24-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا؟ قَالَ: «لَا» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
الخمر: ما خامر العقل، أي: غطاه.
ولا يدخل فيه البنج؛ لأنه ليس بلذة ونشوة وطرب.
وقد كان الخمر في الإسلام على عدة مراحل:
الأول: الإباحة، قال الله تَعَالَى: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: 67].
الثاني: ذِكْر مساوئها وأنها أكثر من منافعها، قال تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219].
الثالث: عدم شربها وقت الصلاة، قال تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: 43].
المرحلة الرابعة: تحريم شرب الخمر مطلقًا، قال تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)﴾ [المائدة: 90-91].
متى كان تحريم الخمر؟
كان تحريم الخمر السنة الثالثة بعد غزوة أحد.
«تُتَّخَذُ خَلًّا» أي: تعالَج الخمر حتى تتحول إلى خل.
فنستفيد من الحديث:
· تحريم شرب الخمر، سواء كان من الحبوب أو الثمار، ومنه ما يسمى بالحشيشة هذه من المخدرات، والكحول.
· وفيه أن الخمر إذا عولجت فتحولت خلًّا لا يجوز شربها.
· ومن مفهوم الحديث يستفاد: أن الخمر إذا تخللت من نفسها جاز شربها.
وعلامة تحول الشراب إلى خمر: أنها إذا وصلت إلى حد معين بدأت تطيش وترتفع، ويكون لها زبد حتى ربما يكون نصف الإناء، يكون إلى قرب ملء الإناء. هذا هو علامة الخمر.
والصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم كان هذا من أشربتهم، ولكن لما نزل تحريم الخمر وكان في آنيتهم، أهراقوها؛ امتثالًا لأمر الله ورسوله.
روى البخاري (2464)، ومسلم (1980) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلاَ إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ [المائدة: 93] الآيَةَ.
هل الخمر نجس؟
فيه قولان:
أحدهما: قول الجمهور، وحُكِي الإجماع ولا يصح أن الخمر نجسة.
واستدلوا بقوله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ﴾ـ وفسَّروا الرجس بالنجس.
والقول الثاني: أنها ليست نجسة وهو الصحيح؛ إذ لا تلازم بين التحريم والنجاسة، فكل نجس محرم ولا عكس.
ونستدل على عدم نجاسة الخمر أن الأصل الطهارة، فلا ننتقل عن هذا الأصل إلا بدليل، وإهراقها في طرق المدينة؛ إذ لو كانت نجسة ما أهريقت في طرق الناس، والجواب عن الآية أن الرجس بمعنى القَذَر.
25-وَعَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَلْحَةَ، فَنَادَى: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ؛ فَإِنَّهَا رِجْسٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْهُ) أي: عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
يوم خيبر كان في السنة السابعة من الهجرة.
أبو طلحة زيد بن سهل.
«إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ» أتى بضمير التثنية، وهذا يدل على جواز ذلك، أما ما جاء من النهي في الحديث الذي رواه مسلم (870) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بِئْسَ الخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوِيَ».
هذا الحديث الجواب عنه: أن الخطبة مقام بسط وتوضيح بخلاف التعليم، فضمير التثنية في مقام التعليم لا بأس به، فلا تعارض بين الأدلة.
«لُحُومِ الْحُمُرِ» بضمر الميم جمع حمار، أما حُمْر بسكون الميم فجمع أحمر.
والنَّعم: الإبل. أي: حُمْر الإبل، وقد كانت أنفس أموال العرب وأعلاها.
الأهلية ويقال: الإنسية، وهي الأليفة التي تعيش بين الناس.
أما الحمر الوحشية: وهي التي تعيش في الصحاري والبراري فيجوز أكلها، والدليل عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ، أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» متفق عليه البخاري (1825)، ومسلم (1193).
«إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» المحْرِمُ لا يجوز له أن يأكل من صيد البر إذا صيد له أو أشار إلى صيده، حتى ولو إشارة.
من فوائد هذا الحديث:
· تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية، وكان تحريمها في غزوة خيبر، ولم يبح أكلها بعد ذلك.
· تقييد الحمر بالأهلية أخرج الحمر الوحشية فإنه يجوز أكلها.
أما البغال وهي التي تكون الأم فرس والأب حمار. يعني: ينزو الحمار الأهلي على فرس فتحمِل، هذا الحمل يكون بغلة، ولا يجوز أكله؛ لأنها متولدة من حرام وحلال.
أما إذا نزا حمار وحشي على فرس فيكون حلالًا؛ لأن الحمار الوحشي حلال والفرس لحمه أيضًا حلال، كما ثبت عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلْنَاهُ» رواه البخاري (5519)، ومسلم (1942).
· استدل بالحديث من قال: الحمر الأهلية نجسة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهَا رِجْسٌ».
والصحيح أنها طاهرة؛ لأن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة كانوا يركبون على الحمير فيصيبهم عرقها ورطوبتها وما كانوا يتحرزون منها، فدل هذا على طهارتها، الممنوع أكلها.
26-وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى كَتِفَيَّ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
الحديث فيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف. ولكن له شاهد عند ابن ماجه من طريق سعيد بن أبي سعيد الساحلي عن أنس، والساحلي ضعيف، وجاء عن ابن عمر وسند الأثر صحيح.
«بِمِنًى» منى مشعر من المشاعر، سميت بذلك لكثرة ما يُمنى فيها من الدماء.
«وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ» الراحلة مِنْ الْإِبِلِ: الصَّالِحَةُ لَأَنْ تَرْحَلَ.
«وَلُعَابُهَا» لعاب: ما سالَ من الفَمِ.
« كَتِفَيَّ» الكتف: عظم عريض خلف المنكب.
من فوائد هذا الحديث:
· بيان أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس عند المناسبات.
· وفيه طهارة لعاب ما يؤكل لحمه، وعلى هذا الإجماع.