جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 28 فبراير 2019

(11)من أحكام الصلاة


نهي المصلي أن يرفع بصره إلى السماء



عن أنس بن مَالِكٍ  رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ»، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ: «لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ»رواه البخاري(750).



عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ»رواه مسلم(428).



في هذَيْنِ الحديثَيْنِ:

الوعيد الشديد على رفع البصر إلى السماء في الصلاة.

 قال النووي رحمه الله في«شرح صحيح مسلم»(4/152):

 وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكِ.اهـ


فالواجب على المصلي أن يحذر من رفع بصره إلى السماء لمنافاتِه للخشوع،ولأجل لا يخرج بعضُ بدنه عن استقبال الكعبة،فإنه إذا رفع بصرَه يصير وجهه إلى السماء وليس إلى القبلة.




وأُنبِّه على مسألة ذكرها القاضي عياض ثم الحافظ ابن حجر في«فتح الباري»شرح تبويب حديث رقم(750)أن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة،ونسباه إلى الأكثرين.


وهذا نص كلام القاضي عياض رحمه الله في«إكمال المعلم»(2/341): وقد حكى الطبري كراهة رفع البصر في الدعاء إلى السماء في غير الصلاة، وحكى عن شريح  أنه قال لمن رآه فعله: اكفف يديك، واخفض بصرك، فإنك لن تراه ولن تناله، وقال غيره ممن أجازه  وهم الأكثرون : إن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، فلا ينكر رفع الأبصار والأيدي، إلى جهتها، قال الله تعالى:{وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدونَ}.اهـ



وهذا خطأ فقِبْلة الدعاء هي قبلة الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أدلةٍ متكاثرة كان يستقبل القبلة في الدعاء،كما يستقبل القبلة في الصلاة.


قال البخاري رحمه الله: بَابُ الدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ.

ثم أخرج برقم(6343)،وهو عند مسلم(894)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ:«خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا المُصَلَّى يَسْتَسْقِي، فَدَعَا وَاسْتَسْقَى، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ».


وما نُسِبَ إلى الأكثرين أن قبلة الدعاء هي السماء فهذا قول أهل الكلام لينفوا به صفة العلو لله عزوجل وأنه مستوٍ على عرشه.


وهذه بعض النقولات عن أهل العلم في الرد على هذه المقالة



قال شيخ الإسلام في«بيان تلبيس الجهمية»(4/543):والقبلة التي تستقبل بهذا الدعاء هي قبلة الصلاة بعينها،ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في الدعاء يستقبلها كما فعله في أثناء الاستسقاء الذي رفع فيه يديه رفعًا تامًا. فأخبر أنه استقبل القبلة التي هي قبلة الصلاة في أثناء دعاء الاستسقاء.


قال: وإذا كانت قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة بعينها كان قول الجهمي إن العرش والسماء قبلة للدعاء قول مخالف لإجماع المسلمين،ولِما عُلم بالاضطرار من دين الإسلام فيكون من أبطل الباطل.


قال:كون العرش أو السماء قبلة للدعاء لا يثبت بغير الشرع،فإن اختصاص بعض الجهات والأمكنة بأنه يستقبل دون غيرها هو أمر شرعي. ولهذا افترقت أهل الملل كما قال تعالى:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}[البقرة 148] فلو كان الله قد جعل العرش أو السماء قبلة للدعاء كان في الشريعة ما يبين ذلك،ومعلوم أنه ليس في الكتاب والسنة ولا شيء من الآثار عن سلف الأمة ولا أئمتها ولا في الآثار عن الأنبياء المتقدمين كموسى وعيسى وغيرهما من المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين أن العرش أو السماء قبلة للدعاء،فعُلِم أن دعوى ذلك من أعظم الفرية على الله،وأن هذا من جملة افتراء الجهمية ونحوهم على الله وعلى رسله ودينه.


وقال: القبلة ما يستقبله الإنسان بوجهه وكذلك يسمى وجهة ووجهًا وجهة لاستقبال الإنسان له بوجهه وتوجهه إليه كما قال تعالى:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}والاستقبال ضد الاستدبار، فالقبلة ما يستقبله الإنسان ولا يستدبره فأما ما يرفع الإنسان إليه يده أو رأسه أو بصره فهذا باتفاق لا يسمى قبلة لأن الإنسان لم يستقبله، كما لا يستدبر الجهة التي تقابله،ومن استقبل شيئًا فقد استدبر ما يقابلها،ومعلوم أن الداعي لا يكون مستقبلًا للسماء ومستدبرًا للأرض، بل يكون مستقبلاً لبعض الجهات إما القبلة أو غيرها مستدبرًا لما يقابلها كالمصلي،فظهر أن جعل ذلك قبلة باطل في العقل واللغة والشرع بطلانًا ظاهرًا لكل أحد.اهـ المراد


 وقال ابن أبي العز رحمه الله في«شرح العقيدة الطحاوية»(292): مَنْ قَالَ إِنَّ لِلدُّعَاءِ قِبْلَةً غَيْرَ قِبْلَةِ الصَّلَاةِ،أَوْ إِنَّ لَهُ قِبْلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا الْكَعْبَةُ وَالْأُخْرَى السَّمَاءُ؛ فَقَدِ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ، وَخَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ.


وقال رحمه الله: الْقِبْلَة هِيَ مَا يَسْتَقْبِلُهُ الْعَابِدُ بِوَجْهِهِ، كَمَا تُسْتَقْبَلُ الْكَعْبَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَالذِّكْرِ ..وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ وُجْهَةً. وَالِاسْتِقْبَالُ خِلَافُ الِاسْتِدْبَارِ، فَالِاسْتِقْبَالُ بِالْوَجْهِ، وَالِاسْتِدْبَارُ بِالدُّبُرِ،فَأَمَّا مَا حَاذَاهُ الْإِنْسَانُ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ جَنْبِهِ فَهَذَا لَا يُسَمَّى قِبْلَةً، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، فَلَوْ كَانَتِ السَّمَاءُ قِبْلَةَ الدُّعَاءِ لَكَانَ الْمَشْرُوعُ أَنْ يُوَجِّهَ الدَّاعِي وَجْهَهُ إِلَيْهَا، وَهَذَا لَمْ يُشْرَعْ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي تُرْفَعُ الْيَدُ إِلَيْهِ لَا يُسَمَّى قِبْلَةً، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا.اهـ



وقال الشيخ الألباني رحمه الله في«سلسلة الأحاديث الضعيفة»(6204)عن حديث: «السماءُ قبلة الدُّعاءِ»



لم أقف له على أصل، إلا ما قاله الحافظ في «نتائج الأفكار» (1/259 -

260) في "آداب الدعاء ":"قلت: أما الاستقبال؛ فلم أر فيه شيئاً صريحاً يختص به، وقد نقل الروياني

أنه يقول رافعاً بصره إلى السماء، وقد تقدم ذلك فِي حَدِيثِ عمر، وفي حديث ثوبان: "السماء قبلة الدعاء"، فلعل ذلك مراد من أطلق ".



قال الشيخ الألباني:كذا قال!
 وحديث ثوبان تقدم عنده (1/245) ، وليس فيه ما ذكر، ولا رأيت ذلك في كتاب من كتب السنة التي وقفت عليها. بل ظاهر كلام شارح «العقيدة الطحاوية» ابن أبي العز (ص 327) وغيره أن هذا الحديث المزعوم هو من قول بعض المؤولة، أو المعطلة الذين ينكرون علو الله على خلقه، واستواءه على عرشه، وما فطر عليه الناس من التوجه بقلوبهم في دعائهم جهة العلو، فقال الشارح: "إن قولكم: إن السماء قبلة. الدعاء لم يقله أحد من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان ... ".



علمنا مما تقدم:


أن قول قبلة الدعاء السماء ليس عليه دليل.


أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يستقبل القبلة في الدعاء.


أن قِبْلَة الشيء مَا يَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ،وليس ما يرفع بصره إليه.