جديد المدونة

الثلاثاء، 31 ديسمبر 2024

(22) من أحكام المساجد

 

                                 تطهير المساجد

 

قال تَعَالَى: ﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)﴾[البقرة].

قال الشنقيطي في «أضواء البيان» (4 / 297 ): وَالتَّطْهِيرُ هُنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ   يَشْمَلُ التَّطْهِيرَ الْمَعْنَوِيَّ وَالْحِسِّيَّ.

 فَيُطَهِّرُهُ الطَّهَارَةَ الْحِسِّيَّةَ مِنَ الْأَقْذَارِ.

 وَالْمَعْنَوِيَّةَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي؛ وَلِذَا قَالَ: ﴿ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا.

 وَكَانَتْ قَبِيلَةُ جُرْهُمَ تَضَعُ عِنْدَهُ الْأَصْنَامَ تَعْبُدُهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ. اهـ.

استفدنا أن تطهير البيت يشمل:

·      التطهير المعنوي، أي: تطهير القلب من العقائد الشركية والبدعية، ومن سائر الأمراض المعنوية، فينبغي لمن كان عند البيت أن يكون طاهر القلب وعلى عقيدة صحيحة، كما أنه يشمل طهارة الجوارح من المعاصي، فيغض بصره، ولا يؤذي الطائفين ويزاحمهم، ولا يسب أحدًا..

·       ويشمل الطهارة الحسية: من النجاسات والأقذار.

وللشيخ ابن باز رحمه الله كلام جميل على تفسير تطهير البيت في «مجموع الفتاوى»(3/ 384) يقول: وتطهيره يكون بإبعاد ما لا خير فيه للطائفين والمقيمين وجميع ما يؤذيهم من أعمال أو أقوال أو نجاسة أو قذر وغير ذلك، يجب تطهير بيته للطائفين والراكعين والقائمين والركع السجود، فيكون ما حول البيت كله مطهَّرا، ليس فيه أذى للعاكف ولا للطائف ولا المصلي، يجب أن ينزه من كل ما يؤذي المصلين ويشق عليهم، أو يحول بينهم وبين عبادة ربهم جل وعلا.

 وقال (16/ 164): وتطهيره يكون بتنزيهه من الشرك بالله والبدع المضلة، وألا يكون حوله إلا توحيد الله والإخلاص له، وما شرع من العبادة.

فالواجب على حماة هذا البيت والقائمين عليه، أن يطهروا هذا البيت من الشرك والبدع والمعاصي، حتى يكون كما شرع الله بيتا مقدَّسا مطهرا من كل ما حرمه الله. اهـ.

وهكذا سائر المساجد يجب أن تصان وأن يُعتنى بتنظيفها، قال الله تعالى: ﴿  فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)﴾[النور].

(40) الأحاديث والآثار التي علق عليها والدي الشيخ مقبل رحمه الله

 

                        توجيه حديث: <والْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ>

 

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَخِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمَّنَا مُلَيْكَةَ كَانَتْ تَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَفْعَلُ، وَتَفْعَلُ هَلَكَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا؟ قَالَ: « لَا» قَالَ: قُلْنَا: فَإِنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا؟ قَالَ: « الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ، إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ الْإِسْلَامَ، فَيَعْفُوَ اللهُ عَنْهَا» رواه أحمد (25/ 268).

وذكره والدي الشيخ مقبل رحمه الله في الجامع الصحيح (4389).

عرضت على والدي ما ذُكِرَ في توجيه هذا الحديث -كما في «فيض القدير» (6/ 370) للمناوي-: أراد بها هنا المفعولة لها ذلك، وهي أم الطفل؛ لقوله: «في النار». ولو أريد البنت المدفونة لما اتضح ذلك.

فعلَّق عليه رَحِمَهُ الله، وأضاف قائلًا: أو محمول على البالغة الكافرة، تدفن وهي حية.

 

(21) من أحكام المساجد

 

                              رفعة المساجد

قال تَعَالَى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38)﴾[النور].

 

قوله: ﴿ أَنْ تُرْفَعَ ﴾ فيه قولان:

 قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: (أَي: أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِتَعَاهُدِهَا وَتَطهِيرِهَا مِنَ الدَّنَسِ وَاللَّغوِ وَالأَقوَالِ وَالأَفعَالِ الَّتِي لَا تَلِيقُ فِيهَا).

وهذا رفع معنوي.

والقول الثاني: ﴿ تُرْفَعَ  أي: تبني.

 وهذا تفسير حسي، وفيه الحث على بناء المساجد.

 والآية تشمل هذا كله، وهذا صنيع الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ، فقد ذكر أحاديث تحت هذه الآية في أحكام المساجد، ثم ختم ذلك وقال: (فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ مَا تَرَكْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ مُحَاذَرَةَ الطُّولِ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾).

وقال السعدي رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(569): ﴿أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها، بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله.

 

وقول الإمام السعدي: وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر.

هذا على قول: إن الكافر يُمنع من دخول المسجد

والصحيح دخول المشرك المسجد؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ... الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وهذا الرجل الذي جاءت به الخيل هو ثمامة بن أُثال، قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح صحيح مسلم»( 1764): أُثَالٌ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ وَهُوَ مَصْرُوفٌ.

فهذا الحديث: يفيد جواز دخول الكافر المسجد.

 ويدل لذلك أيضًا حديث عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ الحديث وفيه: فَقَالَ الرجل: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» الحديث. رواه البخاري (63). وقد كان هذا الرجل كافرًا قبل أن يسلم.

والممنوع من دخول المشرك المسجد الحرام خاصة، قال الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 28].

وقد ذهب إلى هذا الإمام الشافعي وجماعة من أهل العلم.

 

 

الاثنين، 30 ديسمبر 2024

(20) من أحكام المساجد

 

                           عمارة المساجد

 

قال تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)﴾[التوبه:18].

 

فيه الحث على عِمَارة المساجد، والثناء على عُمَّار بيوت الله.

 

وعمارة المساجد على قسمين كما قال السعدي رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(569):

عمارة بنيان، وصيانة لها.

 وعمارة بذكر اسم الله، من الصلاة وغيرها، وهذا أشرف القسمين؛ ولهذا شُرعت الصلوات الخمس والجمعة في المساجد، وجوبًا عند أكثر العلماء، أو استحبابا عند آخرين. ثم مدح تعالى عمَّارها بالعبادة فقال: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ﴾ إخلاصا ﴿بِالْغُدُوِّ﴾ أول النهار ﴿وَالآصَالِ﴾ آخره. اهـ.

عمارة المساجد بذكر الله وبالصلاة هذا أشرف وأفضل من عمارتها بالبنيان، فتنبَّهُوا!

مع ما ثبت بالتواتر في فضل في بناء المساجد، ولو كان صغيرًا، كحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أَوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» رواه ابن ماجه(738)، وهو في «الصحيح المسند» (224) لوالدي رَحِمَهُ الله.

(81) اللغة العربية

 

        من مسوغات مجيء المبتدأ نكرة

قوله تَعَالَى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (24)[القيامة].

﴿وجوه   مبتدأ، و ﴿ناضرة﴾ خبر.

 وسوَّغ مجيء المبتدأ نكرة كون الموضع موضع تفصيل.

نظير قوله تَعَالَى: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾، وما أشبه ذلك مما فيه التقسيم.

ويجوز أن يكون ﴿ناضرة﴾ نعت، والخبر ما بعدها ﴿ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ﴾، و ﴿يومئذ﴾ ظرف متعلق بـ «ناضرة».

 وهنا يجوز أن يكون المسوغ كون الموضع موضع تفصيل، أو نعت النكرة بقوله تَعَالَى: ﴿ناضرة﴾.

قال الشوكاني في «فتح القدير»(5/407): وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَقَامُ مَقَامُ تَفْصِيلٍ لَكَانَ وَصْفُ النَّكِرَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿ناضِرَةٌ﴾  مُسَوِّغًا لِلِابْتِدَاءِ بِهَا، وَلَكِنْ مَقَامُ التَّفْصِيلِ بِمَجَرَّدِهِ مُسَوِّغٌ لِلِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ.

ويراجع « البحر المحيط في التفسير »(10/350) لأبي حيان الأندلسي.