جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 15 ديسمبر 2018

(60) سِلْسَلَةُ المَسَائِلِ النِّسَائِيَّة


            
                    من الذين يظلهم الله في ظله

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ "رواه البخاري(660)،ومسلم(1031).



هذا الحديث عام للرجل والمرأة إذِ الأصلُ عموم التشريع إلا ما خصصه الدليل.

عدا الخصلة الأولى: الإِمَامُ العَادِلُ.على تفسيره بالإمامة العظمى.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (تحت رقم 660): ذِكْرُ الرِّجَالِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا مَفْهُومَ لَهُ،بَلْ يَشْتَرِكُ النِّسَاءُ مَعَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ،إِلَّا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْعَادِلِ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى،وَإِلَّا فَيُمْكِنُ دُخُولُ الْمَرْأَةِ حَيْثُ تَكُونُ ذَاتَ عِيَالٍ فَتَعْدِلُ فِيهِمْ.


وقال رحمه الله قبل ذلك في أثناء الشرح:الْإِمَامُ الْعَادِلُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْعَدْلِ،وَذكر ابن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْعَدْلِ،قَالَ:وَهُوَ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُسَمَّى نَفْسَهُ عَدْلًا،وَالْمُرَادُ بِهِ صَاحِبُ الْوِلَايَةِ الْعُظْمَى،وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ،وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رَفَعَهُ أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا.

وَأَحْسَنُ مَا فُسِّرَ بِهِ الْعَادِلُ أَنَّهُ الَّذِي يَتَّبِعُ أَمْرَ اللَّهِ بِوَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ،وَقَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ لِعُمُومِ النَّفْعِ بِهِ.

أما الخصلة الثالثة المذكورة في الحديث:وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ.

هذا عام للرجال والنساء،وإن كانَ الأفضل للمرأة الصلاة في بيتها،ولكن باعتبار حُسن نيتِها في حبها الشديد للمساجد ووجود الأُنس فيه والراحة والطمأنينة،ولولا أن الأفضل لها أن تصلي في بيتها لبادرت إلى المساجد.



وقد سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذه المسألة ونص السؤال:سائلة تقول: أنا أحب المساجد؛ لأنها بيوت الله، ولكن لا أذهب إليها،لأنني امرأة، والمرأة غير مستحب لها ذهابها إلى المساجد، فهل أكون مع السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

فأجاب: يرجى لك ذلك،لأنك ذكرت شرعا بأن بيتك أفضل لك، فأنت لولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع للنساء البيوت لسارعت إلى المساجد لحبك المساجد، فالمعذور كالمريض والمقعَد ونحو ذلك إذا كانت نيته الصلاة في المساجد، ويحب الصلاة في المساجد - لولا العذر - فيكون هو مع المصلين في الأجر. وهكذا النساء اللاتي يحببن الصلاة في المساجد لولا أن الله شرع لهن الصلاة في البيوت فهي مع المحافظين على الصلاة في المسجد في الأجر، وفي كونهن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، لأنهن يفترضن فيه لولا أن الله شرع لهن الصلاة في البيت.اهـ من فتاوى نور على الدرب(12/288).


أما الحافظ ابن حجر رحمه الله فقد استثنى مسألتين من هذا الحديث:

 المسألة المتقدمة في إمامة العادل إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْعَادِلِ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى.كما تقدم. 


والثانية: وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ.


قال: وَتَخْرُجُ خَصْلَةُ مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ.

قال:وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْمُشَارَكَةُ حَاصِلَةٌ لَهُنَّ حَتَّى الرَّجُلُ الَّذِي دَعَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي امْرَأَةٍ دَعَاهَا مَلِكٌ جَمِيلٌ مَثَلًا فَامْتَنَعَتْ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ حَاجَتِهَا،أَوْ شَابٌّ جَمِيلٌ دَعَاهُ مَلِكٌ إِلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ مَثَلًا فَخَشِيَ أَنْ يَرْتَكِبَ مِنْهُ الْفَاحِشَةَ فَامْتَنَعَ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ.اهـ

نسأل الله سبحانه أن يجعلنا ممن يظلهم  في ظله يوم لا ظل إلا ظله.