جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 30 مارس 2019

(6) فوائد من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


عن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَال اللهِ تَعَالَى إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِل الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ». رواه أبو داود.



تقدم الكلام على الفقرة الأولى في هذا الحديث«إِنَّ مِنْ إِجْلَال اللهِ تَعَالَى إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ»في رسالة سابقة.



§     وقوله:«وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه»


قال القرطبي في «مقدمة تفسير القرآن» (1/26):قَالَ أَبُو عُمَرَ:حَمَلَةُ الْقُرْآنِ هُمُ الْعَالِمُونَ بِأَحْكَامِهِ،وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ،وَالْعَامِلُونَ بِمَا فِيهِ.اهـ.


ومعنى:«غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ» أي:أنَّ إكرام حامل القرآن بهذين الشرطين:غير الغالي في القرآن ولا الجافي فيه.


الغلو:مجاوزة الحد،والجفاء:التفريط والتقصير.


قال أبو عبيد القاسم بن سلام في «غريب الحديث» (3/ 483):الغالي فِيهِ هُوَ المُتَعّمِقُ حَتَّى يُخرجهُ ذَلِك إِلَى إكفار النَّاس كنحوٍ من مَذْهَب الْخَوَارِج وَأهل الْبدع. والجافي عَنهُ التارك لَهُ وللعمل بِهِ،وَلَكِن الْقَصْد من ذَلِك.اهـ.


والغلو والجفاء من كيد الشيطان ووساوسه،فنسأل الله أن يجعلنا من أهل الوسط.


وغالبًا أن صاحب الغلو في الدين ينقطع ولا يدوم على حاله،كما روى البخاري (39) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَإِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ،وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ،فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا،وَأَبْشِرُوا،وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ».


قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله في «فتح الباري» (1/ 94):فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى النَّاسُ قَبْلَنَا أَنَّ كُلَّ مُتَنَطِّعٍ فِي الدِّينِ يَنْقَطِعُ.اهـ.


والتنطع:هو الغلو والمجاوزة،وقد أخبر النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بخطورة التنطع في الدين،كما روى الإمام مسلم (2670) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلَاثًا.


والحمد لله مَن كان  النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أسوته في الأقوال والأفعال وسائر الأحوال فإنه يكون آمنًا،ملازمًا للوسطية،ماشيًا على الصراط المستقيم،إنما يكون الغلو والجفاء في حق من أعرض عن الاهتداء بهدي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.



§     وقوله:« وإكرام ذي السلطان المقسط»

المقسط:العادل،والسلطان المقسط له حقوقه،سواء كان خليفة للمسلمين،أو له سُلْطة على جهة خاصة كالوزارة  و ما شابهها.

فمن كان كذلك فلا يجوز إهانته ولا الاستخفاف به،ولا يُعصى إذا أَمر أو نهى،قال الله عَزَّ وَجَل:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59]. وأولي الأمر: الأمراء والعلماء.
والطاعة تكون في حدود الشرع،وفي حدود الطاقة والاستطاعة.

 ومِن تعظيم الله أن يعَظَّمَ من عظَّمه الله وأن يُهان من أهانه الله عَزَّ وَجَل من الكفار والملحدين والمنافقين والفجرة أعداء الدين.