لقد وجدت من يتحامل على طالبات العلم، ويؤيد طريقته الهوجاء بما يلي:
قال الشيخ أبو الحسن ابن القابسي كان أحمد بن نصر(أبو جعفر الفقيه) يقول: تزوجت امرأة حافظة لكتاب الله عزّ وجلَّ وحفظت «الموطأ»، ولقد توفي لها ولد أكله السبع فلما بلغها ذلك، توضّأت وجلست تقرأ، ولم تعبأ بما طرأ عليها، ولم تحزن.
وعلى هذا كلّه ما دام لي معها سرور ثلاثة أيام متوالية قط.
«رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية»(2/186).
وقد علَّق ذلك الشخص على هذه القصة بما يلي:
ولهذا ليس العلم والحفظ عند الزوجة معيار السعادة الزوجية، فسلفية عامية تقية تعرف الحقوق الزوجية خير من المئات من أمثال هذه الحافظة العابدة. اهـ.
وأقول: مِنْ أين لك أنَّ هذه المرأة العالمة العابدة الصابرة رَحِمَهَا الله كانت لا تقوم بالحقوق الزوجية، حتى تفضِّلَ العامية السلفية عليها؟!
أليس هناك عدَّةُ أسباب في عدم الراحة والسعادة بين الزوجين، ومن أعظمها: أن الله لم يجعل الأُلفة بينهما، وقد جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الكُفْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا. أخرجه البخاري (5276) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
فماذا تقول في هذا الحديث؟
وربنا عَزَّ وَجَل قد فضَّلَ الكلب المعلم على الكلب غير المعلم، فأحل أكل صيده، فقال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)} [المائدة:4].
وصال الهدهد بحجته على نبي الله سليمان، فقال سبحانه: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)} [النمل: 20 - 22].
وبين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن العلم نور لصاحبه، قال ربنا في كتابه العزيز: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} [الأنعام:122].
وأين أنتم وأين والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله الذي كان يعرف قيمة طالبة العلم وشرَفَهَا؛ فإن طالبة العلم- التي شربت من العلم ما نفع- خيرٌ لأبنائها وزوجها وأُسرتها، بل وعلى الأمة الإسلامية أجمعها.
أو أنها نظرة دنيوية بحتة لا دينية أُخروية، كما يزعم بعضكم وكما يُلمح هذا الكلام إليه.
وتأملوا كلام والدي رَحِمَهُ الله في الثناء على طالبة العلم الداعية: أما إذا كان حافظًا للقرآن، وكان داعيًا-وكاتبًا-إلى الله، ورُزِقَ امرأة صالحةً تدعو إلى الله سبحانه وتعالى، فهذه تعتبرُ جنَّةَ الدنيا.
«غارة الأشرطة» (2/487).
وقد حملني الردُّ بهذا المختصر على هذه الحملة الشرسة حتى لا يتأثر أحد بها، ويزهد في طالبات العلم الشرعي، ويذهب يبحث عن الصنف الآخر الجاهل السلفي كما يزعم!