جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 25 فبراير 2019

(5) فوائد من دروس التبيان في آداب حملة القرآن




في هذا الباب جملةٌ من الأدلة في احترام أهلِ القرآن وتوقيرهم وإكرامهم،وبيان أن تعظيمَهم من تعظيمِ شعائر الله،منها:

قال الله:﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[الحج:32].

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط»رواه أبو داود.

الحديث إسناده ضعيف فيه أبو كنانة وهو مجهول حال.ويغني عنه حديث«من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا» رواه البخاري في «الأدب المفرد» (354) عن عبد الله بن عمرو،والحديث صحيح مذكور في «الصحيح المسند» (783) لوالدي رحمه الله.


هؤلاء الثلاثة المذكورون في الحديث جاء الشرع بإكرامهم واحترامهم:

§     الأول:«إكرام ذي الشيبة المسلم»

قال صاحب «عون المعبود» (13/132):أَيْ تَعْظِيمَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ فِي الْإِسْلَامِ بِتَوْقِيرِهِ فِي الْمَجَالِسِ وَالرِّفْقِ بِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ،كُلُّ هَذَا مِنْ كَمَالِ تَعْظِيمِ اللَّهِ لِحُرْمَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ اهـ.

والمراد بالكبير:من كان من العلماء العاملين،أو الحكام العادلين،أو العباد الصالحين،أو ذوي الأسنان من المسلمين.


وممَّا يُقدَّم فيه الكبير،سواء كان كِبَر سِنٍّ أو فضل:


·     تقديم الأكبر في الإمامة:

روى البخاري (7246ومسلم (674) عن مالك بن الحويرث قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:«وصلوا كما رأيتموني أصلي،فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم،وليؤمكم أكبركم».مع مراعاة مراتب الإمامة المذكورة في حديث أبي مسعود«يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً..».


·      تقديم الأكبر في الكلام إذا لم يكن ميزة لِمَنْ هو أصغر سنًّا:


روى البخاري (7192ومسلم (1669) عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الحديث في شأن القتيل وفيه:فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُحَيِّصَةَكَبِّرْ كَبِّرْ» يُرِيدُ السِّنَّ،فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ،ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ..الحديث.


·     تقديم الأكبر في الإعطاء وفي سقي الشراب

روى البخاري(246ومسلم(2271) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أراني أتسوك بسواك،فجاءني رجلان،أحدهما أكبر من الآخر،فناولت السواك الأصغر منهما،فقيل لي:كبر،فدفعته إلى الأكبر منهما»

وروى أبو يعلى في «مسنده» (2425) عن ابن عباس قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إذا سقى قال:«ابدءوا بالكبير.أو قال:بالأكابر».

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري»:قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام ،وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن ،وهو صحيح.اهـ.


·     احترام كبير السن بالمجيء إليه دون أن يأتي هو:

فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة،ودخل المسجد،أتاه أبو بكر بأبيه أبي قحافة،فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال:«هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه» .قال أبو بكر:يا رسول الله،هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه،الحديث رواه الإمام أحمد في «مسنده» (44/ 518)،وذكره والدي رحمه الله في «الصحيح المسند» (1527).

·      الصغير يسلم على الكبير

روى البخاري(6231) عن أبي هريرة،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يسلم الصغير على الكبير،والمار على القاعد،والقليل على الكثير».


فينبغي معرفة هذه الآداب العظيمة وتربية الصغار عليها حتى ينشأُوا على الأدب والاحترام،والجزاء من جنس العمل،فمن كان سيءَ الأدب مع الكبير قد يُقيَّضُ له عند كِبَرِهِ مَنْ يزدريه ويسيئ الأدب معه،فكما تدينُ تُدان.

ولا نستدل هنا بما جاء عَنْ أَنَسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا مِنْ أَجْلِ سِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ عِنْد سنه من يُكرمهُ».رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ(2022وسنده ضعيف لأنه من طريق يزيد بن بيان المعلم عن أبي الرحال عن أنس،به،ويزيد بن بيان وشيخه أبو الرحال ضعيفان،ولهذا ذكره العلامة الألباني رحمه الله في «السلسلة الضعيفة» (304).


كما ينبغي للكبير ألَا يتطاولَ على أحد وأن يتواضع وأن يكون رحيمًا حليمًا وعلى خلُقٍ جَمٍّ.نسألُ الله أن يؤدبَنا بآداب الإسلام كبارًا وصغارًا رجالًا ونساءً.

ويأتي إن شاء الله تتمة الكلام على حديث أبي موسى في الرسائل القادمة.