جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 31 ديسمبر 2024

(21) من أحكام المساجد

 

                              رفعة المساجد

قال تَعَالَى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38)﴾[النور].

 

قوله: ﴿ أَنْ تُرْفَعَ ﴾ فيه قولان:

 قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: (أَي: أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِتَعَاهُدِهَا وَتَطهِيرِهَا مِنَ الدَّنَسِ وَاللَّغوِ وَالأَقوَالِ وَالأَفعَالِ الَّتِي لَا تَلِيقُ فِيهَا).

وهذا رفع معنوي.

والقول الثاني: ﴿ تُرْفَعَ  أي: تبني.

 وهذا تفسير حسي، وفيه الحث على بناء المساجد.

 والآية تشمل هذا كله، وهذا صنيع الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ، فقد ذكر أحاديث تحت هذه الآية في أحكام المساجد، ثم ختم ذلك وقال: (فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ مَا تَرَكْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ مُحَاذَرَةَ الطُّولِ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾).

وقال السعدي رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(569): ﴿أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها، بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله.

 

وقول الإمام السعدي: وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر.

هذا على قول: إن الكافر يُمنع من دخول المسجد

والصحيح دخول المشرك المسجد؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ... الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وهذا الرجل الذي جاءت به الخيل هو ثمامة بن أُثال، قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح صحيح مسلم»( 1764): أُثَالٌ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ وَهُوَ مَصْرُوفٌ.

فهذا الحديث: يفيد جواز دخول الكافر المسجد.

 ويدل لذلك أيضًا حديث عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ الحديث وفيه: فَقَالَ الرجل: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» الحديث. رواه البخاري (63). وقد كان هذا الرجل كافرًا قبل أن يسلم.

والممنوع من دخول المشرك المسجد الحرام خاصة، قال الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 28].

وقد ذهب إلى هذا الإمام الشافعي وجماعة من أهل العلم.