جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 31 يناير 2023

(54) العلم وفضلُه

 

                                  الولد المخلد

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم (1631).

 

في هذا الحديث: حث ابن آدم على الحرص أن يعمل في حياته ما يبقى له بعد وفاته.

ومنه الولد المخلد، وهو: أن يصنف كتابًا يبقى بعد وفاتِه، هذا يخلد ذكْر صاحبه، ويستمر له أجره، فلا ينقطع بوفاتِهِ.

قال ابن الجوزي رَحِمَهُ الله في «صيد الخاطر»(34): فإذا علم الإنسان -وإن بالغ في الجد- بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته، فإن كان له شيء من الدنيا، وقف وقفًا، وغرس غرسًا، وأجرى نهرًا، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده، فيكون الأجر له، أو أن يصنف كتابًا في العلم؛ فإن تصنيف العالم ولده المخلد، وأن يكون عاملًا بالخير، عالمًا فيه، فينقل من فعله ما يقتدي الغير به؛ فذلك الذي لم يمت.

................ قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أحياءُ

 

وقد جاء ذِكْر الخُلد -وهو يدل على البقاء والدوام- في أكثر من آية، منها:

-قوله تَعَالَى: ﴿ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ﴾.
وقوله عز وجل: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾، وفي معنى مخلدون تفسيران:

أحدهما: أنهم خلقوا للبقاء، فلا يتغيرون ولا يكبرون.

الثاني: المقرَّطون في آذانهم والمسورون في أيديهم.

الأقرطة حلية الأذان، وحلية الأيدي الأسورة.

الحافظ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في « الأمثال» يقول عن القول الثاني: (وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ فَسَّرُوا اللَّفْظَ بِبَعْضِ لَوَازِمِهِ، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّخْلِيدِ عَلَى ذَلِكَ السِّنِّ، فَلَا يُنَافِي الْقَوْلَيْنِ).

قوله عز وجل: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)﴾ [الهمزة: 1-3].

 أي: يظن أنه يبقى ولا يموت بسبب ماله.

-والمخلد من الرجال، قال أبو عبيدة في «مجاز القرآن»(1/233): هُوَ الَّذِي يبْطِئُ شيبه، وَمِنْ الدَّوَابِّ: الَّذِي تَبْقَى ثَنَايَاهُ إلَى أَنْ تَخْرُجَ رَبَاعِيَّتُهُ

إذًا المخلد من الرجال هو الذي يبطئ شيبه، ومعناه: أنه طويل العمر، مع عدم تغيره، وعدم شيب شعره.

قال الفراء في «معاني القرآن»(399): ويُقال للرجل إِذَا بقي سواد رأسه ولحيته: إِنّه مُخلد، وَإِذَا لَمْ تسقط أسنانه قيل: إنه لَمخلد.

وقال ابن عطية في «تفسيره»(2/478): والمخلد الذي يثبت شبابه فلا يغشاه الشيب، ومنه الخلد.