[سورة المؤمنون (23) : الآيات 112 إلى 116]
﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ قال ابن كثير: أَيْ: كَمْ كَانَتْ إِقَامَتُكُمْ فِي الدُّنْيَا؟
﴿ فَسْئَلِ الْعادِّينَ﴾ قال ابن كثير: أَيِ: الْحَاسِبِينَ.
﴿قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ قال ابن كثير: أَيْ: مُدَّةً يَسِيرَةً عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. اهـ. (على كُلِّ تَقْدِيرٍ) أي: تعمر أو لم يتعمر، ما هي إلا مدة يسيرة ستنتهي في الأخير.
﴿لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ قال ابن كثير: أَيْ لَمَا آثَرْتُمُ الْفَانِيَ عَلَى الْبَاقِي وَلَمَا تَصَرَّفْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ هَذَا التَّصَرُّفَ السَّيِّئَ، وَلَا اسْتَحْقَقْتُمْ مِنَ اللَّهِ سُخْطَهُ في تلك المدة اليسيرة، فلو أَنَّكُمْ صَبَرْتُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ كَمَا فَعَلَ الْمُؤْمِنُونَ لَفُزْتُمْ كَمَا فَازُوا.
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثًا﴾ قال ابن كثير: أَيْ: أَفَظَنَنْتُمْ أَنَّكُمْ مَخْلُوقُونَ عَبَثًا بِلَا قَصْدٍ وَلَا إِرَادَةٍ مِنْكُمْ ولا حكمة لنا، وقيل: للعبث، أي لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب، وإنما خلقناكم للعبادة وإقامة أوامر الله.
﴿وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ﴾ قال ابن كثير: أَيْ لَا تَعُودُونَ في الدار الآخرة.
﴿فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ قال ابن كثير: أَيْ تَقَدَّسَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا عَبَثًا، فَإِنَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
﴿لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ قال ابن كثير: فَذَكَرَ الْعَرْشَ؛ لِأَنَّهُ سَقْفُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ كَرِيمٌ أَيْ حَسَنُ الْمَنْظَرِ بَهِيُّ الشَّكْلِ.
الفوائد:
· نستفيد التحذير من التفريط في الأعمار، فإن الحياة الدنيا قصيرة، وفي هذا الآية يُسألون عن المدة التي مكثوها في الدنيا، فما كانت شيئًا، وكما قال سبحانه: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)﴾[يونس:45 ] وغير ذلك من الأدلة.
قال ابن القيم في «الجواب الكافي » ( 105 / 1): فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الدُّنْيَا عِنْدَ مُوَافَاةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَمَّا عَلِمُوا قِلَّةَ لُبْثِهِمْ فِيهَا، وَأَنَّ لَهُمْ دَارًا غَيْرَ هَذِهِ الدَّارِ، هِيَ دَارُ الْحَيَوَانِ وَدَارُ الْبَقَاءِ - رَأَوْا مِنْ أَعْظَمِ الْغَبْنِ بَيْعَ دَارِ الْبَقَاءِ بِدَارِ الْفَنَاءِ، فَاتَّجَرُوا تِجَارَةَ الْأَكْيَاسِ، وَلَمْ يَغْتَرُّوا بِتِجَارَةِ السُّفَهَاءِ مِنَ النَّاسِ، فَظَهَرَ لَهُمْ يَوْمَ التَّغَابُنِ رِبْحُ تِجَارَتِهِمْ وَمِقْدَارُ مَا اشْتَرَوْهُ، وَكُلُّ أَحَدٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بَائِعٌ مُشْتَرٍ مُتَّجِرٌ، وَكُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مَوْبِقُهَا.
· التزهيد في الدنيا، وأنها أيام قليلة. وَهذا كما قال ابن القيم في « الفوائد»(96): يَكْفِي فِي الزهد فِي الدُّنْيَا.
· أن الله خلقنا لأمر عظيم ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾[الذاريات:56 ] فلم يخلقنا عبثًا، ولم يتركنا هملًا، فمخلوقات الله كلها لها لحكمة ، قد نعرفها وقد نجهلها.
[سورة المؤمنون (23) : الآيات 117 إلى 118]
﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لَا بُرْهانَ لَهُ بِهِ﴾ قال ابن كثير: يَقُولُ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا مَنْ أَشْرَكَ بِهِ غَيْرَهُ وَعَبَدَ مَعَهُ سِوَاهُ، وَمُخْبِرًا أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ لَا بُرْهَانَ لَهُ، أَيْ: لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى قَوْلِهِ.
﴿فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ قال ابن كثير: أَيِ: اللَّهُ يُحَاسِبُهُ عَلَى ذَلِكَ.
﴿لَا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ﴾ قال ابن كثير: أَيْ: لَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا فَلَاحَ لَهُمْ وَلَا نَجَاةَ.
﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ قال ابن كثير: هذا إرشاد من الله تعالى إلى هذا الدعاء، فالغفر إذا أطلق معناه مَحْوُ الذَّنْبِ وَسَتْرُهُ عَنِ النَّاسِ، وَالرَّحْمَةُ مَعْنَاهَا أَنْ يُسَدِّدَهُ وَيُوَفِّقَهُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ. اهـ. مع إثبات صفة الرحمة؛ لأن هذا التفسير ظاهره التفسير باللازم، فنحن نثبت صفة الرحمة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ونثبت ما دلت عليه من الأثر.
وهذا الدعاء عظيم، فمن غفر الله له ذنوبه ورحمه كان من أهل السعادة ، ومن الفائزين بالجنة.