جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

(45)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا(24)﴾ [الكهف].
------------
قَوْلُهُ:﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ﴾فيه أقوال:
أحدها: المراد إذا نسيتَ قول إن شاء الله فمتى ذكرتَ استثنيتَ ولو بعد مدة امتثالًا لأمر الله، إذا قال مثلًا :سأسافر غدًا ثم تذكر بعد ساعة أنه لم يقل إن شاء الله  يقول إن شاء الله. قال الشنقيطي في أضواء البيان (3/254):وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ ،لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى قَبْلَهُ:(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)،وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.اهـ

الثاني:قَالَ عِكْرِمَةُ :وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ. إِذَا غَضِبْتَ ،قال ابن كثير :وَهَذَا تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ.اهـ
أي:أن الغضب من لازمِه النسيان.
قال الشاعر
العلم آفته الإعجاب والغضب
                والمال آفته التبذير والنهبُ

الثالث:قال ابن كثير رحمه الله: وَيَحْتَمِلُ فِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يكون الله تعالى قَدْ أَرْشَدَ مَنْ نَسِيَ الشَّيْءَ فِي كَلَامِهِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَنْشَؤُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، كَمَا قَالَ فَتَى مُوسَى: :(وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) [الْكَهْفِ: 63].اهـ

وقد أخرج ابن جرير في «تفسيره»(15/225)من طريق نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ، قَالَ :لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَلَوْ إِلَى سَنَةٍ، وَكَانَ يَقُولُ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] فِي ذَلِكَ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ :سَمِعْتَهُ مِنْ مُجَاهِدٍ، فَقَالَ: ثني بِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ .وهذا إسنادٌ ضعيف .نعيم بن حماد هو الخزاعي ضعيف .
والأعمش لم يسمعه من مجاهد إنما سمعه من ليث بن أبي سليم ،وليث بن أبي سليم :مختلط .
وهذا ظاهرُه أن الاستثناء ينفع  ولو بعد حين .وقد ذكر ابنُ جريرٍ رحمه الله في «تفسيره»(15/227)أن الكفارة  للحانث لَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِحَالٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاؤُهُ مَوْصُولًا بِيَمِينِهِ .
ثم قال:فَإِنْ قَالَ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، وَمَنْ قَالَ: لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُمْ فِي ذَلِكَ نَحْوُ مَعْنَانَا فِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَوْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، وَأَنَّهُ بِاسْتِثْنَائِهِ وَقِيلِهِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ حِينٍ مِنْ حَالِ حَلِفِهِ، يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَرَجُ الَّذِي لَوْ لَمْ يَقُلْهُ كَانَ لَهُ لَازِمًا، فَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلَهُ لَازِمَةٌ بِالْحِنْثِ بِكُلِّ حَالٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاؤُهُ كَانَ مَوْصُولًا بِالْحَلِفِ، وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ قَائِلًا قَالَ مِمَّنْ قَالَ لَهُ الثُّنْيَا بَعْدَ حِينٍ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ يَضَعُ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ إِذَا حَنِثَ.اهـ
وتوجيه ابن جرير لكلام ابن عباس-على ثبوته- وما شابهه أن المراد يستثني  ليكون آتيًا بسنة الاستثناء ،لا أنه يكون رافعًا للحنث ارتضاه ابن كثير رحمه الله وقال:هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ 

وقوله:﴿وقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾.
إذا سُئل الإنسان عن شيء لا يعلمه فيتوجه إلى الله ويضرع إليه، وكذلك من أشكل عليه فهم مسألة يلجأ إلى الله سبحانه.وقد بوب والدي رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين:من أشكل عليه مسألة فليقل:اللهم فهمنيها.
من فوائد الآيتَيْن:
1-إثبات صفة المشيئة لله عزوجل.
2-الحث على قول إن شاء الله في الشيء المستقبل.
 وهذا فيه النجاح بالمطلوب.روى البخاري(6639) ،ومسلم (1654) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ".
يقول والدي الشيخ مقبل : إن شاء الله كلمة مباركة لا تقال في شيء إلا تحقَّقَ غالبًا أو بهذا المعنى .
ومن فوائد قول إن شاء الله :أنه إذا حلف وقال إن شاء الله لم يحنث إذا لم يفعل.
ومن الفوائد: أنه إذا قال مثلًا سأفعل إن شاء الله غدًا إذا لم يفعل لاشيء عليه ،ولهذا قال موسى للخضر عليهما السلام:﴿ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا﴾ .ولم يصبر .ولم يعد كاذبًا ولا مخلفًا للوعد لأنه استثنى.
ومن الفوائد :ذِكْر الله سبحانه وتعالى والتبرك بذكر الله .

3 – الحث على ذكر الله  عند النسيان.فمن نسي شيئًا يذكرُ الله ليتذكرَ مطلوبَه.

4-اللجوء إلى الله سبحانه لمن سُئِلَ عن شيءٍ لا يعلمه، وهكذا عند الشيء الذي لم يفهَمْه.