ليالي الشتاء
الليل يعدُّ فرصة من الفُرَص، فهو فرصة للتفرغ للعبادة وليس للسمر في القيل والقال واللهو، واللقاءات المتكررة، يقول الله تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ (17) ﴾ [الذاريات:17 ].
وهذه الليالي ليالي الشتاء، وليالي الشتاء تكون طويلة، وهذه نعمة من الله يستطيع الإنسان يرتاح فيها وينام، ويقوم الليل ويقرأ ورده، ويستفيد ويحفظ ويراجع، ليالي مباركة، والمحروم من حرمه الله، نسأل الله العافية.
وقد ذكر ابن رجب كلامًا في الحث على استغلال ليالي الشتاء وموسم الشتاء، يقول في «لطائف المعارف» (1 / 326): فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش، فإن نهاره قصير بارد، فلا يحس فيه بمشقة الصيام.
وأما قيام ليل الشتاء فلطوله يمكن أن تأخذ النفسُ حظها من النوم، ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة، فيقرأ المصلي ورده كله من القرآن، وقد أخذت نفسُه حظها من النوم، فيجتمع له فيه نومُه المحتاج إليه مع إدراك ورده من القرآن، فيكمل له مصلحة دينه وراحة بدنه. اهـ.
والتوفيق من الله، فكم من إنسان تذهب عليه الليلة من غير فائدة، حتى النوم قد لا ينام، يبقى مع الكلام والجوالات وفي أشياء لا تنفعه، وفي النهار نوم، و ماذا بقي له من العمر؟!، الله المستعان.
ثم إن آخر الليل وقت نفيس وهو أفضل من أول الليل، فينبغي لطالبة العلم أن تحرص على وقتها وتحافظ عليه ولا تلعب بها الأجواء، هذا اليوم برد، هذا اليوم حر، ويذهب الوقت؛ لأنه حَرٌّ، صحيح الحر يأتي بالفتور، ويزعج النفس، ويقلِّل من انشراح الصدر، لكن طالبة العلم تصبر على أي حال، وتجاهد، «المُجَاهِدُ مَن جَاهَدَ نَفسَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ». رواه الإمام أحمد (39/ 386) عن فَضَالَةَ بنِ عُبَيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ. وهو في «الصحيح المسند» (1065) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وما أحسن ما قاله أحمد بن فارس الرازي اللغوي رحمه الله:
إذا كان يؤذيك حر المصيف ** وكرب الخريف و برد الشتاء
و يلهيك حسن زمان الربيع ** فأخذك للعلم قل لي: متى؟!
وهذا فيه الحث على استغلال الوقت واستثماره في المصالح والمنافع، ومن شُغل بفصول السنة هذا ما أبعد العلم عنه، فأخذك للعلم قل لي متى؟ فما أبعد العلم عنه!