جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 24 يناير 2023

(12) اختصار درس التفسير

 

 [سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 75]

﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)﴾إلى قوله تعالى:﴿ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)﴾

﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ أي: القرآن العظيم.

﴿أَمْ جاءَهُمْ﴾ أم للإضراب، أي: بل جاءهم .

﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)﴾ أي: نبينا محمد ﷺ، فالله ينكر عليهم؛ لأنهم يعرفون هذا الرسول الكريم، يعرفون نسَبَه وصدقه وأمانته وأخلاقه.

قوله:﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ﴾ أم: للإضراب أيضًا: بل يقولون. يقول ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: (أَوْ أَنَّ بِهِ جُنُونًا لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّ قُلُوبَهُمْ لَا تُؤْمِنُ بِهِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ بُطْلَانَ مَا يَقُولُونَهُ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ مَا لَا يُطَاقُ وَلَا يُدَافَعُ وَقَدْ تَحَدَّاهُمْ وَجَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ ﴿أن يأتوا بمثله﴾) تحداهم الله أن يأتوا بمثل هذا القرآن كله فعجزوا، قال سُبحَانَهُ:﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)﴾[الطور:34]، وبين عجزهم فقال: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) ﴾[الإسراء:88 ]، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) ﴾[هود:13 ] ثم تحداهم أن يأتوا بسورة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) ﴾[يونس:38 ]، وقال: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) ﴾[البقرة:23].

وقوله سبحانه:﴿ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ قال ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ: فِي حالة كَرَاهَةِ أَكْثَرِهِمْ لِلْحَقِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً مُسْتَأْنَفَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ) معنى جملة مستأنفة، أي: منقطعة عمَّا قبلها.

قوله تَعَالَى:﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ هو الله عَزَّ وَجَل في تفسير مجاهد وأبي صالح والسدي، قال ابن كثير: (وَالْمُرَادُ لَوْ أَجَابَهُمُ اللَّهُ إِلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْهَوَى، وَشَرَعَ الْأُمُورَ عَلَى وِفْقِ ذلك ﴿لفسدت السموات وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ أَيْ: لِفَسَادِ أَهْوَائِهِمْ وَاخْتِلَافِهَا. ثم قال: فَفِي هَذَا كله تبين عَجْزِ الْعِبَادِ وَاخْتِلَافِ آرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَتَدْبِيرِهِ لِخَلْقِهِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، فَلَا إله غيره ولا رب سواه).

 وقوله:﴿بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ﴾ أي: القرآن الذي فيه شرف لهم ورفعة، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)﴾[الزخرف:44 ].

وَقَوْلُهُ:﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا ﴾ أي: أجرًا، في هذا بيان دعوة النبي ﷺ وأنها خالصة لوجه الله، فهذه الآية من الأدلة على التعليم من غير مقابل ولا أجرة،كَمَا قَالَ تعالى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [سَبَأٍ: 47] وقال: ﴿قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: 86] وقال: ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾ [الشُّورَى: 23] وقال:﴿ وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً﴾ [يس: 20- 21] .

وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ الصراط الإسلام.

وفيه وجوب التمسك بهذا الدين الحنيف.

وَقَوْلُهُ: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ ﴾ أَيْ: لَعَادِلُونَ جَائِرُونَ مُنْحَرِفُونَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: نَكَبَ فَلَانٌ عَنِ الطَّرِيقِ إِذَا زَاغَ عَنْهَا.

 وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ قال ابن كثير رحمه الله: يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ غلظهم في كفرهم بأنه لو أزاح عنهم الضر وَأَفْهَمَهُمُ الْقُرْآنَ لَمَا انْقَادُوا لَهُ، وَلَاسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الْأَنْفَالِ: 23].

 فالله يعلم أن هؤلاء لو ردهم إلى الدنيا أنهم سيكونون على حالهم السابق من الكفر والضلال.

v من فوائد هذه الآيات:

·      الحث على تدبر القرآن، وكما قال ربنا: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) ﴾[محمد:24].

·      توبيخ كفار قريش حيث لم يؤمنوا بهذا النبي الكريم، وهم قد عرفوا نسبَه الشريف صدقه وأمانته وأخلاقه.

·      عناد كفار قريش، وأذاهم للنبي ﷺ، واتهامهم له بالجنون فلا يعلم ما يقول.

·      الإتيان بلفظ الأكثرية في ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ كما قال أبو حيان في« البحر المحيط» (7 /574): يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَا يَكْرَهُ الْحَقَّ؛ وَذَلِكَ مَنْ يَتْرُكُ الْإِيمَانَ؛ أَنَفَةً وَاسْتِكْبَارًا مِنْ تَوْبِيخِ قَوْمِهِ أَنْ يَقُولُوا: صَبَأَ وَتَرَكَ دِينَ آبَائِهِ. اهـ.

·      وفيه أن من لا يؤمن بيوم الحساب ناكب عن الصراط المستقيم.