جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 20 مارس 2018

(12)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي


                             حُسْنُ الاستماعِ

قال تعالى لكليمِه ونبيه موسى عليه الصلاة والسلام:﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى﴾[طه:13].
أمر الله سبحانه في هذه الآية نبيه موسى بحُسْن الاستماع للوحي.
قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: لِأَنَّ بِذَلِكَ يُنَالُ الْفَهْمُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.اهـ
وقال سبحانه:﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا﴾[المائدة: 108].
وقال سبحانه:﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)﴾[الأعراف].
وأثنى الله عز وجل على من يستمع ويتبع أحسن القول فقال سبحانه:﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)﴾[الزمر].
 وذم سبحانه من كان بخلاف ذلك بقوله: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)﴾[ الإسراء].
وبيَّن سبحانه أن  حاضر القلب الذي يستمع لما يُقال له هو الذي ينتفع بالموعظة والتذكير فقال:﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ﴾[ق].
وروى الدارمي في مقدمة«سننه»(341)عن سفيان بن عيينة قال: يُراد للعلم الحفظ، والعمل، والاستماع، والإنصات، والنشر. وهذا أثر صحيح.
 فحُسْن الاستماع سواء لموعظة أو لدرس أو لنصيحة أو لسماع القرآن الكريم مأمور به شرعًا ،يستمع بحضور قلب -بقلب حاضر- ليس بقلبٍ غافلٍ لاهٍ  ساهٍ.
 فينبغي  الاستماع وحضور الذهن عند سماع الخير وعدم الانشغال بغيره.
قال القرطبي رحمه الله في تفسير سورة طه رقم الآية (13):وذلك أَنْ يَكُفَّ الْعَبْدُ جَوَارِحَهُ، وَلَا يَشْغَلَهَا. فَيَشْتَغِلُ قَلْبُهُ عَمَّا يَسْمَعُ، وَيَغُضُّ طَرْفَهُ فَلَا يَلْهُو قَلْبُهُ بِمَا يَرَى، (ويُحْضِرُ) عَقْلَهُ فَلَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ سِوَى مَا يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ، وَيَعْزِمُ عَلَى أَنْ يَفْهَمَ فَيَعْمَلَ بِمَا يَفْهَمُ.اهـ
ومن نصائح والدي الشيخ مقبل رحمه الله لنا في الدرس:لا تكن يا طالب العلم كحال ولدي امرأتين:
 شكت إحداهما إلى الأخرى وقالت : ولدي يسمع الكلام من هذه الأذن ويخرج من الأذن الأخرى .

وقالت الأخرى: ولدي لا يدخل الكلام من هذه الأذن ولايخرج من الأذن الأخرى.اهـ
وحُسْن الاستماع داخل في آداب كلِّ مسلم، ولكن طالب العلم أحقُّ  بالاتصاف به ،لأنه يتعلم العلم النافع  الذي يهدي  به الله سبل السلام ،وطريق المعالي والمكارم.
وما تقدم من الحث على الاستماع المراد به الاستماع للخير وما يرضاه ربُّنا سبحانه،وقد قسَّم ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين»(1/479) المسموع إلى ثلاثة أقسام:
أَحَدُهَا: مَسْمُوعٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَأَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهِ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ بِهِ.
الثَّانِي: مَسْمُوعٌ يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ، وَنَهَى عَنْهُ، وَمَدَحَ الْمُعْرِضِينَ عَنْهُ.
الثَّالِثُ: مَسْمُوعٌ مُبَاحٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، لَا يُحِبُّهُ وَلَا يُبْغِضُهُ، وَلَا مَدَحَ صَاحِبَهُ وَلَا ذَمَّهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الْمَنَاظِرِ، وَالْمَشَامِّ، وَالْمَطْعُومَاتِ، وَالْمَلْبُوسَاتِ الْمُبَاحَةِ، فَمَنْ حَرَّمَ هَذَا النَّوْعَ الثَّالِثَ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ، وَحَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ دِينًا وَقُرْبَةً يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، وَشَرَعَ دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَضَاهَأَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ.اهـ
نسألُ اللهَ أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.