جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 21 سبتمبر 2024

(50)الآداب

 

               حكم السمر بعد صلاة العشاء

 

عن أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الحديث في أوقات الصلوات الخمس، وفي آخره:

وَكَانَ-أي: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا.

أخرجه البخاري(1719)، ومسلم (647).

 

أي: يكره النوم  قبل صلاة العشاء، ويكره الحديث بعدها.

 

هذا الحديث  يستفاد منه:

كراهة السمر بعد صلاة العشاء لغير فائدة، وهذا نقل الإمام النووي الاتفاق على كراهته.

 

وفي هذا المعنى:

 

 عن عروة بن الزبير يَقُولُ: سَمِعَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا كَلَامِي بَعْدَ الْعِشَاءِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْأَعْرَابُ الْعَتَمَةَ. قَالَ: وَكُنَّا فِي حُجْرَةٍ بينها وَبَيْنَهَا سَعَفٌ. فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ أَوْ يَا عُرْوَةُ مَا هَذَا السَّمَرُ؟ إِنِّي مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمًا قَبْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَلَا مُتَحَدِّثًا بَعْدَهَا، إِمَّا نَائِمًا فَيَسْلَمُ وَإِمَّا مُصَلِّيًا فَيَغْنَمُ. رواه ابن أبي عمر كما في «المطالب العالية» (3/ 244).

 

 (إِمَّا نَائِمًا فَيَسْلَمُ) يسلم من الشر.

 

(وَإِمَّا مُصَلِّيًا فَيَغْنَمُ) يصلي صلاة الليل فيحصل على غنيمة وسعادة وخير.

 

وكراهة السمر إذا كان في غير فائدة ولا مصلحة، أو في محرَّم، الله عَزَّ وَجَل يقول في ذم كفار قريش: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: 67].

 أما إذا كان في علم أو في مؤانسة الأهل أو محادثة الضيف ونحو ذلك فهذا لا كراهة فيه، وقد بوب الإمام البخاري (بَابُ السَّمَرِ فِي العِلْمِ)، وبوب أيضًا (بَابُ السَّمَرِ فِي الفِقْهِ وَالخَيْرِ بَعْدَ العِشَاءِ).

وفيه من الأدلة:

حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190]، ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. رواه البخاري (4569)، ومسلم (763).

 

قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (5/ 146): قال العلماء: سبب كراهية النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها؛ باستغراق النوم، أو لفوات وقتها المختار والأفضل؛ ولئلا يتساهل الناس في ذلك، فيناموا عن صلاتها جماعة.

وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر، ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل، أو الذكر فيه، أو عند صلاة الصبح في وقتها الجائز، أو في وقتها المختار أو الأفضل؛ ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدِّين، والطاعات، ومصالح الدنيا.

قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه، وذلك كمدارسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف والعروس؛ للتأنيس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين الناس، والشفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإرشاد إلى مصلحة، ونحو ذلك، فكل هذا لا كراهة فيه.

قال: ثم كراهة الحديث بعد العشاء المراد بها بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها.

قال: واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا ما كان في خير، كما ذكرناه. اهـ المراد.

[مقتطف من الدرس 41 من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]