جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

(60)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ




فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير رحمه الله
[سورة الأنبياء (21):الآية 36]


﴿وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36)﴾.

﴿إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾ الهزو:السخرية والاستهزاء.

وإن نافية.أي:ما يتخذونك..

﴿أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ أي:يعيب آلهتكم ويذمها،ومنه قوله سبحانه:﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)﴾[الأنبياء:60]﴿ يَذْكُرُهُمْ ﴾ أي:يعيبهم.

﴿ آلِهَتَكُمْ ﴾ أي:الأصنام.

﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ﴾ قال ابن كثير رحمه الله:أَيْ:وَهُمْ كَافِرُونَ بِاللَّهِ وَمَعَ هَذَا يَسْتَهْزِئُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ.

*من الفوائد:
·     سخافة عقول المشركين وأفهامهم فهم يسخرون من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،ويتنقصونه حين يعيب أصنامهم ويبين لهم أنها لا تنفع ولا تضر،ولا تقربهم إلى الله زلفى كما يعتقدون ذلك،﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ ﴾[الزمر:3] قال الله سبحانه:﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36)﴾ أي:أنهم كافرون بتوحيد الله عز وجل فهم أجدر وأحق  بالسخرية والاستخفاف والاستهزاء،لأنهم على باطل،وليس المراد أنهم ينكرون وجود الله سبحانه وأنه الخالق والرازق فإن هذا كانوا مقرِّين به.قال تَعَالَى:﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)﴾[العنكبوت:61].

·     أن من أسماء الله الحسنى:الرحمن.

·     ظاهر قوله سبحانه:﴿ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) ﴾ أن كفار قريش لا يقرون بهذا الاسم:الرحمن، وكما قال تعالى:﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)﴾[الرعد:30]،وقال سبحانه:﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)﴾[الفرقان:60].
وفي صحيح البخاري (2731) في صلح الحديبية أنه جاء سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لاَ نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ»..الحديث.

ولكن بيَّن ابن جرير وابن كثير وغيرهما أن إنكارهم لهذا الاسم ليس عن اعتقاد نفيه،ولكنه عناد وتعنت،فإنَّ هذا قد وُجد في أشعار الجاهلية كما قال قائلهم:

ألا ضربت تلك الفتاةُ هجينها *** ألا قضب الرحمن ربي يمينها

وهذا الاسم الشريف مختص بالله عز وجل لا يجوز لأحد أن يتسمَّى به.

وقد جمع الله عَزَّ وَجَل بين الرحمن الرحيم في بعض المواضع من كتابه الكريم  كقوله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}[البقرة].

وكلاهما يدل على إثبات صفة الرحمة لله عز وجل.

والرحمن أكثر مبالغة من الرحيم؛ لأنه على وزن فعلان،وزيادة الأحرف تدل على زيادة في المعنى.وقد تكلم أهل العلم على الفرق بينهما.

ومن الأقوال المشهورة:قول محمد بن عبيد الله العرزمي:الرحمن بجميع الخلق والرحيم بجميع المؤمنين.
وقال ابن القيم في «بدائع الفوائد»( 24):الرحمن دال على الصفة القائمة بالله سبحانه والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم.فكان الأول للوصف والثاني للفعل.

قال: فالأول دال أن الرحمة صفته والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته.

 قال: وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله:﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾،﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ولم يجيء قط رحمن بهم.

فعُلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة ،ورحيم هو الراحم برحمته وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب..إلخ.

ويعني بذلك أن الرحمن يدل على صفة ذاتية.مثل:صفة العلم والحياة،وأما الرحيم فهو يدل على صفةٍ فعلية  يرحم الله سبحانه من يشاء كما يقتضيه عدله وحكمته.