جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 24 فبراير 2020

(28)الحديثُ وعلومُه


       كراهة بعض السلف التحديث في بلدٍ فيها من هو أولى منه


1.                    عن سمرة بن جُنْدُبٍ: لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ هَا هُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي، وَقَدْ «صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَسَطَهَا»رواه مسلم(964).

وقد أخرج البخاري منه المرفوع  وهو الصلاة على النفاس (332- 1331- 1332).

2. عن يحيى بن معين يقول: ما رأيت منذ خرجت من بلادي أحدًا أشبه بالمشيخة الذين أدركت من أبي مسهر، والذي يحدث وفي البلاد من هو أولى بالتحديث منه فهو أحمق. رواه عبدالرحمن بن أبي حاتم في مقدمة «الجرح والتعديل» (286)بإسناد صحيح.



3. عن يحيى بن معين يقول: إذا حدثتُ في بلد فيه مثل أبي مسهر فيجب لحيتي أن تُحلَق.

قال أحمد بن أبي الحواري:وأنا إذا حدثتُ في بلدة فيها مثل أبي الوليد هشام بن عمار فيجب لحيتي أن تحلق.

رواه الخطيب في «جامعه» (1/708)وسنده صحيح.

وأحمد بن أبي الحواري هو أحمد بن عبدالله بن ميمون التغلبي،يكنى أبا الحسن ثقة زاهد.

وفي هذه المسألة يقول ابن الصلاح في«علوم الحديث»(239):ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِذَلِكَ.

وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَتَكَلَّمْ إِبْرَاهِيمُ بِشَيْءٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَكِرَهَ الرِّوَايَةَ بِبَلَدٍ فِيهِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، لِسِنِّهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ.

قلت:الصواب أن التحديث في بلد فيها من هو أولى منه ليس فيه كراهة،بل مطلوب لِما فيه من التعاون على البرِّ والتقوى،ولأن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم،وكذلك التابعون كانوا يفتون في عهد الصحابة.

ومن الأدلة في ردِّه:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالاَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ لِرَجُلٍ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَارْجُمْهَا»، فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا.رواه البخاري(2695)،ومسلم(1697).

استنبط الحافظ في «فتح الباري»من هذا الحديث فوائد،منها:

1)  جواز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل.

2)    الرد على من منع التابعي أن يفتي مع وجود الصحابي مثلًا.

3)    أن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بلده.


قال السيوطي في «الألفية»:

وَمَنْ يُحَدِّثْ وَهُنَاكَ أَوْلَى ... فَلَيْسَ كُرْهًا أَوْ خِلافَ الأَوْلَى

هَذَا هُوَ الأَرْجَحُ وَالصَّوَابُ ... عَهْدَ النَّبِيِّ حَدَّثَ الصِّحَابُ

وَفِي الصِّحَابِ حَدَّثَ الأَتْبْاعُ ... يَكَادُ فِيهِ أَنْ يُرَى الإِجْمَاعُ



وقد مرَّت هذه المسألة معنا عند والدي الشيخ مقبل رحمه الله في درس «تدريب الراوي» فانتقد هذا-أي القول بالمنع- وقال : من الذي يستطيع أن يسدَّ فراغَ  احتياجات الناس ؟!