جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 6 مارس 2018

(54) سِلْسَلَةُ المَسَائِلِ النِّسَائِيَّة


               حكم أجرة الأم على رضاع الولد


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى(5/519):

وَإِرْضَاعُ الطِّفْلِ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَعَ الزَّوْجِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ .

وَلَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ زِيَادَةً عَلَى نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فَلَمْ يُوجِبْ لَهُنَّ إلَّا الْكِسْوَةَ وَالنَّفَقَةَ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْوَاجِبُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَمَا عَسَاهُ يَتَجَرَّدُ مِنْ زِيَادَةٍ خَاصَّةٍ لِلْمُرْتَضِعِ كَمَا قَالَ فِي الْحَامِلِ: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] . فَدَخَلَتْ نَفَقَةُ الْوَلَدِ فِي نَفَقَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِهَا.

وَكَذَلِكَ الْمُرْتَضِعُ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ هُنَا وَاجِبَةً بِشَيْئَيْنِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ الْوُجُوبُ فَأَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ. كَمَا لَوْ نَشَزَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ لِلْإِرْضَاعِ لَا لِلزَّوْجِيَّةِ.

فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَائِنًا وَأَرْضَعَتْ لَهُ وَلَدَهُ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ أَجْرَهَا بِلَا رَيْبٍ. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6].اهـ المراد

وَقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة الطلاق .قَوْلُهُ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} أَيْ: إِذَا وَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَهُنَّ طَوَالِقُ، فَقَدْ بنَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ، وَلَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تُرْضِعَ الْوَلَدَ، وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ تُغَذِّيَهُ باللبَّأ -وَهُوَ بَاكُورَةُ اللَّبَنِ الَّذِي لَا قِوَامَ لِلْوَلَدِ غَالِبًا إِلَّا بِهِ-فَإِنْ أَرْضَعَتِ اسْتَحَقَّتْ أَجْرَ مِثْلِهَا، وَلَهَا أَنْ تُعَاقِدَ أَبَاهُ أَوْ وَلِيَّهُ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَةٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.

قال:وَقَوْلُهُ:{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}أَيْ: وَلْتَكُنْ أُمُورُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالْمَعْرُوفِ، مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ وَلَا مُضَارَّةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ "الْبَقَرَةِ":{لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [الْبَقَرَةِ: 233].

وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} أَيْ: وَإِنِ اخْتَلَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، فَطَلَبَتِ الْمَرْأَةُ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ كَثِيرًا وَلَمْ يُجِبْهَا الرَّجُلُ إِلَى ذَلِكَ، أَوْ بَذَلَ الرَّجُلُ قَلِيلًا وَلَمْ تُوَافِقْهُ عَلَيْهِ، فَلْيَسْتَرْضِعْ لَهُ غَيْرَهَا. فَلَوْ رَضِيَتِ الْأُمُّ بِمَا اسْتُؤْجِرَتْ عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيَّةُ فَهِيَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا.اهـ

علمنا مما تقدم:

أن الأم إن كانت في عصمة زوجها فلا حقَّ لها في الأُجرة،والواجب لها النفقة والكسوة بمقتضى الزوجية لقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]فلم يذكر سبحانه أَجْر الرضاعة.

أن الأم إن كانت مطلقة وجب لها الأُجرة على رضاعها لقوله تعالى في سورة الطلاق:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.والله أعلم.