جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 21 سبتمبر 2024

(49)الآداب

 

                                 من أدلة الزهد في الدنيا

 

عن أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الحديث في أوقات الصلوات الخمس، وفي آخره:

وَكَانَ-أي: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ العِشَاءَ، الَّتِي تَدْعُونَهَا العَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى المِائَةِ.

أخرجه البخاري(1719)، ومسلم (647).

 

هذا الحديث فيه من الفوائد:

 

ما كانوا فيه من ضيق الحال وشظف المعيشة؛ فلم يكن عندهم مصابيح في المساجد؛ ولهذا يقول أبو برزة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَه.

 ولم يكن عندهم أيضًا في البيوت مصابيح، كما قالت عائشة بنت أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا»، قَالَتْ: وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. رواه البخاري (513)، ومسلم (512).

وهذا اعتذار منها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حيث تضطر النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إلى أن ينبهها على رفع رجلها.

« وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ» أي: وقتئذٍ، في حياة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

قال ابن عبد البر في «الاستذكار»(2/85): فيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إِذْ حَدَّثَتْ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَانَتْ بُيُوتُهُمْ فِيهَا الْمَصَابِيحُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَتَحَ عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فَوَسَّعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ إِذْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.

قال: وَقَوْلُهَا: يَوْمَئِذٍ، تُرِيدُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا الْيَوْمَ هُنَا النَّهَارَ عَلَى الْمَعْهُودِ-وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّهَارَ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلْمَصَابِيحِ- اسْتَحَالَ ذَلِكَ، فَعَلِمْنَا أنها أرادت بقولها: يومئذ أَيْ: حِينَئِذٍ.

وهَذَا مَشْهُورٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ كَانَتْ تُعَبِّرُ بِالْيَوْمِ عَنِ الْحِينِ وَالْوَقْتِ، وَهَذَا أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهِ إِلَى الِاسْتِشْهَادِ. اهـ.

 

 وهذا فيه ما كانوا عليه من الزهد، والإقبال على الآخرة، وعدم الالتفات إلى الدنيا.

[مقتطف من الدرس 41 من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]