جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 29 ديسمبر 2022

(48) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 

هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَحرُمُ عَلَيهِ أَكلُ البَصَلِ وَالثُّومِ وَالكُرَّاثِ أَو يُكرَهُ؟

عد بعضهم هذا من الخصائص، ودليل هذا حديث جابر أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «كُل، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن  لا تُنَاجِي» رواه البخاري (855ومسلم (564).

وقد رجح الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أن أكل البصل والثوم وكذا ما له رائحه كريهة ليس بحرام على النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، ولكنه كان مكروهًا في حقه، واستدل لذلك بحديث أبي أيوب وفي آخره: «أَحَرَامٌ هُو؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنِّي أَكرَهُهُ» فَقَالَ: إِنِّي أَكَرُهُ مَا كَرِهتَ».

ودليل الجواز حديث جابر، وحديث أبي أيوب، كذلك عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في «صحيح مسلم»(567وفيه قال: أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا.

 

وليس مكروهًا في حقِّنا أكل الثوم والبصل؛ لقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُل، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن  لا تُنَاجِي».

أما ما جاء عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وشريك بن حنبل في تحريم الثوم النيء، رواه أبو داود (3828والترمذي (1809)، فهذا أعله أبو حاتم كما في «العلل»(4/366).

 

والممنوع دخول المسجد لمن أكل ذلك نيئًا وكذا مجالس الناس، كما ثبت عن أنس بن مالك قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلا يَقْرَبْنَا-أَوْ: لا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا رواه البخاري (856ومسلم (562).

 وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، الحديث وفيه قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا» رواه مسلم (565).

أما بالنسبة لنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكما تقدم أن حديث أبي أيوب دليل على أنه ليس بحرام عليه، ولكن كان يكره أكله جِبِلَّةً، كما في رواية: «أَحَرَامٌ هُو؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنِّي أَكرَهُهُ» وأيضًا لأن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان يأتيه جبريل بالوحي كما في الرواية هنا: «كُل، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن لَّا تُنَاجِي»

قال الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم»(14/9): وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ الثُّومَ دَائِمًا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ مَجِيءَ الْمَلَائِكَةِ وَالْوَحْيِ كُلَّ سَاعَةٍ. اهـ.

وهذا دأب النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الابتعاد والتنزه عن أكل ما له رائحة كريهة.

ولهذا لما كَانَ النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، قَالَتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَتَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ»، فَنَزَلَ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ [التحريم: 1] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تَتُوبَا [التحريم: 4] لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا [التحريم: 3لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا». رواه البخاري (5268ومسلم (1474) واللفظ له.

 وهذا من حسن أخلاق النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مع أهله وليْنِهِ معهم، امتنع عن شراب العسل وحلف ألَّا يعود لشراب العسل؛ إرضاءً لأهله، كما قال ربنا عَزَّ وَجَل: ﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ [التحريم: 1]. والمغافير: مادة كالصمغ لها رائحة كريهة، والنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لم يشرب مغافير، ولكنه شرب عسلًا، لكن هذا من حِيل النساء ومكرِهِنَّ؛ بسبب جبلة الغيرة، فتواطأت عائشة وحفصة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا على قول: «إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ ».

 قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح صحيح مسلم»(10/76): وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ تُوجَدَ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ. اهـ.

ولحرص النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ على طيب رائحته ورائحة فمه، كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك، وإذا استيقظ من النوم بدأ بالسواك، فالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان حريصًا على السواك؛ لتطهيره الفم ونظافته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 قَد يَترُكُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعضَ الأَكلِ لِأَنَّهُ يَعَافُهُ جِبِلَّةً

من الأشياء التي كره أكلها النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الضب، لا أنه محرم عليه.

روى البخاري (5400)، ومسلم (1945) عَنْ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ضَبٌّ، فَأَمْسَكَ يَدَهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: «لا، وَلَكِنَّهُ لاَ يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ.

«أَعَافُهُ» يعافه جبلة، وهذا دليل على جواز أكل الضب، وكما قال عبد الله بن عباس: «فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رواه البخاري (2575ومسلم (1947).

وفي رواية «لَستُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ تحريم أَكلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا؟

عد بعضهم من الخصائص أنه يحرم عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأكل متكئًا؛ لما رواه البُخَارِيُّ عَن أَبِي جُحَيفَةَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا»، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الحديث فيه إخبار عن سنة تركية من فعل النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وليس فيه النهي، فيكره ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ولغيره، وليس هناك خصوصية.

أما معنى الاتكاء: فمنهم من فسر الاتكاء بالاضطجاع، ومنهم من فسره بالتربع كما فسره الخطابي رَحِمَهُ اللهُ وغيره من أهل اللغة، ومنهم من قال: المراد الِاتِّكَاءُ عَلَى إِحْدَى يَدَيْهِ وَأَكْلُهُ بِالْأُخْرَى، قال ابن القيم في «زاد المعاد»: وَالثَّلَاثُ مَذْمُومَةٌ.

والصحيح أن الاتكاء المذكور في حديث أبي جحيفة المراد به: الميل على أحد الجانبين، نفس الاتكاء الذي في حديث أبي بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ»، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى قُلْتُ: لا يَسْكُتُ. رواه البخاري (5976ومسلم (87فهذا الحديث يفسر المراد بالاتكاء الذي لا يأكل النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وهو يفعله، وقد ذهب إلى هذا جماعة من أهل العلم، ورجحه الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ وذكر نحو ما تقدم، وهو قول الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُم اللهُ، وقد ذُكِر مصادر أقوالهم في أصل هذا المختصر، وبالله التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ نُهِيَ عَن طَعَامِ الفَجأَةِ؟

طعام الفجأة، ويقال: الفُجَاءَة، قال ابن القيم في «مدارج السالكين»(1/138) عن طعام الفجاءة: وَذَوْقِ طَعَامِ الْفُجَاءَةِ، وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي تَفَجَّأَ آكِلُهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْعُوَكَ إِلَيْهِ. اهـ.

فهذا معنى طعام الفجاءة، كأن يمر شخص بأناس يأكلون فيدعونه؛ ليأكل، أو يأتي إلى شخص لأمرٍ ما فيأتيه بطعام جاهزٍ؛ ليأكل.

قال البيهقي في «السنن»(7/108): وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ بِنَفْيِ التَّخْصِيصِ الَّذِي تَوَهَّمَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي طَعَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.

 ثم أخرج حديث جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-وقد بوب عليه أبو داود في «سننه» (بَابٌ فِي طَعَامِ الْفُجَاءَةِ)(3762)-، أَنَّهُ قَالَ: «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِعْبٍ مِنَ الْجَبَلِ وَقَدْ قَضَى حَاجَتَهُ، وَبَيْنَ أَيْدِينَا تَمْرٌ عَلَى تُرْسٍ أَوْ حَجَفَةٍ، فَدَعَوْنَاهُ، فَأَكَلَ مَعَنَا وَمَا مَسَّ مَاءً».

والحديث سنده ضعيف؛ فيه أبو الزبير مدلس وقد عنعن.

 قال الخطابي رَحِمَهُ اللهُ في «معالم السنن»(4/242) عن حديث جابر: دلالةُ هذا أن طعام الفجأة غير مكروه، إذا كان الآكل يعلم أن صاحب الطعام قد تسره مساعدته إياه على أكله، ومعلوم أن القوم كانوا يفرحون بمساعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم ويتبركون بمؤاكلته، وإنما جاءت الكراهة في طعام الفجأة إذا كان لا يؤمن أن يشق ذلك صاحب الطعام ويشق عليه، ولعله إنما يعرض طعامه إذا فجأه الداخل عليه؛ استحياء منه لا إيجابًا له، والله أعلم. اهـ.

أي: ليس بطيبة نفس، مع أن الحديث في النهي عن طعام الفجاءة سنده ضعيف، ولكن إذا شعر من نفسه أنهم يكرهون أن يأكل معهم فلا يأكل.

ومما يدل على جواز طعام الفجأة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ الأَشْعَثُ وَهْوَ يَطْعَمُ فَقَالَ: اليَوْمُ عَاشُورَاءُ؟ فَقَالَ: «كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ فَادْنُ فَكُلْ» رواه البخاري (4503ومسلم (1127).

قال البيهقي في «السنن»(7/109): وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْفِي التَّخْصِيصَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

فطعام الفجاءة جائز للشخص أن يأكل منه، ولكن إن شعر أنهم لا يرغبون أن يأكل معهم فيترك ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا طَلَبَ مِن أَحَدٍ طَعَامًا لَيسَ عِندَهُ غَيرُهُ أَن يُبذِلَهُ لَهُ

هذا من الخصائص أنه يجب على من طلب منه النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ طعامًا ليس عنده إلا ذلك الطعام، فعليه أن يبذله للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ؛ صيانة لمهجة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أي: لقلبِه، المهجة: القلب.

والدليل قوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) [الأحزاب: 6]. الآية تشمل هذا المعنى، ولما فِي «الصَّحِيحَينِ»: «لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَن يَحمِي أَرضًا خَاصَّةً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

هذا عده بعضهم من الخصائص أن يجعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له حِمى، أي: مكانًا خاصًّا به، لما رواه البُخَارِيُّ عَنِ الصَّعبِ بنِ جَثَّامَةَ مَرفُوعًا: «لَا حِمَى إِلَّا لِلهِ وَرَسُولِهِ».

ولا يدل هذا على الخصوصية، فيجوز لغير النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أن يخصص لنفسه حمى لمصلحة، كما فعل عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اتخذ حمى الربذة لنَعَم الصدقة.

وهذا رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه»(5/6): عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ: حَمَى الرَّبَذَةَ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ، والأثر صحيح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ يَقبَلُ الهَدَايَا لِانتِفَاءِ التُّهمَةِ بِخِلِافِ غَيرِهِ مِنَ الأُمَرَاءِ

من الخصائص أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل الهدية لِانتِفَاءِ التُّهمَةِ وهي عدم القضاء بالعدل؛ لأنه قد يميل إلى الذي أهدى له ولو بالباطل، بخلاف غيره من الأمراء.

وقد ورد حديث: «أَنَّ هَدَايَا العُمَّالِ غُلُولٌ» رواه الإمام أحمد (39/14) عن أبي حميد الساعدي، وفيه إسماعيل بن عياش ضعيف إذا روى عن غير الشاميين، وقد روى هنا عن غير شامي. و ينظر تحقيق «مسند أحمد».

 وفي «صحيح البخاري»(6636) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا، فَجَاءَهُ العَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَالَ لَهُ: «أَفَلاَ قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لاَ؟» ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ العَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ، فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لا» الحديث. يعني: ما أعطي إلا لأنه في القضاء، فلو أنه ليس له منصب ما أُعطي، والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُعطِي عَطَاءً وَهُوَ يُرِيدُ المُكَافَئَةَ بِأَكثَرَ؟

عد بعضهم هذا من الخصائص، وهذا ليس فيه خصوصية الدليل عام ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾. هذا دليل على أن الأولى أنه يعطي من غير طلب المكافأة أو أكثر من ذلك.

ومعنى الآية كما قال السعدي في «تفسيره» (642): أي: ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك أن يربو أي: يزيد في أموالكم، بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها، فهذا العمل لا يربو أجره عند الله؛ لكونه معدوم الشرط الذي هو الإخلاص، ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس، فهذا كله لا يربو عند الله. اهـ.

فهذا لا يكون فيه أجر، إذا كان المقصد المكافأة على الهدية؛ لأنه ليس فيه شرط الإخلاص.

وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾ قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «إعلام الموقعين» (3/136): قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: لَا تُعْطِ عَطَاءً تَطْلُبُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ تُهْدِيَ؛ لِيُهْدَى إلَيْك أَكْثَرُ مِنْ هَدِيَّتِك. اهـ المراد.

فالذي ينبغي أن يعطي العطاء لوجه الله ولا يريد منه جزاء ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) [الإنسان: 9].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 مِن خَصَائِصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَسَائِرُ الأَنبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُم لَا يُورَثُونَ

هذا من خصائصه هو وسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. الشيعة يقولون: يورث النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وأن أبا بكر ظلم فاطمة، ومنعها إرث أبيها، وحرَّفوا هذه الرواية، وقالوا: «مَا تَرَكنَا صَدَقَةً» بالنصب على أن «صدقة» مفعول به، و«ما» نافية، أي: ما تركنا شيئًا من الصدقة، والرواية «مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ» بالرفع، «ما» اسم موصول، «صدقة» خبر، و«تركنا» صلة الموصول، والعائد محذوف، ولقد أحسن الحافظ ابن كثير إذ يقول: وَلَا التِفَاتَ إِلَى خُرَافَاتِ الشِّيعَةِ وَالرَّافِضَةِ؛ فَإِنَّ جَهلَهُم قَد سَارَت بِهِ الرُّكبَانُ.