جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 27 مارس 2018

(50)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ



                          معاني الضلال

قال الشنقيطي رحمه الله في تفسير سورة الشعراء رقم الآية(20):لَفْظُ الضَّلَالِ يُطْلَقُ فِي الْقُرْآنِ، وَفِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ثَلَاثَة إِطْلَاقَاتٍ:

 الْإِطْلَاقُ الْأَوَّلُ: يُطْلَقُ الضَّلَالُ مُرَادًا بِهِ الذَّهَابُ عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ، فَتَقُولُ الْعَرَبُ فِي كُلِّ مَنْ ذَهَبَ عَنْ عِلْمِ حَقِيقَةِ شَيْءٍ ضَلَّ عَنْهُ، وَهَذَا الضَّلَالُ ذَهَابٌ عَنْ عِلْمِ شَيْءٍ مَا، وَلَيْسَ مِنَ الضَّلَالِ فِي الدِّينِ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُه:{فَعَلْتُهَا إذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ}.
أَيْ: مِنَ الذَّاهِبِينَ عَنْ عِلْمِ حَقِيقَةِ الْعُلُومِ، وَالْأَسْرَارِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلَّا عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ، لِأَنِّي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُوحَ إِلَيَّ، وَمِنْهُ عَلَى التَّحْقِيقِ:{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}.
 أَيْ: ذَاهِبًا عَمَّا عَلَّمَكَ مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِالْوَحْيِ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى:{قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}. فَقَوْلُهُ: لَا يَضِلُّ رَبِّي، أَيْ: لَا يَذْهَبُ عَنْهُ عَلْمُ شَيْءٍ كَائِنًا مَا كَانَ.
 وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} فَقَوْلُهُ: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا، أَيْ: تَذْهَبَ عَنْ عِلْمِ حَقِيقَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ:{فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ:{إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وَقَوْلُهُ: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ}عَلَى التَّحْقِيقِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَتَظُنُّ سَلْمَى أَنَّنِي أَبْغِي بِهَا ... بَدَلًا أَرَاهَا فِي الضَّلَالِ تَهِيمُ

وَالْإِطْلَاقُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ، وَفِي الْقُرْآنِ هُوَ إِطْلَاقُ الضَّلَالِ عَلَى الذَّهَابِ عَنْ طَرِيقِ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ، وَعَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَعَنْ طَرِيقِ الْجَنَّةِ إِلَى النَّارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .

وَالْإِطْلَاقُ الثَّالِثُ: هُوَ إِطْلَاقُ الضَّلَالِ عَلَى الْغَيْبُوبَةِ وَالِاضْمِحْلَالِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَلَّ الشَّيْءُ إِذَا غَابَ وَاضْمَحَلَّ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ضَلَّ السَّمْنُ فِي الطَّعَامِ، إِذَا غَابَ فِيهِ وَاضْمَحَلَّ.
 وَلِأَجْلِ هَذَا سَمَّتِ الْعَرَبُ الدَّفْنَ فِي الْقَبْرِ إِضْلَالًا.
 لِأَنَّ الْمَدْفُونَ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ فَيَغِيبُ فِيهَا وَيَضْمَحِلُّ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ} يَعْنُونَ: إِذَا دُفِنُوا وَأَكَلَتْهُمُ الْأَرْضُ، فَضَلُّوا فِيهَا،أَيْ: غَابُوا فِيهَا وَاضْمَحَلُّوا.

وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلضَّلَالِ إِطْلَاقًا رَابِعًا، قَالَ: وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَحَبَّةِ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ:{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} قَالَ: أَيْ فِي حُبِّكَ الْقَدِيمِ لِيُوسُفَ.
وَزَعَمَ أَيْضًا أَنَّ مِنْهُ قَوْلَهُ: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} قَالَ: أَيْ مُحِبٌّ لِلْهِدَايَةِ فَهَدَاكَ، وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ هَذَا الْقَوْلِ.
 وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.اهـ المراد