جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 11 مارس 2018

(24) مِنْ جَوَامِعِ الأَدْعِيَةِ



عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ:<رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ، وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ؛ أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ> رواه البخاري (11/6398)،ومسلم(2719).
قوله: <وجهلي> قال القاري في «المرقاة» (5/341): أي فيما يجب عليَّ علمه وعمله.
وقوله: <وما أنت أعلم به مني> قال القاري: تعميم بعد تخصيص واعتراف بإحاطة علمه تعالى وإقرار بعجزه عن معرفة نفسه. اهـ
وقوله: <أنت المقدم وأنت المؤخر> قال النووي: يقدم من يشاء من خلقه إلى رحمته بتوفيقه ويؤخر من يشاء عن ذلك لخذلانه. اهـ

وفيه من الفوائد:
التضرع إلى الله سبحانه والبسط في الدعاء.
قال ابن القيم رحمه الله في جلاء الأفهام(297)..تَجِد كثيرا من أدعية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا من بسط الْأَلْفَاظ وَذكر كل معنى بِصَرِيح لَفظه دون الِاكْتِفَاء بِدلَالَة اللَّفْظ الآخر عَلَيْهِ مَا يشْهد لذَلِك كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه :اللَّهُمَّ أَغفر لي مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت وَمَا أسرفت وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَمَعْلُوم أَنه لَو قيل اغْفِر لي كل مَا صنعت كَانَ أوجز وَلَكِن أَلْفَاظ الحَدِيث فِي مقَام الدُّعَاء والتضرع وَإِظْهَار الْعُبُودِيَّة والافتقار واستحضار الْأَنْوَاع الَّتِي يَتُوب العَبْد مِنْهَا تَفْصِيلًا أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار.

وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الحَدِيث الآخر اللَّهُمَّ اغفر لي ذَنبي كُله دقه وجله سره وعلانيته أوله وَآخره.

وساق بعضًا من حديث أبي موسى.

ثم قال:وَهَذَا كثير فِي الْأَدْعِيَة المأثورة فَإِن الدُّعَاء عبودية لله تَعَالَى وافتقار إِلَيْهِ وتذلل بَين يَدَيْهِ فَكلما كثره العَبْد وَطوله وَأَعَادَهُ وأبداه وَنَوَّع جمله كَانَ ذَلِك أبلغ فِي عبوديته وَإِظْهَار فقره وتذلله وَحَاجته وَكَانَ ذَلِك أقرب لَهُ من ربه وَأعظم لثوابه.
 وَهَذَا بِخِلَاف الْمَخْلُوق فَإنَّك كلما كثَّرت سُؤَاله وكررت حوائجك إِلَيْهِ أبرمته وثقلت عَلَيْهِ وهنت عَلَيْهِ.
 وَكلما تركت سُؤَاله كَانَ أعظم عِنْده وَأحب إِلَيْهِ.
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كلما سَأَلته كنت أقرب إِلَيْهِ وَأحب إِلَيْهِ .
وَكلما ألححت عَلَيْهِ فِي الدُّعَاء أحبك وَمن لم يسْأَله يغْضب عَلَيْهِ.
فَالله يغْضب إِن تركت سُؤَاله .. وَبني آدم حِين يسْأَل يغْضب.