الولد المخلد
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم (1631).
في هذا الحديث: حث ابن آدم على الحرص أن يعمل في حياته ما يبقى له بعد وفاته.
ومنه الولد المخلد، وهو: أن يصنف كتابًا يبقى بعد وفاتِه، هذا يخلد ذكْر صاحبه، ويستمر له أجره، فلا ينقطع بوفاتِهِ.
................ قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أحياءُ
وقد جاء ذِكْر الخُلد -وهو يدل على البقاء والدوام- في أكثر من آية، منها:
-قوله تَعَالَى: ﴿ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى
الأَرْضِ﴾.
وقوله عز وجل: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ
مُخَلَّدُونَ﴾، وفي معنى مخلدون تفسيران:
أحدهما: أنهم خلقوا للبقاء، فلا يتغيرون ولا يكبرون.
الثاني: المقرَّطون في آذانهم والمسورون في أيديهم.
الأقرطة حلية الأذان، وحلية الأيدي الأسورة.
الحافظ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في « الأمثال» يقول عن القول الثاني: (وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ فَسَّرُوا اللَّفْظَ بِبَعْضِ لَوَازِمِهِ، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّخْلِيدِ عَلَى ذَلِكَ السِّنِّ، فَلَا يُنَافِي الْقَوْلَيْنِ).
-وقوله عز وجل: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)﴾ [الهمزة: 1-3].
أي: يظن أنه يبقى ولا يموت بسبب ماله.
-والمخلد من الرجال، قال أبو عبيدة في «مجاز القرآن»(1/233): هُوَ الَّذِي يبْطِئُ شيبه، وَمِنْ الدَّوَابِّ: الَّذِي تَبْقَى ثَنَايَاهُ إلَى أَنْ تَخْرُجَ رَبَاعِيَّتُهُ
إذًا المخلد من الرجال هو الذي يبطئ شيبه، ومعناه: أنه طويل العمر، مع عدم تغيره، وعدم شيب شعره.
قال الفراء في «معاني القرآن»(399): ويُقال للرجل إِذَا بقي سواد رأسه ولحيته: إِنّه مُخلد، وَإِذَا لَمْ تسقط أسنانه قيل: إنه لَمخلد.
وقال ابن عطية في «تفسيره»(2/478): والمخلد الذي يثبت شبابه فلا يغشاه الشيب، ومنه الخلد.