جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 21 ديسمبر 2018

(4)فوائد من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


                    فضل قراءة القرآن على الأذكار



قال النووي رحمه الله :واعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه مَن يُعتمد عليه مِن العلماء أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار،وقد تظاهرت الأدلة على ذلك.



هذا نقلَ شيخ الإسلام رَحِمَهُ الله في «مجموع الفتاوى» (24/238) الإجماعَ عليه وقال:قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.اهـ.

ولا يعني هذا أن الأذكار منحصرة في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ونحو ذلك،فالقرآن من الذكر،بل هو أفضل الذكر،قال تعالى:﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9]،وقال:﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص:1]،وقال:﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ [الأنبياء:50]،وكذا كل طاعةٍ وقربة لله هي داخلة في ذكر الله.قال النووي رحمه الله في «الأذكار» (9):اعلم أن فضيلة الذكر غيرُ منحصرةٍ في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كلُّ عاملٍ لله تعالى بطاعةٍ فهو ذاكرٌ لله تعالى، كذا قاله سعيدُ بن جُبير رضي الله عنه وغيره من العلماء. وقال عطاء رحمه الله:مجالسُ الذِّكر هي مجالسُ الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيعُ وتصلِّي وتصومُ وتنكحُ وتطلّق وتحجّ، وأشباه هذا.اهـ

وكون قراءة القرآن أفضل من الأذكار

أي:سوى المواضع التي لها أوقاتٌ محدَّدة ،فهذه يكون الإتيان بها أفضل من قراءة القرآن؛ لأنها تفوت بفوات وقتها.فمثلًا:الأذكار عقب الصلوات أفضل من قراءة القرآن،أذكار الصباح والمساء أفضل من قراءة القرآن،متابعة المؤذن أفضل من قراءة القرآن..وهكذا.

قال النووي رَحِمَهُ الله في «المجموع» (2/164) :قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَذِهِ الْأَذْكَارِ فِيهَا.اهـ. وهذا أيضًا مضمون كلام ابن القيم رَحِمَهُ الله في «الوابل الصيب» (91)،والشيخ ابن عثيمين في«مجموع الفتاوى »(14/356)وغيرهم.


ونستفيد مما تقدم:

¯    الاهتمام بالأذكار والأوراد كأذكار الصباح والمساء وعقب الصلوات.

¯    أن القرآن داخلٌ في ذكر الله،فمن كان يقرأ القرآن فهو في ذكرٍ لله عَزَّ وَجَل وحِصْنٍ منيعٍ من الشيطان الرجيم.

روى الترمذي (2863) عن الحَارِثِ الأَشْعَرِيِّ،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بني إسرائيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا فذكرها وقال عن الكلمة الخامسة:«وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ،كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ ».

¯    أنَّ أفضل الذكر القرآن الكريم.

¯    أن قراءةَ القرآن أفضل من الذِّكْر كالتسبيح والتحميد إلا ما ثبت تقييدُه بوقتٍ معيَّن فالذكر أفضل.

¯    الاهتمام بالقرآن قراءة وحفظًا وتدبُّرًا وتفهُّمًا وعملًا،وبذلك تُنالُ بركات القرآن ومنافعه.

مسألة:هل كلُّ حافظ للقرآن يكون مِنْ أهلِ القرآن؟

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ» قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَنْ هُمْ؟ قَالَ:«هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ،أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ».رواه ابن ماجة (215).

قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «زاد المعاد» (1/327) :أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمُ الْعَالِمُونَ بِهِ،وَالْعَامِلُونَ بِمَا فِيهِ،وَإِنْ لَمْ يَحْفَظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.

وَأَمَّا مَنْ حَفِظَهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ،فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ أَقَامَ حُرُوفَهُ إِقَامَةَ السَّهْمِ.اهـ.

وكلام ابن القيم رَحِمَهُ الله يفيد:

أن أهل القرآن على قسمين:

˜  قسمٌ يحفظونه ويعملون به.

˜  وقسمٌ يعلمون أحكامه وكنوزه ويعملون به ولكنهم لم يحفظوه عن ظهر قلب.

ويفيد:أنَّه لا يكون من أهل القرآن من لم يفهم معانيه ولم يعمل به وإن كان يحفظه عن ظهر قلب.