اهـ المراد .
وكان اليهود ثلاث قبائل بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قريظة .وصالحهم
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وبعد ذلك ظهر النفاق لما أسلم كثير من الأنصار ووقعت بدر العظمى
خافوا على أنفسهم من الأذى والقتل والسبي والعذاب .وهذا كعبدالله بن أبي بن سلول
رئيس المنافقين .وآخرون من أهل الكتاب فمن هنا وقع النفاق في المدينة ومن حولها من
الأعراب .
ينظر نحو هذا الكلام في
تفسير ابن كثير .
وهو عبارة عن تاريخ لظهور النفاق .
وأيضاً تاريخ لسيرة النبي
صلى الله وعليه وعلى آله وسلم لما قدم المدينة .
أما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد من المنافقين لأنه لم يكن أحد منهم
يهاجر مكرها .
قال ابن كثير في تفسيره تفسير قوله : ومن الناس من يقول آمنا بالله
وباليوم الاخر .. قال :فَأَمَّا
الْمُهَاجِرُونَ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ نافق لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ
يُهَاجِرُ مُكْرَهًا بَلْ يهاجر فيترك مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَرْضَهُ رَغْبَةً
فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ اهـ.
إذَن متى ظهر النفاق ؟.
ج: لما وقعت بدر وقويت شوكة المسلمين وانتصروا رأوا أنهم لو بقوا على
الكفر يعرضون أنفسهم للضرر فآمنوا في الظاهر.
ولم يكن هناك نفاق في مكة بل كان العكس يظهر الكفر ويبطن الإسلام لأن
المسلمين كانوا مستضعفين .
ولم يكن أحد من المهاجرين منافقا .
2-
فضيلة صلاة العشاء وصلاة الفجر
في جماعة .
*************************
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى
الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعُهَا.
قَالَ: فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاَللَّهُ لَنَمْنَعَهُنَّ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ , فَسَبَّهُ سَبّاً سَيِّئاً , مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ
مِثْلَهُ قَطُّ , وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- وَتَقُولُ: وَاَللَّهُ لَنَمْنَعَهُنَّ؟) .
وَفِي لَفْظٍ (لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) .
******************************
قوله (أحدَكم ) نصب أحدكم لأنه
مفعول به مقدم والمرأة فاعل.
في الحديث من الفوائد
1-
استئذان المرأة من زوجهاإذا أرادت الخروج إلى المسجد .
وإذا كان هذا في المسجد فغيره من باب أولى .
وإذاكانت غير متزوجة تستأذن من
وليها.
2 - النهي عن منع المرأة من صلاة الجماعة في المسجد .
ولكن إذا خشي عليها من الفتنة أوﻷعذار أخرى معتبرة له أن يمنعها وقد
يجب عليه إذا كان في خروجها فتنة (كلكم راع
وكلكم مسؤل عن رعيته).
وقد جاءت زيادة من حديث ابن عمر في سنن أبي داود (567 )(وبيوتهن
خيرلهن) .
وأخرج أبوداود في سننه (570)عن
عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي
حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي
بَيْتِهَا». فكل ماكان المكان أستر للمرأة
كانت الصلاة فيه أفضل .
واستُدل بهذا على أن صلاة المرأة أفضل من الصلاة في المسجد.
وهذا عام حتى ولوكان الصلاة في المسجد الحرام أوفي مسجد النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم .
3-فيه التأدب مع السنة وزجرمن
يعترض على السنة والتغليظ عليه (فسبه سباسيئا) وفي رواية في مسلم (قَالَ:
فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقُولُ: لَا).
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: أَنَّهُ رَأَى
رَجُلًا يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: لاَ تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الخَذْفِ، أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الخَذْفَ
وَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ
صَيْدٌ وَلاَ يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ
العَيْنَ» ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الخَذْفِ
أَوْ كَرِهَ الخَذْفَ، وَأَنْتَ تَخْذِفُ لاَ أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا.
وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، يُحَدِّثُ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْحَيَاءُ لَا
يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ» ، فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي
الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ وَقَارًا، وَمِنْهُ سَكِينَةً، فَقَالَ عِمْرَانُ:
أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُنِي
عَنْ صُحُفِكَ .
هكذا كان السلف يوقِّرون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحذرون من
مخالفتها .
وربنا عزوجل توعَّد على ذلك فقال
تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور : 63].
وفي صحيح مسلم (2021)عن
سلمة بن الأكوع رضي الله عنهأَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ» ، قَالَ: لَا
أَسْتَطِيعُ، قَالَ: «لَا اسْتَطَعْتَ» ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ:
فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ .
فردالسنةعُرضة للعقوبة .
وينبغي المسابقة إلى السنة سواء كان في واجب أو مستحب .يقول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله
(كان السلف يتسابقون إلى السنن أما اﻵن فإذا قيل لهم سنة لايبالون بها) .
**************************
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا , وَرَكْعَتَيْنِ
بَعْدَ الْجُمُعَةِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ
الْعِشَاءِ) .
وَفِي لَفْظِ: (فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ:
فَفِي بَيْتِهِ) .
وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: (كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ
خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ. وَكَانَتْ سَاعَةً لا أَدْخُلُ عَلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا) .
عنْ عائِشَةَ رضِيَ اللهُ عنْها قالَتْ: (لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - على شيءٍ منَ النَّوافِلِ أشدَّ تَعاهُدَاً منْهُ على
ركْعَتَي الفَجْرِ).
وفي لفْظٍ لِمُسْلِمٍ: (رَكْعَتا الفَجْرِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما
فيها) .
*********************************
من فوائد هذه الأحاديث
1-مشروعية رواتب الصلاة القبلية
والبعدية .
وقد ثبت من صحيح مسلم (728) عن أم حَبِيبَةَ،
تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ
صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ
بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ
سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ
عَنْبَسَةُ: «فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ» ،
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: «مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ
عَنْبَسَةَ» وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: «مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ
سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ» .
زاد الترمذي(415): أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ،
وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ
بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ
.
وهذا يفسر الإجمال في رواية الإمام مسلم .
2-وفي قول ابن عمر (صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ )مع حديث أم حبيبة (أَرْبَعًا
قَبْلَ الظُّهْرِ )لاتعارض بينهما هذا من تنوع العبادات فأحيانا يُصلي قبل الظهر ركعتين وأحيانا أربعا.
3-قوله (وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ) ثبت في صحيح مسلم
(881) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا
أَرْبَعًا» .
وقد جمع بين الحديثين جماعة من العلماء منهم شيخ الإسلام وتلميذه ابن
القيم رحمهما الله بما يأتي.
قال ابن القيم في زاد المعاد(1/ 425 )قَالَ شَيْخُنَا أبو العباس
ابن تيمية: إِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِنْ صَلَّى فِي
بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قُلْتُ وَعَلَى هَذَا تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ،
وَقَدْ ذَكَرَ أبو داود، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى فِي
الْمَسْجِدِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
اهـ.
قلت :وهذا ما أخذناه عن الوالدالشيخ مقبل رحمه الله أنه يُجمع بين الحديثين أن من صلى بعد صلاة
الجمعة في المسجد يصلي أربعاً ومن صلى في بيته يصلي ركعتين .
والرواتب كان النبي صلى الله يحافظ عليها في الحضر .
وذات مرة شغل عن الركعتين بعد الظهرفصلاهما بعدالعصركما أخرج البخاري
(1233)ومسلم(834) من طريق كُرَيْبٍ،
أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
أَزْهَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنَّا جَمِيعًا، وَسَلْهَا
عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلاَةِ العَصْرِ، وَقُلْ لَهَا: إِنَّا أُخْبِرْنَا
عَنْكِ أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكُنْتُ أَضْرِبُ
النَّاسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عَنْهَا، فَقَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ
عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي،
فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ، فَأَخْبَرْتُهُمْ
بِقَوْلِهَا، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ
إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ
يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ
بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ، فَقُلْتُ:
قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ،
فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ،
فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ،
سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ
عَبْدِ القَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ
فَهُمَا هَاتَانِ».
أما في السفر فكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصلي الرواتب إلاركعتي
الفجر فما كان يتركها سفراً ولاحضراً .
الحكمة من الرواتب
أنها تكمل النقص التي يحصل في
صلاةالفريضة أخرج الترمذي في سننه (413)
من طريق حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَقُلْتُ:
اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي
هُرَيْرَةَ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا
صَالِحًا، فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ
مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ
صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ،
فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ:
انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ
الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " .
الحديث فيه بيان الحكمة وهذا من فضل الله وإحسانه فله الحمد والشكر .
الرواتب من جملة النوافل التي فعلها سبب لمحبة الله للعبد كما أخرج
البخاري في صحيحه (6502)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي
وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ
أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ
إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ
الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي
يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي
لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ
شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ
وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " .
الرواتب كالسياج تحافظ على الفريضة من الخَدْش .
وأيهما
أفضل الرواتب أم قيام الليل ؟.
أخرج مسلم في صحيحه (1163)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ
الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ،
بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ».
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ أَنَّ تَطَوُّعَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ
تَطَوُّعِ النَّهَارِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ
أَصْحَابِنَا وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ السُّنَنِ
الرَّاتِبَةِ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الرَّوَاتِبُ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا
تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ وَالْأَوَّلُ أقوى وأوفق للحديث والله أعلم .
وقال ابن رجب رحمه الله في
لطائف المعارف 34 : ومراده بعد المكتوبة ولواحقها من سننها الرواتب فإن الرواتب
قبل الفرائض وبعدها أفضل من قيام الليل عند جمهور العلماء لالتحاقها بالفرائض
وإنما خالف في ذلك بعض الشافعية.
ونص ابن رجب رحمه الله 34 أن أفضل التطوع المطلق بالصلاة قيام
الليل.
3-
قول ابن عمر(كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا
يَطْلُعُ الْفَجْرُ) . فيه التخفيف في ركعتي الفجر .وعلى هذا جمهور
العلماء .
وذهبت الحنفية إلى استحباب الإطالة وهذا
مخالف للدليل فقد أخرج البخاري(1171) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي
لَأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الكِتَابِ؟ " .
أي من شدة التخفيف .
وليس المراد الاقتصار على فاتحة الكتاب كما ذهب الإمام مالك .
أخرج الإمام مسلم في صحيحه (726)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، "
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ
الْفَجْرِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ".
وأخرج مسلم في صحيحه (727) عن ابن عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، " كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فِي الْأُولَى
مِنْهُمَا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]
الْآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْهُمَا: {آمَنَّا بِاللهِ
وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52] ".
في هذا دليل على قراءة شيء بعد الفاتحة في ركعتي الفجر وبيان ما يُقرَأ
.
وهذا من تنوع العبادات فلا
تنافي بين الروايتين .
5-وفي حديث عائِشَةَ رضِيَ اللهُ عنْها قالَتْ: (لَمْ يَكُنِ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - على شيءٍ منَ النَّوافِلِ أَشدَّ تَعاهُدَاً
منْهُ على ركْعَتَي الفَجْرِ).
وفي لفْظٍ لِمُسْلِمٍ: (رَكْعَتا الفَجْرِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما
فيها) .
فيه فضل راتبة الفجر وأنها آكد الرواتب
.
ومما يدل على أنها آكد الرواتب أن
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يدع هاتين الركعتين سفراً ولا حضراً .
6-وفي قوله (رَكْعَتا
الفَجْرِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها) فيه الترغيب في اﻵخرة .
وهذه تربية النبي صلى الله عليه وسلم ﻷصحابه
على الزهد في الدنيا والإقبال على اﻵخرة جعلنا الله من أهل الآخرة .
وهذا آخر (باب فضل صلاة الجماعة
ووجوبها ) ولله الحمد نفعنا الله وإياكم.