جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

(1) الآداب



                          الوفاء بالوعد


قال تعالى:(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54))[سورة مريم].
قال ابن كثير في تفسير سورة مريم: هَذَا ثَنَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَهُوَ وَالِدُ عَرَبِ الْحِجَازِ كُلِّهِمْ بِأَنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ.اهـ

والآية عامة في مدح إسماعيل في وفائه بالوعد أَنَّه لَمْ يَعِدْ شَيْئًا إِلَّا وَفَّى بِهِ.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية(11/115): وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ
وقد وفَّى بذلك إسماعيل  ولما أراد أبوه إبراهيم عليهما السلام  أن يذبحه فداه الله بذبحٍ عظيم،قال تعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}[الصافات].
مع أن الموت من أعظم المصائب كما قال تعالى:{فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}[المائدة].

وقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصَّفِّ: 2- 3] .

وَفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ».

وروى البخاري(3110)،ومسلم (2449)عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما الحديث وفي  آخره:«ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ، قَالَ: «حَدَّثَنِي، فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي».

قال الذهبي رحمه الله في«سير أعلام النبلاء»(1/331)عن أبي العاص الذي أثنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مصاهرته: أَسْلَمَ قَبْلَ الحُدَيْبِيَةِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ.وَكَانَ قَدْ وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِزَيْنَبَ ابْنَتِهِ، فَوَفَى بِوَعْدِهِ، وَفَارَقَهَا مَعَ شِدَّةِ حُبِّهِ لَهَا، وَكَانَ مِنْ تُجَّارِ قُرَيْشٍ وَأُمَنَائِهِم، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ رِوَايَةً. وَلَمَّا هَاجَرَ، رَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَتَهُ زَيْنَبَ بَعْدَ سِتَّةِ أَعْوَامٍ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ .اهـ


وروى البخاري (2598)عن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا - ثَلاَثًا»، فَلَمْ يَقْدَمْ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ، فَلْيَأْتِنَا، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَنِي فَحَثَى لِي ثَلاَثًا.

ووفاء أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه بوعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد وفاتِه إنما هو على وجه الاستحباب.

فهذه جملة من الأدلة في الوفاء بالوعد .
وهذا من أبرز صفات المؤمنين،الوفاء بالوعد في العطاء ،في القول ،في الشفاعة،في المعونة ،في سائر الوعود ،حتى وعد الإنسان بينه وبين ربه كما قال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)}[التوبة].

 فانتبه أيها المسلم واحذر أن تقع في خُلْف الوعد لغير عُذرٍ فتقع في كبيرةٍ وفي صفةٍ من صفات المنافقين.