جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 18 نوفمبر 2018

(5)الآداب


                  الحَذَر مِنَ العجلة أم الندامات



قال تعالى:﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37)﴾[الأنبياء].

أي:أن جنس الإنسان من طبيعته  العجلَة .

وقال تعالى:﴿وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 11]



ولما كان الإنسان من طبيعته العجلة كانت العاجلة عنده محبوبة على الآجلة قال تَعَالَى:﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾[القيامة:20] وقال تعالى:﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾[الإنسان:27].

قال ابن القيم في «مفتاح دار السعادة»:النَّفس مولعة بحب العاجلة وإيثارها على الآخرة،وَهَذَا من لَوَازِم كَونه خُلق من عجل وَكَونه خلق عجولا ا.هـ

وعد ابن القيم رحمه الله: العجلة والطيش من ثمار الجهل كما في «مفتاح دار السعادة» (116).

وذكر ابن حبان في«روضة العقلاء»(121)أن من شِيَمِ الأحمق العجلة.اهـ

والعجلة فيها الندامة غالبًا وحرمان من الوصول إلى المراد.

قال الشاعر:قد يدرك المتأني بعض حاجته***وقد يكون في المستعجل الزلل

قال ابن حبان البستي -رحمه الله تعالى-في روضة العقلاء(216)في بيان مساوئ العجلة:العجِل لا يَكاد يَلحق، وكما أنَّ من سكت لا يكاد يندم، كذلكَ مَن نطق لا يكاد يسلم، والعَجِل يقول قبل أن يَعلم،ويجيب قبل أن يفهم،ويحمد قبل أن يُجَرِّبَ، ويذم بعد ما يَحمد، ويعزم قبل أن يفكِّر،ويمضي قبل أن يعزم،والعَجِلُ تصحبهُ الندامة، وتعتزله السلامة،وكانت العرب تَكْني العجلَةَ أمَّ الندامات.اهـ



وقد قيل في المثل: إذا لم تستعجل تَصِلْ.

وكثيرًا ما يحصل الطيش والعجلة عند النساء لِضَعْفِهنَّ ونقص إدراكهنَّ،والمعصوم من عصمَ الله، مِنَ الرجال والنساء.

فعلينا أن نتحلى بهذا الخلق العظيم:خلُقُ الأناه وأن نحذر العجلة.فقد روى مسلم(17)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ:«إن فيك خصلتين يحبهما الله:الحلم،والأناة».



ومن الأمور التي يحصلُ فيها الاستعجال:

·     استعجال النصر ووعد الله الذي وعد به عباده في قوله:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) ﴾[محمد:7] وقوله:﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾[الحج:40]،وروى البخاري(3612) عن خباب بن الأرت،قال:شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة،قلنا له:ألا تستنصر لنا،ألا تدعو الله لنا؟ قال:«كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض،فيجعل فيه،فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين،وما يصده ذلك عن دينه،ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب،وما يصده ذلك عن دينه،والله ليتمن هذا الأمر،حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت،لا يخاف إلا الله،أو الذئب على غنمه،ولكنكم تستعجلون».



·     العجلة عند ظهور الفتن والتنازع وعوارض الشبهات فيلِجُ فيها بالكلام والقطع مِنْ غير تريُّث ولا نظر ولا علم ولا حِلْم،وقد ذكر هذه المسألة  ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (1/141)وقال فيمَنْ هذا حالُه:هَذَا دَلِيل ضعف عقله ومعرفته إذ تُؤثر فِيهِ البداآت ويستفز بأوائل الأمور،بِخِلَاف الثَّابِت التَّام الْعَاقِل فَإِنَّهُ لَا تستفزه البداآت وَلَا تزعجه وتقلقه،فإن الْبَاطِل لَهُ دهشة وروعة فِي أوَّلِه،فَإِذا ثَبت لَهُ الْقلب رُدَّ على عَقِبَيْهِ،وَالله يحب من عِنْده الْعلم والأَناة، فَلَا يعجل،بل يثبت حَتَّى يعلم ويستيقن مَا ورد عَلَيْهِ،وَلَا يعجل بِأَمْر من قبل استحكامه،فالعجلة والطيش من الشَّيْطَان،فَمن ثَبت عِنْد صدمة البداآت اسْتقْبل أمْرَهْ بِعلم وَحزم،وَمن لم يثبت لَهَا استقبله بعجلة وطيش،وعاقبته الندامة،وعاقبة الأول حمد أمره، وَلَكِن للْأولِ آفَة مَتى قرنت بالحزم والعزم نجا مِنْهَا،وَهِي الْفَوْت فَإِنَّهُ لَا يخَاف من التثبُّت إلا الْفَوْت ،فَإِذا اقْترن بِهِ الْعَزْم والحزم تمّ أمْرَه.اهـ



·     العجلة في استجابة الدعاء.



روى البخاري (6340)،ومسلم (2735) عن أبي هريرة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يستجاب لأحدكم ما لم يعجل،يقول:دعوت فلم يستجب لي ».

·     العجلة في طلب العلم وحفظ القرآن يطلب علمًا ويحفظ أيامًا أو شهورًا،ثم يستعجل الثمرة ويوسوس له الشيطان أنه لن يكون في سلك الحافظين المستفيدين ،فيُصاب بالتثبيط والانقطاع عن طلب العلم وهذا من مضار العجلة.

ولْنَعلم أنه لا يهذِّبُ الإنسانُ حياته ونفسَه وخُلُقَهُ إلا بالعلم النافع،فيعرف المضار فيجتنبها ويعرف المنافع فيحرص عليها،فالعلم النافع منبع لكل خير وأصل كلِّ خير.

وكذلكَ الدُّعَاء،ومِما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نقول:«اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا  صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» رواه أحمد (28/338)عن شداد بن أوس.

قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة:«اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ..».

هَاتَانِ الكلمتان هما جماع الْفَلاح،وَمَا أُتي العَبْد إلا من تضييعهما أوْ تَضْييع أحدهما، فَمَا أُتي أحْدُ إلا من بَاب العجلة والطيش واستفزاز البداآت لَهُ،أَو من بَاب التهاون والتماوت وتضييع الفرصة بعد مواتاتها، فَإِذا حصل الثَّبَات أوَّلا والعزيمة ثَانِيًا أفلح كل الْفَلاح وَالله ولي التَّوْفِيق.اهـ



وهناك العجلة في المبادرة بالطاعة وامتثال الأوامر،هذا محمود ومن أخلاق النبيين والصالحين.قال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 90]. وقال نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام:{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84].