[سورة المؤمنون (23) : الآيات 93 إلى 98]
﴿ قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ﴾ قال الحافظ ابن كثير: يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يدعو بهذا الدُّعَاءَ عِنْدَ حُلُولِ النِّقَمِ، ومعناه: إن عاقبتهم وأنا أشاهد ذَلِكَ، فَلَا تَجْعَلُنِي فِيهِمْ.
﴿وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ﴾ قال الحافظ ابن كثير: أَيْ: لَوْ شِئْنَا لَأَرَيْنَاكَ مَا نُحِلُّ بِهِمْ من النقم والبلاء والمحن.
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ قال الحافظ ابن كثير: قال تعالى مُرْشِدًا لَهُ إِلَى التِّرْيَاقِ النَّافِعِ فِي مُخَالَطَةِ الناس، وهو الإحسان إلى من يسيء إليه؛ لِيَسْتَجْلِبَ خَاطِرَهُ، فَتَعُودُ عَدَاوَتُهُ صَدَاقَةً، وَبُغْضُهُ مَحَبَّةً.
وقد ذكر الله في ثلاثة مواضع مداراة العدو الإنسي، والاستعاذة من العدو الشيطاني: في سورة الأعراف قال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) ﴾، وفي سورة المؤمنون ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96)﴾، و في سورة فصلت: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) ﴾.
وقوله: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا﴾ أي: وما يلهم هذه الوصية أو هذه الْخَصْلَةُ أَوِ الصِّفَةُ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ أَيْ: عَلَى أَذَى النَّاسِ فَعَامَلُوهُمْ بِالْجَمِيلِ مَعَ إِسْدَائِهِمْ الْقَبِيحَ، ﴿وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أَيْ: في الدنيا والآخرة. قاله ابن كثير.
﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ﴾ أمره الله أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنَ الشَّيَاطِينِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا تَنْفَعُ مَعَهُمُ الْحِيَلُ، وَلَا يَنْقَادُونَ بِالْمَعْرُوفِ(ابن كثير).
﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ أَيْ: فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي؛ وَلِهَذَا أَمَرَ بِذِكْرِ اللَّهِ في ابتداء الأمور وذلك لطرد الشيطان عِنْدَ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَالذَّبْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ(ابن كثير).
فعَنْ أَبِي الْيَسَرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ، وَالْحَرَقِ، وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا».
رواه أبو داود (2 / 92 )، وهو في «الصحيح المسند» (1454) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وجاء حديث عَنْ عبد الله بن عمرو قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ يَقُولُهُنَّ عِنْدَ النَّوْمِ من الفزع: «باسم اللَّهِ، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ» قَالَ-أي: الراوي-: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُعَلِّمُهَا مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ أَنْ يَقُولَهَا عِنْدَ نَوْمِهِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَنْ يَحْفَظَهَا كَتَبَهَا لَهُ فَعَلَّقَهَا فِي عُنُقِهِ.
الحديث من طريق محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، ولكن المرفوع له شاهد عند الإمام أحمد (27 / 108 ). وذكر الحديث الشيخ الألباني في «الصحيحة» (264)، وقال عن الزيادة -يعني: الزيادة الموقوفة على عبد الله بن عمرو-: هذه الزيادة منكرة عندي؛ لتفرده –محمد بن إسحاق-بها، والله أعلم.
(وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَنْ يَحْفَظَهَا كَتَبَهَا لَهُ فَعَلَّقَهَا فِي عُنُقِهِ) هذا الأثر يعزى إلى عبدالله بن عمرو، وأنه كان يرى تعليق التميمة إذا كانت من القرآن والأذكار، ولكن فيه محمد بن إسحاق فلا يصح السند، ولو ثبت لا يدل أنه من باب التمائم؛ لأنه إنما علقها للحفظ.
وفي « فتاوى اللجنة الدائمة»(1/301): وما روي عن ابن عمرو إنما هو في تحفيظ أولاده القرآن، وكتابته في الألواح وتعليق هذه الألواح في رقاب الأولاد، لا بقصد أن تكون تميمة، يستدفع بها الضرر أو يجلب بها النفع.
v الفوائد:
· أن الله أمر نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستعيذ أن يحل بالكفار عقوبة وهو بين أظهرهم، وقد ذكر الله سُبحَانَهُ أنه لن يعذبهم وأنت فيهم، فقال تعالى:﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾[الأنفال :33 ].
· الدعاء عند وجود الفساد والإصرار على الشركيات.
· الحث على العفو والصفح عن المسيء؛ لأن الإحسان مؤثر في الإنسي، بخلاف العدو الشيطاني؛ فإنه لا تنفع فيه مصادقة ولا عفو وإحسان.
· التعوذ من همزات الشياطين، وهذا عام همزات الشياطين أذاهم، ويدخل فيه الوسوسة والجنون، والتخبط عند الموت، ووسوسته في الصلاة، وعند قراءة القرآن، وأذاه عند السفر، والخروج والدخول، وفي حالة الضعف، والغضب، والإغراء، وتزيين المعاصي.
· الاستعاذة بالله والالتجاء إليه من حضور الشياطين في أي في شيء من الأمور، وفي كل الأحوال.
الشياطين: جمع شيطان، وهو كل عات متمرد.
الشياطين: مردة الجن، أما الجن فمنهم الصالحون ومنهم الفاسقون ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) ﴾[الجن].
وأولئك الذين يتسببون في حضور الشياطين أساءوا إلى أنفسهم، المجالس التي فيها آلات اللهو والطرب هذه تدعو الشياطين للحضور، يقول الله تَعَالَى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف:36].
فكم من أعراس يحضرها الشياطين! مما لا يسلم من أذاهم وشرهم، وقد يتلبَّسون بمن شاء الله منهم. والله المستعان.