تقول أخت لي في الله: هناك أمر يشغل بالي منذ فترة، وأرجو منكم – بإذن
الله – أن توضحوه لي.
في هذا الزمان نسمع كثيرًا من يقول إن على المرأة أن تعمل وتكون مستقلة
ماليًا، ولو من أجل نفسها فقط. ويقال إن من الضروري أن تتعلم المرأة تعليماً يمكنها
من كسب المال لاحقًا، حتى إذا حصل شيء – كوفاة الزوج أو تدهور الأوضاع الاقتصادية
– لا تجد نفسها في ورطة أو مضطرة للخروج من بيتها للعمل.
وشخصيًا أرى أن هذه طريقة تفكير لا تتماشى مع المبادئ الإسلامية – الله
المستعان – ولكنها أصبحت منتشرة جدًا، خصوصًا حين ترتدي المرأة النقاب.
فسؤالي هو: كيف يمكن الرد على مثل هذه
الأقوال بطريقة حكيمة ومنضبطة شرعًا؟
الجواب:
الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ
الْأُولَى} [الأحزاب: 33].
وهذا أمر ربَّاني للنساء بالقرار في
بيوتهن، والله أعلم بمصالح عباده وأحكم.
وتدل الآية أن الأصل قرار المرأة.
وقد أسقط عن المرأة عبادات واجبات
على الرجال؛ من أجل الحفاظ عليها، ولزومها
بيتها، كصلاة الجمعة والجماعة.
وأوجب لها النفقة على زوجها، وقبل
ذلك على أهلها قبل أن تتزوج، فهي مرعية في كل الأحوال، مُصانة مكفيَّة.
وقد ذكر والدي رَحِمَهُ الله في
«غارة الأشرطة» (1/ 367) من أسبابِ تسلُّطِ الشيطان: خروج المرأة.
واستدل بأدلة، منها:
عن عَبْدِ اللهِ بن مسعود رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» رواه
الترمذي (1173).
وفسَّرَ رَحِمَهُ الله قوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» يقول: إنَّكِ لا تمرين
بأحدٍ إلَّا أعجبْتِيْهِ.
عَنْ جَابِر بن عبد الله رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى
امْرَأَةً، فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا،
فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ
تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا
أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا
فِي نَفْسِهِ» رواه مسلم (1403). اهـ.
فلا يلتفت إلى هذه الحملة الشرسة ضد قرار المرأة
في بيتها، وتشجيعها على الخروج للعمل.
فمن استغنت عن العمل خارج المنزل، فقد كُفيَتْ
وُوُقيَتْ من شرور وفتن كثيرة، ومن كانت
محتاجة؛ لعدم من ينفق عليها فلا بُدَّ من مراعاة شروط وضوابط:
أمن الفتنة، عدم الاختلاط بالرجال، الحشمة والحياء
والتستر، غض البصر، أن تزاول عملًا في قدرتِهَا، كتدريس البنات ونحوه.
قال الشيخ ابن باز في «مجموع الفتاوى»(4/310):
أما عمل المرأة مع زوجها في الحقل
والمصنع والبيت فلا حرج في ذلك، وهكذا مع محارمها إذا لم يكن معهم أجنبي منها،
وهكذا مع النساء، وإنما المحرَّم عملها مع الرجال غير محارمها؛ لأن ذلك يفضي إلى
فساد كبير وفتنة عظيمة، كما أنه يفضي إلى الخلوة بها، وإلى رؤية بعض محاسنها،
والشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها،
وسد الذرائع الموصلة إلى ما حرم الله في مواضع كثيرة، ولا سبيل إلى السعادة والعزة
والكرامة والنجاة في الدنيا والآخرة، إلا بالتمسك بالشريعة والتقيد بأحكامها،
والحذر مما خالفهما، والدعوة إلى ذلك والصبر عليه. اهـ.
وننصح المرأة بأمرين اثنين:
القناعة، وهذا من أسباب البركة في الأرزاق،
فالمرأة قد يكون عندها كفايتها، لكنها لا تقنع تريد المزيد، فتبحث لها عن عمل، وقد
لا يتلاءم مع مسؤوليتِهَا، وضعفِها وأنوثتِها وما جُبِلَتْ عليه.
حسن الظن بالله وأن الله لن يُضيعها،
وليكن لكِ أسوة في هاجر رَحِمَها الله أم إسماعيل؛ إذ قَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ،
أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي، الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ
وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا،
فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ
لا يُضَيِّعُنَا. رواه البخاري (3364) عن ابن عباس.
فلا يُلتفت إلى تهافت المتهافتين في
الدنيا، المحرِّضين على عمل المرأة خارج المنزل؛ فالأصل أن هذا ليس من شأنِها،
نسأل الله لنا ولكم الثبات.